تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله : المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...

اشارة

سرشناسه : فاضل موحدی لنکرانی، محمد، - 1310

عنوان و نام پديدآور : تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله : المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و.../ تالیف محمد الفاضل اللنکرانی؛ تحقیق مرکز فقه الائمه الاطهار علیهم السلام

مشخصات نشر : قم: مرکز فقه الائمه الاطهار علیهم السلام، 1421ق. = 1379.

مشخصات ظاهری : ص 535

شابک : 964-92309-3-915000ریال

يادداشت : ص. ع. لاتینی شده:...Muhammad Al -Fadil AL-Lankarani. Tafsil-ushari'ah fi Sharh-I Tahrir-I L-wasilah: Kitab-Ut-Talaqi Wal-Mawarith.

يادداشت : عنوان دیگر: تفضیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله (الطلاق و المواریث).

یادداشت : کتابنامه: ص. 519 - 509؛ همچنین به صورت زیرنویس

عنوان دیگر : تفضیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله (الطلاق و المواریث).

عنوان دیگر : تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله (الطلاق و المواریث)

عنوان دیگر : تحریر الوسیله. برگزیده. شرح

موضوع : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله. برگزیده. شرح

شناسه افزوده : مرکز فقهی ائمه اطهار(ع)

رده بندی کنگره : BP183/9/خ8ت7023722 1379

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 80-4787

(شكر و تقدير)

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

ها هو مركز فقه الأئمة الأطهار عليهم السّلام و هو يواصل نشاطه العلمي و التعليمي، يتحف المكتبة الإسلامية و الحوزات العلمية بإصدار جديد من مؤلّفات المرجع الديني الكبير سماحة آية اللّه العظمى الشيخ محمد الفاضل اللنكراني- دام ظلّه الوارف- و هو شرح كتب:

المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدّين و القرض، الرّهن الحجر، الضّمان، الحوالة و الكفالة، الوكالة، الإقرار، الهبة من تحرير الوسيلة التي لم تطبع بعد.

و قد تمّت مراجعة هذا المجلّد و إخراجه و تصحيحه في

مركز فقه الأئمة الأطهار عليهم السّلام بجهود الفضلاء الأماجد، و نخصّ بالذكر:

الشيخ عباد اللّه سرشار الطهراني الميانجي و الشيخ رضا علي مهدوي.

و قد كانت جميع هذه المراحل إضافة إلى الطبع و النشر بإشراف حجة الإسلام و المسلمين الشيخ حسين الواثقي.

و نطلب من اللّه تعالى أن يمدّ في عمر شيخنا الجليل المؤلف و أن يوفّقه لإتمام هذا الشرح و تقديمه إلى العلماء و الحوزات العلمية، كما نطلب من اللّه تعالى أن يوفّقنا في إخراج بقية الأجزاء من هذه الموسوعة العظيمة بشكل جميل، إنّه الموفّق و المعين.

مركز فقه الأئمة الأطهار عليهم السّلام

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 7

[كتاب المضاربة]

اشارة

كتاب المضاربة

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 8

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ هذا شرح كتاب المضاربة و جملة من الكتب التي بعده من كتاب تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة للإمام الراحل الخميني قدّس سرّه الشريف، و أنا الأقلّ الفاني محمّد الفاضل اللنكراني عفي عنه و عن والديه، و كان الشروع ليلة ولادة الإمام الحادي عشر الحسن بن عليّ العسكري عليهما السّلام والد وليّنا و مولانا صاحب العصر و الزمان عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف، بحقّه و حقّ آبائه الطاهرين المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين، و من اللّه أستمدّ و أستعين لإتمام شرح الكتب التي لم تشرح بعد إن شاء اللّه تعالى.

8 ربيع الثاني 1420 القمرية.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 9

[تعريف المضاربة]

و تسمّى قراضا، و هي عقد واقع بين شخصين على أن يكون رأس المال في التجارة من أحدهما و العمل من الآخر، و لو حصل ربح يكون بينهما. و لو جعل تمام الربح للمالك يقال له: البضاعة، و حيث إنّها عقد تحتاج إلى الإيجاب من المالك و القبول من العامل، و يكفي في الإيجاب كلّ لفظ يفيد هذا المعنى بالظهور العرفي، كقوله: «ضاربتك» أو «قارضتك» أو «عاملتك» على كذا، و في القبول: «قبلت» و شبهه (1).

______________________________

(1) و كلاهما أعني المضاربة و القراض من باب المفاعلة، و الأوّل لغة أهل العراق، و الثاني لغة أهل الحجاز، و كأنّ المضاربة من الضرب في الأرض؛ لكون التجارة في تلك الأزمنة ملازمة غالبا للسفر، كقوله تعالى: وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ «1» و لا بدّ في التوجيه- أي توجيه باب المفاعلة- إمّا أن يقال بمنع دلالة باب المفاعلة

على التقوّم الصدوري بشخصين، كما يشعر به قوله تعالى: يُخٰادِعُونَ اللّٰهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ مٰا يَخْدَعُونَ إِلّٰا أَنْفُسَهُمْ وَ مٰا يَشْعُرُونَ «2».

______________________________

(1) سورة النساء: 4/ 101.

(2) سورة البقرة: 2/ 9.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 10

..........

______________________________

و قد أورد المحقّق الاصفهاني في حاشية كفاية الاصول في ذيل حديث لا ضرر و لا ضرار موارد كثيرة من الكتاب العزيز و الاستعمالات العربية قد ذكر فيها صيغة المفاعلة «1» مع عدم الدلالة على ما ذكر، فراجع.

أو يقال بدلالة باب المفاعلة على ذلك ابتداء و بالأصل، و تكون الآية نظير قوله تعالى: وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللّٰهُ وَ اللّٰهُ خَيْرُ الْمٰاكِرِينَ «2»، و عليه فالتسمية باسم المضاربة باعتبار كون المالك سببا و العامل مباشرا، كما يظهر من صاحب العروة «3»، و باسم القراض باعتبار قطع المالك حصّة من ماله و دفعه إلى العامل ليتّجر به، و قطع العامل جزءا من عمله لذلك و تخصيصه به.

و لعلّ السرّ في مشروعيّة المضاربة مع شدّة اهتمام الشارع بعدم تحقّق الربا- حتّى جعل مثل سيّدنا الاستاذ الماتن قدس سرّه الحيل الشرعية في باب الربا غير مشروعة «4»- و مع اهتمامه أيضا بعدم تحقّق الجهالة سيّما في العقود الماليّة؛ و هي متحقّقة في المضاربة لعدم تعيّن مقدار الربح بوجه ليعلم الكسر المشاع منه، أنّ بناء النظام الإسلامي على حفظ اقتصاد المجتمع في جانب الشئون الاعتبارية و الأعمال الفرعية و التكاليف الشرعية، و ربما يوجد في المجتمع الإسلامي من لا يقدر على التجارة و تحصيل الربح مع وجود الإمكانات الماليّة له، كما أنّه ربما يوجد من يقدر على التجارة و لكنّه لا يكون له رأس المال و الإمكانات كذلك

بوجه، فغرض الشارع أن تصرف كلتا القدرتين في الشئون الاقتصادية حتّى لا يكون للمجتمع الإسلامي

______________________________

(1) نهاية الدراية في شرح الكفاية: 4/ 437.

(2) سورة الأنفال: 8/ 30.

(3) العروة الوثقى: 2/ 525.

(4) تحرير الوسيلة: 1/ 512، كتاب البيع، القول في الربا، مسألة 6.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 11

..........

______________________________

افتقار إلى غيرهم، خصوصا مع ملاحظة أنّ الاقتصاد من أهمّ أمور المجتمع، و يتفرّع عليه امور كثيرة من المحاسن و المضارّ المتعدّدة الفردية و الاجتماعية؛ و لذا نرى الأمر بإيتاء الزكاة عقيب الأمر بإقامة الصلاة في كثير من موارد الكتاب العزيز، و لعلّه يكون مشعرا بافتقار المجتمع إلى الامور العبادية و الاقتصادية، و إلّا فالواجبات كثيرة، و عطفها على الأمر بإقامة الصلاة ممكن، و ظنّي أنّ تشريع المضاربة في الإسلام من أدلّة كماله و تمامه.

و الظاهر أنّه ليس كالبيع و الإجارة و النكاح و الطلاق من العقود و الإيقاعات الإمضائية، غاية الأمر مع الاختلاف من حيث الشرائط، بل هي أمر تأسيسي لم يكن له سابقة في الملل الاخرى و بين العقلاء، كما لا يخفى.

و نظره إلى الدّين و الدّنيا فرارا عن الربا، كجعل المتعة فيه فرارا عن الزنا، كما فصّلنا القول فيه في بحث نكاح المتعة المتقدّم في كتاب النكاح «1».

ثمّ إنّه ذكر المحقّق الأردبيلي في كتاب زبدته المشتمل على آيات الأحكام ما يرجع إلى أنّ في المضاربة آيات ثلاث؛ الأولى: فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّٰهِ «2». و الثانية: وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ «3»، و الثالثة: وَ آخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللّٰهِ «4»، ثمّ أورد على الاستدلال- كما صنعه

بعض من فقهاء الحنفيّة

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب النكاح: 324، القول في النكاح المنقطع.

(2) سورة الجمعة: 62/ 10.

(3) سورة النساء: 4/ 101.

(4) سورة المزمّل: 73/ 20.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 12

..........

______________________________

و الشافعيّة- بأنّه لا دلالة فيها إلّا بعموم بعيد، و آية البيع و التجارة أقرب منها «1».

و أنت خبير بأنّه بعد توجيه كلامه من جهة أنّ مراده من العموم هو الإطلاق، ضرورة عدم ثبوت العموم في شي ء منها، أنّ الإطلاق أيضا محلّ منع؛ لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، بل في مقام الإهمال أو أمر آخر كقصر الصلاة، مضافا إلى أنّ ما في ذيل كلامه من أنّ آية البيع و التجارة أقرب منها ممنوع، ضرورة عدم كون المضاربة بيعا، بل صدق التجارة عليها مشكل بل ممنوع؛ لأنّها مقدّمة لحصول التجارة و تحقّقها لا أنّها بنفسها أيضا تجارة.

هذا بالإضافة إلى ما لو كان الربح الحاصل بينهما بصورة الكسر المشاع الذي هو المتيقّن الذي لا خلاف فيه، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى «2»، أمّا لو جعل تمام الربح للمالك فليس مضاربة بل بضاعة، و الظاهر ثبوت اجرة المثل للعامل مع عدم اشتراط المجّانيّة؛ لكون العمل محترما واقعا بأمر المالك، فيجب فيه أجرة المثل كسائر الموارد، اللّهمّ إلّا أن يكون قصد العامل التبرّع و المجّانية، أو كان للعمل ظهور عقلائي في ذلك، و سيأتي الكلام فيما بعد إن شاء اللّه تعالى «3». ثمّ إنّه حيث إنّ المضاربة من العقود يحتاج إلى الإيجاب و القبول، و يكفي في الإيجاب كلّ لفظ يدلّ عليه بالظهور العرفي العقلائي كسائر الموارد، و لا يعتبر أن يكون على سبيل الحقيقة

فإنّ أصالة الظهور المعتمد عليها عند العرف و العقلاء أعمّ من أصالة الحقيقة، كما قد قرّر في محلّه، فيكفي في الإيجاب الصادر من المالك لرأس المال «ضاربتك» أو «قارضتك» أو «عاملتك» بكذا، و في القبول «قبلت» و «رضيت» و شبهها، و سيأتي

______________________________

(1) زبدة البيان: 587.

(2) في ص 21.

(3) في ص 42- 43.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 13

[شرائط المضاربة]

[مسألة 1: يشترط في المتعاقدين البلوغ و العقل و الاختيار]

مسألة 1: يشترط في المتعاقدين البلوغ و العقل و الاختيار، و في ربّ المال عدم الحجر لفلس، و في العامل القدرة على التجارة برأس المال، فلو كان عاجزا مطلقا بطلت، و مع العجز في بعضه لا تبعد الصحّة بالنسبة على إشكال. نعم، لو طرأ في أثناء التجارة تبطل من حين طروّه بالنسبة إلى الجميع لو عجز مطلقا، و إلى البعض لو عجز عنه على الأقوى. و في رأس المال أن يكون عينا، فلا تصحّ بالمنفعة و لا بالدين؛ سواء كان على العامل أو غيره إلّا بعد قبضه. و أن يكون درهما و دينارا، فلا تصحّ بالذهب و الفضّة غير المسكوكين و السبائك و العروض.

نعم، جوازها بمثل الأوراق النقدية و نحوها من الأثمان غير الذهب و الفضّة لا يخلو من قوّة، و كذا في الفلوس السود. و أن يكون معيّنا، فلا تصحّ بالمبهم؛ كأن يقول: «قارضتك بأحد هذين» أو «بأيّهما شئت». و أن يكون معلوما قدرا و وصفا. و في الربح أن يكون معلوما، فلو قال: «إنّ لك مثل ما شرط فلان لعامله» و لم يعلماه بطلت. و أن يكون مشاعا مقدّرا بأحد الكسور؛

______________________________

بعض الخصوصيات الاخر المعتبر في المتعاقدين في باب المضاربة، فانتظر.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ المضاربة عقد مستقل بحياله و

له اعتبار خاصّ عند الشارع، و لا تكون من مصاديق الوكالة كما يظهر من المالكيّة على ما حكي «1»، و لا الشركة بين المالك و العامل من جهة رأس المال و العمل، كما حكي عن بعض آخر من فقهاء الناس، كما أنّه لا تنطبق على الربا بوجه، و يؤيّده إمكان عدم حصول الربح رأسا، فهي في الحقيقة عنوان آخر يترتّب عليها أحكام خاصّة على ما سيأتي.

______________________________

(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 3/ 517.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 14

كالنصف أو الثلث، فلو قال: «على أنّ لك من الربح مائة و الباقي لي» أو بالعكس، أو «لك نصف الربح و عشرة دراهم» مثلا لم تصحّ. و أن يكون بين المالك و العامل لا يشاركهما الغير، فلو جعلا جزءا منه لأجنبيّ بطلت إلّا أن يكون له عمل متعلّق بالتجارة (1).

______________________________

(1) لا شبهة في اعتبار الامور المعتبرة في المتعاقدين من البلوغ و العقل و الاختيار في سائر العقود، خصوصا العقود المالية هنا أيضا، و أمّا الامور الخاصّة المعتبرة هنا فهي عبارة عن:

1: يشترط في ربّ المال أن لا يكون محجورا لفلس، ضرورة أنّ المضاربة تصرّف في المال، و إذا حكم على ربّ المال بعدم جواز التصرّف فلا تصحّ المضاربة الصادرة منه، و الظاهر أنّ المحجورية لسفه أيضا كذلك؛ لعدم الفرق كما لا يخفى.

2: يشترط في العامل القدرة على التجارة و التكسّب برأس المال، فإن كان عاجزا عنها و كان عجزه مطلقا بطلت المضاربة؛ لعدم تحقّق الغرض منها قطعا كما هو المفروض، و أمّا لو كان عاجزا عن التجارة بجميع رأس المال لا ببعضه، فقد نفى البعد في المتن عن الصحّة بالإضافة إلى ذلك

البعض مع التعقّب بالإشكال، و لعلّ السرّ فيه عدم تبعّض العقد، مضافا إلى إمكان جعل رأس المال بيد من يقدر على التجارة بالجميع، فيكون ربحه أكثر و النفع الحاصل أزيد، و قد عرفت «1» أنّ الغرض من تشريع المضاربة عدم ركود الإمكانات المالية و كذا الإمكانات العملية الحسبية، و هذا بخلاف ما لو باع عبدا و حرّا بعنوان العبودية، حيث إنّه بعد استكشاف الحال يصير البيع مبعّضا من دون أن يلزم تال فاسد.

______________________________

(1) في ص 10.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 15

..........

______________________________

و ربما يقال هنا أيضا بأنّ المضاربة كغيرها من العقود تنحلّ إلى عقود متعدّدة على أجزاء رأس المال و إن كانت بحسب الإنشاء واحدة، و عليه فلا موجب للحكم بالبطلان بالإضافة إلى الجميع، بل يتعيّن الحكم بالصحّة فيما يقدر عليه و البطلان فيما يعجز عنه، «1» و لكنه يرد عليه أنّ الانحلال هل هو على وفق القاعدة، أم على خلافها، فعلى التقدير الأوّل لا مانع من التبعيض و الحكم بالصحّة بالنسبة إلى البعض، و أمّا على الثاني فالحكم بالصحّة في بعض الموارد على خلاف القاعدة لا بدّ من الاقتصار فيه على خصوص ذلك البعض، و الظاهر ذلك، خصوصا مع ملاحظة أنّ العقود تابعة للقصود، و الألفاظ لا دلالة لها على الانحلال بوجه، مع أنّ لازمه صحّة المضاربة بالنسبة إلى ما يقدر عليه و لو كان في غاية القلّة، كما لا يخفى.

هذا، و قد ذكرنا في تعليقاتنا على العروة الوثقى أنّه إن كان المراد بالقدرة هي القدرة على المعاملة في الجميع في مقابل العجز مطلقا، كما يدلّ عليه قوله قدس سرّه: «فإنّه إذا كان» الخ، فيرد عليه أنّه لا دليل

على اعتبار هذا النحو من القدرة في المضاربة، و لا على كونها مثل الإجارة لو سلّم الحكم فيها. و إن كان المراد بها هي القدرة و لو في الجملة، نظرا إلى أنّه مع العجز الكلّي تتّصف المعاملة باللغويّة، و لا يجدي في ذلك مجرّد الفرق بين الإجارة و المضاربة بعدم ثبوت التمليك فيها ابتداء بخلاف الإجارة؛ لأنّ عدم ثبوت التمليك فيها لا يخرج المعاملة مع العجز عن اللغوية، فيرد عليه منع الحكم فيما فرعه على ذلك، فإنّ لازم ذلك إمّا الحكم بالصحّة مطلقا، أو بالإضافة إلى خصوص المقدار المقدور و اشتراكهما في الربح فيه، لا اختصاص المالك به و ثبوت الاجرة للعامل مع الجهل بالبطلان. «2»

______________________________

(1) المباني في شرح العروة الوثقى، كتاب المضاربة: 18- 19.

(2) الحواشي على العروة الوثقى: 226 حاشية الشرط العاشر.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 16

..........

______________________________

ثمّ إنّه لو طرأ العجز في الأثناء بعد ثبوت القدرة، ففي المتن: أنّه تبطل المضاربة في ثمّ إنّه لو طرأ العجز في الأثناء بعد ثبوت القدرة، ففي المتن: أنّه تبطل المضاربة في الأثناء لو كان العجز الطارئ هو العجز مطلقا، و بالإضافة إلى البعض لو كان العجز مخصوصا به على الأقوى، و الفرق بين هذه الصورة، و بين ما لو كان العجز كذلك من الأوّل، حيث استشكل في الصحّة فيه أنّه لا دليل على البطلان في الصورة الاولى، و عدم العجز للتالي لا يكون معتبرا في صحّة المضاربة، و في الصورة الثانية يجري مسألة الانحلال و عدمه على ما عرفت، فالفرق بين المقامين موجود، فتدبّر جيّدا.

و يمكن أن يكون قوله: «على الأقوى» ناظرا إلى أصل مسألة طروّ العجز في الأثناء، و أنّ

العجز الطارئ إن كان بالإضافة إلى الجميع تبطل المضاربة بالنسبة إلى الجميع على الأقوى، و إن كان بملاحظة البعض تبطل بالنسبة إلى خصوص البعض، مثل صورة العجز حال المضاربة، و عليه فلا دلالة لكلامه على أولويّة طروّ العجز لملاحظة البعض على وجوده حال المضاربة كذلك، و أنّه في صورة الطروّ أقوى من جهة البطلان من صورة الوجود حال المضاربة، فتأمّل.

و الذي يقتضيه النظر الدقيق في معنى العبارة، خصوصا مع ملاحظة كلمة «نعم» الظاهرة في الاستدراك أن يقال: إنّ النظر في صورة وجود العجز حال المضاربة بالإضافة إلى البعض إلى صحّة المضاربة في البعض المقدور بعد الفراغ عن البطلان في البعض غير المقدور، و في الحقيقة يكون النظر إلى سراية البطلان إلى الجميع و عدمها، و قد نفى البعد في هذه الصورة عن الصحّة في البعض المقدور بضميمة الإشكال الناشئ عن عدم الانحلال، كما عرفت أنّه مقتضى العقود تابعة للقصود و الألفاظ الواقعة في مقام الإنشاء، و النظر في صورة طروّ العجز بعد المضاربة إلى أقوائية البطلان بالنسبة إلى غير المقدور، و بقاء المقدور على حاله من صحّة

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 17

..........

______________________________

المضاربة بالنسبة إليه، ففي الحقيقة يكون البطلان في هذه الصورة منحصرا بغير المقدور و عدم تحقّق السراية بوجه، و السرّ أنّ المضاربة كانت في حال وقوعها واجدة لشرطها؛ و هي القدرة على التجارة بالجميع. غاية الأمر طروّ العجز بالإضافة إلى البعض، و الغرض أنّ البطلان فيه لا يسري إلى المقدور بوجه، كما لا يخفى.

3: يشترط في رأس المال هنا أن يكون عينا، فلا تصحّ بالمنفعة و لا الدّين؛ سواء كان على العامل أو غيره إلّا بعد قبضه،

و أهمّ الدليل على اعتبار هذا الشرط أمران:

أحدهما: ملاحظة أنّ المضاربة هل هي أمر على خلاف القاعدة الأوّلية، أم على وفقها؟ فعلى الأوّل- الذي هو الظاهر؛ لأنّ مقتضى القاعدة كون تمام الربح للمالك؛ لأنّه نماء ماله، و ثبوت اجرة المثل بالإضافة إلى العامل لاحترام عمله المأذون فيه، كما لا يخفى- لا دليل على الصحّة في المقام بعد اختصاص أدلّتها الخاصّة بالعين المقابلة للمنفعة و الدّين، و لزوم الاقتصار في الحكم المخالف للأصل و القاعدة على القدر المتيقّن.

ثانيهما: موثّقة السكوني الواردة في الدّين؛ و هي ما رواه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل له على رجل مال فيتقاضاه و لا يكون عنده، فيقول: هو عندك مضاربة، قال: لا يصلح حتّى تقبضه منه «1». و لكنّ الظاهر أنّ الحكم بعدم الصلاحيّة إنّما هو لأجل عدم ثبوت رأس المال رأسا لا باعتبار كونه دينا، ضرورة أنّه مع ثبوت رأس المال عند المديون و قدرته على أداء الدّين و إقباضه و حضوره لذلك لا أثر للقبض منه ثمّ الإقباض و الإعطاء إيّاه، فمورد

______________________________

(1) الكافي: 5/ 240 ح 4، الفقيه: 3/ 144 ح 634، تهذيب الأحكام: 6/ 195 ح 428 و ج 7/ 192 ح 84، و عنها الوسائل: 19/ 23، كتاب المضاربة ب 5 ح 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 18

..........

______________________________

الموثّقة لا ينطبق على المدّعى كما أفاده بعض الأعلام قدس سرّه «1».

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ جعل الغاية هو القبض لا مجرّد الكون عنده شاهد على أنّ للقبض مدخلية، و لعلّه لعدم التعيّن بدونه، فتدبّر.

هذا بالإضافة إلى الدّين.

و أمّا بالنسبة إلى المنفعة، فالمعروف بينهم

و إن كان هو عدم الجواز، إلّا أنّ اعتبار إعطاء المال أو دفعه إلى العامل لا ينافي صحّة المضاربة بالنسبة إلى المنفعة، فمن أعطى منفعة داره إلى سنة مثلا إلى العامل بعنوان المضاربة فأيّ دليل يدلّ على البطلان، إلّا أن يقال: بأنّ الظاهر من نصوص المضاربة إعطاء المالك ماله للعامل ليعمل به على أن يكون رأس المال محفوظا و الربح بينهما على حسب ما قرّر، و هو لا ينطبق على المنفعة؛ لأنّها غير قابلة للبقاء 2، و لكن يرد عليه: أنّ المال المتعلّق بالمالك قد يتلف بأجمعها أو ببعضها في تالي الزمان، فكيف يكون محفوظيّة رأس المال بأجمعه معتبرة في المضاربة، فالأولى بل الأقوى عدم اعتبار هذا الشرط، و لذا جعلنا اعتباره في التعليقة على العروة بنحو الأحوط «3».

4: يشترط في رأس المال أن يكون درهما و دينارا، فلا تصحّ بالذهب و الفضّة غير المسكوكين و السبائك و العروض. نعم، نفى في المتن خلوّ الجواز عن القوّة في الأوراق النقدية الثمنية غير الذهب و الفضّة، و كذا في الفلوس السود، و منشأ توهّم الاختصاص بالدرهم و الدينار تخيّل ثبوت الإجماع عليه، كما نفى عنه البعد صاحب العروة قدس سرّه «4»، مع أنّ الظاهر عدم تحقّقه، فإنّ المحكي عن

______________________________

(1) 1، 2 المباني في شرح العروة الوثقى، كتاب المضاربة: 9- 10.

(3) الحواشي على العروة الوثقى: 224، حاشية الشرط الأوّل.

(4) العروة الوثقى: 2/ 527، الشرط الثاني.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 19

..........

______________________________

الخلاف «1» و الغنية «2» و جواهر القاضي «3» دعوى الإجماع على الصحّة في الدراهم و الدنانير لا على عدمها في غيرهما، مع أنّه يمكن أن يقال باختصاص ذلك بالزمان الذي

كان الرائج فيه كون الدرهم و الدينار ثمنا، لا مثل زماننا هذا الذي لا يكونان ثمنا، خصوصا الدينار، فإنّ السكّة الذهبية الرائجة إنّما تكون مثمنا واقعا، و لذا قد حكمنا فيها بعدم وجوب الزكاة كما سيأتي.

مضافا إلى عدم تعرّض كثير من الفقهاء لأصل المسألة، و إلى استناد بعض المتعرّضين بغير الإجماع، و إلى عدم حجّية الإجماع المنقول خصوصا في مثل المسألة، أضف إلى ذلك أنّ فرض الاختصاص ينافي حكمة المضاربة في مثل زماننا هذا ممّا لا تكون الدراهم و الدنانير معمولة بعنوان الثمنية، و لذا نفينا وجوب الزكاة فيهما لعدم كونهما بهذا العنوان، بل بعنوان المثمنية و لو كانا مسكوكين، فالظاهر صحّة المضاربة بجميع الأثمان و لو كان ورقة نقديّة ايرانية، أو دينارا عراقيّا، أو ريالا حجازيا، أو درهما بحرينيّا، أو ليرة سوريّة، أو غيرها ممّا لا يكون درهما و لا دينارا. نعم، صحّتها بالعروض محلّ تأمّل، و إن كان مقتضى بعض أدلّة الباب الصحّة فيها أيضا.

نعم، لا إشكال في التوكيل في البيع ثمّ جعل الثمن المأخوذ بعنوان المضاربة، و لكن ذكر السيّد في العروة أنّه لو قال للعامل: بع هذه السلعة و خذ ثمنها قراضا لم يصحّ، إلّا أن يوكّله في تجديد العقد عليه بعد أن نضّ ثمنه «4»، و الظاهر أنّ مرجع

______________________________

(1) الخلاف: 3/ 459 مسألة 1.

(2) غنية النزوع: 266.

(3) جواهر الفقه: 124.

(4) العروة الوثقى: 2/ 527 ذيل الشرط الثاني.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 20

..........

______________________________

ما أفاده إلى عدم جريان المعاطاة في المضاربة، ضرورة أنّه مع الجريان لا حاجة إلى التوكيل في تجديد العقد، خصوصا مع أنّ المضاربة من العقود غير اللازمة، كما سيجي ء إن شاء اللّه

«1»، فالظاهر الصحّة.

5: يشترط في رأس المال أن يكون معيّنا لا مبهما، فلو قال: «قارضتك بأحد هذين» أو «الأثمان الموجودة في أحد الكيسين» لم يصحّ، و قد أورد على اعتبار هذا الأمر زائدا على اعتبار معلوميّة القدر و الوصف- الآتي إن شاء اللّه تعالى- بأنّ دعوى أنّ أحدهما و الفرد المبهم لا وجود له في الخارج؛ إذ الوجود يساوق التشخّص، مدفوعة بوجود نظائره في الواجب التخييري و العلم الإجمالي بالأحكام التكليفيّة و الوضعيّة الموجب لتنجّزها و حرمة مخالفته، و نحن قد ذكرنا في كتاب الإجارة أنّه لو آجر أحد هذين العبدين المتساويين في الخصوصيّات لا دليل على بطلان الإجارة «2»، اللّهمّ إلّا أن يكون هناك إجماع على الخلاف و هو غير ثابت.

إلّا أن يقال: إنّ بناء الشارع في العقود على رعاية امور لا تؤثّر في الاختلاف و التنازع و التخاصم، و في صورة الإبهام تكون هذه الجهة موجودة و لو أحيانا، فإنّه لو لم يتّفقا على شي ء منهما يبقى الاختلاف بحاله، و لا مجال لفصل الخصومة بسبب القضاء، إذن فلا يبعد الاعتبار، و ما ورد في قصّة شعيب خطابا لموسى من إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هٰاتَيْنِ «3» لعلّ المراد هو الإبهام حال المقاولة لا العقد، و يؤيّده عدم اتّفاقهما في جميع الخصوصيات ظاهرا، فتدبّر.

______________________________

(1) في ص 34.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 18- 20.

(3) سورة القصص: 28/ 27.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 21

..........

______________________________

6: يشترط في رأس المال أن يكون معلوما قدرا و وصفا، و اعتباره أيضا محلّ إشكال، خصوصا بالإضافة إلى المجهول الذي يؤول إلى العلم؛ كما لو قارضه بما في الكيس المعيّن المجهول

المقدار ثمّ يعدّانه ليعلم قدره، و قد ذكر صاحب الجواهر قدس سرّه «1» أنّ الجهالة تمنع من تحقّق الربح الذي يكون مشتركا بين المالك و العامل، و حيث إنّه روح هذه المعاملة فيحكم ببطلانها مع الجهالة، و جوابه ظاهر لا يحتاج إلى البيان.

7: يشترط في الربح أن يكون معلوما، فلو قال: «إنّ لك مثل ما جعل فلان لعامله» مع عدم العلم به بطلت المضاربة، و الوجه في اعتبار هذا الأمر واضح بعد ما كان الغرض الأصلي من المضاربة للطرفين هو الربح، فلا معنى لأن يكون مجهولا.

8: يشترط في الربح أن يكون مشاعا مقدّرا بأحد الكسور؛ كالنصف و الثلث، فلو قال: «على أنّ لك من الربح مائة و الباقي لي» أو أضاف إلى أحد الكسور مقدارا أيضا بطلت، و أولى من ذلك ما لو جعل مقدارا من الربح له أو لنفسه و الباقي للآخر، فلو قال: «قارضتك مائة ألف تومانا على أن تعطيني خمسة آلاف تومانا في كلّ شهر» تبطل أيضا.

هذا، و قد ذكرنا في التعليقة على العروة أنّه لا دليل على اعتبار هذا الأمر، خصوصا مع الوثوق و الاطمئنان بحصول الزائد على القدر المتيقّن «2»، فإذا فرضنا أنّ الاتجار و التكسّب بالمبلغ المزبور يترتّب عليه عادة أزيد من خمسة آلاف تومانا فأيّ مانع من صحّة هذه المضاربة و إن لم يكن مقدار الزيادة معلوما بوجه، و الظاهر أنّ العمل المتعارف في البنك الإسلامي الذي يدّعي أصحابه علنا المضاربة، خصوصا في مقام أخذ الأموال من الناس بصورة الوديعة كثيرة المدّة أو قليلها من

______________________________

(1) جواهر الكلام: 26/ 359.

(2) الحواشي على العروة الوثقى: 225، حاشية الشرط الخامس.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 22

..........

______________________________

هذا القبيل، فإنّ الربح المعطى من قبل البنك و إن كان بنحو الكسر المشاع، إلّا أنّ الكسر المشاع الملحوظ إنّما هو بالإضافة إلى رأس المال، لا بالإضافة إلى الربح الحاصل الذي يحصل بسبب تجارة البنك، و قد يقع الخلط بين الأمرين في بعض الأذهان، فيتخيّلون أنّ هذا الكسر المشاع هو الكسر المشاع المأخوذ في باب المضاربة، غفلة عن أنّ ذلك الكسر إنّما هو بالنسبة إلى الربح، و هذا الكسر إنّما هو بالإضافة إلى رأس المال، فيعطون لأجل كلّ مائة من رأس المال ثمانية عشر تومانا مع أنّ إضافته إلى الربح مجهولة حتّى للمتصدّين لأمر البنك نوعا.

و بالجملة: فالصحّة إنّما تبتني على ما ذكرنا، و أمّا على ما ذكروه من الكسر المشاع بالإضافة إلى الربح فلا يبقى مجال للصحّة أصلا. مع أنّ البنك لا يكون عمله منحصرا بالمضاربة التي يكون فيها رأس المال للمالك، بل يكون لنفسه رأس المال المذكور في خصوصيّات البنوك، و حينئذ لا يعلم أنّ التجارة التي تقع منه هل هي برأس ماله أو رأس مال المالك أو المشترك بينهما، و في صورة الاشتراك لا تعلم النسبة.

نعم، ربما يستدلّ على البطلان مطلقا بأنّ ظاهر كون الربح مشتركا بين المالك و العامل- على ما دلّت عليه النصوص- هو اشتراكهما في كلّ جزء منه على نحو الإشاعة، و عليه فاختصاص أحدهما بجزء منه دون الآخر يكون على خلاف مفهوم المضاربة، فلا يشمله دليل صحّتها، و القاعدة تقتضي البطلان، و فيه:

أنّ مفاد أدلّة المضاربة ثبوت الاشتراك في الربح في مقابل اختصاص أحدهما به، و هو حاصل في المقام، و لا دليل على لزوم كون الشركة في الربح بنحو الإشاعة كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة،

المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 23

..........

______________________________

و قد حكي عن صاحب العروة «1» الالتزام بذلك في باب المساقاة مع أنّها و المزارعة و المضاربة من هذه الجهة من واد واحد من دون فرق بينها، كما لا يخفى.

و يظهر من الجواهر «2» ثبوت الإجماع على اعتبار كون الشركة بنحو الكسر المشاع، و الظاهر عدم ثبوته، فتدبّر.

9: أن يكون الربح بين العامل و المالك، فلو جعل جزءا منه و لو بصورة الكسر المشاع للأجنبي لا تصحّ المضاربة، إلّا أن يكون للأجنبي مدخليّة في متعلّق التجارة و حصول الربح، فإنّه يكون حينئذ كالعامل، و السرّ في المستثنى منه أنّ ثمرة العقد لا تتجاوز عن المتعاقدين، و لا معنى للتجاوز عنهما كما هو واضح لا يخفى. قال المحقّق في الشرائع: و لو شرط لأجنبي و كان عاملا صحّ، و إن لم يكن عاملا فسد، و فيه وجه آخر «3».

و في الجواهر: و لكن في المسالك لا بدّ من ضبط العمل بما يرفع الجهالة، و كونه من أعمال التجارة لئلّا يتجاوز مقتضاها، و إنّما وصفه بالأجنبي مع كونه عاملا؛ لأنّ المراد بالعامل هنا من يكون إليه التصرّف في جميع ما يقتضيه العقد، و هذا المشروط له ليس كذلك، و إنّما اشترط عليه عمل مخصوص؛ بأن يحمل لهم المتاع إلى السوق، أو أن يدلّل عليه، و نحو ذلك من الأعمال الجزئيّة المضبوطة، فلو جعل عاملا في جميع الأعمال كان العامل- الذي هو أحد أركان العقد- متعدّدا، و هو غير محلّ الفرض- إلى أن حكى فيها عنها- أنّ المراد ب «وجه آخر» في كلام المحقّق صحّة الشرط له و إن

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 616، الشرط التاسع.

(2) جواهر الكلام: 26/ 364- 365.

(3)

شرائع الإسلام: 2/ 141.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 24

[مسألة 2: يشترط أن يكون الاسترباح بالتجارة]

مسألة 2: يشترط أن يكون الاسترباح بالتجارة، فلو دفع إلى الزارع مالا ليصرفه في الزراعة و يكون الحاصل بينهما، أو إلى الصانع ليصرفه في حرفته و تكون الفائدة بينهما، لم يصحّ و لم يقع مضاربة (1).

______________________________

لم يعمل لعموم «المؤمنون» و «أوفوا» أو أنّ المشروط يكون للمالك حيث لم يعمل، رجوعا إلى أصله؛ لئلّا يخالف مقتضى العقد و لإقدام العامل على أنّ له ما عيّن له خاصّة «1»، قلت: الجمع بين الأجنبي و بين كونه عاملا و بين خروجه عن عقد المضاربة بحيث لا يعتبر رضاه مشكل جدّا.

(1) لا خفاء في أنّ مشروعيّة المضاربة إنّما تكون للاسترباح بالتجارة و التكسّب، و قد عرفت في أوّل كتاب المضاربة أنّها مأخوذة من الضرب في الأرض الذي كانت التجارة ملازمة له في ذلك الزمان نوعا، فلو دفع إلى الزارع مالا ليصرفه في الزراعة و يكون الحاصل بينهما، أو إلى الصانع ليصرفه في حرفته و تكون الفائدة بينهما، لم يصحّ و لم يقع مضاربة، و المثال خصوصا في زماننا هذا كثير؛ كأن يعطي رأس المال إلى من يشتري الأرض و يحدث فيه الدور المتعدّدة حتّى يبيعها و يحصل فيه الربح، و حتّى إعطاء رأس المال إلى من يشتري بعض المعامل المولّدة فيبيع توليداته كذلك، و إعطاء رأس المال إلى من يشتري السيّارة و يحمل معها المسافر لتحصيل الربح، و كذا الأمثلة الاخر.

أمّا عدم الوقوع مضاربة فواضح؛ لما عرفت من أنّ حقيقتها الاسترباح بالتجارة و التكسّب، و أمّا عدم الصحّة مطلقا فلاحتياجها إلى الدليل و هو مفقود

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 4/ 368، جواهر الكلام: 26/ 368-

369.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 25

..........

______________________________

في غير المضاربة. نعم، حكي أنّ بناء بعض البنوك كبنك المسكن على الجعالة، فإن كان واجدا لشرائطها فهو، و إلّا فهي باطلة أيضا.

ثمّ إنّ صاحب العروة بعد أن اعتبر الاسترباح بالتجارة علّل ذلك بأنّ القدر المعلوم من الأدلّة هي التجارة «1»، و أورد عليه في بعض الشروح بأنّه لا وجه للتمسّك بالقدر المتيقّن مع وجود الإطلاقات و العمومات في البين مع الصدق العرفي «2».

قلت: الظاهر اختلاف الكلمات في بادئ النظر من هذه الجهة، فظاهر بعضهم أنّ الغرض من دفع المال إلى الغير هو الاتّجار به «3»، و ظاهر بعض آخر أنّه هو العمل كصاحب الجواهر قدس سرّه «4»، و يؤيّده التعبير بالعامل في مقابل المالك لا التاجر، كما أنّه يؤيّده عدم اعتبار هذا الشرط- أي الاسترباح بالتجارة- في بعض الكتب، كالشيخين في المقنعة «5» و النهاية «6»، و لكن الظاهر أنّ مرادهم من العمل هي التجارة لا مطلق العمل الشامل للزراعة و الحرفة و الصناعة، مع أنّك عرفت أنّ المضاربة مخالفة، للقاعدة من جهات مختلفة «7» فاللازم الاقتصار على القدر المتيقّن، و دعوى وجود الإطلاقات و العمومات كما عرفت ممنوعة إن كان المراد هي الإطلاقات و العمومات في خصوص باب المضاربة، فراجع.

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 529، الشرط التاسع.

(2) مهذّب الأحكام في بيان الحلال و الحرام: 19/ 244.

(3) العروة الوثقى: 2/ 525.

(4) جواهر الكلام: 26/ 336.

(5) المقنعة: 632- 633.

(6) النهاية: 426- 427.

(7) في ص 15- 17.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 26

[مسائل المضاربة]

[مسألة 3: الدراهم المغشوشة إن كانت رائجة مع كونها كذلك تجوز المضاربة بها]

مسألة 3: الدراهم المغشوشة إن كانت رائجة مع كونها كذلك تجوز المضاربة بها، و لا يعتبر الخلوص فيها.

نعم، لو كانت قلبا يجب كسرها و لم تجز المعاملة بها لم تصحّ (1).

[مسألة 4: لو كان له دين على شخص يجوز أن يوكّل أحدا في استيفائه]

مسألة 4: لو كان له دين على شخص يجوز أن يوكّل أحدا في استيفائه، ثمّ إيقاع المضاربة عليه موجبا و قابلا من الطرفين. و كذا لو كان المديون هو العامل، يجوز توكيله في تعيين ما في ذمّته في نقد معيّن للدائن، ثمّ إيقاعها عليه موجبا و قابلا (2).

______________________________

(1) لا يعتبر الخلوص في الدراهم، بل هي مع المغشوشيّة و عدم الخلوص فيها لو كانت رائجة مع كونها كذلك تجوز المضاربة بها، و لو كانت قلبا بحيث يجب كسرها و لم يجز جعلها ثمنا في المعاملات لم تصحّ المضاربة بها؛ لعدم ثبوت الماليّة لها.

ثمّ إنّه ذكر المحقّق في الشرائع أنّه لا يقع بالمغشوش؛ سواء كان الغشّ أقلّ أو أكثر «1»، و الظاهر أنّ المراد بالمغشوش في كلامه هو القلب و إلّا فلا وجه للحكم بالبطلان، خصوصا مع رواجها في المعاملة متضمّنة بهذا الوصف، و أمّا القلب فقد عرفت البطلان فيه، و إليه يرجع ما عن جامع المقاصد «2» من تقييد نحو عبارة المحقّق المذكورة بما إذا لم يكن متعاملا به. قال: فلو كان معلوم الصرف بين الناس جازت به المعاملة و يصحّ جعله مالا للقراض؛ سواء كان الغش أقلّ أو أكثر كما هو ظاهر، و الضابطة هو الرواج في سوق الغرف و العقلاء و عدمه.

(2) لو كان له دين على شخص، فتارة: يكون المديون غير العامل، و اخرى:

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 2/ 139.

(2) جامع المقاصد: 8/ 66.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 27

[مسألة 5: لو دفع إليه عروضا و قال: بعها و يكون ثمنها مضاربة لم تصحّ]

مسألة 5: لو دفع إليه عروضا و قال: بعها و يكون ثمنها مضاربة لم تصحّ، إلّا إذا أوقع عقدها بعد ذلك على ثمنها (1).

______________________________

يكون المديون العامل.

ففي الصورة الاولى: حكم بجواز

أن يوكّل أحدا في استيفائه ثمّ إيقاع المضاربة عليه موجبا و قابلا من الطرفين، و الظاهر أنّ المقصود ما إذا أراد الوكيل في الاستيفاء أن يصير عاملا له في المضاربة، فإنّه حينئذ يصير موجبا من ناحية الموكّل و قابلا من نفسه لفرض كونه العامل، و إن كانت العبارة قاصرة عن إفادة هذا المعنى.

و في الصورة الثانية: حكم بجواز توكيله في تعيين ما في ذمّته في نقد معيّن للدائن ثمّ إيقاعها عليه موجبا و قابلا، و قد عرفت «1» أنّ الدليل عليه هي موثّقة السكوني المتقدّمة، و عرفت 2 أيضا أنّ موردها صورة عدم وجود مال للعامل يدفع به دينه، و إلّا ففي صورة الوجود و حضوره لإعطاء الدّين لا حاجة إلى القبض و لا التوكيل عليه، بل تجوز المضاربة من ناحية المالك و العامل. غاية الأمر الافتقار إلى القصد في المعاملة التي يوقعها بعد ذلك، و أنّها هل هي بعنوان المضاربة- كما إذا كانت له أموال شخصية أيضا؛ إذ لا يعتبر أن يكون الثمن في المعاملة المرتبطة بالمضاربة شخصيا كما لا يخفى- أو بعنوان شخصه و التكسّب لنفسه، اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ الحاجة إلى القبض إنّما هو لعدم التعيّن للدين بدونه، كما لا يخفى.

(1) لو دفع إليه عروضا و قلنا بعدم جواز المضاربة بالعروض فاللازم أن يوكّله في بيعه و أخذ ثمنه، فإن أراد أن يجعل ثمنه مضاربة فاللازم توكيله في إيقاع عقد

______________________________

(1) 1، 2 في ص 17- 18.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 28

[مسألة 6: لو دفع إليه شبكة على أن يكون ما وقع فيها من السمك بينهما بالتنصيف مثلا]

مسألة 6: لو دفع إليه شبكة على أن يكون ما وقع فيها من السمك بينهما بالتنصيف مثلا لم يكن مضاربة، بل هي معاملة

فاسدة، فما وقع فيه من الصيد للصائد بمقدار حصّته التي قصدها لنفسه، و ما قصده لغيره فمالكيّته له محلّ إشكال، و يحتمل بقاؤه على إباحته، و عليه اجرة مثل الشبكة (1).

______________________________

المضاربة بالثمن المأخوذ؛ سواء كان هو العامل أو غيره، ففي الاولى يصير موجبا و قابلا من الطرفين دون الثانية، و الوجه فيه واضح، هذا لو لم نقل بجريان المعاطاة في المضاربة؛ كما يستفاد من العروة فيما لو قال: بع هذه السلعة و خذ ثمنها قراضا كما تقدّم «1»، و إلّا فلا حاجة إلى العقد أصلا، إلّا أن يقال: إنّ المقصود من الإيجاب و القبول ليس خصوص العقد المشتمل على ألفاظ مخصوصة، بل أعمّ منه و من المعاطاة، فإنّ الحاجة إلى الإنشاء محفوظة في كلا الفرضين كما لا يخفى.

و عليه: ففيما إذا لم يكن هناك إلّا شخص واحد يمكن أن يقال بعدم إمكان تحقّق المعاطاة، بخلاف ما لو كان في البين شخصان و كان الإعطاء متحقّقا من ناحية واحد؛ كما إذا كان الثمن موجودا عند البائع و أعطى المبيع إلى المشتري بقصد إنشاء البيع، و أمّا مع الانحصار بواحد فكيف يمكن تحقّق المعاطاة و إن لم تحتج إلّا إلى إعطاء واحد كما في المضاربة، فتدبّر جيّدا.

(1) لو دفع إليه شبكة على أن يكون ما وقع فيها من السمك بينهما بالتنصيف مثلا لا تكون هذه المعاهدة بمضاربة؛ لعدم ثبوت رأس المال فيها أوّلا، و عدم ثبوت الاسترباح بالتجارة ثانيا، بل هي معاملة فاسدة، فما وقع فيها من الصيد للصائد بمقدار حصّته التي قصدها لنفسه؛ لتعلّق قصد الحيازة بها و لو كانت الشبكة

______________________________

(1) في ص 19- 20.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 29

[مسألة 7: لو دفع إليه مالا ليشتري نخيلا أو أغناما على أن تكون الثمرة و النتاج بينهما]

مسألة 7: لو دفع إليه مالا ليشتري نخيلا أو أغناما على أن تكون الثمرة و النتاج بينهما لم يكن مضاربة، فهي معاملة فاسدة تكون الثمرة و النتاج لربّ المال، و عليه اجرة مثل عمل العامل (1).

______________________________

للغير، فإنّ الظاهر أنّ الشبكة إذا كانت مغصوبة مثلا و قصد بها حيازة السمك يملكه، فلا شبهة في مفروض المسألة في تملّك مقدار حصّته التي قصدها لنفسه، و أمّا ما قصده لغيره فقد استشكل في ملكيّته له؛ لأنّ قصده للغير كان بعنوان المضاربة، و المفروض عدم ثبوتها، و لا يكون هناك عنوان معاملي آخر، كما أنّه لا يكون توكيل في حيازة النصف لمالك الشبكة، و لا يكون إيقاع عقد المضاربة مستلزما للتوكيل في الحيازة بناء على جريان الوكالة في الحيازة كما هو الظاهر؛ لأنّه مضافا إلى منع الاستلزام المذكور نقول: إنّ قبول الوكالة لا يكون في المفروض تبرّعا و مجّانا بل مع العوض، و المفروض جهالته في المقام، فلا يمكن أن يكون من هذا القبيل.

و احتمل في المتن بقاءه على حالته الأصلية من الإباحة؛ لعدم تعلّق الحيازة بها أصلا و لا وكالة، و على كلا التقديرين عليه اجرة مثل الشبكة كما لا يخفى، و لا يتوقّف ملكيّة السمك بالحيازة على كونه مالكا للشبكة أو مأذونا، بل الظاهر تحقّق الحيازة و لو بالشبكة المغصوبة كما عرفت.

(1) لو دفع إليه مالا ليشتري نخيلا أو أغناما على أن تكون الثمرة و النتاج بينهما بالكسر الذي توافقا عليه لا تكون مضاربة؛ لعدم تحقّق الاسترباح بالتجارة على ما عرفت، بل تكون المعاملة فاسدة، و لازمها كون الثمرة و النتاج لربّ المال و عليه اجرة مثل العمل، و مثل هذا المعنى شائع في زماننا هذا

في مثل السيّارة التي يعطيها

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 30

[مسألة 8: تصحّ المضاربة بالمشاع كالمفروز]

مسألة 8: تصحّ المضاربة بالمشاع كالمفروز، فلو كانت دراهم معلومة مشتركة بين اثنين، فقال أحدهما للعامل: «قارضتك بحصّتي من هذه الدراهم» صحّ مع العلم بمقدار حصّته، و كذا لو كان عنده ألف دينار مثلا و قال: «قارضتك بنصف هذه الدنانير» (1).

[مسألة 9: لا فرق بين أن يقول: «خذ هذا المال قراضا و لكلّ منّا نصف الربح» و أن يقول: «... و الربح بيننا»]

مسألة 9: لا فرق بين أن يقول: «خذ هذا المال قراضا و لكلّ منّا نصف الربح» و أن يقول: «... و الربح بيننا» أو يقول: «... و لك نصف الربح» أو «... لي نصف الربح» في أنّ الظاهر أنّه جعل لكلّ منهما نصف الربح. و كذلك

______________________________

صاحبها لمن يعمل بها و يحمل المسافر بسببها من محلّ إلى محلّ آخر و تجعل الاجرة بينهما، فإنّ الظاهر عدم ثبوت المضاربة و بطلان المعاهدة الواقعة، بل الاجرة بأجمعها لصاحب السيّارة و عليه اجرة مثل عمل العامل، و فيما لو فرض غصب السيّارة و حمل المسافر بسببها لا يكون عليه اجرة مثل العمل أيضا؛ لعدم وقوعه بأمره و إذنه، فلا يكون عمله محترما بوجه، فلا فرق في عدم تحقّق المضاربة و عدم ترتيب آثارها بين صورتي الإذن و عدمها كما لا يخفى، و الحكمة التي ذكرناها لتشريع المضاربة و جعلها في الإسلام لا تقتضي الحكم بالصحّة في الموارد المذكورة؛ لكونها حكمة أوّلا لا علّة، و كون الحكمة المذكورة ممّا لم ينصّ عليها في رواية أو مثلها، فلا يدور الحكم مدارها كما في سائر الموارد.

(1) لعدم الدليل على اختصاص المضاربة برأس المال المفروز، بل تصحّ بالمشاع مع حفظ الشرائط المتقدّمة في رأس المال، التي منها كونه معلوما قدرا و وصفا، أو ممّا يؤول إلى العلم، فتصحّ المضاربة في مثل الفرضين المذكورين في المتن، و لا تكون الإشاعة موجبة لعدم كون

رأس المال عينا.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 31

لا فرق بين أن يقول: «خذه قراضا و لك نصف ربحه» أو يقول: «... لك ربح نصفه» فإنّ مفاد الجميع واحد عرفا (1).

[مسألة 10: يجوز اتّحاد المالك و تعدّد العامل في مال واحد]

مسألة 10: يجوز اتّحاد المالك و تعدّد العامل في مال واحد؛ مع اشتراط تساويهما فيما يستحقّان من الربح و فضل أحدهما على الآخر و إن تساويا في العمل، و لو قال: «قارضتكما و لكما نصف الربح» كانا فيه سواء. و كذا يجوز تعدّد المالك و اتّحاد العامل؛ بأن كان المال مشتركا بين اثنين، فقارضا واحدا بالنصف مثلا متساويا بينهما؛ بأن يكون النصف للعامل و النصف بينهما بالسويّة، و بالاختلاف؛ بأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف و في حصّة الآخر بالثلث مثلا، فإذا كان الربح اثني عشر استحقّ العامل خمسة و أحد الشريكين ثلاثة و الآخر أربعة. نعم، إذا لم يكن اختلاف في استحقاق العامل بالنسبة إلى حصّة الشريكين، و كان التفاضل في حصّة الشريكين فقط، كما إذا اشترط أن يكون للعامل النصف و النصف الآخر بينهما بالتفاضل مع تساويهما في رأس المال؛ بأن

______________________________

(1) وجه عدم الفرق ما أفاده في الذيل من كون مفاد الجميع واحدا عرفا، و إن شئت قلت: بحسب الظهور العقلائي الذي هو الملاك في العقود، و عليه فتقع المضاربة بصيغة الأمر و لا تكون مثل البيع، و يحتمل على بعد أن يكون المراد الوقوع على سبيل المعاطاة، و حصول المضاربة بالإعطاء الواقع عقيب الأمر و الأخذ بعد الإعطاء، و قد احتمل في المعاطاة في مثل البيع مع احتياجه إلى العوضين و ثبوت التمليك، الاكتفاء بإعطاء المبيع من جانب البائع و أخذه من جانب المشتري، فضلا عن

المقام الذي ليس فيه عوضان، و لا يكون مشتملا على التمليك، كما عرفت «1».

______________________________

(1) في ص 15.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 32

يكون للعامل الستّة من اثني عشر، و لأحد الشريكين اثنين و للآخر أربعة، ففي صحّته وجهان بل قولان، أقواهما البطلان (1).

______________________________

(1) يجوز اتّحاد المالك و تعدّد العامل في مال واحد؛ سواء اشترط تساويهما فيما يستحقّان من الربح، أو فضل أحدهما على الآخر و لو في صورة التساوي في العمل؛ لأنّه لا دليل على لزوم التساوي في الربح مع التساوي في العمل، بل يجري الحكم على طبق المعاقدة و المعاهدة، و يعمل على طبق ظهور اللفظ عرفا، فلو قال:

«قارضتكما و لكما نصف الربح» كانا فيه سواء من دون تفاضل.

ثمّ إنّه ذكر السيّد في العروة في أواخر كتاب المضاربة إنّه إذا تعدّد العامل؛ كأن ضارب اثنين بمائة مثلا بنصف الربح بينهما متساويا أو متفاضلا، فإمّا أن يميّز حصّة كلّ منهما من رأس المال؛ كأن يقول: على أن يكون لكلّ منه نصفه، و إمّا لا يميّز، فعلى الأوّل الظاهر عدم اشتراكهما في الربح و الخسران و الجبر إلّا مع الشرط؛ لأنّه بمنزلة تعدّد العقد، و على الثاني يشتركان فيها، و إن اقتسما بينهما فأخذ كلّ منهما مقدارا منه، إلّا أن يشترطا عدم الاشتراك فيها.

فلو عمل أحدهما و ربح، و عمل الآخر و لم يربح أو خسر، يشتركان في ذلك الربح و يجبر به خسران الآخر، بل لو عمل أحدهما و ربح و لم يشرع الآخر بعد في العمل فانفسخت المضاربة يكون الآخر شريكا و إن لم يصدر منه عمل؛ لأنّه مقتضى الاشتراك في المعاملة، و لا يعدّ هذا من شركة الأعمال

كما قد يقال، فهو نظير ما إذا آجرا نفسهما لعمل بالشركة، فهو داخل في عنوان المضاربة لا الشركة، كما أنّ النظير داخل في عنوان الإجارة» «1».

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 579 مسألة 3475.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 33

..........

______________________________

و مبنى أصل كلامه على تعدّد المضاربة و عدم تعدّدها، فعلى الأوّل يلحق كلّا منهما حكم نفسه لو خلّي و طبعه إلّا مع الشرط، و على الثاني يجري حكم الواحد، فيتحقّق الاشتراك في الربح و يجبر به خسران الآخر، هذا إذا تعدّد العامل.

و أمّا إذا تعدّد المالك و اتّحد العامل؛ بأن كان المال مشتركا بين اثنين فقارضا واحدا بالنصف مثلا متساويا بينهما؛ بأن يكون النصف للعامل و النصف بينهما بالسويّة، أو بالاختلاف؛ بأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف و في حصّة الآخر بالثلث مثلا، فإذا كان الربح اثني عشر استحقّ العامل خمسة؛ لأنّه المجموع المركّب من نصف النصف و ثلثه، و أحد الشريكين ثلاثة و الآخر أربعة.

و قد استدرك الماتن قدس سرّه صورة واحدة؛ و هي ما إذا لم يكن اختلاف في استحقاق العامل بالنسبة إلى حصّة الشريكين، و كان التفاضل في حصّة الشريكين فقط، كما إذا اشترط أن يكون للعامل النصف و النصف الآخر بينهما بالتفاضل مع تساويهما في رأس المال؛ بأن يكون للعامل الستّة من اثني عشر، و لأحد الشريكين اثنين و للآخر أربعة، ففي الصحّة و عدمها وجهان بل قولان، و قد جعل الأقوى البطلان، و لعلّ الوجه فيه أنّه مع اتّحاد العامل كما هو المفروض، و كون رأس المال مشتركا بينهما بالسّوية، و كون الربح تابعا لرأس المال من دون تفاضل بين المالكين في أيّة جهة مرتبطة بهذه المعاملة،

لا مجال للتفاضل.

نعم، لو كانت المضاربة متعدّدة، أو كان العامل كذلك، أو كون رأس المال مختلفا أو متميّزا، لم يكن مانع من ذلك، و أمّا مع الوحدة من جميع الجهات و عدم تميّز رأس المال من كلّ واحد من الشريكين لا يبقى موقع للصحّة، خصوصا بعد كون مشروعيّة المضاربة على خلاف القاعدة كما ذكرناه مرارا، فالأقوى كما في المتن البطلان، و لكن السيّد في العروة جعل الأقوى الصحّة، معلّلا بمنع عدم جواز

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 34

[مسألة 11: المضاربة جائزة من الطرفين يجوز لكلّ منهما فسخها]

مسألة 11: المضاربة جائزة من الطرفين يجوز لكلّ منهما فسخها، قبل الشروع في العمل و بعده، قبل حصول الربح و بعده، صار المال كلّه نقدا، أو كان فيه أجناس لم تنضّ بعد، بل لو اشترطا فيها الأجل جاز لكلّ منهما فسخها قبل انقضائه. و لو اشترطا فيها عدم الفسخ، فإن كان المقصود لزومها بحيث لا تنفسخ بفسخ أحدهما- بأن جعل ذلك كناية عن لزومها مع ذكر قرينة دالّة عليه- بطل الشرط دون أصل المضاربة على الأقوى، و إن كان المقصود التزامهما بأن لا يفسخاها فلا بأس به، و لا يبعد لزوم العمل عليهما، و كذلك لو شرطاه في ضمن عقد جائز ما لم يفسخ، و أمّا لو جعلا هذا الشرط في ضمن عقد خارج لازم- كالبيع و الصلح و نحوهما- فلا إشكال في لزوم العمل به (1).

______________________________

الزيادة لأحد الشريكين بلا مقابلتها لعمل منه، فإنّ الأقوى جواز ذلك الشرط، و نمنع كونه خلاف مقتضى الشركة، بل هو مخالف لمقتضى إطلاقها، مع أنّه يمكن أن يدّعى الفرق بين الشركة و المضاربة و إن كانت متضمّنة للشركة «1».

و فيه: أنّه مبنيّ على جواز جعل

مقدار من الربح للأجنبي، و قد ذكرنا عدم الجواز، فراجع.

(1) المضاربة من العقود الجائزة، و هل الوجه فيه الإجماع، أو قصور أدلّة اللزوم عن الشمول للعقود الإذنية الفاقدة للتمليك و التملّك؛ لعدم التزام من أحدهما بشي ء كي يشمله «أوفوا بالعقود»، بل إنّما هي مجرّد إذن و إباحة للتصرّف من أحدهما و قبول من الآخر كالعارية، و لا ينافي ذلك وقوع التجارة و البيع و الشراء من العامل، مع أنّه لا بيع إلّا في ملك، و لا يكون هنا وكالة من قبل المالك حتّى يقع البيع

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 543 ذيل مسألة 3417.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 35

..........

______________________________

له و يكون آثار البيع مترتّبة بالإضافة إليه، كخياري الغبن و العيب و نحوهما، فلا بدّ من الالتزام بدخوله في ملكه آنا مّا قبل البيع ليقع في ملكه، و إلّا فكيف يجتمع عدم ملكيّة العامل لرأس المال مع وقوع البيع له، و لذا ذكرنا «1» أنّ المضاربة على خلاف القاعدة من جهات مختلفة، و أنّ الحكمة الباعثة على تشريعها هي أهمّية الاقتصاد في المجتمع الإسلامي، و إن كانت على خلاف القواعد السارية في العقود، فتدبّر.

و كيف كان، فالظاهر هو الثاني، فلا مجال للمناقشة في أنّ الأوّل غير معلوم، و لا فرق في جواز الفسخ بين أن يكون قبل الشروع في العمل أو بعده، و كذا لا فرق بين أن يكون قبل حصول الربح أو بعده، كما أنّه لا فرق بين صيرورة المال كلّه نقدا، أو كان فيه أجناس لم تنضّ بعد، و الظاهر أنّه لا فرق بين صورة اشتراط الأجل فيها و عدمه، فإنّه يجوز الفسخ في الصورة الاولى قبل حلول الأجل

و انقضائه.

و لو اشترطا فيها عدم الفسخ، فإن كان بنحو شرط النتيجة؛ و هو أن يكون المراد عدم قابليّتها للانفساخ، فلا شبهة في بطلان الشرط لكونه مخالفا للكتاب و السنّة، و لكنّه لا يسري البطلان إلى أصل المضاربة؛ لعدم الملازمة بين فساد الشرط و فساد المشروط، فإنّ الشرط هو التزام في التزام لا مرتبطا به بحيث يتبعه في اللزوم و الجواز، و عدم لزوم العمل بالشروط الابتدائية للإجماع عليه، و التحقيق في محلّه. و إن كان المقصود شرط الفعل؛ بأن لا يتحقّق الفسخ من أحدهما خارجا- و إن كانت المعاملة في نفسها جائزة قابلة للفسخ- فلا بأس به.

و تظهر الثمرة بين الصورتين في أنّ الفسخ في الصورة الاولى يؤثّر في الانفساخ من دون استلزام مخالفة حكم تكليفي أصلا، و أمّا في الصورة الثانية فيؤثّر في

______________________________

(1) في ص 15- 17 و 25.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 36

[مسألة 12: الظاهر جريان المعاطاة و الفضولية في المضاربة]

مسألة 12: الظاهر جريان المعاطاة و الفضولية في المضاربة، فتصحّ بالمعاطاة، و لو وقعت فضولا من طرف المالك أو العامل تصحّ بإجازتهما (1).

______________________________

الانفساخ مع الاستلزام المذكور، فتدبّر.

و نفى البعد عن لزوم العمل عليهما نظرا إلى عدم اختصاص لزوم الوفاء بالشرط بالشروط في ضمن العقود اللازمة؛ لإطلاق دليل لزوم الوفاء بالشرط، و هو مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله: المؤمنون عند شروطهم «1». نعم، مع فسخ المضاربة و انحلالها لا يبقى مجال للزوم الوفاء؛ لعدم بقاء المشروط، و من هنا يظهر أنّه لو شرطاه في ضمن عقد جائز آخر لم يفسخ يلزم الوفاء به، و أولى من ذلك ما لو جعلا هذا الشرط في ضمن عقد خارج لازم كالبيع و الصلح و

نحوهما، فإنّه لا إشكال في لزوم العمل بالشرط لا مجرّد نفي البعد.

(1) فإنّ جريان المعاطاة و الفضوليّة في العقود لا يكون على خلاف القاعدة، فإنّ مرجع الأوّل إلى عدم اعتبار اللفظ في مقام الإنشاء، بل يمكن تحقّقه بالفعل الدالّ عليه عرفا، اللّهمّ إلّا في مورد ثبوت الإجماع على الخلاف و عدم الجريان، كالمعاطاة في النكاح، و مرجع الثاني إلى عدم اعتبار صدور السبب من المالك أو من يقوم مقامه. و بعبارة اخرى إلى عدم مقارنة الرّضا و طيب النفس، و لا دليل على الاعتبار في العقود و إن كان الظاهر اعتباره في باب الإيقاعات على وفق القاعدة أو

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا عليه السّلام: 2/ 159، تهذيب الأحكام: 7/ 371 ح 1503، الاستبصار: 3/ 232 ح 833، قضاء الحقوق للصوري: 18 ح 5، عوالي اللئالي: 1/ 218 ح 84 و ص 293 ح 173 و ج 2/ 257 ح 7، و عنها الوسائل: 21/ 276، كتاب النكاح، أبواب المهور ب 20 ذ ح 4، و بحار الأنوار: 49/ 162 و ج 75/ 96 ح 18 و ج 77/ 167، و مستدرك الوسائل: 13/ 301، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب 5 ح 7.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 37

[مسألة 13: تبطل المضاربة بموت كلّ من المالك و العامل.]

مسألة 13: تبطل المضاربة بموت كلّ من المالك و العامل. و هل يجوز لورثة المالك إجازة العقد فتبقى بحالها بإجازتهم أم لا؟ الأقوى عدم الجواز (1).

______________________________

خلافها، و التفصيل في محلّه من بحث المعاطاة في كتاب المكاسب، فتدبّر جيّدا.

و قد مرّ «1» أنّ قوله: «خذه قراضا و لك النصف من الربح» يمكن أن يكون ناظرا إلى المعاطاة بعد هذا القول، لا وقوع الإيجاب

به.

(1) لازم كون المضاربة من العقود الجائزة البطلان بسبب موت كلّ من المالك و العامل، كما هو الشأن في سائر العقود الجائزة، و هل يجوز لورثة المالك إجازة العقد فتبقى المضاربة بسبب إجازتهم بحالها أم لا؟ و في المتن الأقوى العدم، و لعلّ الوجه فيه أنّ المضاربة تبطل بمجرّد عروض الموت، فلا يبقى شي ء و لو اعتبارا بعده، و اللازم في الإجازة وجود الموضوع لها، ضرورة أنّه لا مجال لإجازة عقد غير واقع، فالمقام نظير الإجازة بعد الردّ في باب الفضولي، حيث إنّه بالردّ ينتفي الموضوع رأسا فلا موقع للإجازة أصلا، و قد ذكر صاحب العروة أنّه قد يقال بعدم الجواز؛ لعدم علقة له- أي للوارث- بالمال حال العقد بوجه من الوجوه ليكون واقعا على ماله أو متعلّق حقّه. و هذا بخلاف إجارة البطن السابق في الوقف أزيد من مدّة حياته، فإنّ البطن اللاحق يجوز له الإجازة؛ لأنّ له حقّا بحسب جعل الواقف. و أمّا في المقام فليس للوارث حقّ حال حياة المورّث أصلا، و إنّما ينتقل إليه المال حال موته، و بخلاف إجازة الوارث لما زاد من الثلث في الوصية، و في المنجّز حال المرض على القول بالثلث فيه، فإنّ له حقّا فيما زاد، فلذا يصحّ إجازته.

و نظير المقام إجارة الشخص ماله مدّة مات في أثنائها على القول بالبطلان

______________________________

(1) في ص 30- 31.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 38

[مسألة 14: العامل أمين فلا ضمان عليه لو تلف المال أو تعيّب تحت يده إلّا مع التعدّي أو التفريط]

مسألة 14: العامل أمين فلا ضمان عليه لو تلف المال أو تعيّب تحت يده إلّا مع التعدّي أو التفريط، كما أنّه لا ضمان عليه من جهة الخسارة في التجارة، بل هي واردة على صاحب المال، و لو اشترط المالك

على العامل أن يكون شريكا معه في الخسارة- كما هو شريك في الربح- ففي صحّته وجهان، أقواهما العدم. نعم، لو كان مرجعه إلى اشتراط أنّه على تقدير وقوع الخسارة على المالك خسر العامل نصفه مثلا من كيسه لا بأس به، و لزم العمل به لو وقع في ضمن عقد لازم، بل لا يبعد لزوم الوفاء به و لو كان في ضمن عقد جائز ما دام باقيا. نعم، له فسخه و رفع موضوعه، كما أنّه لا بأس بالشرط- على وجه غير بعيد- لو كان مرجعه إلى انتقال الخسارة إلى عهدته بعد حصولها في ملكه بنحو شرط النتيجة (1).

______________________________

بموته، فإنّه لا يجوز للوارث إجازتها، و لكنّه مع ذلك قال: يمكن أن يقال: يكفي في صحّة الإجازة كون المال في معرض الانتقال إليه، و إن لم يكن له علقة به حال العقد، فكونه سيصير له كاف، و مرجع إجازته حينئذ إلى إبقاء ما فعله المورّث، لا قبوله، و لا تنفيذه الخ «1»، و الحقّ أنّه لا محصّل لما أفاده من احتمال الصحّة بعد ما عرفت من كون لازم العقد الجائز البطلان بالموت.

(1) وقع التعرّض في المسألة لأمرين:

أحدهما: أنّ العامل أمين بالأمانة المالكيّة، فلا ضمان عليه لو تلف المال أو تعيّب تحت يده إلّا مع التعدّي أو التفريط، كما في الوديعة و العارية، كما أنّه لا ضمان عليه لو عرض له الخسارة في التجارة من دون تلف أو تعيّب، بل هي واردة على

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 543- 544 مسألة 3418.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 39

..........

______________________________

صاحب المال الذي هو المالك.

ثانيهما: أنّه لو اشترط المالك على العامل أن يكون شريكا معه في الخسارة كما

هو شريك معه في الربح، ففي صحّته وجهان، قد جعل في المتن الأقوى العدم، و لكن السيّد في العروة قال: إذا اشترط المالك على العامل أن تكون الخسارة عليهما كالربح، أو اشترط ضمانه لرأس المال، ففي صحّته وجهان، أقواهما الأوّل؛ لأنّه ليس شرطا منافيا لمقتضى العقد كما قد يتخيّل، بل إنّما هو مناف لإطلاقه، إذ مقتضاه كون الخسارة على المالك، و عدم ضمان العامل إلّا مع التعدّي أو التفريط «1».

و قد علّقنا عليه في حاشية العروة أنّ الثاني هو الأقوى، إلّا إذا كان مرجع اشتراط كون الخسارة عليه أو ثبوت الضمان إلى لزوم تداركه من ماله، فإنّه حينئذ لا مانع من الصحّة و يجب عليه العمل به على تقدير الخسارة أو التلف، و الروايات الدالّة على كون الوضيعة على صاحب المال لا دلالة فيها على بطلان الاشتراط في المقام، فإنّها دالّة على حكم صورة الإطلاق لا الاشتراط «2».

و عليه: فالاشتراط المذكور في كلام العروة راجع إلى الشرط المنافي لمقتضى العقد لا لإطلاقه، و هو الوجه في الحكم بعدم الصحّة كما في المتن، ضرورة أنّ الماهية تقتضي كون الخسارة على المالك؛ لعدم انتقال المال منه إلى العامل، و عدم وقوع التعدّي و التفريط منه كما هو المفروض.

و لا فرق بين أن يكون الاشتراط في ضمن عقد لازم أو جائز ما دام كونه باقيا

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 532 مسألة 3393.

(2) الحواشي على العروة الوثقى: 228.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 40

..........

______________________________

كما عرفت.

و عن بعضهم «1» القول بانقلاب عقد المضاربة عند اشتراط الضمان على العامل قرضا، فيكون جميع الربح للعامل و لا يكون للمالك إلّا رأس المال، مستندا إلى مثل صحيحة محمّد

بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث أنّ عليّا عليه السّلام قال: من ضمن تاجرا فليس له إلّا رأس ماله، و ليس له من الربح شي ء «2».

و لكنّها و إن كانت صحيحة لكن الانقلاب المذكور مخالف لما هو المشتهر من كون العقود تابعة للقصود، فإذا كان المقصود المضاربة، فلا وجه للانتقال إلى القرض، غاية الأمر البطلان، دون الانقلاب، إلّا أنّها لا ارتباط لها بالمقام، لورودها في التضمين من أوّل الأمر، لا اشتراط الضمان عند التلف، بل لم يفرض فيها الضرر و الخسران، و كلمة التضمين لا دلالة لها على ذلك، بل المفروض فيها حصول التجارة و تحقّق الربح، مع أنّ أصل الانقلاب يكون على خلاف القاعدة؛ لأنّ العقود تابعة للقصود، و بطلان الشرط على تقديره إنّما يؤثّر في خصوص بطلان الشرط، أو مضافا إلى أصل المعاملة أيضا، و لا مجال للانقلاب إلى غير ما هو المقصود، فتدبّر.

و لعلّ ذكر صاحب الوسائل الرواية في أبواب أحكام المضاربة دليلا على ارتباطها بالمضاربة، كما لا يخفى.

و بعبارة اخرى: أنّها واردة في القرض ابتداء الذي يعبّر عنه بالضمان المطلق، لا في انقلاب المضاربة إلى القرض بالاشتراط الملازم للحكم بصحّة الاشتراط،

______________________________

(1) العروة الوثقى: 5/ 163- 164 تعليقة السيّد الگلپايگاني.

(2) الكافي: 5/ 240 ح 3، الفقيه: 3/ 144 ح 632، تهذيب الأحكام: 7/ 190 ح 839، و عنها الوسائل: 19/ 22، كتاب المضاربة ب 4 ح 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 41

..........

______________________________

و حكي هذا المعنى عن صاحبي الوافي «1» و الحدائق «2».

و الإشكال الوارد على هذا الاحتمال أنّه يلزم أن تكون الرواية دالّة على حكم ضروري، لأنّ التاجر المقترض لرأس المال يكون مالكا

لما اقترضه، و لا محالة يكون الربح له؛ لأنّه نماء ملكه و ثمرة رأس ماله، غاية الأمر أنّه يجب عليه ردّ رأس المال فقط إلى المقرض؛ لفرض كونه قرضا، فهذا المعنى من هذه الجهة بعيد كما لا يخفى.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّها لدفع توهّم أنّ رأس المال حيث يكون للمقرض أوّلا؛ لأنّ المفروض أنّ التاجر يكون فاقدا له، فلا محالة يكون الربح أو بعضه راجعا إلى المقرض، فهي بصدد بيان أنّ تمام الربح يكون للتاجر؛ لأنّه تابع لرأس المال الذي يكون هو ملكه و خارجا عن ملك المقرض بسبب القرض.

و يمكن أن يقال: بأنّه من الواضح عدم ثبوت شي ء من الربح للمقرض، بل جميعه للمقترض، بل في غير صورة القرض من الهبة و غيرها أيضا، فمقصود المولى عليه السّلام أنّ اشتراط التضمين في صورة التلف أو الخسران في المضاربة يؤثّر في عدم الضمان إلّا بمقدار رأس المال، و في المقابل يكون الربح للعامل، و هذا أمر مخالف للقاعدة لم يلتزم به أحد من أصحابنا، فالرواية معرض عنها كما لا يخفى.

هذا، و أمّا ما أفاده في الذيل من أنّه لا بأس بالشرط- على وجه غير بعيد- لو كان مرجعه إلى انتقال الخسارة على عهدته بعد حصولها في ملكه بنحو شرط

______________________________

(1) الوافي: 18/ 880 ذح 18482 و 18483.

(2) الحدائق الناضرة: 21/ 202.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 42

[مسألة 15: يجب على العامل- بعد عقد المضاربة- القيام بوظيفته]

مسألة 15: يجب على العامل- بعد عقد المضاربة- القيام بوظيفته؛ من تولّي ما يتولّاه التاجر لنفسه على المعتاد بالنسبة إلى مثل تلك التجارة في مثل ذلك المكان و الزمان، و مثل ذلك العامل؛ من عرض القماش و النشر و الطيّ مثلا، و قبض

الثمن و إحرازه في حرزه، و استئجار ما جرت العادة باستئجاره، كالدلّال و الوزّان و الحمّال، و يعطي أجرتهم من أصل المال، بل لو باشر مثل هذه الامور هو بنفسه لا بقصد التبرّع فالظاهر جواز أخذ الأجرة. نعم، لو استأجر لما يتعارف فيه مباشرة العامل بنفسه كانت عليه الأجرة (1).

______________________________

النتيجة، ففي غاية البعد، خصوصا بعد كونه خلاف مقتضى العقد، و عدم الدليل على الانتقال في أمثال هذه الموارد و هو ظاهر.

و دعوى أنّ إطلاق دليل لزوم الشرط يشمله، مدفوعة بمنع ذلك بعد كونه مستلزما لتحريم الحلال فتأمّل، و بالجملة: فصحّة هذا النحو من شرط النتيجة أيضا مشكلة.

فإنّ الانتقال المزبور لا بدّ و أن يكون له سبب، كبيع الدين على من هو عليه الذي يؤثّر في الإبراء و سقوط الدّين، و أمّا ما له سبب خاصّ كالانتقال البيعي من دون السبب القولي أو الفعلي فلا يكاد يتحقّق بمجرّد الشرط إلّا أن يكون الشرط بنحو شرط الفعل لا النتيجة، فحصول الانتقال المزبور بمجرّد الشرط في غاية البعد.

(1) يجب على العامل بعد عقد المضاربة القيام بوظيفته، و ليس مرجع كون العقد جائزا كما ذكرناه «1» إلى عدم وجوب شي ء على أحد الطرفين، بل جواز الفسخ في جميع الحالات في المقام كما تقدّم 2. و أمّا ما دام لم يتحقّق الفسخ فوجوب العمل

______________________________

(1) 1، 2 في ص 34- 35.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 43

[مسألة 16: مع إطلاق عقد المضاربة يجوز للعامل الاتّجار بالمال على ما يراه من المصلحة]

مسألة 16: مع إطلاق عقد المضاربة يجوز للعامل الاتّجار بالمال على ما يراه من المصلحة؛ من حيث الجنس المشترى و البائع و المشتري و غير ذلك حتّى في الثمن، فلا يتعيّن عليه أن يبيع بالنقود، بل يجوز أن

يبيع الجنس بجنس آخر، إلّا أن يكون هناك تعارف ينصرف إليه الإطلاق. و لو شرط عليه المالك أن لا يشتري الجنس الفلاني، أو إلّا الجنس الفلاني، أو لا يبيع من الشخص الفلاني، أو الطائفة الفلانية، و غير ذلك من الشروط، لم يجز له المخالفة، و لو خالف ضمن المال و الخسارة، لكن لو حصل الربح و كانت التجارة رابحة شارك المالك في الربح على ما قرّراه في عقد المضاربة (1).

______________________________

بمقتضى العقد باق على حاله كما لا يخفى.

و عليه: ففي المقام يجب القيام بوظائف التاجر لنفسه مع حفظ الخصوصيّات؛ من مثل تلك التجارة المأذون فيها لو كان تجارة خاصّة، و مثل ذلك الزمان و المكان، و مثل ذلك العامل استاذا أو تلميذا، و عرض القماش و النشر و الطيّ مثلا، و أخذ الأثمان و حفظها في محفظة مأمونة، و في زماننا هذا في مثل البنك لو كانت الأثمان كثيرة، و استئجار ما جرت العادة النوعية باستئجاره؛ كالدلّال و الوزّان و الحمّال، و إعطاء اجرتهم من أصل المال.

نعم، لو باشر مثل هذه الامور بنفسه من دون قصد التبرّع فالظاهر جواز أخذ اجرتها لنفسه. نعم، لو استأجر فيما كان المتعارف فيه عدم الاستئجار و مباشرة العامل بنفسه كانت الاجرة عليه لا على المالك، و الوجه في جميع ما ذكر واضح.

(1) تارة يكون عقد المضاربة مطلقا، و اخرى يكون مقرونا مع الشرط.

ففي الصورة الاولى: يجوز للعامل الاتّجار بالمال على ما يراه من المصلحة من

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 44

..........

______________________________

جهة الجنس و البائع و المشتري و غير ذلك؛ كالنقد و النسيئة، و حتّى في الثمن، فلا يتعيّن عليه أن يبيع بخصوص النقود، بل

يجوز أن يبيع الجنس بجنس الآخر، و بالجملة: في صورة الإطلاق يكون اللازم مراعاة المصلحة بحسب اعتقاده، إلّا أن يكون في البين تعارف موجب لانصراف الإطلاق إليه؛ كما إذا كان المتعارف شراء الحنطة مثلا لكون البلد محلّ نشؤها، أو الأرز مثلا لكون البلد كذلك.

و في الصورة الثانية: أعني ما يكون فيه عقد المضاربة مقرونا بالشرط أيّ شرط كان لا يجوز التخلّف عنه؛ سواء قلنا بأنّ الشروط في ضمن العقود الجائزة أيضا يجب الوفاء بها كما تقدّم «1»، أو قلنا بأنّ غير مورد الشرط لا يكون مأذونا فيه، و على أيّ حال فلو تحقّقت المخالفة ضمن العامل أصل المال أو الخسارة، لكن المذكور في المتن أنّه لو حصل الربح و كانت التجارة رابحة شارك المالك في الربح على ما قرّراه في عقد المضاربة.

و الظاهر أنّ الوجه فيه أنّ الربح كالنماء تابع لأصل المال، و المفروض أنّه في عقد المضاربة قد التزم بثبوت حصّة من الربح للعامل، اللّهمّ إلّا أن يقال:

إنّ الإذن كان مقيّدا، و مع عدم رعاية القيد من طرف العامل لا يستحقّ من الربح شيئا و إن كانت التجارة رابحة، بل لا يستحقّ شيئا أصلا و لو أجرة مثل العمل؛ لعدم كونه مأذونا فيه، إلّا أنّه استند في ذلك إلى دلالة جملة من الأخبار عليه، مثل:

صحيحة جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل دفع إلى رجل مالا يشتري به ضربا من المتاع مضاربة، فذهب فاشترى به غير الذي أمره، قال: هو ضامن

______________________________

(1) في ص 36.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 45

..........

______________________________

و الربح بينهما على ما شرط «1».

و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل

يعطي الرجل مالا مضاربة فيخالف ما شرط عليه، قال: هو ضامن و الربح بينهما «2». و غيرهما من النصوص.

قال السيّد في العروة: و لا داعي إلى حملها على بعض المحامل، و لا إلى الاقتصار على مواردها؛ لاستفادة العموم من بعضها الآخر «3»، و الظاهر أنّ المراد من البعض الآخر هي صحيحة الحلبي الدالّة على إطلاق مخالفة المشروط عليه، و عليه:

فالروايات بما أنّها معتبرة ظاهرة لا بدّ من الأخذ بمفادها و إن كانت على خلاف القاعدة، و لكن التقييد بكون التجارة رابحة يعطي أمرا إضافيّا كما لا يخفى.

هذا، و قد ذكر بعض الأعلام قدس سرّه في تقريراته التي قرّرها ولده الشاب الشهيد قدس سرّه في هذا المجال ما ملخّصه: يمتاز القيد من الشرط في العقود الالتزامية التمليكيّة كالبيع، بأنّ الشرط فيها قد يكون أمرا خارجيّا أجنبيّا عن المبيع و الثمن كالخياطة، ففي مثله لا يمكن أن يكون قيدا لمتعلّق العقد؛ إذ المبيع وجود و الشرط وجود آخر، و النسبة بين الوجودين هي التباين، فلا معنى لأن يكون أحدهما مقيّدا بوجود الآخر.

و قد يكون وصفا لمتعلّق العقد، و هو تارة يكون من الأوصاف الذاتية المقوّمة للذات، فهو قيد لا محالة؛ كأن يقول: «بعتك هذا الموجود الخارجي على أن يكون ذهبا». و عليه: فلو تخلّف الوصف لكان البيع محكوما بالبطلان لا محالة، و اخرى لا يكون مقوّما للذّات؛ كما لو باع العبد على أنّه كاتب، و مثله لا يصلح أن يكون قيدا، فإنّ الموجود الخارجي لا إطلاق له لكي يكون مقيّدا بالكتابة في بعض الأحيان،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 7/ 193 ح 853، و عنه الوسائل: 19/ 18، كتاب المضاربة ب 1 ح 9.

(2) تهذيب الأحكام: 7/ 190 ح 838،

و عنه الوسائل: 19/ 16، كتاب المضاربة ب 1 ح 5.

(3) العروة الوثقى: 2/ 533 ذيل مسألة 3394.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 46

..........

______________________________

و حيث لا يجوز أن يكون من تعليق نفس البيع عليه؛ لأنّه من التعليق المبطل جزما، فينحصر أمره في كونه شرطا.

هذا كلّه بالنسبة إلى المائز بين القيود و الشروط في الأعيان الخارجيّة، و أمّا إذا كان متعلّق العقد كلّيا في الذمّة، فحيث إنّ وجود الكلّي ينحصر في وجود أفراده؛ إذ لا وجود له إلّا في ضمنها، كان الاشتراط- مقوّما كان الشرط أو غيره- موجبا لتعدّد الوجود و امتياز المقيّد عن غيره، و من هنا يكون الشرط قيدا في متعلّق المعاملة لا محالة، بحيث يكون متعلّقها خصوص الحصّة المقيّدة دون غيرها؛ لاقتضاء أخذ الوصف تخصّص الكلّي لا محالة.

و كذا الحال إذا كان متعلّق العقد عملا من الأعمال، فإنّه عرض من الأعراض، و هو يختلف و يتعدّد في الوجود بما له من صفات.

هذا كلّه في العقود الالتزامية التمليكية، و أمّا في عقد المضاربة الذي ينحلّ في الحقيقة إلى أمرين: إذن المالك للعامل في العمل، و التزامه بأن يكون الربح بينهما، فهو من العقود الإذنيّة بلحاظ الجهة الاولى، و من العقود الالتزاميّة بلحاظ الجهة الثانية، فإذا اشترط المالك على العامل ما يرجع إلى خصوصيّة في البيع أو الشراء، كان ذلك من تقييد الإذن لا محالة، فيكون راجعا إلى الجهة الاولى في المضاربة.

و مقتضى ذلك أنّ مخالفة الشرط توجب انتفاء الإذن في التصرّف فيه، و عليه:

فيحكم بعدم استحقاق العامل شيئا، و أمّا ما وقع من العمل خارجا فهو معاملة فضوليّة تتوقّف على إجازة المالك.

و أمّا إذا كان الشرط أمرا خارجيّا؛ كالخياطة

و الكتابة و نحوهما، فيمكن أن يكون راجعا إلى الجهة الاولى، فيكون من تعليق الإذن في التجارة على ذلك الفعل المعيّن، و لا يقدح فيه التعليق؛ لأنّ الممنوع إنّما هو التعليق في العقود التمليكيّة،

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 47

..........

______________________________

و المضاربة من العقود الإذنية، و يمكن أن يكون راجعا إلى الجهة الثانية؛ أعني التزامه بكون الربح بينهما، و هذا هو الأظهر في الشروط التي لها مالية، و عليه: فعند تخلّف العامل عن الشرط، فللمالك أن يرفع يده عن التزامه هذا، و إن كان إذنه في أصل التجارة باقيا فيأخذ تمام الربح، و يكون للعامل اجرة مثل عمله «1»، انتهى.

و هذا الكلام و إن كان دقيقا و متينا جيّدا، إلّا أنّ الحكم في الروايات بعدم ثبوت الاختيار لشي ء من المالك و العامل في صورة التخلّف عن الشرط- بل بأنّ العامل ضامن قهرا و الربح بينهما كذلك- لا ينطبق على أيّة قاعدة، فلا بدّ من الالتزام بمفادها، و إن كان على خلاف القاعدة، و لا داعي إلى حملها على بعض المحامل، كحمل المخالفة في النصوص على المخالفة الصّورية، بدعوى أنّ قصد المالك حين إعطائه لرأس المال للعامل إنّما هو الاسترباح.

غاية الأمر أنّه كان يتخيّل أنّه إنّما يكون بشراء الأطعمة مثلا، لكن العامل لمّا يعلم أنفعيّة شراء الحيوان مثلا فيشتريه فلا يمكن أن يقال: إنّه كان من غير إذن المالك؛ لأنّه لمّا كان قصده الاسترباح كان راضيا بكلّ معاملة فيها ربح، و من هنا تكون المعاملة صحيحة و الربح بينهما طبق ما قرّراه، و من الواضح بعد هذا الحمل، بل عدم صحّته؛ لأنّه لا فرق في صورة صحّة المضاربة بين الضمان و الربح،

فلا مجال لهذا الحمل و كذا المحامل الأخر، خصوصا مع أنّه لا داعي إليه بعد وجود الروايات الصحيحة، و قد عرفت أنّ التقييد بكون التجارة رابحة لا دليل عليه، بل صحيحة الحلبي التي اطلق فيها المخالفة خصوصا في السؤال تكون مطلقة من هذه الحيثيّة أيضا، فتدبّر جيّدا.

______________________________

(1) المباني في شرح العروة، كتاب المضاربة: 37- 40.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 48

[مسألة 17: لا يجوز للعامل خلط رأس بمال بمال آخر لنفسه أو لغيره إلّا بإذن المالك عموما أو خصوصا]

مسألة 17: لا يجوز للعامل خلط رأس المال بمال آخر لنفسه أو لغيره إلّا بإذن المالك عموما أو خصوصا، فلو خلط ضمن المال و الخسارة، لكن لو اتّجر بالمجموع و حصل ربح فهو بين المالين على النسبة (1).

[مسألة 18: لا يجوز مع الإطلاق أن يبيع نسيئة]

مسألة 18: لا يجوز مع الإطلاق أن يبيع نسيئة، خصوصا في بعض الأزمان و على بعض الأشخاص، إلّا أن يكون متعارفا بين التجّار- و لو في ذلك البلد أو الجنس الفلاني- بحيث ينصرف إليه الإطلاق، فلو خالف في غير مورد الانصراف ضمن، لكن لو استوفاه و حصل ربح كان بينهما (2).

______________________________

ثمّ إنّ مثل ما ذكرنا، العارية المضمونة التي اشترك فيها الانتفاع الخاصّ و الاستفادة في مجلس مخصوص، فإنّ الظاهر أنّ مقتضى القاعدة ثبوت الضمان مع عدم جواز الاستفادة في غير ما اشترط، مع أنّ العارية أيضا من العقود الإذنية لا التمليكيّة، كما لا يخفى.

(1) أمّا عدم جواز الخلط، فلأنّه و إن لم يصرّح به المالك الإذن، إلّا أنّ ظاهر كلامه فيما إذا لم يأذن المالك عموما أو خصوصا، و لم يكن هناك قرينة، عليه الاتّجار بشخص رأس المال من دون خلط، فلو خلط و تخلّف ضمن المال و الخسارة، لكن لو اتّجر بالمجموع و حصل ربح فهو بين المالين على النسبة، و قسمة رأس المال بين المالك و العامل على ما قرّراه في المضاربة، و الدليل عليه الروايات المتقدّمة في المسألة السابقة، مع ما ذكرنا من أنّه لا داعي إلى الحمل على بعض المقام، و لا خصوصيّة لموردها الذي يتوهّم أنّه صورة الشرط الصريح، بل يعمّ مثل ما ذكرنا، فراجع.

(2) إذا لم يكن هناك تعارف ينصرف إليه الإطلاق لا يجوز البيع نسيئة الذي هو

تفصيل الشريعة -

المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 49

[مسألة 19: ليس للعامل أن يسافر بالمال- برّا و بحرا- و الاتّجار به في بلاد اخر غير بلد المال إلّا مع إذن المالك]

مسألة 19: ليس للعامل أن يسافر بالمال- برّا و بحرا- و الاتّجار به في بلاد اخر غير بلد المال إلّا مع إذن المالك و لو بالانصراف لأجل التعارف، فلو سافر به

______________________________

في معرض تلف رأس المال نوعا، خصوصا في بعض الأزمان و على بعض الأشخاص. نعم، في صورة المتعارف كذلك؛ أي الذي ينصرف إليه الإطلاق كبعض البلاد أو كبعض الأجناس؛ كبيع السجادات في زماننا هذا الذي يتعارف فيه البيع نسيئة شهرا أو أزيد، فلا مانع منه بشرط رعاية ما هو المتداول من أخذ الصك المعتبر في السوق بالنحو المتعارف فيه. و لو خالف في غير مورد الانصراف، فإن حصل تلف أو تعيب فهو ضامن، لكن لو استوفاه و حصل ربح بينهما على ما قرّراه على حسب ما يستفاد من الروايات المتقدّمة بالتقريب الذي ذكرناه.

لكن ذكر السيّد في العروة أنّه إن اطّلع المالك- أي على البيع نسيئة- قبل الاستيفاء، فإن أمضى فهو، و إلّا فالبيع باطل- لعدم كونه مأذونا فيه و عدم شمول النصوص السابقة؛ لظهورها في كون المال عند العامل بالفعل- و له الرجوع على كلّ من العامل و المشتري مع عدم وجود المال عنده أو عند مشتر آخر منه، فإن رجع على المشتري بالمثل أو القيمة لا يرجع هو على العامل، إلّا أن يكون مغرورا من قبله و كانت القيمة أزيد من الثمن، فإنّه حينئذ يرجع بتلك الزيادة عليه، و إن رجع على العامل يرجع هو على المشتري بما غرم، إلّا أن يكون مغرورا منه و كان الثمن أقلّ، فإنّه حينئذ يرجع بمقدار الثمن «1»، انتهى.

لكن دعوى كون الروايات السابقة ظاهرة في كون رأس المال عند

العامل ممنوعة جدّا.

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 534 مسألة 3397.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 50

ضمن التلف و الخسارة، لكن لو حصل ربح يكون بينهما. و كذا لو أمره بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها (1).

[مسألة 20: ليس للعامل أن ينفق في الحضر من مال القراض]

مسألة 20: ليس للعامل أن ينفق في الحضر من مال القراض و إن قلّ حتّى فلوس السقاء، و كذا في السفر إذا لم يكن بإذن المالك، و أمّا لو كان بإذنه فله الإنفاق من رأس المال، إلّا إذا اشترط المالك أن تكون النفقة على نفسه، و المراد بالنفقة ما يحتاج إليه من مأكول و مشروب و ملبوس و مركوب و آلات و أدوات- كالقربة و الجوالق- و اجرة المسكن، و نحو ذلك مع مراعاة ما يليق بحاله عادة على وجه الاقتصاد، فلو أسرف حسب عليه، و لو قتّر على نفسه أو لم يحتج إليها من جهة صيرورته ضيفا مثلا لم يحسب له، و لا تكون من النفقة هنا جوائزه و عطاياه و ضيافاته و غير ذلك، فهي على نفسه إلّا إذا كانت لمصلحة التجارة (2).

______________________________

(1) ظاهر الإطلاق الاتّجار بالمال مضاربة في بلد المال، فليس للعامل أن يسافر به برّا و بحرا و الاتّجار به في بلاد اخر غير بلد المال إلّا مع إذن المالك صريحا أو بالانصراف، خصوصا مع أنّ السفر بالمال يوجب وقوعه في الخطر و التلف نوعا، فلو سافر به في غير صورة الجواز يضمن التلف و الخسارة، لكن مع حصول الربح يكون بينهما على ما قرّراه في المضاربة، و كذا لو أمره بالسفر إلى جهة خاصّة فسافر إلى غيرها، و ذلك لدلالة الروايات المتقدّمة عليه و إن كانت على خلاف القاعدة، كما

مرّ «1».

(2) العمدة في الفرق بين السفر و الحضر صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه

______________________________

(1) في ص 47.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 51

[مسألة 21: المراد بالسفر المجوّز للإنفاق من المال هو العرفي لا الشرعي]

مسألة 21: المراد بالسفر المجوّز للإنفاق من المال هو العرفي لا الشرعي، فيشمل ما دون المسافة، كما أنّه يشمل أيّام إقامته عشرة أيّام أو أزيد في بعض البلاد إذا كانت لأجل عوارض السفر؛ كما إذا كانت للراحة من التعب، أو لانتظار الرفقة، أو خوف الطريق، و غير ذلك، أو لأمور متعلّقة بالتجارة؛ كدفع العشور، و أخذ جواز السفر. و أمّا لو بقي للتفرّج أو لتحصيل مال لنفسه و نحو ذلك، فالظاهر كون نفقته على نفسه إذا كانت الإقامة لأجل مثل هذه الأغراض بعد تمام العمل. و أمّا قبله، فإن كان بقاؤه لإتمامه و غرض آخر،

______________________________

أبي الحسن عليه السّلام قال في المضارب: ما أنفق في سفره فهو من جميع المال فإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه «1». و المراد ممّا أنفق في سفره حصول الإنفاق خارجا أوّلا، فلو صار ضيفا لم يحسب له، و كذا لو قتّر على نفسه؛ بأن لم يأكل الغذاء في العشاء مثلا، و كون الإنفاق المزبور دخيلا في التجارة أصلا، أو لمصلحة الزيادة ثانيا، و عليه:

فجوائزه و عطاياه و ضيافاته و ما يصرف في التفريح و التفرّج ممّا لا دخل له في التجارة لا يكون من رأس المال و لا يرتبط بالمالك أصلا.

كما أنّ المراد ممّا أنفق فيما إذا قدم بلده الذي هو من نصيب العامل هو الإنفاقات التي لا ترتبط بالتجارة و لا تكون مصلحة لها، و أمّا إذا كانت كذلك كالإعلام في بعض المكتوبات، أو إعزام بعض الأشخاص للتبليغ

و الإعلام فلا إشكال في ثبوته على المالك، إلّا إذا اشترط المالك أن تكون على العامل كما لا يخفى، و المراد بالنفقة هو المعنى العام الشامل للمأكول و الملبوس و المشروب و المركوب و اجرة المسكن و نحوها.

______________________________

(1) الكافي: 5/ 241 ح 5، تهذيب الأحكام: 7/ 191 ح 847، و عنهما الوسائل: 19/ 24، كتاب المضاربة ب 6 ح 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 52

فلا يبعد التوزيع بالنسبة إليهما، و الأحوط احتسابها على نفسه. و إن لم يتوقّف الإتمام على البقاء، و إنّما بقي لغرض آخر فنفقة البقاء على نفسه، و نفقة الرجوع على مال القراض لو سافر للتجارة به و إن عرض في الأثناء غرض آخر، و إن كان الأحوط التوزيع في هذه الصورة، و أحوط منه الاحتساب على نفسه (1).

______________________________

(1) لا ريب في أنّ المراد بالسفر العرفي، لا الشرعي الذي يعتبر فيه خصوصيّات دخيلة في القصر؛ أي قصر الصلاة و ترك الصيام و نحوهما؛ لأنّه قد وقع في مقابل كونه في البلد، مضافا إلى اقتضاء مناسبة الحكم و الموضوع ذلك، و عليه: فيشمل ما دون المسافة الشرعيّة، كما أنّه يشمل إقامة عشرة أيّام أو أزيد في بعض البلاد، كما هو الغالب في الأسفار في تلك البلاد خصوصا السفر للتجارة.

نعم، لا بدّ أن يكون البقاء في السفر الذي يكون الإنفاق فيه من رأس المال إمّا لأجل الراحة من التعب، أو لانتظار الرفقة، أو خوف الطريق، أو الامور المتعلّقة بالتجارة؛ كدفع العشور، و أخذ جواز السفر. و أمّا مع البقاء للتفرّج، أو لتحصيل مال لنفسه، أو لغير هذه المضاربة من مضاربة اخرى مثلا، فلا يكون من رأس المال في

هذه المضاربة.

هذا كلّه إذا كان بعد تمام العمل في السفر، و أمّا إذا كان قبله، فإن كان بقاؤه لغرض إتمام العمل في هذه المضاربة و غرض آخر و لو كانت مضاربة اخرى، فلا يبعد التوزيع بالنسبة إليهما، و لكن احتاط في المتن استحبابا الاحتساب على نفسه؛ أي الغرض الآخر. و إن كان بقاؤه لغير غرض الإتمام فقط؛ لعدم توقّف الإتمام على البقاء أصلا، فهنا فرق بين نفقة البقاء فإنّما هي على نفسه، و بين نفقة الرجوع لو كان الغرض من السفر الاتّجار بمال المضاربة كما هو المفروض، فإنّما هي على رأس المال كسائر الموارد، من دون فرق بين أن يعرض له في الأثناء غرض آخر و عدمه، و إن

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 53

[مسألة 22: لو كان عاملا لاثنين أو أزيد، أو عاملا لنفسه و غيره]

مسألة 22: لو كان عاملا لاثنين أو أزيد، أو عاملا لنفسه و غيره توزّع النفقة. و هل هو على نسبة المالين أو نسبة العملين؟ فيه تأمّل و إشكال، فلا يترك الاحتياط برعاية أقلّ الأمرين إذا كان عاملا لنفسه و غيره، و التخلّص بالتصالح بينهما، و معهما إذا كان عاملا لاثنين مثلا (1).

______________________________

كان الأحوط الاستحبابي التوزيع في الصورة الاولى، و كمال الاحتياط الاحتساب على نفسه كما لا يخفى، فانقدح الضابط في ثبوت النفقة على رأس المال و عدمه.

(1) لو تعدّد أرباب المال، كأن يكون عاملا لاثنين أو أزيد، أو عاملا لنفسه و غيره لا إشكال في توزيع النفقة، لكن التوزيع هل هو على نسبة المالين أو نسبة العملين؟ فالمنسوب إلى المشهور بل كأنّه المتسالم عليه بينهم هو القول الأوّل، و نسب إلى بعض القول الثاني «1»، و لا يبعد أن يكون ذلك هو الحقّ، فإنّه

إذا كان مال المضاربة في أحدهما ألفا و في الآخر آلافا متعدّدة، و لكن الأوّل يفتقر في التجارة إلى كثرة العمل و عدم افتقار الثاني إليها، فهل مجرّد كون رأس المال فيه أكثر يقتضي التوزيع بنسبة المالين؟

و بعبارة اخرى: الربح في المضاربة إنّما يلحظ بالنسبة إلى أصل العمل و كيفيّته و سهولته و صعوبته و أمثال ذلك، و لا دخل في ذلك كثرة رأس المال و قلّته، فالقاعدة تقتضي القول الثاني، إلّا أنّ الاحتياط برعاية أقلّ الأمرين فيما إذا كان عاملا لنفسه و غيره، و التخلّص بالتصالح بينهما إذا كان عاملا لاثنين مثلا لا ينبغي أن يترك، بل لا يترك.

______________________________

(1) جامع المقاصد: 8/ 112، مسالك الأفهام: 4/ 349، المباني في شرح العروة الوثقى، كتاب المضاربة: 54.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 54

[مسألة 23: لا يعتبر ظهور الربح في استحقاق النفقة]

مسألة 23: لا يعتبر ظهور الربح في استحقاق النفقة، بل ينفق من أصل المال و إن لم يكن ربح. نعم، لو أنفق و حصل الربح فيما بعد يجبر ما أنفقه من رأس المال بالربح كسائر الغرامات و الخسارات، فيعطي المالك تمام رأس ماله، فإن بقي شي ء يكون بينهما (1).

[مسألة 24: الظاهر أنّه يجوز للعامل الشراء بعين مال المضاربة]

مسألة 24: الظاهر أنّه يجوز للعامل الشراء بعين مال المضاربة؛ بأن يعيّن دراهم شخصيّة و يشتري بها شيئا، كما يجوز الشراء بالكلّي في الذمّة و الدافع و الأداء منه؛ بأن يشتري جنسا بألف درهم كلّي على ذمّة المالك، و دفعه بعد ذلك من المال الذي عنده، و لو تلف مال المضاربة قبل الأداء لم يجب على المالك الأداء من غيره؛ لعدم الإذن على هذا الوجه، و ما هو لازم عقد المضاربة، هو الإذن بالشراء كلّيا متقيّدا بالأداء من مال المضاربة؛ لأنّه من الاتّجار بالمال عرفا.

______________________________

(1) لا يعتبر ظهور الربح في استحقاق النفقة، بل ينفق من أصل المال و إن لم يكن ربح، بل الغلبة مقتضية لثبوت الإنفاق قبل ظهور الربح، فإنّ الذهاب إلى السفر قبل أن يكون هناك تجارة- و كذا الأكل و الشرب- يكون قبل ظهور الربح الحاصل على فرضه بوقوع مدّة في السفر و الاتّجار فيه، فلا مجال لأن يقال بعدم استحقاق النفقة قبل ظهور الربح، و من الممكن أن لا يظهر الربح أصلا بل تحقّق الخسران، و عليه: فلا يمكن القول بأنّه يجب عليه من مال نفسه.

نعم، لو أنفق و حصل الربح فيما بعد يجبر ما أنفقه من رأس المال بالربح كسائر الغرامات و الخسارات، فإن بقي بعد ذلك شي ء زائد على رأس المال يكون بينهما على طبق ما قرّراه، و إن لم

يبق فيعطى المالك تمام رأس المال، كما أنّه لو نقص عن رأس المال يكون الباقي الناقص بأجمعه للمالك، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 55

نعم، للعامل أن يعيّن دراهم شخصيّة و يشتري بها و إن كان غير متعارف في المعاملات، لكنّه مأذون فيه قطعا و أحد مصاديق الاتّجار بالمال. هذا مع الإطلاق، و أمّا مع اشتراط نحو خاصّ فيتّبع ما اشترط عليه (1).

______________________________

(1) المتعارف في المعاملات كما هو الحال في هذه الأزمنة الشراء بالثمن الكلّي دون الثمن الشخصي، غاية الأمر تقيّد ذلك في المضاربة بالأداء من مالها، لكنّه يجوز للعامل الشراء بعين مال المضاربة؛ بأن يعيّن دراهم شخصيّة و يشتري بها شيئا؛ لأنّه مأذون فيه قطعا و إن كان غير متعارف، فإن اشترى العامل بالثمن الشخصي الذي هو مال المالك، فلا إشكال في وقوع المعاملة للمالك لكون الثمن مالا له، و لا تكون المعاملة فضولية بوجه؛ لتحقّق الإذن فيها قطعا كما عرفت.

بل ذكر صاحب العروة أنّ المشهور على ما قيل أنّ في صورة الإطلاق يجب أن يشتري بعين المال، فلا يجوز الشراء في الذمّة، و بعبارة اخرى: يجب أن يكون الثمن شخصيّا من مال المالك لا كلّيا في الذمّة، ثمّ قال: و الظاهر أنّه يلحق به الكلّي في المعيّن أيضا، و علّل ذلك بأنّه القدر المتيقّن، و أيضا الشراء في الذمّة قد يؤدّي إلى وجوب دفع غيره، كما إذا تلف رأس المال قبل الوفاء، و لعلّ المالك غير راض بذلك، و أيضا إذا اشترى بكلّي في الذمّة لا يصدق على الربح أنّه ربح مال المضاربة.

ثمّ قال: و لا يخفى ما في هذه العلل، و الأقوى- كما هو المتعارف-

جواز الشراء في الذمّة و الدفع من رأس المال- إلى أن قال:- ثمّ إنّ الشراء في الذمّة يتصوّر على وجوه:

أحدها: أن يشتري العامل بقصد المالك في ذمّته من حيث المضاربة.

الثاني: أن يقصد كون الثمن في ذمّته من حيث إنّه عامل و وكيل عن المالك، و يرجع إلى الأوّل، و حكمها الصحّة و كون الربح مشتركا بينهما على ما ذكرنا. و إذا

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 56

..........

______________________________

فرض تلف مال المضاربة قبل الوفاء كان في ذمّة المالك يؤدّي من ماله الآخر.

الثالث: أن يقصد ذمّة نفسه و كان قصده الشراء لنفسه، و لم يقصد الوفاء حين الشراء من مال المضاربة، ثمّ دفع منه. و على هذا الشراء صحيح و يكون غاصبا في دفع مال المضاربة من غير إذن المالك، إلّا إذا كان مأذونا في الاستقراض و قصد القرض.

الرابع: كذلك لكن مع قصد دفع الثمن من مال المضاربة حين الشراء حتّى يكون الربح له، فقصد نفسه حيلة منه، و عليه: يمكن الحكم بصحّة الشراء و إن كان عاصيا في التصرّف في مال المضاربة من غير إذن المالك و ضامنا له، بل ضامنا للبائع أيضا، حيث إنّ الوفاء بمال الغير غير صحيح.

و يحتمل القول ببطلان الشراء؛ لأنّ رضا البائع مقيّد بدفع الثمن؛ و المفروض أنّ الدفع بمال الغير غير صحيح، فهو بمنزلة السرقة، كما ورد في بعض الأخبار: أنّ من استقرض و لم يكن قاصدا للأداء فهو سارق «1».

و يحتمل صحّة الشراء و كون قصده لنفسه لغوا بعد أن كان بناؤه الدفع من مال المضاربة، فإنّ البيع و إن كان بقصد نفسه و كليّا في ذمّته إلّا أنّه ينصبّ على هذا الذي يدفعه،

فكأنّ البيع وقع عليه.

ثمّ قال: و الأوفق بالقواعد الوجه الأوّل، و بالاحتياط الثاني، و أضعف الوجوه الثالث و إن لم يستبعده الآقا البهبهاني قدس سرّه.

الخامس: أن يقصد الشراء في ذمّته من غير التفات إلى نفسه و غيره، و عليه أيضا يكون المبيع له، و إذا دفعه من مال المضاربة يكون عاصيا. و لو اختلف البائع

______________________________

(1) يراجع الوسائل: 18/ 327، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 5.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 57

..........

______________________________

و العامل في أنّ الشراء كان لنفسه أو لغيره- و هو المالك المضارب- يقدّم قول البائع لظاهر الحال، فيلزم بالثمن من ماله، و ليس له إرجاع البائع إلى المالك المضارب «1»، انتهى.

أقول: لا بدّ هنا من ملاحظة جهات متعدّدة ترجع إلى أنّ المتعارف في الشراء هو الشراء بالثمن الكلّي لا الشخصي حتّى في المضاربة؛ لعدم تعلّق غرض المالك بالشراء من عين نقوده، خصوصا بعد الحكم بالجواز في الأوراق النقدية، كالورقة العملة و نحوها على ما تقدّم. و إلى عدم كون العامل ضامنا لو تلف من غير تعدّ و تفريط؛ لأنّه أمين كالمستأجر. و إلى عدم صيرورته مالكا للمال بوجه و لو بنحو الاستقراض. و إلى أنّ الشراء إنّما هو لأجل المضاربة و الاسترباح بالتجارة. و إلى أنّ المفروض صورة عدم الاختلاف بين العامل و البائع بوجه. و إلى أنّ الشراء لا يكون فضوليّا بوجه؛ لكونه مأذونا فيه من قبل المالك. و إلى أنّه على فرض تلف مال المضاربة لا يجب على المالك الأداء من غيره، و ربما لا يكون له غير مال المضاربة شي ء. و إلى أنّ غرض العامل دفع الثمن من مال المضاربة لا من مال

آخر.

و بعد ملاحظة هذه الجهات و بعض الجهات الاخر لا محيص إلّا أن يقال بأنّ العامل إنّما يشتري لنفسه بالثمن الكلّي الذي يريد دفعه من مال المضاربة، و الدفع منه ليس لأجل الاستقراض، و القرض الموجب لصيرورته مالكا له لا لأجل أنّ لازم ذلك كون تمام الربح له؛ لإمكان أن يقال بأنّ الاشتراط صار موجبا لعدم كون تمام الربح له، بل لإذن المالك له في هذه الجهة و من خصوص مال المضاربة، ثمّ الجبران من المبيع، و لا يتحقّق الغصب بوجه، و هذا هو الذي لم يستبعده الآقا

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 535- 536 مسألة 3401.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 58

[مسألة 25: لا يجوز للعامل أن يوكّل غيره في الاتّجار]

مسألة 25: لا يجوز للعامل أن يوكّل غيره في الاتّجار- بأن يوكّل إليه أصل التجارة- من دون إذن المالك. نعم، يجوز له التوكيل و الاستئجار في بعض المقدّمات، بل و في إيقاع بعض المعاملات التي تعارف إيكالها إلى الدلّال، و كذلك لا يجوز له أن يضارب غيره أو يشاركه فيها إلّا بإذن المالك، و مع الإذن إذا ضارب غيره يكون مرجعه إلى فسخ المضاربة الاولى، و إيقاع مضاربة جديدة بين المالك و عامل آخر، أو بينه و بين العامل مع غيره بالاشتراك. و أمّا لو كان المقصود إيقاع مضاربة بين العامل و غيره؛ بأن يكون العامل الثاني عاملا للعامل الأوّل، فالأقوى عدم الصحّة (1).

______________________________

البهبهاني قدس سرّه مع حذف عنوان الغصبية؛ لعدم توهّمه في المقام بوجه كما لا يخفى.

هذا، و قد ذكرنا في التعليقة على العروة يمكن أن يقال بصحّة ما اختاره البهبهاني قدس سرّه في خصوص ما إذا لم يكن للعامل مال أصلا، و لا يرى لدى الناس

لذمّته اعتبار، بل تصدّيهم للمعاملة معه إنّما هو لأجل كونه عاملا بيده أموال يقدر على الاتّجار بها، ففي هذه الصورة قصد إيقاع المعاملة لنفسه لغو بحكم العرف، إلّا أن يقال: إنّ لازم ذلك بطلان العقد رأسا لا صحّتها و وقوعها للمالك «1»، و سيأتي في المسألة السابعة و العشرين رواية صحيحة دالّة على هذا المعنى، فانتظر.

(1) لا يجوز للعامل مع الإطلاق أن يوكّل غيره في أصل الاتّجار بحيث يصير الغير كأنّه العامل مكانه. نعم، يجوز له التوكيل و الاستئجار في بعض المقدّمات، و في إيقاع بعض المعاملات التي تعارف إيكالها إلى الدلّال؛ و ذلك لأنّ المأذون في أصل التجارة و العمل التجاري هو شخصه دون غيره، و منه يظهر أنّه لا يجوز له أن

______________________________

(1) الحواشي على العروة الوثقى: 229، الرابع.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 59

..........

______________________________

يضارب غيره أو يشاركه فيها إلّا بإذن المالك.

أمّا الصورة الاولى: فلأنّ مرجعه إلى عدم كونه مالكا و لا عاملا؛ لأنّ المفروض أنّ المال للمالك في المضاربة الاولى و العمل الصادر مرتبط بالعامل في الثانية. نعم، حيث إنّك عرفت «1» أنّ المضاربة من العقود الجائزة، يجوز للمالك فسخ المضاربة الاولى و إيقاع مضاربة جديدة بين المالك و عامل آخر، كما أنّ الأمر في الصورة الثانية يكون على هذا المنوال، فإنّ الاشتراك في العمل و ما يترتّب عليه إنّما هو على خلاف إذن المالك.

نعم، يمكن له فسخ الاولى و إيجاد مضاربة ثانية يكون المالك فيها واحدا و العامل متعدّدا، كما فرضناه في بعض المسائل السابقة «2»، و أمّا لو كان المقصود إيقاع مضاربة بين العامل و غيره؛ بأن يكون العامل الثاني عاملا للعامل الأوّل، و مرجعه

إليه في الامور الحادثة المرتبطة بالمضاربة، فقد قوّى في المتن عدم الصحّة، و الظاهر أنّ الوجه فيه أنّ تعدّد العامل في مضاربة واحدة و إن كان صحيحا كما ذكرناه سابقا، إلّا أنّ ذلك إنّما هو فيما إذا كان العامل الثاني في عرض العامل الأوّل و طرفا للمضاربة و المعاقدة. و أمّا إذا كان العامل الثاني في طول المالك الأوّل فلا دليل على الصحّة، خصوصا بعد ما كان أصل المضاربة مع الأحكام المترتّبة عليها على خلاف القاعدة المعهودة في باب العقود.

و بعبارة اخرى: لا وجه لاشتراك الربح بين العامل الأوّل و بين غيره مع عدم الدخالة للعامل الأوّل في التجارة كما هو المفروض؛ لأنّه وقوع التجارة من العامل

______________________________

(1) في ص 34.

(2) أي في المسألة العاشرة.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 60

[مسألة 26: الظاهر أنّه يصحّ أن يشترط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالا أو عملا]

مسألة 26: الظاهر أنّه يصحّ أن يشترط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالا أو عملا، كما إذا شرط المالك على العامل أن يخيط له ثوبا أو يعطيه درهما و بالعكس (1).

[مسألة 27: الظاهر أنّه يملك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره]

مسألة 27: الظاهر أنّه يملك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره، و لا يتوقّف على الإنضاض- بمعنى جعل الجنس نقدا- و لا على القسمة. كما أنّ الظاهر صيرورته شريكا مع المالك في نفس العين الموجودة بالنسبة، فيصحّ له مطالبة القسمة، و له التصرّف في حصّته من البيع و الصلح، و يترتّب عليه جميع آثار الملكيّة؛ من الإرث، و تعلّق الخمس و الزكاة، و حصول الاستطاعة، و تعلّق حقّ العرفاء و غير ذلك (2).

______________________________

الثاني، و كون المال مرتبطا بالمالك، و لم يكن العامل الثاني طرفا للمعاقدة مع المالك. نعم، لا مانع من الإيكال إلى الدلّال في بعض المعاملات التي يكون المتعارف فيها ذلك، كما لا يخفى.

(1) قد عرفت «1» أنّ وجوب العمل بالشرط لا يتوقّف على كون العقد لازما، بل في العقود الجائزة أيضا يجب الوفاء بالشرط. نعم، يصحّ فسخ العقد و بتبعه يرتفع وجوب الوفاء بالشرط، فيجوز أن يشترط المالك على العامل أن يخيط له ثوبا أو يعطيه درهما، و بالعكس؛ أي من طرف العامل على المالك.

(2) لأنّه مقتضى عقد المضاربة الذي وقع فيه هذا التعهّد و القرار، و لأنّ الربح الموجود إمّا أن لا يكون له مالك، و إمّا أن يكون، فعلى الثاني الذي لا محيص عنه

______________________________

(1) في ص 36.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 61

..........

______________________________

إمّا أن يكون مختصّا بمالك رأس المال و هو خلاف عقد المضاربة، و إمّا أن يكون مشتركا بينه و بين

العامل فهو المطلوب، و لا يتوقّف على الانضاض؛ بمعنى جعل الجنس نقدا، و لا على القسمة التي تتفرّع على الملكيّة لا نقلا و لا كشفا كما هو المشهور «1»، بل استظهر في العروة ثبوت الإجماع عليه «2»، و لدلالة صحيحة محمّد بن قيس قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه و هو لا يعلم، فقال: يقوّم فإذا زاد درهما واحدا اعتق و استسعى في مال الرجل «3». و لو لم يصر مالكا لحصّته لم ينعتق أبوه، و هذه الرواية شاهدة على أنّ الشراء في المضاربة لا يكون لنفسه و إلّا انعتق بمجرّد الشراء، فتدبّر جيّدا.

و عن الفخر، عن والده أنّ في هذه المسألة أربعة أقوال، و لكن لم يذكر القائل، و لعلّه من العامّة:

أحدها: ما ذكرنا.

الثاني: أنّه يملك بالإنضاض؛ لأنّه قبله ليس موجودا خارجيّا، بل هو مقدّر موهوم.

الثالث: أنّه يملك بالقسمة؛ لأنّه لو ملك قبله لاختصّ بربحه و لم يكن وقاية لرأس المال.

الرابع: أنّ القسمة كاشفة عن الملك سابقا؛ لأنّها توجب استقراره «4».

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 4/ 371، رياض المسائل: 9/ 87، جواهر الكلام: 26/ 373.

(2) العروة الوثقى: 2/ 548 مسألة 3423.

(3) الكافي: 5/ 241 ح 8، الفقيه: 3/ 144 ح 633، تهذيب الأحكام: 7/ 190 ح 841، و عنها الوسائل: 19/ 25، كتاب المضاربة ب 8 ح 1.

(4) إيضاح الفوائد: 2/ 322- 323.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 62

..........

______________________________

قال السيّد في العروة بعد جعل الأقوى ما ذكرنا: و دعوى أنّه ليس بموجود كما ترى، و كون القيمة أمرا وهميّا ممنوع، مع أنّا نقول: إنّه يصير شريكا في العين الموجودة بالنسبة، و

لذا يصحّ له مطالبة القسمة، مع أنّ المملوك لا يلزم أن يكون موجودا خارجيّا، فإنّ الدّين مملوك، مع أنّه ليس في الخارج.

و من الغريب إصرار صاحب الجواهر على الإشكال في ملكيّته، بدعوى أنّه حقيقة ما زاد على عين الأصل، و قيمة الشي ء أمر وهميّ لا وجود له لا ذمّة و لا خارجا، فلا يصدق عليه الربح. نعم، لا بأس أن يقال: إنّه بالظهور ملك أن يملك؛ بمعنى أنّ له الإنضاض فيملك، و أغرب منه أنّه قال: بل لعلّ الوجه في خبر «عتق الأب» ذلك أيضا، بناء على الاكتفاء بمثل ذلك في العتق المبنيّ على السراية «1».

إذ لا يخفى ما فيه، مع أنّ لازم ما ذكره كون العين بتمامها ملكا للمالك حتّى مقدار الربح، مع أنّه ادّعى الاتّفاق على عدم كون مقدار حصّة العامل من الربح للمالك، فلا ينبغي التأمّل في أنّ الأقوى ما هو المشهور. نعم، إن حصل خسران أو تلف بعد ظهور الربح خرج عن ملكيّة العامل، لا أن يكون كاشفا عن عدم ملكيّته من الأوّل، و على ما ذكرنا يترتّب عليه جميع آثار الملكيّة من جواز المطالبة بالقسمة، و إن كانت موقوفة على رضا المالك، و من صحّة تصرّفاته فيه من البيع و الصلح و نحوهما، و من الإرث، و تعلّق الخمس و الزكاة، و حصول الاستطاعة للحجّ، و تعلّق حقّ الغرماء به، و وجوب صرفه في الدّين مع المطالبة، إلى غير ذلك «2»، انتهى.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 26/ 375- 376.

(2) العروة الوثقى: 2/ 549- 550 ذيل مسألة 3423.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 63

[مسألة 28: لا إشكال في أنّ الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح ما دامت المضاربة باقية]

مسألة 28: لا إشكال في أنّ الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح ما

دامت المضاربة باقية؛ سواء كانت سابقة عليه أو لاحقة، فملكيّة العامل له بالظهور متزلزلة تزول كلّها أو بعضها بالخسران إلى أن تستقرّ، و الاستقرار يحصل بعد الإنضاض و فسخ المضاربة و القسمة قطعا، فلا جبران بعد ذلك. و في حصوله بدون اجتماع الثلاثة وجوه و أقوال، أقواها تحقّقه بالفسخ

______________________________

و لقد أجاد فيما أفاد بل جاء بما فوق المراد، و نضيف إليه: أنّه لو مات المالك بعد ظهور الربح و قبل الإنضاض أو القسمة، هل يمكن أن يقال بأنّه ليس للعامل شي ء و يكون تمام المال إرثا لورثة المالك، و غير ذلك من التوالي الفاسدة الكثيرة كما لا يخفى، فلا ينبغي التأمّل في الاستحقاق بالظهور، و قد انقدح نظير بعض إشكالات صاحب الجواهر قدس سرّه في زماننا هذا من بعض الصائغين، حيث إنّهم شرعوا في التجارة بالذهب و الفضّة و كان رأس ما لهم حين الشروع عشرة ملايين مثلا في عين كونه مقدارا معيّنا من الذهب مثلا، فلمّا عملوا طول السنة و بلغ موعد الخمس صار قيمة ذهبهم مضاعفا مثلا، حتّى عشرين مليونا في عين سقوط الكميّة و كسر المقدار من زمان الشروع.

فبالنتيجة صارت القيمة أكثر و المقدار و الكميّة أقلّ، فزعموا التخلّص بذلك عن مثل الخمس؛ نظرا إلى عدم زيادة الكميّة و عدم بقاء المقدار الذي شرعوا في التجارة بذلك المقدار، غافلا عن صدق الاغتنام العقلائي و الربح العرفي الموجب لثبوت الخمس لارتفاع القيمة السوقية العقلائية، و عدم تبديلهم عين الأموال المتعلّقة بهم بدون القيمة المرتفعة، فتدبّر حتّى لا يختلط عليك الأمر، فإنّه لو لم ينضّ العامل في المقام و لم يطالب القسمة و قد ربح ربحا كثيرا، هل يمكن الالتزام بعدم استحقاقه من الربح

شيئا؛ لتوقّفه على الإنضاض أو القسمة؟ و هذا واضح جدّا.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 64

مع القسمة و إن لم يحصل الانضاض، بل لا يبعد تحقّقه بالفسخ و الإنضاض و إن لم يحصل القسمة، بل تحقّقه بالفسخ فقط، أو بتمام أمدها لو كان لها أمد، لا يخلو من وجه (1).

______________________________

(1) الربح وقاية لرأس المال، فلا تتحقّق ملكيّته بمجرّد الظهور بنحو الملكيّة المستقرّة، بل ملكيّة العامل له بالظهور متزلزلة و تزول كلّها أو بعضها بالخسران الذي يمكن أن يتحقّق إلى أن تستقرّ، و لكنّه وقع الخلاف في أنّه بما ذا يتحقّق الاستقرار بعد وضوح تحقّقه عند اجتماع الامور الثلاثة؛ أي الإنضاض، و فسخ المضاربة، و تحقّق القسمة، فإنّه عند اجتماع هذه الامور الثلاثة لا مجال لتوهّم الجبران بوجه، و أمّا مع عدم الاجتماع ففيه وجوه بل أقوال.

قال السيّد في العروة: و لا يكفي في الاستقرار قسمة الربح فقط مع عدم الفسخ، و لا قسمة الكلّ كذلك، و لا بالفسخ مع عدم القسمة، فلو حصل خسران أو تلف أو ربح كان كما سبق، فيكون الربح مشتركا و التلف و الخسران عليهما و يتمّ رأس المال بالربح. نعم، لو حصل الفسخ و لم يحصل الإنضاض و لو بالنسبة إلى البعض و حصلت القسمة، فهل تستقرّ الملكيّة أم لا؟ إن قلنا بوجوب الإنضاض على العامل فالظاهر عدم الاستقرار، و إن قلنا بعدم وجوبه ففيه وجهان، أقواهما الاستقرار.

و الحاصل: أنّ اللازم أوّلا دفع مقدار رأس المال للمالك، ثمّ يقسّم ما زاد عنه بينهما على حسب حصّتهما، فكلّ خسارة و تلف قبل تمام المضاربة يجبر بالربح، و تماميّتها بما ذكرنا من الفسخ و القسمة «1»، انتهى.

______________________________

(1)

العروة الوثقى: 2/ 550 مسألة 35.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 65

[مسألة 29: كما يجبر الخسران في التجارة بالربح كذلك يجبر به التلف]

مسألة 29: كما يجبر الخسران في التجارة بالربح كذلك يجبر به التلف؛ سواء كان بعد الدوران في التجارة أو قبله أو قبل الشروع فيها، و سواء تلف بعضه أو كلّه، فلو اشترى في الذمّة بألف و كان رأس المال ألفا فتلف، فباع المبيع بألفين فأدّى الألف بقي الألف الآخر جبرا لرأس المال. نعم، لو تلف الكلّ قبل الشروع في التجارة بطلت المضاربة إلّا مع التلف بالضمان مع إمكان الوصول (1).

______________________________

و قد علّقنا في حاشية العروة على مطالب من هذه المسألة، فعلّقنا على قوله:

«و لا قسمة الكلّ» إلّا إذا كانت فيها دلالة عرفية على الفسخ، فإنّها حينئذ فسخ فعليّ، و على قوله: «و لا بالفسخ» الظاهر حصول الاستقرار بالفسخ فقط كما هو مقتضى القواعد، و على قوله: «إن قلنا بوجوب الإنضاض» وجوب الإنضاض على تقديره لا ينافي الاستقرار، و على قوله: «و تماميّتها بما ذكرنا» بل كما عرفت بالفسخ أو القسمة إذا كانت فيها دلالة عرفية على الفسخ «1».

(1) كما يجبر الخسران في التجارة بالربح و يقع بينهما الكسر و الانكسار، كذلك يجبر به التلف و إن لم يكن ضامنا له لكونه أمينا، من دون فرق بين أن يكون بعد الدوران في التجارة أو قبله أو قبل الشروع في أصل التجارة، و سواء تلف بعضه أو كلّه، فلو اشترى في الذمّة بألف و كان رأس المال ألفا فتلف فباع المبيع بألفين فأدّى الألف بقي الألف الآخر جبرا لرأس المال، خصوصا بعد ملاحظة ما ذكرنا من أنّ مقتضى الرواية الصحيحة المتقدّمة الواردة في اشتراء الأب جهلا وقوع الشراء في المورد

المفروض للمالك دون العامل، و عليه: فوجه الجبران واضح: عدم ضمان العامل للألف التالف الذي هو رأس المال، و كون الربح جابرا للخسارة و التلف،

______________________________

(1) الحواشي على العروة الوثقى: 234.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 66

..........

______________________________

و وقوع الكسر و الانكسار كما هو المناط في الموارد الاخر، مثل الخمس و الزكاة.

نعم، وقع في المتن استثناء صورة واحدة؛ و هي تلف الكلّ قبل الشروع في التجارة، فإنّه يوجب بطلان المضاربة لعدم الموضوع، و المفروض عدم كونه ضامنا إلّا مع التلف بالضمان مع إمكان الوصول، كما إذا باع الجميع نسيئة و لا يطمئنّ بعدم وصول الثمن أصلا، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه حكي عن الشهيد عدم جبران الخسارة اللاحقة بالربح السابق، و أنّ مقدار الربح من المقسوم تستقرّ ملكيّته «1». و قال السيّد في العروة: و أمّا التلف فإمّا أن يكون بعد الدوران في التجارة، أو بعد الشروع فيها، أو قبله، ثمّ إمّا أن يكون التالف البعض أو الكلّ، و أيضا إمّا أن يكون بآفة من اللّه سماويّة أو أرضيّة، أو بإتلاف المالك أو العامل أو الأجنبي على وجه الضمان، فإن كان بعد الدوران في التجارة فالظاهر جبره بالربح و لو كان لاحقا مطلقا؛ سواء كان التالف البعض أو الكلّ، كان التلف بآفة أو بإتلاف ضامن من العامل أو الأجنبي.

و دعوى أنّ مع الضامن كأنّه لم يتلف؛ لأنّه في ذمّة الضامن كما ترى. نعم، لو أخذ العوض يكون من جملة المال، بل الأقوى ذلك إذا كان بعد الشروع في التجارة و إن كان التالف الكلّ، كما إذا اشترى في الذمّة و تلف المال قبل دفعه إلى البائع فأدّاه المالك، أو باع العامل المبيع و

ربح فأدّى، كما أنّ الأقوى في تلف البعض الجبر و إن كان قبل الشروع أيضا؛ كما إذا سرق في أثناء السفر قبل أن يشرع في التجارة، أو في البلد أيضا قبل أن يسافر. و أمّا تلف الكلّ قبل الشروع في التجارة فالظاهر أنّه موجب لانفساخ العقد؛ إذ لا يبقى معه مال التجارة حتّى يجبر أو لا يجبر. نعم، إذا

______________________________

(1) حكى عنه في المسالك: 4/ 392.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 67

[مسألة 30: لو حصل فسخ أو انفساخ في المضاربة]

مسألة 30: لو حصل فسخ أو انفساخ في المضاربة، فإن كان قبل الشروع في العمل و مقدّماته فلا إشكال، و لا شي ء للعامل و لا عليه. و كذا إن كان بعد تمام العمل و الإنضاض؛ إذ مع حصول الربح يقتسمانه، و مع عدمه يأخذ المالك رأس ماله، و لا شي ء للعامل و لا عليه. و إن كان في الأثناء بعد التشاغل بالعمل، فإن كان قبل حصول الربح ليس للعامل شي ء، و لا اجرة له لما مضى من عمله؛ سواء كان الفسخ منه أو من المالك، أو حصل الانفساخ قهرا، كما أنّه ليس عليه شي ء حتّى فيما إذا حصل الفسخ منه في السفر المأذون فيه من المالك، فلا يضمن ما صرفه في نفقته من رأس المال، و لو كان في المال عروض لا يجوز للعامل التصرّف فيه بدون إذن المالك، كما أنّه ليس للمالك إلزامه بالبيع و الإنضاض.

و إن كان بعد حصول الربح، فإن كان بعد الإنضاض فقد تمّ العمل، فيقتسمان و يأخذ كلّ منهما حقّه، و إن كان قبل الإنضاض فعلى ما مرّ؛ من تملّك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره شارك المالك في العين، فإن رضيا بالقسمة

على هذا الحال، أو انتظرا إلى أن تباع العروض و يحصل الإنضاض كان لهما و لا إشكال، و إن طلب العامل بيعها لم يجب على المالك إجابته، و كذا إن طلبه المالك لم يجب على العامل إجابته، و إن قلنا بعدم استقرار مكيّته للربح إلّا بعد الإنضاض. غاية الأمر حينئذ لو حصلت خسارة بعد ذلك قبل القسمة يجب جبرها بالربح، لكن قد مرّ المناط في استقرار ملك العامل (1).

______________________________

أتلفه أجنبيّ و أدّى عوضه تكون المضاربة باقية، و كذا إذا أتلفه العامل «1»، انتهى.

(1) إذا حصل فسخ المضاربة من المالك أو العامل لأجل كونها من العقود

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 553 مسألة 3427.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 68

..........

______________________________

الجائزة كما عرفت، أو حصل انفساخها قهرا بتلف رأس المال كلّا مثلا أو بموت أحد المتعاقدين، ففي المسألة صور تالية:

الاولى: أن يكون ذلك قبل الشروع في العمل و مقدّماته، و لا ينبغي الإشكال في هذه الصورة في أنّه لا شي ء للعامل و لا عليه بوجه، و وجهه واضح.

الثانية: ما إذا كان بعد تمام العمل و الإنضاض؛ بمعنى جعل الجنس نقدا، فإنّه لا ينبغي الإشكال أيضا في أنّه مع حصول الربح يقتسمانه و يأخذ المالك رأس ماله، و لا شي ء للعامل بعد حصّته من الربح و لا عليه.

الثالثة: ما إذا كان في الأثناء بعد التشاغل بالعمل و قبل حصول الربح بوجه، فإنّه ليس للعامل شي ء و لا اجرة له لما مضى من عمله مطلقا لا من الربح؛ لأنّ المفروض عدم حصوله، و لا من شي ء آخر؛ لكونه خارجا عن المعاقدة، من دون فرق بين أن يكون الفسخ من العامل أو من المالك، أو حصل

الانفساخ قهرا، و ليس على العامل شي ء حتّى فيما إذا حصل الفسخ في السفر المأذون فيه من المالك، فلا يضمن ما صرفه في نفقة السفر من رأس المال من النفقات التي كان يجوز لها صرفه في السفر على ما عرفت «1».

الرابعة: الصورة المفروضة المتقدّمة مع ثبوت العروض في المال، فإنّه لا يجوز للعامل التصرّف فيه بدون إذن المالك، كما أنّه ليس للمالك إلزامه بالبيع و الإنضاض. أمّا عدم جواز التصرّف بدون إذن المالك، فلأنّ المفروض فسخ المضاربة أو انفساخها، فيحتاج التصرّف بإذن المالك، خصوصا مع دلالة الرواية

______________________________

(1) في ص 50- 51.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 69

..........

______________________________

الصحيحة المتقدّمة على وقوع الشراء في ذمّة المالك كما تقدّم «1»، كما أنّه ليس للمالك الإلزام بالبيع و الإنضاض؛ لأنّه متفرّع على بقاء المضاربة و المفروض ارتفاعها بالفسخ أو الانفساخ.

نعم، في المسألة قولان آخران، أحدهما: وجوب الإجابة مطلقا، و ثانيهما:

التفصيل بين كون مقدار رأس المال نقدا فلا يجب، و بين عدمه فيجب؛ لأنّ اللازم تسليم مقدار رأس المال كما كان، عملا بقوله صلّى اللّه عليه و آله: «على اليد ما أخذت ...» «2»،

و لكن الحقّ ما ذكرناه من أنّه مع انتفاء المضاربة و ارتفاعها لا مجال للوجوب عليه، كما لا يخفى، فيبقى إلزام الحاكم إيّاه بالبيع و الإنضاض و رفع رأس المال إلى المالك لو طلب رأس المال.

الخامسة: ما إذا كان بعد حصول الربح و الإنضاض، فعند ذلك قد تمّ العمل فيقتسمان الربح و يأخذ كلّ منهما حصّته.

السادسة: الصورة المفروضة قبل تحقّق الإنضاض، فعلى ما مرّ من تملّك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره شارك المالك في العين، فإن رضيا بالقسمة على هذا

الحال أو انتظر إلى أن تباع العروض و يحصل الإنضاض كان لهما و لا إشكال، و إن طلب العامل بيعها لم يجب على المالك إجابته، و كذا إن طلبه المالك لم يجب على العامل إجابته، فاللازم كما قلنا الرجوع إلى الحاكم و إلزامه العامل بالبيع، ضرورة إمكان البقاء كذلك سنوات عديدة موجبة لتعيّب العروض أو

______________________________

(1) في ص 61.

(2) المسند لابن حنبل: 7/ 248 ح 20107، سنن ابن ماجة: 3/ 147 ح 2400، سنن الترمذي: 3/ 566 ح 1269، السنن الكبرى للبيهقي: 8/ 495 ح 11713، عوالي اللئالي: 2/ 345 ح 10، مستدرك الوسائل:

17/ 88، كتاب الغصب ب 1 ح 4. و يراجع القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه: 1/ 83- 165.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 70

[مسألة 31: لو كان في المال ديون على الناس، فهل يجب على العامل أخذها و جمعها بعد الفسخ أو الانفساخ أم لا؟]

مسألة 31: لو كان في المال ديون على الناس، فهل يجب على العامل أخذها و جمعها بعد الفسخ أو الانفساخ أم لا؟ الأشبه عدمه، خصوصا إذا استند الفسخ إلى غير العامل، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط، خصوصا مع فسخه و طلب المالك منه (1).

______________________________

نقصان القيمة، كما لا يخفى.

هذا، و أمّا لو لم نقل بتملّك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره، بل باستقرار الملكيّة بعد الانضاض. غاية الأمر أنّه حينئذ لو حصلت خسارة بعد ذلك قبل القسمة يجب جبرها بالربح، فاللازم الالتزام بعدم الاستقرار في المقام؛ لأنّ المفروض ارتفاع المضاربة قبل تحقّق الإنضاض، و قد مرّ «1» مفصّلا الملاك في استقرار ملك العامل، فراجع.

(1) المشهور هو الوجوب، و تبعهم بعض الأعلام قدس سرّه «2»؛ لابتناء عقد المضاربة من الأوّل على تسليم العامل لما أخذه من المالك، فإنّه أمر مفروغ عنه في عقدها، و من

هنا فيكون من الشرط في ضمن العقد، فيجب عليه الوفاء به، و ليس له إرجاع المالك على المدينين.

و بالجملة: فتسليم العامل المال إلى المالك أمر مفروغ عنه في عقد المضاربة، فيجب عليه الوفاء به و ردّ ما أخذه منه، و مع ثبوت الربح يكون مشتركا بينهما، و نزيد عليه أنّه ربما لا يعرف المالك المدينين أو لا يقدر على الأخذ منهم بخلاف العامل، و في زماننا هذا يكون الصك الصادر من المديون باسم العامل نوعا،

______________________________

(1) في ص 64- 65.

(2) المباني في شرح العروة الوثقى، كتاب المضاربة: 113.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 71

[مسألة 32: لا يجب على العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ أزيد من التخلية بين المالك و ماله]

مسألة 32: لا يجب على العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ أزيد من التخلية بين المالك و ماله، فلا يجب عليه الإيصال إليه حتّى لو أرسل المال إلى بلد آخر غير بلد المالك و كان ذلك بإذنه، و لو كان بدون إذنه يجب عليه الردّ إليه حتّى أنّه لو احتاج إلى اجرة كانت عليه (1).

[مسألة 33: لو كانت المضاربة فاسدة كان الربح بتمامه للمالك]

مسألة 33: لو كانت المضاربة فاسدة كان الربح بتمامه للمالك إن لم يكن

______________________________

فلا مجال لرجوع المالك إليه و الأخذ منه و إن عرّفه العامل، كما لا يخفى.

(1) لا يجب على العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ أزيد من التخلية بين المالك و ماله، فلا يجب عليه الإيصال إليه. نعم، ذكر السيّد في العروة أنّه لو أرسله إلى بلد آخر غير بلد المالك- و لو كان بإذنه- يمكن دعوى وجوب الردّ إلى بلده، ثمّ قال: و لكنّه مع ذلك مشكل، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «على اليد ما أخذت ...» لا يدلّ على أزيد من التخلية، و إذا احتاج الردّ إليه إلى الاجرة فالاجرة على المالك، كما في سائر الأموال.

نعم، لو سافر به بدون إذن المالك إلى بلد آخر و حصل الفسخ فيه يكون حاله حال الغاصب في وجوب الردّ و الاجرة، و إن كان ذلك للجهل بالحكم الشرعي من عدم جواز السفر بدون إذنه «1».

أقول: لعدم الفرق في وجوب الردّ و الاجرة في الفرض المزبور بين صورتي الجهل و العلم، كما في مورد الغصب، و قد انقدح ممّا ذكرنا صحّة التفصيل المذكور في المتن، فتدبّر جيّدا.

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 563 مسألة 3443.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 72

إذنه في التجارة متقيّدا بالمضاربة، و

إلّا تتوقّف على إجازته، و بعد الإجازة يكون الربح له؛ سواء كانا جاهلين بالفساد أو عالمين أو مختلفين، و للعامل اجرة مثل عمله لو كان جاهلا بالفساد؛ سواء كان المالك عالما به أو جاهلا، بل لو كان عالما بالفساد فاستحقاقه لاجرة المثل أيضا لا يخلو عن وجه؛ إذا حصل ربح بمقدار كان سهمه على فرض الصحّة مساويا لاجرة المثل أو أزيد.

و أمّا مع عدم الربح أو نقصان سهمه عنها، فمع علمه بالفساد لا يبعد عدم استحقاقه على الأوّل، و عدم استحقاق الزيادة عن مقدار سهمه على الثاني، و مع جهله به فالأحوط التصالح، بل لا يترك الاحتياط به مطلقا، و على كلّ حال لا يضمن العامل التلف و النقص الواردين على المال. نعم، يضمن على الأقوى ما أنفقه في السفر على نفسه و إن كان جاهلا بالفساد (1).

______________________________

(1) لو كانت المضاربة فاسدة كان الربح بتمامه للمالك إن لم يكن إذنه في التجارة متقيّدة بالمضاربة، و إلّا تصير معاملات العامل فضوليّة تتوقّف على إجازته، و بعد الإجازة يكون الربح للمالك؛ سواء كانا جاهلين بالفساد أو عالمين أو مختلفين؛ لعدم مدخلية الجهل في الخروج عن الفضوليّة. و أمّا العامل فإن كان جاهلا بفساد المضاربة رأسا فله اجرة مثل عمله و لا نصيب له من الربح؛ سواء كان المالك عالما بالفساد أو جاهلا، و إن لم يكن جاهلا بالفساد بل عالما به، فقد نفى في المتن الخلوّ عن الوجه في الاستحقاق لاجرة المثل؛ إذا حصل ربح بمقدار كان سهمه على فرض الصحّة مساويا لاجرة المثل أو أزيد؛ لأنّ استحقاق اجرة المثل متيقّن على كلّ حال؛ لأنّ المفروض أنّ سهمه من الربح مساويا لاجرة المثل أو أزيد.

نعم، لو لم

يكن هناك ربح أصلا، أو كان سهمه ناقصا عن اجرة المثل، ففي صورة علمه بالفساد كما هو المفروض نفى البعد عن عدم استحقاقه مع عدم حصول ربح

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 73

[مسألة 34: لو ضارب بمال الغير من دون وكالة و لا ولاية وقع فضوليّا]

مسألة 34: لو ضارب بمال الغير من دون وكالة و لا ولاية وقع فضوليّا، فإن أجازه المالك وقع له و كان الخسران عليه، و الربح بينه و بين العامل على ما شرطاه. و إن ردّه فإن كان قبل أن يعامل بماله طالبه و يجب على العامل ردّه إليه، و إن تلف أو تعيّب كان له الرجوع على كلّ من المضارب و العامل، فإن رجع على الأوّل لم يرجع هو على الثاني، و إن رجع على الثاني رجع هو على الأوّل. هذا إذا لم يعلم العامل بالحال، و إلّا يكون قرار الضمان على من تلف أو تعيّب عنده، فينعكس الأمر في المفروض. و إن كان بعد أن عومل به كانت المعاملة فضوليّة، فإن أمضاها وقعت له، و كان تمام الربح له و تمام الخسران عليه، و إن ردّها رجع بماله إلى كلّ من شاء من المضارب و العامل كما في صورة

______________________________

على الأوّل، و عدم استحقاق الزيادة عن مقدار سهمه على الثاني، و ذلك للإقدام مع انكشاف الحال عنده و العلم بالفساد، و في صورة الجهل احتاط وجوبا بالتصالح؛ لأنّ المفروض ثبوت الجهل بالفساد مطلقا من ناحية، و كون عمله محترما من ناحية اخرى، فالأحوط التصالح، بل نهى عن ترك الاحتياط بالتصالح مطلقا، و على كلّ حال لا يضمن العامل التلف و النقص الواردين على المال؛ لأنّ كلّ عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

نعم، يضمن ما أنفقه

في السفر على نفسه و إن كان جاهلا بالفساد؛ لأنّ الجهل لا يؤثّر في الحكم الوضعي بالضمان أوّلا، و خروج النفقة في المضاربة الصحيحة إنّما هي كانت مستندة إلى الإذن من المالك على ما هو المتعارف، و المفروض بطلان المضاربة و إن كان المالك أيضا جاهلا بالفساد، كما لا يخفى. و إن شئت قلت: إنّ عدم الضمان في المضاربة الصحيحة ليس لأجل اقتضاء المضاربة ذلك، بل إنّما هو لأجل الإذن العرفي غير الموجود في المضاربة الفاسدة، كما هو ظاهر.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 74

التلف، و يجوز له أن يجيزها على تقدير حصول الربح، و يردّها على تقدير الخسران؛ بأن يلاحظ مصلحته، فإن رآها رابحة أجازها و إلّا ردّها.

هذا حال المالك مع كلّ من المضارب و العامل. و أمّا معاملة العامل مع المضارب، فإن لم يعمل عملا لم يستحقّ شيئا، و كذا إذا عمل و كان عالما بكون المال لغير المضارب. و أمّا لو عمل و لم يعلم بكونه لغيره استحقّ اجرة مثل عمله و رجع بها على المضارب (1).

______________________________

(1) لو ضارب بمال الغير من دون وكالة و لا ولاية، فهنا عناوين خمسة: المالك، و المضارب، و العامل، و عقد المضاربة، و المعاملة الواقعة بعده على تقدير الوقوع، و لذا يترتّب هنا أحكام كثيرة تالية:

الأوّل: أنّ عقد المضاربة وقع فضوليّا؛ لأنّ المفروض عدم إذن المالك و لا الشارع، و لا ثبوت الوكالة و لا الولاية؛ لجريان الفضوليّة في جميع العقود إلّا ما قام فيه الدليل على الخلاف، كالنكاح و نحوه.

الثاني: أنّ العقد الفضولي يتوقّف على إجازة المالك الحقيقي، و في المقام إن أجاز المالك عقد المضاربة الواقع فضولا وقع له،

و كان الخسران عليه و الربح بينه و بين العامل على ما شرطاه، من دون أن يكون للمضارب شي ء؛ لأنّ مرجع الإجازة ليس إلّا إلى وقوع عقد المضاربة للمالك، و التصرّف في ماله بهذا العنوان و ترتّب أحكام المضاربة عليه، التي منها اشتراك الربح بين المالك و العامل، كما عرفت.

الثالث: إن ردّ المالك العقد الفضولي المذكور، فإن كان ذلك قبل تحقّق التجارة و المعاملة من العامل يجوز له مطالبة العامل استرداد ماله، و يجب عليه ردّه إليه؛ لأنّه ماله وقع في يده بغير إذن و لا إجازة و إن كان الغير جاهلا بذلك. هذا في صورة

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 75

..........

______________________________

بقاء المال و عدم تعيّبه، و أمّا في صورة التلف أو التعيّب كان له الرجوع على كلّ من المضارب و العامل، كما في سائر موارد تعاقب الأيادي، فإن رجع إلى الأوّل- أي المضارب- لم يرجع هو على الثاني أي العامل، و إن رجع إلى الثاني يرجع هو على الأوّل.

هذا إذا لم يعلم العامل الحال، و إلّا يكون قرار الضمان و استقراره على من تلف أو تعيّب عنده، فينعكس الأمر في المفروض. و إن كان ردّ المضاربة الفضولية بعد أن عومل بماله من قبل العامل كانت التجارة الواقعة من العامل فضوليّة؛ لأنّها تجارة بمال الغير، فإن أمضاها المالك الأصلي فالمعاملة تقع له، و يترتّب عليه كون تمام الربح له و تمام الخسران عليه كسائر المعاملات الفضوليّة، و إن ردّها تجوز له المراجعة إلى كلّ من شاء من المضارب و العامل كما في صورة التلف، و لا فرق في ذلك بين صورتي العلم و الجهل، و يجوز للمالك مراعاة مصلحته

في هذه التجارة، فإن رآها رابحة أجازها و تمام الربح له، و إن رآها غير رابحة ردّها.

هذا حال المالك مع كلّ من المضارب و العامل. و أمّا حال العامل مع المضارب، فإن لم يعمل عملا بعد أو عمل و لكن كان عالما بكون المال لغير المضارب، فلا يستحقّ شيئا لا من الربح و لا اجرة المثل، أمّا الأوّل: فواضح، و أمّا الثاني: فلعدم الأمر به من المالك، و صدور الإذن من المضارب غير المالك أو الوكيل عنه أو الولي غير مجد أصلا. هذا فيما لو لم يعمل عملا أصلا، و أمّا مع تحقّق العمل منه خارجا فالظاهر استحقاق اجرة المثل على المضارب في صورة الجهل؛ لكونه مغرورا من قبله، و المغرور يرجع إلى الغارّ كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 76

[مسألة 35: لو أخذ العامل رأس المال ليس له ترك الاتّجار به و تعطيله عنده بمقدار لم تجر العادة عليه]

مسألة 35: لو أخذ العامل رأس المال ليس له ترك الاتّجار به و تعطيله عنده بمقدار لم تجر العادة عليه، و عدّ متوانيا متسامحا، فإن عطّله كذلك ضمنه لو تلف، لكن لم يستحقّ المالك غير أصل المال، و ليس له مطالبة الربح الذي كان يحصل على تقدير الاتّجار به (1).

[مسألة 36: لو اشترى نسيئة بإذن المالك كان الدّين في ذمّة المالك]

مسألة 36: لو اشترى نسيئة بإذن المالك كان الدّين في ذمّة المالك، فللدائن الرجوع عليه، و له أن يرجع على العامل خصوصا مع جهله بالحال، و إذا رجع عليه رجع هو على المالك، و لو لم يتبيّن للدائن أنّ الشراء للغير يتعيّن له في الظاهر الرجوع على العامل و إن كان له في الواقع الرجوع على المالك (2).

______________________________

(1) يجب على العامل بعد أخذ رأس المال الاتّجار به، و لا يجوز تعطيله عنده بمقدار لم تجر العادة عليه، و عدّ متوانيا متسامحا، فإن فعل ذلك و عطّله من دون جهة عرفية عقلائية، و تلف المال يخرج عن عنوان الأمين غير الضامن؛ لأنّ التعطيل كذلك مستلزم للتعدّي و التفريط الموجب لضمان الأمين، كما قرّر في محلّه من القواعد الفقهيّة «1»، لكن على تقدير الضمان لا يستحقّ المالك غير رأس المال و أصله؛ لأنّ المفروض عدم حصول الربح؛ لعدم الاتّجار به و إن كان مقصّرا في ذلك، لكن التقصير لا يتعدّى عن تخلّف الحكم الشرعي، و ليس له مطالبة سهمه من الربح الذي كان يحصل على فرض الاتّجار به، كما لا يخفى.

(2) لو اشترى نسيئة بإذن المالك، فحيث إنّ الشراء للمالك- كما يدلّ عليه الصحيحة المتقدّمة «2» الواردة في اشتراء الأب مع الجهل بالحال- يكون الدّين في

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف أدام اللّه ظلّه: 27- 43.

(2) في ص

61.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 77

[مسألة 37: لو ضاربه بخمسمائة مثلا فدفعها إليه و عامل بها]

مسألة 37: لو ضاربه بخمسمائة مثلا فدفعها إليه و عامل بها، و في أثناء التجارة دفع إليه خمسمائة اخرى للمضاربة، فالظاهر أنّهما مضاربتان، فلا تجبر خسارة إحداهما بربح الاخرى. و لو ضاربه على ألف مثلا فدفع خمسمائة فعامل بها ثمّ دفع إليه خمسمائة اخرى، فهي مضاربة واحدة تجبر خسارة كلّ بربح الاخرى (1).

______________________________

ذمّة المالك، و للبائع الرجوع عليه و أخذ الدّين منه، و له أن يرجع إلى العامل؛ سواء كان عالما بالحال أو جاهلا، أمّا على التقدير الثاني فواضح، و أمّا على التقدير الأوّل فلحصول المعاملة و التجارة منه و إن كانت مضاربة.

نعم، في صورة عدم التبيّن للدائن- أنّ الشراء للغير- يختلف الحكم بحسب الظاهر و الباطن؛ أمّا بحسب الظاهر فيتعيّن له الرجوع إلى العامل؛ لأنّه كان هو المشتري و لم يكن الحال متبيّنا عند البائع، و أمّا بحسب الواقع فيجوز له الرجوع على المالك؛ لأنّ الدّين في ذمّته حقيقة كما هو المفروض، فيجوز له الرجوع به عليه، و تظهر الثمرة فيما لو أنكر البائع وقوع البيع لغير العامل، و ادّعى وقوع البيع لنفسه و ثبوت الدّين في عهدته، فإنّه يجوز له أخذ الدّين من المشتري فقط، كما هو واضح لا يخفى.

(1) لو ضاربه بخمسمائة مثلا فدفعها إليه و عامل بها، و في أثناء التجارة دفع إليه خمسمائة اخرى للمضاربة، فالظاهر تعدّد المضاربة و إن كان المالك واحدا، كما إذا ضارب شخصا آخر أيضا بخمسمائة، و لا تجبر خسارة إحداهما بربح الاخرى، خصوصا إذا عيّن في كلّ مضاربة تجارة خاصّة، مع أنّ ما وقع أوّلا عقد خاصّ، متعلّق بمال خاصّ، و ما وقع

لا يتغيّر عمّا وقع عليه من الخصوصيّات، و المضاربة و إن كانت من العقود الجائزة إلّا أنّ معنى الجواز لا يرجع إلى التغيير بالنسبة إلى ما

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 78

[مسألة 38: لو كان رأس المال مشتركا بين اثنين فضاربا شخصا، ثمّ فسخ أحد الشريكين تنفسخ بالنسبة إلى حصّته]

مسألة 38: لو كان رأس المال مشتركا بين اثنين فضاربا شخصا، ثمّ فسخ أحد الشريكين تنفسخ بالنسبة إلى حصّته، و أمّا بالنسبة إلى حصّة الآخر فمحلّ إشكال (1).

______________________________

وقع بوجه، مثل ما إذا وهب زيدا مثلا خمسمائة ثمّ بعد ذلك وهبه أيضا ذلك المقدار، فإنّ ذلك لا يوجب وحدة الهبة، و يمكن اختلافهما من جهة اللزوم و عدمه إذا حصل شرائط اللزوم في إحداهما دون الاخرى.

نعم، لو ضاربه على ألف مثلا فدفع إليه نصفه و اشتغل العامل بالاتّجار به، ثمّ في أثناء التجارة دفع نصفه الآخر فالظاهر حينئذ وحدة المضاربة و جبران خسارة كلّ بربح الاخرى، كما لا يخفى.

(1) قد عرفت في المسألة السابقة أنّ وحدة المالك لا توجب وحدة المضاربة و لا تدور مدارها، فاعلم أنّ تعدّد المالك لا يوجب تعدّد المضاربة، فيمكن أن يكون رأس المال مشتركا بين اثنين فضاربا شخصا، فإنّ المضاربة واحدة و إن كان المالك متعدّدا. نعم، يقع الكلام حينئذ في أنّه لو فسخ أحد الشريكين باعتبار كونها من العقود الجائزة، لا إشكال بالنسبة إلى الانفساخ في خصوص حصّته، و أمّا بالنسبة إلى حصّة الآخر فقد استشكل فيه في المتن، و وجه الإشكال أنّه لم يعهد انفساخ العقد بالإضافة إلى البعض دون البعض الآخر بالفسخ، و إن كان تبعّض الصفقة أمرا ممكنا شائعا، و تقسيم المال المشترك لا بدّ و أن يكون بنظر الشريكين، و لا يستقلّ شريك واحد و لو مع إضافة

وكيله و عامله في ذلك.

و إن شئت قلت: إنّه كان للعامل التصرّف في المال المشترك، و لعلّه لو لم تكن الشركة لم يكن الآخر راضيا بذلك، و المفروض وقوع عقد واحد مع خصوصيّات مخصوصة، و من أنّه بعد جواز فسخ أحدهما تنفسخ المعاملة بالإضافة إلى حصّته

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 79

[مسألة 39: لو تنازع المالك مع العامل في مقدار رأس المال و لم تكن بيّنة قدّم قول العامل]

مسألة 39: لو تنازع المالك مع العامل في مقدار رأس المال و لم تكن بيّنة قدّم قول العامل؛ سواء كان المال موجودا أو تالفا و مضمونا عليه. هذا إذا لم يرجع نزاعهما إلى مقدار نصيب الناس من الربح، و إلّا ففيه تفصيل (1).

______________________________

لا محالة، و لا فرق بين صور التبعّض كما لا يخفى.

(1) لو تنازع المالك مع العامل في مقدار رأس المال و لم تكن هناك بيّنة قدّم قول العامل مع يمينه؛ لمطابقته لأصالة عدم الزيادة، من دون فرق بين ما إذا كان المال موجودا أو تالفا و مضمونا عليه؛ لأنّه على تقدير عدم الضمان لا يترتّب على النزاع فائدة.

هذا إذا لم يرجع نزاعهما إلى مقدار نصيب العامل من الربح، و إلّا فالمذكور في العروة أنّه إذا كان كذلك؛ كما إذا كان نزاعهما بعد حصول الربح و علم أنّ الذي بيده هو مال المضاربة، فحينئذ النزاع في قلّة رأس المال و كثرته يرجع إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من هذا المال الموجود، إذ على تقدير قلّة رأس المال يصير مقدار الربح منه أكثر، فيكون نصيب العامل أزيد، و على تقدير كثرته بالعكس، و مقتضى الأصل كون جميع هذا المال للمالك إلّا بمقدار ما أقرّ به للعامل «1».

و لا يرد عليه أنّ العامل ذو اليد، حيث إنّ

المال بأجمعه في يده بالفعل، و مقتضى القاعدة كونه بأجمعه له إلّا المقدار الذي أقرّ به للمالك، فإنّه إنّما يتمّ فيما إذا لم يكن ذو اليد معترفا بانتقاله إليه من المالك، و أمّا معه فلا أثر لليد، حيث ينقلب المدّعي منكرا و المنكر مدّعيا، فيلزم بالإثبات، و إلّا فالمال للمالك بمقتضى اعترافه، و لا يستحقّ إلّا ما يقرّ به المالك. نعم، للعامل إحلاف المالك في الفرض كما في نظائره.

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 567 مسألة 3447.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 80

[مسألة 40: لو ادّعى العامل التلف أو الخسارة، أو عدم حصول المطالبات مع عدم كون ذلك مضمونا عليه، و ادّعى المالك خلافه و لم تكن بيّنة]

مسألة 40: لو ادّعى العامل التلف أو الخسارة، أو عدم حصول المطالبات مع عدم كون ذلك مضمونا عليه، و ادّعى المالك خلافه و لم تكن بيّنة، قدّم قول العامل (1).

[مسألة 41: لو اختلفا في الربح و لم تكن بيّنة قدّم قول العامل]

مسألة 41: لو اختلفا في الربح و لم تكن بيّنة قدّم قول العامل؛ سواء اختلفا في أصل حصوله أو في مقداره. بل و كذا الحال لو قال العامل: ربحت كذا، لكن خسرت بعد ذلك بمقداره فذهب الربح (2).

[مسألة 42: لو اختلفا في نصيب العامل من الربح؛ و أنّه النصف مثلا أو الثلث و لم تكن بيّنة]

مسألة 42: لو اختلفا في نصيب العامل من الربح؛ و أنّه النصف مثلا أو الثلث و لم تكن بيّنة قدّم قول المالك (3).

______________________________

(1) لأنّ مقتضى الأصل العدم في جميع الفروض، و المفروض عدم ثبوت البيّنة للمالك، فالقول قول العامل مع يمينه.

(2) لو اختلفا في الربح و لم تكن هناك بيّنة؛ سواء كان النزاع في أصل حصول الربح في مقابل عدمه رأسا، أو كان النزاع في مقداره بعد الاتّفاق على أصل حصوله و لم تكن هناك بيّنة، فالقول قول العامل مع يمينه؛ لموافقته لأصالة العدم، و هنا صورة ثالثة؛ و هو النزاع في الخسران بمقدار الربح و عدمه بعد الاتّفاق على أصل حصول الربح و مقداره، فالعامل يدّعيه و المالك ينفيه، و في بادئ النظر و إن كان القول قول منكر الخسران، إلّا أنّ ذهاب الربح بمقدار الخسران قول ذي اليد، و هو مقدّم على قول من يدّعي المطابقة للأصل، كما لا يخفى.

(3) تقديم قول المالك أي مع حلفه إنّما هو لأجل كونه منكرا؛ لمطابقة قوله مع أصالة عدم الزيادة استصحابا أو براءة، و في صورة عدم وجود البيّنة للمدّعي

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 81

[مسألة 43: لو تلف المال أو وقع خسران، فادّعى المالك على العامل الخيانة أو التفريط في الحفظ]

مسألة 43: لو تلف المال أو وقع خسران، فادّعى المالك على العامل الخيانة أو التفريط في الحفظ، و لم تكن له بيّنة قدّم قول العامل. و كذا لو ادّعى عليه الاشتراط أو مخالفته لما شرط عليه؛ كما لو ادّعى أنّه قد اشترط عليه أن لا يشتري الجنس الفلاني و قد اشتراه فخسر، و أنكر العامل أصل هذا الاشتراط، أو أنكر مخالفته لما اشترط عليه. نعم، لو كان النزاع في صدور الإذن من المالك فيما

لا يجوز للعامل إلّا بإذنه؛ كما لو سافر بالمال أو باع نسيئة فتلف أو خسر، فادّعى العامل كونه بإذنه و أنكره، قدّم قول المالك (1).

______________________________

يكون الحقّ مع المدّعى عليه مع يمينه، كما في سائر الموارد على ما هو المقرّر في كتاب القضاء الذي شرحناه مع التفصيل «1».

(1) وقع التعرّض في هذه المسألة لصور تنازع المالك و العامل، و هي كثيرة:

الاولى: لو تلف المال أو وقع خسران، فادّعى المالك على العامل الخيانة و التفريط في الحفظ، و لم يكن للمالك بيّنة على دعواه، فإنّ القول قول العامل مع يمينه لأنّه منكر؛ لمطابقة قوله مع أصالة عدم الخيانة أو التفريط في الحفظ، أو مع أصالة عدم الضمان استصحابا أو براءة.

الثانية: ما لو ادّعى المالك عليه الاشتراط، أو مخالفته لما شرط عليه؛ كما لو ادّعى عليه أنّه اشترط أن لا يشتري الجنس الفلاني فاشتراه فخسر، و أنكر العامل أصل هذا الاشتراط و قال بأنّ المالك لم يشترط في ضمن عقد المضاربة هذا الشرط، أو قال بأنّه لم يقع في الخارج مخالفة هذا الشرط مع تسليم أصله، و في هاتين الصورتين يكون القول قول العامل مع عدم ثبوت البيّنة للمالك على دعواه؛ لمطابقة

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 121- 131.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 82

[مسألة 44: لو ادّعى ردّ المال إلى المالك و أنكره]

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، در يك جلد، مركز فقه ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1425 ه ق

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...؛ ص: 82

مسألة 44: لو ادّعى ردّ المال إلى المالك و أنكره قدّم قول المنكر (1).

[مسألة 45: لو اشترى العامل سلعة فظهر فيها ربح]

مسألة 45: لو اشترى العامل سلعة فظهر فيها ربح فقال: اشتريتها لنفسي، و قال المالك: اشتريته للقراض، أو ظهر خسران فادّعى العامل أنّه اشتراه للقراض، و قال صاحب المال: اشتريتها لنفسك، قدّم قول العامل بيمينه (2).

______________________________

قوله مع أصالة عدم الاشتراط، أو عدم مخالفة الشرط كما في الفرض الأوّل.

الثالثة: لو وقع النزاع في صدور الإذن من المالك فيما لا يجوز للعامل إلّا بإذنه، كما لو سافر بالمال و قلنا بعدم جواز السفر به إلّا مع الإذن، أو باع نسيئة كذلك فتلف أو خسر، فادّعى العامل إذن المالك إيّاه في ذلك و أنكر المالك الإذن، و في هذه يقدّم قول المالك مع عدم ثبوت البيّنة للعامل؛ لأنّ قول المالك مطابق لأصالة عدم الإذن و هو محال؛ لجريان الأصل في المسبّب مع جريانه في السبب إذا كانت السببيّة شرعيّة، كما قرّر في محلّه من علم الاصول.

(1) تقديم قول المالك- أي مع يمينه- إنّما هو لمطابقة قوله لأصالة عدم الردّ، مع أنّه عرفا منكر، و قد ذكرنا في كتاب القضاء أنّ الملاك في تشخيص المدّعي و المدّعى عليه اللذين وقع التعبير بهما في كلام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله هو العرف «1»، كسائر العناوين الواقعة موضوعة للأحكام.

(2) لو اشترى العامل سلعة فظهر فيها ربح فقال اشتريتها لنفسي فبالنتيجة تمام الربح لي، و قال المالك: اشتريته

للقراض فالربح مشترك، أو ظهر خسران فادّعى العامل أنّه اشتراه للقراض فالخسران على المالك، و قال صاحب المال: اشتريتها

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 75- 77 و ص 115- 116.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 83

[مسألة 46: لو حصل تلف أو خسارة فادّعى المالك أنّه أقرضه، و ادّعى العامل أنّه قارضه]

مسألة 46: لو حصل تلف أو خسارة فادّعى المالك أنّه أقرضه، و ادّعى العامل أنّه قارضه، يحتمل التحالف بلحاظ محطّ الدعوى، و يحتمل تقديم قول العامل بلحاظ مرجعها. و لو حصل ربح فادّعى المالك قراضا و العامل إقراضا، يحتمل التحالف أيضا بلحاظ محطّها، و تقديم قول المالك بلحاظ مرجعها، و لعلّ الثاني في الصورتين أقرب (1).

[مسألة 47: لو ادّعى المالك أنّه أعطاه المال بعنوان البضاعة]

مسألة 47: لو ادّعى المالك أنّه أعطاه المال بعنوان البضاعة فلا يستحقّ العامل شيئا من الربح، و ادّعى العامل المضاربة فله حصّة منه، فالظاهر أنّه يقدّم قول المالك بيمينه، فيحلف على نفي المضاربة، فله تمام الربح لو كان،

______________________________

لنفسك فالخسران عليك، ففي المتن قدّم قول العامل بيمينه، و لعلّه لأنّه أعرف بنيّته من غيره؛ لعدم المائز بين الأمرين في المقام إلّا بالنيّة، فالظاهر معه.

(1) لو حصل تلف أو خسارة فادّعى المالك أنّه أقرضه فالتلف أو الخسارة عليه لوقوعه في ملكه، و ادّعى العامل أنّه قارضه فالتلف أو الخسارة على المالك، كما هو الحكم في المضاربة، فقد احتمل في المتن التحالف بلحاظ نفس الدعوى و مرجعها، و احتمل تقديم قول العامل بلحاظ مرجع الدعوى، و استقرب في الذيل أقربيّة الثاني، و لعلّ الوجه فيه أنّ الملاك و المعيار عند العقلاء هو مرجع الدعوى و مآلها لا نفس محطّ الدعوى، و منه يظهر حكم الصورة الثانية؛ و هو ما لو حصل في التجارة ربح فادّعى المالك المضاربة و ثبوت الربح بينهما، و ادّعى العامل ثبوت الإقراض الملازم لكون الربح له خاصّة، فالاحتمالان المذكوران جاريان فيه، لكن الأقرب هو تقديم قول المالك؛ لأنّ الملاك هو مرجع الدعوى لا نفس الدعوى و محطّها على ما عرفت.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...،

ص: 84

و احتمال التحالف هنا ضعيف (1).

[مسألة 48: يجوز إيقاع الجعالة على الاتّجار بمال و جعل الجعل حصّة من الربح]

مسألة 48: يجوز إيقاع الجعالة على الاتّجار بمال و جعل الجعل حصّة من الربح؛ بأن يقول: إن اتّجرت بهذا المال و حصل ربح فلك نصفه أو ثلثه، فتكون جعالة تفيد فائدة المضاربة، لكن لا يشترط فيها ما يشترط في المضاربة، فلا يعتبر كون رأس المال من النقود، بل يجوز أن يكون عروضا أو دينا أو منفعة (2).

______________________________

(1) لو ادّعى المالك أنّه أعطاه المال بعنوان البضاعة الذي يكون استحقاق تمام الربح للمالك، و ادّعى العامل المضاربة المشتركة ربحها بين المالك و العامل حسب ما قرّراه، ففي المتن أنّه يقدّم قول المالك بيمينه، فيحلف على نفي المضاربة، فله تمام الربح لو حصل، و أضاف أنّ احتمال التحالف هنا ضعيف، و الوجه فيه: أنّه لا يترتّب ثمرة على النزاع في البضاعة و المضاربة إلّا مجرّد تمحّض الربح للمالك، أو الاشتراك بينه و بين العامل فيه، فثبوت النصف من الربح للمالك هو الأمر المتيقّن الذي لا يختلفان فيه.

و أمّا النصف الآخر، فالعامل يدّعيه و المالك ينكره، فيقدّم قوله بيمينه على نفي المضاربة و إن كانت صورة النزاع بنحو التحالف. و أمّا احتمال ضعف التحالف هنا، فلاشتراك الدعويين في كون رأس المال للمالك، و لم يصر العامل مالكا لشي ء منه، بخلاف المفروض في بعض المسائل السابقة، و أمّا الاختلاف هنا فيكون بالإضافة إلى الربح فقط كما عرفت، و العامل يدّعي مقدارا منه و المالك ينكره.

(2) يجوز إيقاع الجعالة على الاتّجار بمال و جعل الجعل حصّة من الربح؛ بأن يقول: إن اتّجرت بهذا المال و حصل ربح فلك نصفه أو ثلثه، فتكون جعالة تفيد

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...،

ص: 85

[مسألة 49: يجوز للأب و الجدّ المضاربة بمال الصغير مع عدم المفسدة]

مسألة 49: يجوز للأب و الجدّ المضاربة بمال الصغير مع عدم المفسدة، لكن لا ينبغي لهما ترك الاحتياط بمراعاة المصلحة. و كذا يجوز للقيّم الشرعي كالوصي و الحاكم الشرعي مع الأمن من الهلاك و ملاحظة الغبطة و المصلحة، بل يجوز للوصيّ على ثلث الميّت أن يدفعه مضاربة، و صرف حصّته من الربح في المصارف المعيّنة للثلث إذا أوصى به الميّت، بل و إن لم يوص به لكن فوّض أمر الثلث إلى نظر الوصي، فرأى الصلاح في ذلك (1).

______________________________

فائدة المضاربة، و لا يشترط فيها ما يشترط فيها، فلا يعتبر أن يكون رأس المال من النقود، بل يجوز أن يكون عروضا أو دينا أو منفعة، و لكنّه يبتني أوّلا: على عدم اعتبار كون الطرف في الجعالة شخصا خاصّا و مخاطبا مخصوصا، و ثانيا: على عدم اعتبار كون المعلّق عليه فعل المخاطب، بل يجوز أن يكون أمرا خارجا عن اختياره أيضا كالربح في المقام، حيث إنّ حصول الربح لا يكون باختيار المخاطب، و التحقيق في بحث الجعالة فانتظر.

(1) يجوز للولي الشرعي كالأب و الجدّ له المضاربة بمال الصغير، و كون الربح الحاصل مشتركا بينه و بين العامل كما في سائر موارد المضاربة، لكن الكلام في أنّه هل يكفي مجرّد عدم المفسدة في ذلك، أم اللازم مراعاة المصلحة؟ فالأوّل: كما لو فرض حفظ المال متوقّفا على أن يكون في يد العامل، و الثاني: كما إذا كان هناك احتمال حصول الربح للصغير زائدا على أصل ماله و رأسه، فيه وجهان مذكوران في جميع الموارد، و لكن الاحتياط يستلزم رعاية المصلحة و عدم الاكتفاء بمجرّد عدم المفسدة، و إن كان فرض توقّف الحفظ على أن يكون رأس المال

في يد العامل أيضا رعاية للمصلحة و إن لم يكن هناك ربح.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 86

[مسألة 50: لو مات العامل و كان عنده مال المضاربة]

مسألة 50: لو مات العامل و كان عنده مال المضاربة، فإن علم بوجوده فيما تركه بعينه فلا إشكال، و إن علم به فيه من غير تعيين- بأن كان ما تركه مشتملا عليه و على مال نفسه، أو كان عنده أيضا ودائع أو بضائع للآخرين و اشتبه بعضها مع بعض- يعامل معه ما هو العلاج في نظائره من اشتباه أموال متعدّدين. و هل هو بإعمال القرعة، أو إيقاع التصالح، أو التقسيم بينهم على نسبة أموالهم؟

وجوه، أقواها القرعة، و أحوطها التصالح.

نعم، لو كان للميّت ديّان و عنده مال مضاربة، و لم يعلم أنّه بعينه لفلان فهو

______________________________

و كما يجوز للولي الشرعي ذلك، كذلك يجوز للقيّم الشرعي كالوصي و الحاكم الشرعي مع الأمن من التلف و ملاحظة الغبطة و المصلحة، بل يجوز للوصي على ثلث الميّت إذا أوصى الميّت بذلك؛ أي بدفعه إلى العامل و صرف الحصّة من الربح في المصارف التي عيّنها للثلث، كالصرف في تعزية أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام و إقامة شعائره و تعظيمها، بل في صورة عدم التصريح بذلك في الوصية، بل التصريح بتفويض أمر الثلث إلى نظر الوصي، فرأى الصلاح في ذلك خصوصا في زماننا هذا، حيث يعلنون أعضاء البنوك الإسلامية بالأخذ بعنوان المضاربة و إعطاء الربح بهذا العنوان، سيّما على ما تقدّم من مبنانا في عدم لزوم كون الربح بالإضافة إلى ما حصل من رأس المال الذي هو المجهول عند الإغضاء نوعا، بل يكفي تعيّن مقدار خاصّ للربح و إن كانت النسبة بينه و بين مجموع الربح الحاصل مجهولا،

بل كانت النسبة بينه و بين رأس المال معلوما بشرط أن يكون ذلك المقدار ربحا للمال بنظر العرف و العادة، كما قرّر سابقا، فراجع.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 87

اسوة الغرماء. و كذا الحال لو علم المال جنسا و قدرا، و اشتبه بين أموال من جنسه له أو لغيره من غير امتزاج، فالأقوى فيه القرعة أيضا، خصوصا إذا كانت الأجناس مختلفة في الجودة و الرداءة، و مع الامتزاج كان المجموع مشتركا بين أربابه بالنسبة.

و لو علم بعدم وجوده فيها و احتمل أنّه قد ردّه إلى مالكه، أو تلف بتفريط منه أو بغيره، فالظاهر أنّه لم يحكم على الميّت بالضمان، و كان الجميع لورثته.

و كذا لو احتمل بقاؤه فيها. و لو علم بأنّ مقدارا من مال المضاربة قد كان قبل موته داخلا في هذه الأجناس الباقية التي قد تركها، و لم يعلم أنّه هل بقي فيها، أو ردّه إلى المالك أو تلف؟ ففيه إشكال، و إن كانت مورّثيّة الأموال لا تخلو من قوّة، و الأحوط الإخراج منها مع عدم قاصر في الورثة (1).

______________________________

(1) قد تعرّض في هذه المسألة لصور موت العامل و كان عنده مال المضاربة علما أو احتمالا؛ و هي كثيرة تالية:

الاولى: ما لو علم بوجوده فيما تركه بعينه، و لا إشكال في هذه الصورة في وجوب ردّ المعلوم إلى المالك من دون زيادة و لا نقصان.

الثانية: ما لو علم بوجوده فيما تركه لا بعينه؛ بأن كان ما تركه العامل مشتملا عليه و على مال نفسه، أو كان عنده ودائع أو بضائع للآخرين و اشتبه بعضها مع بعض، فإنّه يعامل معه ما هو العلاج في نظائره من اشتباه الأموال، و

الظاهر أنّ الحكم في الجميع هو القرعة؛ لأنّه القدر المتيقّن من دليل القرعة من جهة كونه من حقوق الناس التي لا سبيل إلى الاطّلاع عليها غير القرعة. نعم، الأحوط التصالح ليتحقّق تراضي الطرفين أو الأطراف.

و أمّا التقسيم بينهم على نسبة أموالهم فلا دليل عليه إلّا عدم وجود المرجّح،

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 88

..........

______________________________

و تنصيف الدرهم في الوديعة إذا أودع كلّ واحد من شخصين درهما عند شخص واحد، فتلف أحدهما من غير تعدّ و لا تفريط و من دون تعيّن، فإنّه ينصف الدرهم الموجود الباقي، مع أنّ القرعة طريق لتشخيص الحقّ، فلا مجال لدعوى عدم وجود المرجّح، كما أنّه لا يمكن التجاوز عن مورد الدرهم الودعي إلى جميع الموارد المشابهة، خصوصا مع مخالفته للعلم الإجمالي كما لا يخفى، فالأقوى الرجوع إلى دليل القرعة و إن كان الأحوط التصالح لما ذكرنا.

نعم، لو كان للميّت العامل ديّان و عنده مال مضاربة، و لم يعلم أنّه بعينه لفلان فهو اسوة الغرماء، كما وقع هذا التعبير في موثّقة السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ عليهم السّلام أنّه كان يقول: من يموت و عنده مال المضاربة، قال: إن سمّاه بعينه قبل موته، فقال: هذا لفلان فهو له، و إن مات و لم يذكر فهو اسوة الغرماء «1».

و هل المراد بكون المالك اسوة الغرماء أنّ حاله حالهم، فكما أنّهم يشتركون مع الوارث، فكذلك هو يشترك معهم أيضا، أو أنّ المراد بذلك ليس هو الشركة، بل عدم الانتقال إلى الورثة إلّا بعد أداء ماله كمالهم؟ و الظاهر هو الثاني، و إن استفاد صاحب الوسائل عنوان الشركة، حيث ذكر في عنوان الباب «أنّ من كان

بيده مضاربة فمات، فإن عيّنها لواحد بعينه فهي له، و إلّا قسّمت على الغرماء بالحصص» مع أنّه على خلاف المقطوع به، فإنّه لو كان المالك مجهولا لوجب إخراجه في مصرف مجهول المالك لا إعطاؤه إلى الغرماء- و منهم: المالك- بالحصص، فهي بعيدة عن المقام جدّا.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 7/ 192 ح 851، الفقيه: 3/ 144 ح 636، و عنهما الوسائل: 19/ 29، كتاب المضاربة ب 13 ح 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 89

..........

______________________________

الثالثة: ما لو علم المال جنسا و قدرا و اشتبه بين أموال الناس من جنسه له أو لغيره، من دون أن يتحقّق فيه امتزاج أصلا، فإن كانت الأجناس مختلفة في الجودة و الرداءة- و إن كانت متّحدة جنسا و قدرا- فالحقّ فيه الرجوع إلى القرعة، و لا مجال لدعوى الشركة بعد عدم حصول الامتزاج، و إلّا فمع عدم تحقّق الامتزاج لا سبيل إلى الشركة، بل يتشخّص بالقرعة، و مع تحقّق الامتزاج كان المجموع مشتركا بين أربابه بالنسبة.

الرابعة: ما لو علم بعدم وجود مال المضاربة في التركة، و احتمل أنّه قد ردّه في زمن حياته إلى مالكه، أو تلف بتفريط منه أو بغيره، و في هذه الصورة لا يحكم على العامل الميّت بالضمان، بل يكون جميع الأموال للورثة، و كذا لو احتمل بقاؤه فيها.

و يظهر من صاحب العروة ثبوت الضمان في غير الفرض الأخير، نظرا إلى عموم قوله صلّى اللّه عليه و آله: «على اليد ما أخذت ...» «1» حيث إنّ الأظهر باعتقاده شموله للأمانات أيضا، قال: و دعوى خروجها لأنّ المفروض عدم الضمان فيها، مدفوعة بأنّ غاية ما يكون خروج بعض الصور منها، كما إذا تلفت بلا تفريط

أو ادّعى تلفها كذلك إذا حلف. و أمّا صورة التفريط و الإتلاف، و دعوى الردّ في غير الوديعة، و دعوى التلف و النكول عن الحلف، فهي باقية تحت العموم الخ «2».

و لكن الظاهر عدم ثبوت الضمان؛ لأنّه مضافا إلى كون على اليد مخدوشا من حيث السند تكون دلالته أيضا ممنوعة، نظرا إلى عدم شمولها للمقام؛ لأنّ يد الأمين خارجة عنها تخصّصا قطعا، و قد مرّ «3» أنّ العامل أمين لا يكون ضامنا، فالأصل في

______________________________

(1) تقدّم في ص 69.

(2) العروة الوثقى: 2/ 572 قطعة من مسألة 3460.

(3) في ص 38.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 90

..........

______________________________

المقام عدم الضمان.

الخامسة: ما لو علم بأنّ مقدارا من مال المضاربة قد كان قبل موته داخلا في هذه الأجناس الباقية التي قد تركها، و لم يعلم بأنّه هل بقي فيها، أو ردّه إلى المالك، أو تلف؟ فقد استشكل فيه في المتن ثمّ قال: «و إن كانت مورّثيّة الأموال لا تخلو عن قوّة، و الأحوط الإخراج منها مع عدم قاصر في الورثة» و لعلّ الوجه في الاستشكال حجّية قاعدة اليد و أماريتها هنا، و لا مجال معها لاستصحاب عدم الردّ إلى المالك و مثله كما في سائر الموارد، حيث إنّه مع وجود اليد الشرعيّة لا تصل النوبة إلى استصحاب عدم الانتقال إليه و مثله.

و قد عرفت خروج مثل الأمانات عن عموم «على اليد» و إلّا فاللازم أن يقال بأنّ المال إذا تلف في يد الأمين، و لم يعلم أنّه بتعدّ منه أو تفريط، يكون ضمانه ثابتا على من تلف في يده؛ لأنّ ضمانه بالأخذ قد صار ثابتا، و التفريط أو التعدّي يكونان مشكوكين، فيجب أن يحكم

بالضمان استصحابا له و عدم ثبوت التعدّي و التفريط، و أصالة عدمها لا تثبت الضمان كما لا يخفى.

نعم، مقتضى الاحتياط غير اللازم- أنّه لو لم يكن في الورثة قاصر- إخراج المشكوك عن دائرة الإرث؛ و اللّه العالم بحقيقة الحال. هذا بحمد اللّه تمام الكلام في شرح كتاب المضاربة من تحرير الوسيلة للإمام الراحل المحقّق الاستاذ الخميني قدّس سرّه الشريف.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 91

[كتاب الشركة]

اشارة

كتاب الشركة

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 93

[مسائل الشركة]

اشارة

و هي كون شي ء واحد لاثنين أو أزيد، و هي إمّا في عين أو دين أو منفعة أو حقّ. و سببها قد يكون إرثا و قد يكون عقدا ناقلا، كما إذا اشترى اثنان معا مالا، أو استأجرا عينا، أو صولحا عن حقّ. و لها سببان آخران يختصّان بالشركة في الأعيان:

أحدهما: الحيازة، كما إذا اقتلع اثنان معا شجرة مباحة، أو اغترفا ماء مباحا بآنية واحدة دفعة.

و ثانيهما: الامتزاج، كما إذا امتزج ماء أو خلّ من شخص بماء أو خلّ من شخص آخر؛ سواء وقع قهرا أو عمدا و اختيارا. و لها سبب آخر؛ و هو تشريك أحدهما الآخر في ماله و يسمّى بالتشريك، و هو غير الشركة العقديّة بوجه (1).

______________________________

(1) الشركة قد تكون عقديّة، و قد تعرّض لها في بعض المسائل الآتية، و قد تكون غير عقديّة حاصلة بالإرث أو بالعقد الناقل، كما إذا اشترى اثنان معا مالا، أو باعا المبيع المشترك بينهما من شخص واحد، أو استأجرا معا عينا كالدار و نحوها، أو صولحا عن حقّ متعلّق بهما بنحو الشركة، و يظهر من المتن أنّ لها سببين آخرين يختصّان بالشركة في الأعيان و لا يجريان في غيرها كالدّين و المنفعة:

أحدهما: الحيازة، كما إذا اقتلع اثنان معا شجرة مباحة، أو اغترفا ماء مباحا

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 94

[مسألة 1: الامتزاج قد يوجب الشركة الواقعيّة الحقيقيّة]

مسألة 1: الامتزاج قد يوجب الشركة الواقعيّة الحقيقيّة؛ و هو فيما إذا حصل خلط و امتزاج تامّ بين مائعين متجانسين، كالماء بالماء و الدهن بالدهن، بل و غير متجانسين، كدهن اللوز بدهن الجوز مثلا، رافع للامتياز عرفا بحسب الواقع و إن لم يكن عقلا كذلك. و أمّا خلط الجامدات الناعمة بعضها

ببعض كالأدقّة، ففي كونه موجبا للشركة الواقعية تأمّل و إشكال، و لا يبعد كونها ظاهريّة. و قد يوجب الشركة الظاهريّة الحكميّة؛ و هي مثل خلط الحنطة بالحنطة و الشعير بالشعير، و منها خلط ذوات الحبّات الصغيرة بمجانسها على الأقوى، كالخشخاش

______________________________

بآنية واحدة دفعة، أو اشتركا معا في نزح الماء من البئر و هكذا.

ثانيهما: الامتزاج، كما إذا امتزج ماء بماء أو خلّ بخلّ؛ سواء وقع قهرا أو عمدا و اختيارا، فإنّ الثاني أيضا يوجب الشركة و إن كان إيجادها على خلاف رضا المالك و موجبا للتصرّف في مال الغير بغير إذنه.

و ذكر في المتن سببا ثالثا؛ و هو تشريك أحدهما الآخر في ماله و يسمّى بالتشريك، و هو غير الشركة العقدية بوجه، و الظاهر أنّ الوجه فيه أنّه في الشركة العقدية يكون هناك مال مشترك بينهما بأيّ سبب، و قد توافقا على المعاملة به، و في التشريك يكون المقصود إيجاد التشريك من دون أن يكون هناك شركة، فالمغايرة بين الأمرين متحقّقة من هذا الوجه، و لعلّه يجي ء الكلام بعد ذلك في المسألة المتعرّضة للشركة العقدية فانتظر. و قد ورد في هذا التشريك جملة من الأخبار.

منها: صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يشترك في السلعة؟ قال: إن ربح فله، و إن وضع فعليه «1».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 7/ 185 ح 817، و عنه الوسائل: 19/ 5، كتاب الشركة ب 1 ح 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 95

بالخشخاش، و الدخن و السّمسم بمثلهما و جنسهما.

و أمّا مع الخلط بغير جنسهما فالظاهر عدم الشركة، فيتخلّص بالصلح و نحوه، كما أنّ الأحوط التخلّص بالصلح و نحوه في خلط

الجوز بالجوز و اللوز باللوز، و كذا الدراهم و الدنانير المتماثلة إذا اختلط بعضها ببعض على نحو يرفع الامتياز، و لا تتحقّق الشركة لا واقعا و لا ظاهرا بخلط القيميّات بعضها ببعض، كما لو اختلط الثياب بعضها ببعض مع تقارب الصفات، و الأغنام بالأغنام و نحو ذلك، فالعلاج فيها التصالح أو القرعة (1).

______________________________

(1) الامتزاج الموجب للشركة قد يوجب الشركة الواقعيّة الحقيقيّة؛ سواء كان مع العمد و الاختيار، أو مع الوقوع قهرا؛ و هو فيما إذا حصل خلط و امتزاج تامّ بين ما يعين متجانسين، بحيث لم يكن هناك رافع للامتياز بحسب الواقع لا عرفا و لا عقلا، كالماء بالماء و الدهن بالدهن، خصوصا مع عدم الاختلاف في الجودة و الرداءة و الصبغ و الامور الاخر أيضا، و أمّا المائعان غير المتجانسين كدهن اللوز بدهن الجوز مثلا، ففي المتن أنّ الامتياز و إن كان مرفوعا عرفا بحسب الواقع و إن لم يكن عقلا كذلك، إلّا أنّه لا يوجب الخروج عن الشركة الواقعيّة؛ لأنّ الملاك في أمثال ذلك هو العرف لا العقل.

و أمّا خلط الجامدات الناعمة بعضها ببعض كالأدقّة، فقد تأمّل في المتن و استشكل في كونها شركة واقعيّة، بل نفى البعد عن كونها ظاهريّة، و لكنّه استشكل بعض الأعلام قدس سرّه في أصل الشركة الظاهرية قهرية كانت أو اختياريّة؛ بأنّه لا معنى للشركة الظاهرية بعد العلم بعدم الاشتراك واقعا، فإنّ الأحكام الظاهرية إنّما هي مجعولة في فرض الشكّ و الجهل بالحكم الواقعي، فلا معنى لثبوتها مع العلم به، و قد دفع دعوى أنّ المراد من الشركة الظاهرية هو ترتيب آثارها في

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 96

..........

______________________________

مقام العمل و إن

لم تكن هناك شركة في الواقع، بأنّه لا موجب لإجراء أحكام الشركة بعد العلم بعدمها واقعا و استقلال كلّ منهما في ماله.

ثمّ قال ما ملخّصه: إنّ الامتزاج إذا كان على نحو يعدّ الممتزجان شيئا واحدا عرفا و أمرا ثالثا مغايرا للموجودين السابقين، كما في مزج السكّر بالخلّ، حيث يوجب ذلك انعدامهما معا و تولّد شي ء جديد مغاير لهما يسمّى بالسكنجبين، ففيه تكون الشركة واقعيّة، فإنّ الموجود بالفعل مال واحد نشأ عن المالين اللذين يكون ملكا لهما معا؛ إذ لا موجب لاختصاص أحدهما به، و لا ينافي ذلك أنّه لو اتّفق تفكيكهما بوجه من الوجوه- خصوصا في زماننا هذا- يكون كلّ منهما مختصّا بمالكه الأوّل، و أمّا إذا كان الامتزاج بنحو يكون الموجود بالفعل عبارة عن موجودات متعدّدة غير قابلة للتمييز خارجا، كما في مزج الدراهم بمثلها فلا موجب للقول بالشركة أصلا، فإنّ كلّ درهم موجود مستقلّ عن الآخر و محفوظ في الواقع، و لا يبعد أن يكون مزج الحنطة بالحنطة و الحنطة بالشعير من هذا القبيل «1».

أقول: لا يبعد أن يقال بأنّ تقابل الشركة الظاهريّة مع الشركة الواقعيّة ليس هو تقابل الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي، حيث إنّه لا ينتقل إلى الأوّل إلّا مع الشكّ في الثاني، و أمّا مع العلم بعدمه فلا مجال للأوّل أصلا كما لا يخفى، بل المقابلة بينهما إنّما هي بلحاظ أنّ الشركة الواقعيّة الحاصلة بالامتزاج إنّما هي بنحو لا يمكن التمييز عقلا، كامتزاج الماء بالماء أو الخلّ بالخلّ، خصوصا مع اتّفاقهما في الجودة و الرداءة، و مثل ذلك من الصفات.

و أمّا إذا كان بنحو لا يمكن التمييز عرفا لا عقلا، فهي الشركة الظاهرية، و تشترك

______________________________

(1) المباني في شرح العروة

الوثقى، كتاب المضاربة: 182- 183.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 97

[مسألة 2: لا يجوز لبعض الشركاء التصرّف في المال المشترك إلّا برضا الباقين]

مسألة 2: لا يجوز لبعض الشركاء التصرّف في المال المشترك إلّا برضا الباقين، بل لو أذن أحد الشريكين شريكه في التصرّف جاز للمأذون دون الآذن إلّا بإذن صاحبه، و يجب على المأذون أن يقتصر على المقدار المأذون فيه كمّا و كيفا. نعم، الإذن في الشي ء إذن في لوازمه عند الإطلاق، و الموارد مختلفة لا بدّ من لحاظها، فربما يكون إذنه له في سكنى الدار لازمه إسكان أهله و عياله

______________________________

الشركتان في الأحكام، و من أقسام الشركة الظاهريّة خلط الحنطة بالشعير، بل بحنطة اخرى، خصوصا مع الاختلاف في الخصوصيّات من الجودة و الرداءة و غيرهما من الصفات. و أمّا في باب الدراهم و الدنانير، فإن كان الامتزاج بجنسهما و نوعهما و صنفهما- كامتزاج ألف ورقة نقديّة «مائة ريالية إيرانيّة» مع الألف الآخر كذلك من دون ميز و خصوصيّة- فالظاهر أنّه من الامتزاج الموجب للشركة و يقع التخصيص بالقسمة، هذا كلّه في غير القيميات.

و أمّا في القيميات، فلا تتحقّق الشركة لا ظاهرا و لا واقعا، كما في اختلاط الثياب بعضها مع بعض، و الأغنام مع الأغنام؛ لعدم تحقّق الامتزاج فيها أصلا، غاية الأمر الاشتباه في صورة الاختلاط، و لذا نرى أنّ اختلاط الأغنام- مع كون كلّ واحد منها لمالك خاصّ في القرى نوعا- لأجل وجود راع واحد، لا يبقي مجالا لتوهّم الشركة، بل لو كان لها مجال لما اجتمعوا على هذه الكيفيّة، إلّا أن يقال بأنّ غنم كلّ واحد يغاير الآخر من الخصوصيّات و يعرفه مالكه بها.

و كيف كان، لو فرض تحقّق الاشتباه في صورة الاختلاط و التركيب يكون العلاج فيه القرعة

التي هي المرجع في تشخيص الأموال و مالكها في أمثال هذه الموارد، لكن مراعاة الاحتياط بالتصالح أولى؛ لأنّه طريق لإرضاء جميع المالكين كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 98

و أطفاله، بل و تردّد أصدقائه و نزول ضيوفه بالمقدار المعتاد، فيجوز ذلك كلّه إلّا أن يمنع عنه كلّا أو بعضا فيتّبع (1).

______________________________

(1) لا يجوز لبعض الشركاء التصرّف قبل القسمة في المال المشترك و لو لم يكن زائدا على مقدار سهمه، كالتصرّف في النصف فقط فيما إذا كانت الشركة بنحو التنصيف؛ لاستلزامه التصرّف في مال الغير، و لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره إلّا بإذنه، فكلّ جزء مشترك يكون مرتبطا بكليهما، و قد حقّقنا في البحث عن قاعدة اليد «1» أنّ الكسور المشاعة لها واقعيّة و حقيقة، و لا تكون صرف الاعتبار، و لا يكون المالك للنصف مثلا مالكا لأمر اعتباري، بل المملوك له حقيقة هو النصف بنحو الإشاعة؛ بمعنى أنّ كلّ جزء يفرض يكون نصفه له، فالتصرّف في المال المشترك تصرّف في مال الغير تتوقّف حلّيته على إذنه بمقتضى ما ذكرنا، و حينئذ فمع الإذن يحلّ للشريك المأذون التصرّف في المال المشترك، و لا ملازمة بين حلّية التصرّف له، و بين حلّية التصرّف للآذن، بل يحرم عليه ما لم يتحقّق له الإذن من الشريك الآذن قبلا، و يجب على المأذون أن يقتصر فيه على المقدار المأذون فيه كمّا و كيفا.

نعم، في صورة الإطلاق و عدم التقييد يكون الإذن في الشي ء إذنا في لوازمه، فإذا أذن للشريك الذي له أهل و عيال في سكنى الدار المشتركة يكون لازمه الإذن في إسكان أهله و عياله و أطفاله، بل و

تردّد أصدقائه و نزول ضيوفه بالمقدار المعتاد، و لا يبعد أن يقال بالمقدار المطابق لشأنه بحسب خصوصيّاته و الجهات الخاصّة فيه الواضحة للشريك؛ لأنّ الأشخاص مختلفة من هذه الجهة عنوانا و شأنا

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه: 1/ 409- 418.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 99

[مسألة 3: كما تطلق الشركة على المعنى المتقدّم؛ و هو كون شي ء واحد لاثنين أو أزيد، تطلق أيضا على معنى آخر؛ و هو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد]

مسألة 3: كما تطلق الشركة على المعنى المتقدّم؛ و هو كون شي ء واحد لاثنين أو أزيد، تطلق أيضا على معنى آخر؛ و هو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد على المعاملة بمال مشترك بينهم، و تسمّى الشركة العقدية و الاكتسابية، و ثمرته جواز تصرّف الشريكين فيما اشتركا فيه بالتكسّب به، و كون الربح و الخسران بينهما على نسبة مالهما. و هي عقد يحتاج إلى إيجاب و قبول، و يكفي قولهما:

اشتركنا، أو قول أحدهما ذلك مع قبول الآخر، و لا يبعد جريان المعاطاة فيها؛ بأن خلطا المالين بقصد اشتراكهما في الاكتساب و المعاملة به (1).

______________________________

و مسئوليّة، و غير ذلك من الجهات العقلائية التي لها دخل في ذلك، كزوجته و اسرتها و غيرهما، ففي صورة الإطلاق يجوز ذلك كلّه إلّا أن يصرّح بالمنع عن الجميع أو البعض، فاللازم مراعاة ذلك كما لا يخفى.

ثمّ إنّه لو فرض أنّ الشريك يحتاج إلى التصرّف في المال المشترك، مثل أن لا يكون له مسكن، و من ناحية اخرى لا يأذن له الشريك الآخر بوجه، فلا بدّ من التقسيم و لو من حيث الزمان، و سيأتي شرائط القسمة و كيفيّتها إن شاء اللّه تعالى.

(1) كما تطلق الشركة على المعنى المتقدّم؛ و هو كون شي ء واحد لاثنين أو أزيد بأحد الأسباب التي تقدّم ذكرها، كالإرث و اشتراء شي ء واحد في بيع

واحد و الحيازة و غيرها، كذلك تطلق على معنى آخر؛ و هو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد على المعاملة بمال مشترك بينهم، و تسمّى الشركة العقدية و الاكتسابية، و ثمرته جواز تصرّف الشريكين فيما اشتركا فيه بالتكسّب به، و كون الربح و الخسران بينهما على نسبة مالهما.

قال السيّد قدس سرّه في العروة: كما أنّ هذه الشركة قد تكون في عين و قد تكون في

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 100

..........

______________________________

منفعة، و قد تكون في حقّ، و بحسب الكيفيّة إمّا بنحو الإشاعة، و إمّا بنحو الكلّي في المعيّن، و قد تكون على وجه يكون كلّ من الشريكين أو الشركاء مستقلّا في التصرّف، كما في شركة الفقراء في الزكاة، و السادة في الخمس، و الموقوف عليهم في الأوقاف العامّة و نحوها «1». و قد مثّل للكلّي في المعيّن بما لو باع منّا من الصبرة المعيّنة لزيد، فإنّ المنّ الكلّي يكون لزيد و الباقي للمالك البائع، و بذلك يكونان شريكين في الصبرة المعيّنة.

و قد ذكر صاحب الجواهر قدس سرّه أنّه لا إشكال في صدق الشركة معه و لا إشاعة، اللّهمّ إلّا أن يراد بها عدم التعيين لا خصوص الثلث و الربع و نحوهما «2»، و اورد عليه بخروج هذا الفرض عن موضوع الشركة، فإنّها إنّما تتحقّق فيما إذا كان المال الواحد مملوكا للشخصين أو أكثر على نحو الإشاعة؛ بأن يكون لكلّ منهما حصّة في كلّ جزء من ذلك المال؛ لأنّه إذا كان مال كلّ منهما مستقلّا عن الآخر و إن كانا بحسب الوجود واحدا، فإنّه لا تتحقّق الشركة فيه، و ما نحن فيه من هذا القبيل، فإنّ المالك يملك شيئا و

المشتري شيئا آخر؛ لأنّ الأوّل يملك الصبرة الخارجيّة و الثاني يملك منّا منه «3».

و يؤيّد الإيراد أنّا قد ذكرنا في المسألة السابقة أنّه لا يجوز لأحد الشريكين التصرّف في المال المشترك إلّا بإذن الآخر، مع أنّه من الواضح جواز التصرّف له في المجموع إلّا منّا واحدا في المثال المفروض، فيجوز له مع سائر الأجزاء من أشخاص آخرين بالبيع الصحيح غير المحتاج إلى الإذن بوجه.

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 582.

(2) جواهر الكلام: 26/ 286.

(3) مستمسك العروة الوثقى: 13/ 13- 14.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 101

..........

______________________________

و قد ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه أنّ قياس المقام بمثل الدار من القياس مع الفارق؛ إذ العبرة في تحقّق الشركة بوحدة الوجود في الخارج بنظر العرف؛ و هي غير متحقّقة في مثال الدار بخلاف ما نحن فيه، حيث لا يكون وجود الكلّي في الخارج منحازا عن وجود الفرد الخارجي، بل الكلّي موجود بوجود الفرد، و حينئذ فالموجود الواحد في الخارج مضاف إلى مالكين، و لكن بنحوين من الإضافة، فإنّه بلحاظ الأفراد مملوك بتمامه للمالك، و بلحاظ الكلّي مملوك للمشتري. و الحاصل أنّ اختلاف نحوي الإضافة لا يوجب عدم تحقّق الشركة بينهما «1».

أقول: الظاهر وجود الفرق بين صورة مزج منّ من حنطة بصبرة الغير، و بين صورة بيع منّ من صبرته من زيد مثلا، فإنّ الظاهر تحقّق الشركة في الصورة الاولى إن قلنا بأنّ مزج الحنطة بالحنطة موجب للشركة، و عدم تحقّقها في الصورة الثانية التي يعبّر عنها بالكلّي في المعيّن، و لا دليل على لزوم الإشاعة في تحقّق الشركة، بل كما أفاده صاحب العروة أنّ الشركة قد تكون بنحو الإشاعة و قد تكون بنحو الكلّي في

المعيّن، كما أنّه لا دليل على جريان الحكم الذي ذكرناه في الشركة في جميع فروضها، بل في بعض أقسامها؛ و هي الشركة بنحو الإشاعة، و لذا يجوز لمالك الصبرة التصرّف في الجميع إلّا في المنّ الواحد منه في المثال المفروض، من دون توقّف على إجازة صاحب المنّ بوجه و إن كان يبعد هذا الفرق في بادئ النظر.

و كيف كان، فيدلّ على صحّة الشركة العقدية مضافا إلى عموم ما يدلّ على صحّة العقود و التجارة عن تراض، مثل صحيحة هشام بن سالم المتقدّمة في أوّل

______________________________

(1) المباني في شرح العروة الوثقى، كتاب المضاربة: 185- 186.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 102

[مسألة 4: يعتبر في الشركة العقدية كلّ ما اعتبر في العقود الماليّة]

مسألة 4: يعتبر في الشركة العقدية كلّ ما اعتبر في العقود الماليّة؛ من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، و عدم الحجر لفلس أو سفه (1).

[مسألة 5: لا تصحّ الشركة العقديّة إلّا في الأموال]

مسألة 5: لا تصحّ الشركة العقديّة إلّا في الأموال نقودا كانت أو عروضا، و تسمّى تلك شركة العنان، و لا تصحّ في الأعمال؛ و هي المسمّاة بشركة الأبدان؛ بأن أوقع العقد اثنان على أن تكون اجرة عمل كلّ منهما مشتركا بينهما؛ سواء اتّفقا في العمل كالخيّاطين، أو اختلفا كالخيّاط مع النسّاج، و من ذلك معاقدة شخصين على أنّ كلّ ما يحصّل كلّ منهما بالحيازة من الحطب مثلا يكون مشتركا

______________________________

بحث الشركة «1»؛ و هي و إن كانت غير ظاهرة في ثبوت الثمن الذي يشترى به السلعة بينهما بنحو الاشتراك، إلّا أنّ الظاهر أنّ المتفاهم العرفي منها ذلك، خصوصا مع ملاحظة ثبوت الربح لهما و الخسران عليهما.

هذا، و أمّا الشركة في بابي الزكاة و الخمس، و كذا في الموقوفات العامّة مثل القناطير و الأمكنة العامّة، فلسيّد العروة في هذا المجال كلام مفصّل مذكور في ملحقات العروة في كتاب القضاء، و قد أوردناه مع ما يرد عليه في نفس الكتاب «2»، فراجع.

(1) حيث إنّ الشركة العقدية بالمعنى المذكور من العقود الصحيحة الماليّة، فيعتبر فيها جميع ما يعتبر فيها من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، و عدم المحجوريّة لفلس أو سفه و أمثال ذلك، إذ لا خصوصيّة فيها من هذه الجهة كما لا يخفى.

______________________________

(1) في ص 94.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاة: 272- 277.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 103

بينهما، فلا تتحقّق الشركة بذلك، بل يختصّ كلّ منهما باجرته و بما حازه.

نعم،

لو صالح أحدهما الآخر بنصف منفعته إلى مدّة- كسنة أو سنتين- على نصف منفعة الآخر إلى تلك المدّة و قبل الآخر صحّ، و اشترك كلّ منهما فيما يحصّله الآخر في تلك المدّة بالأجر و الحيازة، و كذا لو صالح أحدهما الآخر عن نصف منفعته إلى مدّة بعوض معيّن- كدينار مثلا- و صالحه الآخر أيضا نصف منفعته في تلك المدّة بذلك العوض.

و لا تصحّ أيضا شركة الوجوه، و أشهر معانيها على المحكيّ أن يوقع العقد اثنان وجيهان عند الناس- لا مال لهما- على أن يبتاع كلّ منهما في ذمّته إلى أجل، و يكون ذلك بينهما فيبيعانه و يؤدّيان الثمن، و يكون ما حصل من الربح بينهما، و لو أرادا حصول هذه النتيجة بوجه مشروع و كلّ كلّ منهما الآخر في أن يشاركه فيما اشتراه؛ بأن يشتري لهما و في ذمّتهما، فيكون حينئذ الربح و الخسران بينهما.

و لا تصحّ أيضا شركة المفاوضة؛ و هي أن يعقد اثنان على أن يكون كلّ ما يحصل لكلّ منهما- من ربح تجارة أو فائدة زراعة، أو اكتساب، أو إرث، أو وصيّة، أو غير ذلك- شاركه فيه الآخر، و كذا كلّ غرامة و خسارة ترد على أحدهما تكون عليهما، فانحصرت الشركة العقديّة الصحيحة بشركة العنان (1).

______________________________

(1) الغرض من هذه المسألة بيان انحصار الشركة المسبّبة عن المعاقدة بالشركة العقدية المذكورة المعبّر عنها بشركة العنان، و هنا بعض العناوين الاخر من الشركة و لكنّها غير صحيحة:

منها: شركة الأبدان؛ بأن أوقع العقد اثنان على أن تكون اجرة عمل كلّ منهما مشتركة بينهما؛ سواء اتّفقا في العمل كالخيّاطين، أو اختلفا كالخيّاط مع النسّاج، أو

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 104

..........

______________________________

تعاقدا

على أنّ كلّ ما يحصل كلّ منهما بالحيازة يكون مشتركا بينهما، فإنّه لا تتحقّق الشركة بذلك بل يختصّ كلّ منهما باجرته و ما حازه، و لعلّ من هذا القبيل الشركة المتعارفة في هذه الأزمنة، من أن يتعهّد صاحب السيّارة مثلا لأن يجعل سيّارته تحت اختيار الآخر على أن يكون ما يعمله الآخر بها- من حمل متاع أو نقل مسافر- و يأخذ من الأجر لهما على طبق ما اتّفقا عليه من النسبة.

هذا، و لكن حكي عن المحقّق الأردبيلي قدس سرّه صحّة شركة الأعمال ما لم يتحقّق إجماع على خلافه «1».

و ذكر بعض الأعلام قدس سرّه أنّه إن أرادوا بذلك- أي بشركة الأعمال- عقد الشركة في الاجرتين اللتين تحصل لهما من عملهما، كما هو غير بعيد من ظاهر كلماتهم، فلا ينبغي الإشكال في بطلانها؛ لعدم الدليل على صحة تمليك المعدوم، و إن أرادوا بها الشركة في نفس المنفعة؛ بأن يملّك كلّ منهما نصف خياطته مثلا في ذلك اليوم لصاحبه في قبال تمليك صاحبه كذلك، فلا نعلم وجها لبطلانها، فإنّها من شركة المنافع «2».

أقول: هذا يرجع إلى المصالحة المذكورة في المتن؛ لأنّ تمليك المنفعة في مقابل تمليك المنفعة لا ينطبق عليه عنوان غير عنوان المصالحة، فمرجع ما أفاده إلى تلك المصالحة، و هي قد تقع بنحو مذكور، و قد تقع بنحو تمليك المنفعة بعوض معيّن- كدينار مثلا- في مقابل تمليك الآخر كذلك بالعوض المذكور.

و منها: شركة الوجوه؛ و هي على أشهر معانيها- كما يظهر من عنوانها- أن يشترك

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان: 10/ 193.

(2) المباني في شرح العروة الوثقى، كتاب المضاربة: 190- 191.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 105

[مسألة 6: لو آجر اثنان نفسهما بعقد واحد لعمل واحد باجرة معيّنة]

مسألة 6: لو

آجر اثنان نفسهما بعقد واحد لعمل واحد باجرة معيّنة، كانت الاجرة مشتركة بينهما. و كذا لو حاز اثنان معا مباحا، كما لو اقتلعا معا شجرة، أو اغترفا ماء دفعة بآنية واحدة، كان ما حازاه مشتركا بينهما. و ليس ذلك من شركة الأبدان حتّى تكون باطلة، و تقسّم الاجرة و ما حازاه بنسبة عملهما، و لو لم تعلم النسبة فالأحوط التصالح (1).

______________________________

اثنان وجيهان لا مال لهما على أن يبتاع كلّ منهما في ذمّته إلى أجل، و يكون ما يبتاعه بينهما فيبيعانه و يؤدّيان الثمن، و يكون ما حصل من الربح بينهما، و لو أرادا الوصول إلى مثل هذه النتيجة و كلّ كلّ منهما الآخر في أن يبتاع النصف له في ذمّته فتكون أيضا الربح و الخسران بينهما، لتحقّق الشركة بالابتياع كذلك، و إلّا ففي الصورة الاولى ليس هناك شي ء يشتركان فيه بالفعل، و لا معنى لتمليك المعدوم، و قد تقرّر في محلّه أنّ التمليك في باب الإجارة يغاير هذا.

و منها: شركة المفاوضة؛ و هي أن يعقد اثنان على أنّ كلّ ربح يحصل له من أمر اختياري كالزراعة و التجارة، أو غير اختياري كالإرث و الوصيّة مشترك بينه و بين الآخر، و كلّ خسارة ترد عليه من أيّ سبب و أيّة ناحية تكون بينهما، و السرّ في البطلان ما أشرنا إليه من أنّه تمليك معدوم، فانحصرت الشركة الصحيحة بشركة العنان المسمّاة بالشركة العقدية.

(1) لو آجر اثنان نفسهما بعقد واحد لعمل واحد باجرة معيّنة كانت الاجرة مشتركة بينهما، و ليس ذلك من شركة الأبدان؛ لأنّ الملكيّة للاجرة قد حصلت بنفس الإجارة، غاية الأمر أنّهما يستحقّان على المستأجر تمام الاجرة بنفس عقد الإجارة، و هو يستحقّ عليهما العمل، فتعدّد

الأجير و وحدة المستأجر في عمل

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 106

[مسألة 7: يشترط في عقد الشركة العنانية أن يكون رأس المال من الشريكين ممتزجا امتزاجا رافعا للتميّز قبل العقد أو بعده]

مسألة 7: يشترط في عقد الشركة العنانية أن يكون رأس المال من الشريكين ممتزجا امتزاجا رافعا للتميّز قبل العقد أو بعده؛ سواء كان المالان من النقود أم العروض، حصل به الشركة كالمائعات أم لا، كالدراهم و الدنانير، كانا مثليين أم قيميين، و في الأجناس المختلفة التي لا يجري فيها المزج الرافع للتميّز، لا بدّ من التوسّل بأحد أسباب الشركة على الأحوط، و لو كان المال مشتركا كالمورّث يجوز إيقاع العقد عليه، و فائدته الإذن في التجارة في مثله (1).

______________________________

واحد لا يكون من الشركة في الأبدان، و استحقاقهما الاجرة إنّما هو بنسبة عملهما. و كذا لو حاز اثنان معا شيئا واحدا مباحا، كما إذا اقتلعا معا شجرة مباحة، أو اغترفا ماء دفعة واحدة بآنية واحدة من البحر أو البئر، يكون ما حازاه مشتركا بينهما، لا لأجل شركة الأبدان الباطلة، بل لأجل كون الحيازة كذلك موجبة للملكيّة بنسبة الحيازة، و لو لم تعلم النسبة في المثالين فمقتضى الاحتياط التصالح.

(1) يشترط في عقد الشركة العنانية الصحيحة أن يكون رأس المال من الشريكين ممتزجا امتزاجا رافعا للتميّز قبل العقد أو بعده؛ سواء كان المالان من النقود أم العروض، حصل به الشركة القهريّة كالمائعات، أم لا كالدراهم و الدنانير؛ سواء كانا مثليين أم قيميين، فصاحبا الدارين إذا أرادا الشركة بهذا النحو لا بدّ من التنصيف، مثلا؛ بأن يملّك كلّ واحد منهما نصف داره إلى الآخر؛ لتتحقّق الشركة بالإضافة إلى كلّ واحد منهما، و الدليل على اعتبار الامتزاج بهذا النحو على ما ورد في بعض الكلمات هو الإجماع على ما ادّعاه جماعة «1»،

مع أنّ الفقهاء قدس سرّه بين من لم يتعرّض

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء: 2/ 221، الركن الثالث، الوسيلة: 262، رياض المسائل: 9/ 55.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 107

[مسألة 8: لا يقتضي عقد الشركة و لا إطلاقه جواز تصرّف كلّ من الشريكين في مال الآخر بالتكسّب]

مسألة 8: لا يقتضي عقد الشركة و لا إطلاقه جواز تصرّف كلّ من الشريكين في مال الآخر بالتكسّب إلّا إذا دلّت قرينة حاليّة أو مقاليّة عليه، كما إذا كانت الشركة حاصلة كالمورّث فأوقعا العقد، و مع عدم الدلالة لا بدّ من إذن صاحب المال، و يتّبع في الإطلاق و التقييد، و إذا اشترطا كون العمل من أحدهما أو من كليهما معا فهو المتّبع. هذا من حيث العامل، و أمّا من حيث العمل و التكسّب، فمع إطلاق الإذن يجوز مطلقه ممّا يريان فيه المصلحة كالعامل في المضاربة، و لو عيّنا جهة خاصّة- كبيع الأغنام أو الطعام و شرائهما أو البزازة أو غير ذلك- اقتصر عليه و لا يتعدّى إلى غيره (1).

______________________________

لهذه الجهة أصلا كالمحقّق «1» و الشهيد قدس سرّهما «2»، و بين من كان معقد إجماعه أمرا آخر «3».

و عليه: فالظاهر عدم تحقّق انعقاد الإجماع على اعتبار الامتزاج الذي هو الأعمّ من الامتزاج المعتبر في الشركة القهرية على ما عرفت في أوّل بحث الشركة «4»، ضرورة أنّه مع الاتّحاد لا يبقى حاجة إلى الشركة العنانية.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّه لا بدّ في الأجناس المختلفة التي لا يجري فيها المزج الرافع للتمييز لا بدّ من التوسّل بأحد أسباب الشركة، كما مثّلنا بالدارين اللذين يكون كلّ واحد منهما لشخص واحد، فتدبّر في هذا المقام حتّى لا يختلط عليك الأمر.

(1) قد عرفت «5» أنّه في موارد تحقّق الشركة القهريّة لا يجوز لأحد الشريكين

______________________________

(1) شرائع الإسلام:

2/ 129- 130.

(2) اللمعة الدمشقيّة: 22.

(3) الخلاف: 3/ 327- 328، السرائر: 2/ 399، جواهر الفقه: 73، المؤتلف من المختلف: 1/ 588 مسألة 2.

(4) في ص 94- 95.

(5) في ص 98.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 108

[مسألة 9: حيث إنّ كلّ واحد من الشريكين كالوكيل و العامل عن الآخر، فإذا عقدا على الشركة في مطلق التكسّب أو تكسّب خاصّ، يقتصر على المتعارف]

مسألة 9: حيث إنّ كلّ واحد من الشريكين كالوكيل و العامل عن الآخر، فإذا عقدا على الشركة في مطلق التكسّب أو تكسّب خاصّ، يقتصر على المتعارف، فلا يجوز البيع بالنسيئة و لا السفر بالمال إلّا مع التعارف، و الموارد فيهما مختلفة، و إلّا مع الإذن الخاصّ، و جاز لهما كلّ ما تعارف؛ من حيث الجنس المشترى و البائع و المشتري و أمثال ذلك. نعم، لو عيّنا شيئا لم يجز لهما المخالفة

______________________________

التصرّف في المال المشترك إلّا بإذن الآخر، و لا يكون جواز تصرّف المأذون ملازما لجواز تصرّف الآذن، فيمكن أن لا يجوز للآذن مع ثبوت الجواز للمأذون؛ لعدم الملازمة، كما لعلّه سيجي ء تحقيقه في مسائل القسمة.

فاعلم أنّه في مورد ثبوت الشركة العقدية أو العنانية يكون الحكم أيضا كذلك، أي لا يجوز لواحد من الشريكين التصرّف في المال المرتبط بالآخر؛ لعدم حصول الامتزاج المعتبر في الشركة القهريّة بعد، أو لكون الامتزاج فيها أعمّ من الامتزاج المعبّر في القهريّة كما عرفت، و إيقاع عقد الشركة لا يقتضي الجواز لا مطابقة و لا إطلاقا، إلّا إذا دلّت قرينة حالية أو مقالية عليه، و مثّل له في المتن بما إذا كانت الشركة القهريّة حاصلة ابتداء فأوقعا العقد، و مع عدم الدلالة لا بدّ من إذن صاحب المال و المتّبع في الإطلاق و التقييد هو نفس ذلك الإذن، كما أنّ المتّبع في جواز التكسّب من كلّ منهما أو من أحدهما

ذلك.

هذا كلّه من حيث العامل، و أمّا من حيث العمل، فمع الإطلاق لا بدّ أن يكون العمل ممّا فيه المصلحة بنظرهما، كالعامل في باب المضاربة، فإنّ الجواز مقصور على ما يرى العامل فيه المصلحة، و إن عيّنا جهة خاصّة- كبيع الأغنام أو الطعام و شرائهما، أو البزازة أو غير ذلك من تكسّب خاصّ- لا بدّ من الاقتصار عليه، و لا يجوز التعدّي إلى غيره كما هو واضح.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 109

عنه إلّا بإذن الشريك، و إن تعدّى عمّا عيّنا أو عن المتعارف ضمن الخسارة و التلف (1).

[مسألة 10: إطلاق الشركة يقتضي بسط الربح و الخسران على الشريكين على نسبة مالهما]

مسألة 10: إطلاق الشركة يقتضي بسط الربح و الخسران على الشريكين على نسبة مالهما، فإن تساوى تساويا فيهما، و إلّا يتفاضلان حسب تفاوته؛ من غير فرق بين ما كان العمل من أحدهما أو منهما مع التساوي فيه أو الاختلاف. و لو شرط التفاوت في الربح مع التساوي في المال، أو تساويهما فيه مع تفاوت فيه، فإن جعل الزيادة للعامل منهما، أو لمن كان عمله أزيد صحّ بلا إشكال، و إن جعلت لغير العامل أو لمن لم يكن عمله أزيد، ففي صحّة العقد و الشرط معا، أو بطلانهما، أو صحّة العقد دون الشرط أقوال، أقواها أوّلها (2).

______________________________

(1) لا بدّ في الشركة العقدية من كلّ ناحية الاقتصار على المتعارف أو الإذن الخاصّ؛ لأنّ كلّ واحد من الشريكين كالوكيل و العامل عن الآخر، فإذا تحقّق عقد الشركة و انعقد موضوع الشركة العنانية، لا يجوز البيع بالنسيئة و لا السفر بالمال للبيع في بلد آخر إلّا مع التعارف الذي تكون الموارد و الأماكن و الأزمان فيها مختلفة، و إلّا مع الإذن الخاصّ من المالك الأصلي.

و كذا من جهة سائر الخصوصيّات التي يمكن الفرق فيها في المعاملات من جهة الجنس المشترى و البائع و المشتري و مقدار زمان النسيئة، و غير ذلك من الجهات. و لو عيّنا في العقد شيئا خاصّا لم يجز لهما المخالفة عنه إلّا مع الإذن من الآخر، و في صورة التعدّي و التفريط يتحقّق الضمان كسائر الموارد.

(2) لا شبهة في أنّه إذا كانت الشركة العقديّة مطلقة غير معيّنة فيها مقدار الربح و الخسران بالإضافة إلى الشريكين، يكون مقتضى إطلاقها ملاحظة النسبة مع

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 110

..........

______________________________

المالين، فإن تساوى فيهما تساويا في الربح و الخسران، و إن تفاضلا يتحقّق التفاضل فيهما بالنسبة، و هذا من دون فرق بين ما كان العمل من أحدهما أو من كليهما، و في الصورة الثانية لا فرق بين صورتي التساوي في العمل و الاختلاف فيه أصلا. و لو شرط التفاوت في الربح مع عدم الاختلاف في مقدار المال، أو شرط التساوي في الربح مع ثبوت التفاوت و التفاضل في المال، فإن جعل الزيادة لخصوص العامل، أو لمن كان عمله أزيد صحّ بلا إشكال؛ لأنّ مرجع جعل الزيادة إلى جعلها في مقابل أصل العمل، أو الزيادة فيه و هو لا مانع منه أصلا، و إن جعل الزيادة لغير العامل، أو لمن كان عمله أنقص ففي المسألة أقوال ثلاثة:

أحدها: القول بصحّة العقد و الشرط معا؛ و هو الذي قوّاه الماتن قدس سرّه تبعا للسيّد في العروة مستدلّا بعموم قوله صلّى اللّه عليه و آله: المؤمنون عند شروطهم «1». قال: و دعوى أنّه مخالف لمقتضى العقد كما ترى. نعم، هو مخالف لمقتضى إطلاقه، و القول بأنّ جعل

الزيادة لأحدهما من غير أن يكون له عمل يكون في مقابلتها ليس تجارة، بل هو أكل بالباطل، كما ترى باطل.

و دعوى أنّ العمل بالشرط غير لازم؛ لأنّه في عقد جائز، مدفوعة أوّلا: بأنّه مشترك الورود؛ إذ لازمه عدم وجوب الوفاء به في صورة العمل أو زيادته، و ثانيا:

بأنّ غاية الأمر جواز فسخ العقد فيسقط وجوب الوفاء بالشرط، و المفروض في صورة عدم الفسخ، فما لم يفسخ يجب الوفاء به، و ليس معنى الفسخ حلّ العقد من الأوّل بل من حينه، فيجب الوفاء بمقتضاه مع الشرط إلى ذلك الحين «2».

______________________________

(1) تقدّم في ص 36.

(2) العروة الوثقى: 2/ 585 مسألة 3484.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 111

..........

______________________________

ثانيها: ما اختاره بعض الأعلام قدس سرّه من بطلان الشرط دون العقد، أمّا بطلان الشرط فلمخالفته للسنّة؛ لأنّ مقتضاها تبعيّة الربح للمال في الملك و كونه لصاحبه، فاشتراط كونه كلّا أو بعضا لغيره يكون من الشرط المخالف للسنّة، و قال في توضيحه ما ملخّصه: إنّ الربح المشترط كونه للغير، إذا كان موجودا بالفعل و مملوكا له فلا مانع من أخذه في العقد؛ لأنّه شرط سائغ، و أمّا إذا لم يكن كذلك فلا يصحّ أخذه شرطا؛ إذ لا يصحّ تمليك المعدوم، و يكون من الشرط المخالف للسنّة إلّا ما أخرجه الدليل، كالمضاربة و نحوها.

و لذا لم يتوقّف أحد في بطلان هذا الشرط إذا اخذ في ضمن عقد آخر كالبيع و الإجارة؛ بأن يشترط البائع على المشتري في عقد بيع الدار مثلا أن تكون أرباح بستانه له، فإنّه فاسد جزما، إذا الشرط لا يكون مشرّعا، هذا إذا كان بصورة شرط النتيجة، و أمّا إذا كان بصورة شرط الفعل

فهو أيضا كذلك و إن كان قد يفصّل بينهما، و أمّا عدم بطلان العقد فلعدم اقتضاء بطلان الشرط لبطلان العقد كما قد تقرّر في محلّه «1».

ثالثها: بطلان كليهما؛ أمّا بطلان الشرط فلما ذكر، و أمّا بطلان العقد فلاستلزام بطلان الشرط لبطلان العقد.

و التحقيق يوافق القول الأوّل من صحّة العقد و الشرط معا؛ لأنّ بطلان الشرط المخالف للسنّة لا يكون أمرا قابلا للتخصيص حتّى أخرجه الدليل في مثل المضاربة، أ فهل يمكن الالتزام بأنّ الشرط المحرّم للحلال أو المحلّل للحرام باطل

______________________________

(1) المباني في شرح العروة الوثقى، كتاب المضاربة: 202- 203.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 112

[مسألة 11: العامل من الشريكين أمين، فلا يضمن التلف إلّا مع التعدّي أو التفريط]

مسألة 11: العامل من الشريكين أمين، فلا يضمن التلف إلّا مع التعدّي أو التفريط، و إن ادّعى التلف قبل قوله. و كذا لو ادّعى الشريك عليه التعدّي و التفريط و قد أنكر (1).

[مسألة 12: عقد الشركة جائز من الطرفين، فيجوز لكلّ منهما فسخه فينفسخ]

مسألة 12: عقد الشركة جائز من الطرفين، فيجوز لكلّ منهما فسخه فينفسخ، و الظاهر بطلان أصل الشركة به فيما إذا تحقّقت بعقدها لا بالمزج و نحوه، كمزج اللوز باللوز، و الجوز بالجوز، و الدرهم و الدينار بمثلهما، ففي مثلها لو انفسخ العقد يرجع كلّ مال إلى صاحبه، فيتخلّص فيه بالتصالح. و كذا ينفسخ

______________________________

بنحو العموم، الذي يكون قابلا للتخصيص في بعض الموارد؛ لأنّ سياقه آب عن ذلك، فثبوت الدليل في مثل المضاربة دليل على عدم كونه مخالفا للسنّة، بل مخالفا للإطلاق القابل للتقييد بالاشتراط.

و أمّا البطلان في مثل ما إذا اخذ في ضمن عقد لازم آخر، كالبيع و الإجارة المذكورين، فعلى تقدير تسليمه فإنّما هو لأجل الجهالة السارية في باب الشروط، فتوجب بطلان مثلهما، أو لأجل الإشكال في أصل شرط النتيجة في مقابل شرط الفعل، لا لأجل كون المنفعة معدومة، و إلّا فلو فرض حصول الربح للبستان و كذا علم مقداره، فلا إشكال في صحّة الشرط المذكور إلّا على الفرض الثاني، و التحقيق في محلّه.

(1) لا شبهة في أنّ العامل من الشريكين الذي بيده المال أمين بالأمانة المالكيّة، كالعامل في باب المضاربة، و عليه: فيجري عليه حكم الأمين من عدم ضمانه مع التلف من دون تعدّ و تفريط، و قبول قوله مع ادّعاء التلف، و كذا في مقابل دعوى الشريك التعدّي و التفريط كسائر الموارد.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 113

بعروض الموت و الجنون و الإغماء و الحجر

بالفلس أو السّفه، و لا يبعد بقاء أصل الشركة في ذلك مطلقا مع عدم جواز تصرّف الشريك (1).

[مسألة 13: لو جعلا للشركة أجلا لم يلزم]

مسألة 13: لو جعلا للشركة أجلا لم يلزم، فيجوز لكلّ منهما الرجوع قبل انقضائه، إلّا إذا اشترطا في ضمن عقد لازم عدم الرجوع، فيجب عليهما الوفاء، و كذا في ضمن عقد جائز، فيجب الوفاء ما دام العقد باقيا (2).

______________________________

(1) عقد الشركة جائز من الطرفين إجماعا؛ لعدم كونه من العقود اللازمة، مضافا إلى أنّه لا يكون أهمّ من المضاربة الجائزة كما تقدّم، فيجوز لكلّ منهما فسخه فينفسخ العقد، و حينئذ فإن كان الامتزاج فيها مغايرا للامتزاج الموجب للشركة القهرية- لما تقدّم «1» من أنّ الامتزاج المعتبر في الشركة القهريّة أخصّ من الامتزاج المعتبر في الشركة العقدية- يرجع بعد الانفساخ كلّ مال إلى صاحبه من دون إشكال، و أمّا في غيره فلا بدّ من التخلّص بصلح و نحوه، و كذا ينفسخ بعروض الموت و الجنون و الإغماء و الحجر بالفلس و السفه؛ للخروج عن صلاحية الإذن المعتبر بسبب أحد هذه الامور، لكن نفى البعد في المتن عن بقاء أصل الشركة في ذلك مطلقا مع عدم جواز تصرّف الشريك، و لعلّ الوجه فيه عدم لزوم التفكيك؛ لعدم توقّف انحفاظ المال عليه، و إلّا فالظاهر لزوم القسمة.

(2) لو جعلا للشركة أجلا لم يلزم؛ لعدم استلزام جعل الأجل للزوم الشركة و لو إلى ذلك الأجل، فيجوز لكلّ منهما الرجوع قبل انقضاء الأجل، إلّا إذا اشترطا عدم الرجوع في الشركة في ضمن عقد لازم كالبيع و الإجارة، فيجب عليهما الوفاء

______________________________

(1) في ص 94- 95 و 107.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 114

[مسألة 14: لو تبيّن بطلان عقد الشركة كانت المعاملات الواقعة قبله محكومة بالصحّة]

مسألة 14: لو تبيّن بطلان عقد الشركة كانت المعاملات الواقعة قبله محكومة بالصحّة إذا لم يكن إذنهما متقيّدا بالشركة إذا حصلت بالعقد، أو

بصحّة عقدها في غيره. هذا إذا اتّجر كلّ منهما أو واحد منهما مستقلّا، و إلّا فلا إشكال. و على الصحّة لهما الربح و عليهما الخسران على نسبة المالين، و لكلّ منهما اجرة مثل عمله بالنسبة إلى حصّة الآخر (1).

______________________________

بهذا الشرط تكليفا، و أمّا عدم تأثير الرجوع على تقدير المخالفة فلا، غاية الأمر أنّه يكون عدم الوفاء به موجبا لجواز الفسخ في ذلك العقد اللازم، نظرا إلى خيار تخلّف الشرط كما هو واضح. و أمّا إذا اشترطا عدم الرجوع في الشركة في ضمن عقد جائز، فالظاهر أيضا بمقتضى ما تقدّم وجوب الوفاء بالشرط ما دام كون ذلك العقد الجائز باقيا، فراجع.

(1) لو تبيّن بطلان عقد الشركة لجهة موجبة له، فحيث إنّ الشركة العقديّة متقوّمة بالإذن، فإذا كان إذنهما متقيّدا بالشركة الحاصلة بالعقد، أو بصحّة عقد الشركة في غيره، تكون المعاملات الواقعة غير صحيحة لعدم ثبوت الإذن فيها، و إذا لم يكن إذنهما متقيّدا بذلك فالظاهر أنّ المعاملات الواقعة محكومة بالصحّة، و على تقديرها يكون لهما الربح و عليهما الخسران على نسبة المالين، و إذا اتّجر كلّ منهما أو واحد مستقلّا يكون له اجرة مثل عمله بالنسبة إلى حصّة الآخر، و أمّا لو اتّجرا معا من دون استقلال فلا يستحقّ شيئا من اجرة المثل؛ لأنّ العمل كان مشتركا بينهما. نعم، لو احرز أنّ عمل أحدهما يكون أنقص من الآخر يكون للآخر بنسبة الزيادة اجرة المثل بالإضافة إلى حصّة الآخر، و السرّ في إضافة الحصّة إلى الآخر واضح؛ لعدم الاستحقاق بالإضافة إلى عمل حصّة نفسه. هذا تمام الكلام في مسائل الشركة.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 115

[القول في القسمة]

اشارة

القول في القسمة و هي تمييز

حصص الشركاء بعضها عن بعض؛ بمعنى جعل التعيين بعد ما لم تكن معيّنة بحسب الواقع، لا تمييز ما هو معيّن واقعا و مشتبه ظاهرا، و ليست ببيع و لا معاوضة، فلا يجري فيها خيار المجلس و لا خيار الحيوان المختصّان بالبيع، و لا يدخل فيها الرّبا و إن عمّمناه لجميع المعاوضات (1).

______________________________

(1) حقيقة القسمة تعيين حصّة كلّ شريك بعد ما لم تكن معيّنة بحسب الواقع، كما في امتزاج الماء بالماء و الخلّ بالخلّ الموجب للشركة القهريّة الواقعيّة، و لا تكون الحصص متميّزة و لا متعيّنة عرفا و لا عقلا، و ليست القسمة عبارة عن تمييز ما هو معيّن واقعا و مشتبه ظاهرا، فإنّه يرد عليه:

أوّلا: عدم التعيّن الواقعي في المثال الذي فرضناه؛ لعدم التمييز و لو عقلا فضلا عن العرف.

و ثانيا: لزوم الرجوع إلى القرعة فقط في مثل تلك الموارد، كما وردت بالإضافة إلى قطيع غنم دخل فيها غنم مملوك للآخر من غير تعيين، من غير حاجة إلى شي ء آخر من تعديل السّهام و غيره، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

و يدلّ على مشروعيّة القسمة الكتاب؛ كقوله تعالى: وَ إِذٰا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبىٰ «1»، و قوله تعالى: وَ نَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمٰاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ «2»، و السنّة: فقد روي أنّ عبد اللّه بن يحيى كان قسّاما لأمير المؤمنين عليه السّلام «3»، و قد قسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبر على

______________________________

(1) سورة النساء: 4/ 8.

(2) سورة القمر: 54/ 28.

(3) المبسوط: 8/ 133 و 134.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 116

[مسألة 1: لا بدّ في القسمة من تعديل السهام]

مسألة 1: لا بدّ في القسمة من تعديل السهام؛ و هو إمّا بحسب الأجزاء و الكمّية كيلا

و وزنا، أو عدّا، أو مساحة، و تسمّى قسمة إفراز، و هي جارية في المثليّات؛ كالحبوب و الأدهان و الأخلّ و الألبان، و في بعض القيميّات المتساوية الأجزاء؛ كطاقة واحدة من الأقمشة التي تساوت أجزاؤها، و قطعة واحدة من أرض بسيطة تساوت أجزاؤها. و إمّا بحسب القيمة و المالية، كما في القيميّات إذا تعدّدت؛ كالأغنام و العقار و الأشجار إذا ساوى بعضها مع بعض بحسب القيمة، كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة أغنام قد ساوت قيمة أحدها مع اثنين منها، فيجعل

______________________________

ثمانية عشر سهما «1»، بل هي من ضروريّات الفقه، و لا تكون بيعا و لا معاوضة؛ بأن يبيع كلّ شريك أو يعاوض سهمه من كلّ جزء، الآخر في مقابل الجزء المتعلّق به، بل هي أمر مستقلّ برأسه مشروع بالأدلّة المتقدّمة، و عليه فلا يجري في القسمة خيار المجلس و لا خيار الحيوان؛ لاختصاصهما بمقتضى أدلّتهما بالبيع، و لا يدخل فيها الربا و إن عمّمناه لجميع المعاوضات، نظرا إلى عدم كونها معاوضة، بل مجرّد تمييز حصص الشركاء بعضها عن بعض.

و هل هي منصب كما ربما يتوهّم من ثبوت القاسم لعليّ عليه السّلام كمنصب القضاء و الإمارة، أو يكون مثل الكتابة و الوزن و أشباههما من احتمال إعداده لإيقاع هذا العمل إذا احتيج إليه؛ لوجود جميع الشرائط المعتبرة في بعض دون بعض؛ مثل الاطّلاع على الحساب كما سيأتي؟ لكنّه استظهر صاحب الجواهر الأوّل؛ نظرا إلى إرسالهم له إرسال المسلّمات «2»، فكأنّه ثبت إجماع على ذلك، و الأمر سهل.

______________________________

(1) المبسوط: 8/ 133.

(2) جواهر الكلام: 40/ 327.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 117

الواحد سهما و الاثنان سهما، و تسمّى هذه قسمة التعديل. و إمّا

بضمّ مقدار من المال مع بعض السّهام ليعادل الآخر؛ كما إذا كان بين اثنين غنمان قيمة أحدهما خمسة دنانير و الآخر أربعة، فإذا ضمّ إلى الثاني نصف دينار تساوى مع الأوّل، و تسمّى هذه قسمة الردّ (1).

______________________________

(1) القسمة على أقسام:

منها: قسمة إفراز، و مجراها المثليّات؛ كالحبوب و الأدهان و الألبان و غيرها، و بعض القيميات المتساوية الأجزاء؛ كطاقة واحدة من الأقمشة التي تساوت أجزاؤها، و قطعة واحدة من أرض بسيطة تساوت أجزاؤها، و التعديل الواقع في هذا القسم يكون بحسب الأجزاء و الكميّة كيلا أو وزنا، أو عدّا، أو مساحة.

و منها: قسمة التعديل؛ و هي جارية في القيميات إذا تعدّدت، و الملاك فيها هي القيمة و الماليّة؛ كالأغنام و العقار و الأشجار إذا ساوى بعضها مع بعض بحسب القيمة؛ كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة أغنام تكون قيمة أحدها مساوية لقيمة الباقين، فيجعل الواحد سهما و الاثنان سهما، و أمّا إذا اشتركا في غنمين متساوي القيمة- كما إذا اشتراهما بمال مشترك- فالقسمة فيها قسمة إفراز، كما تقدّم في الصورة الاولى.

و منها: قسمة الردّ؛ و هو ما إذا ضمّ مقدار من المال- أي من أحد الشريكين- مع بعض السّهام ليعادل الآخر؛ كما إذا كان بين اثنين غنمان قيمة أحدهما خمسة دنانير و الآخر أربعة، فإذا ضمّ إلى الثاني نصف دينار يتساوى مع الأوّل، و كأنّه يكون لكلّ منها أربعة دنانير مع النصف، و لعدم حصول الترجيح تتحقّق القسمة بين الغنمين، فمن وقع له الغنم الذي تكون قيمته خمسة دنانير لا بدّ له أن يردّ إلى الآخر نصف دينار ليعادل الآخر؛ لفرض كون شركتهما بنحو التساوي، و إلّا فقبل القسمة لا يعلم بأنّه على من يجب له

ردّ نصف دينار، كما هو أوضح من أن يخفى.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 118

[مسألة 2: الظاهر إمكان جريان قسمة الردّ في جميع صور الشركة ممّا يمكن فيها التقسيم]

مسألة 2: الظاهر إمكان جريان قسمة الردّ في جميع صور الشركة ممّا يمكن فيها التقسيم، حتّى فيما إذا كانت في جنس واحد من المثليّات؛ بأن يقسّم متفاضلا و يضمّ إلى الناقص دراهم مثلا تجبر نقصه و يساوي مع الزائد قيمة، و كذا إذا كانت في ثلاثة أغنام تساوي قيمة واحد منها مع الآخرين؛ بأن يجعل غالي قيمة مع أحد الآخرين سهما، و ضمّ إلى السهم الآخر ما يساويهما قيمة، و هكذا.

و أمّا قسمة التعديل، فقد لا تتأتّى في بعض الصور كالمثال الأوّل، كما أنّ قسمة الإفراز قد لا تتأتّى كالمثال الثاني.

و قد تتأتّى الأقسام الثلاثة؛ كما إذا اشترك اثنان في وزنة حنطة قيمتها عشرة دراهم، و وزنة شعير قيمتها خمسة، و وزنة حمّص قيمتها خمسة عشر، فإذا قسّم كلّ منها بانفرادها كانت قسمة إفراز، و إن جعلت الحنطة مع الشعير سهما و الحمّص سهما كانت قسمة تعديل، و إن جعل الحمّص مع الشعير سهما و الحنطة مع خمسة دراهم سهما كانت قسمة الردّ، و لا إشكال في صحّة الجميع مع التراضي إلّا قسمة الردّ مع إمكان غيرها، فإنّ في صحّتها إشكالا، بل الظاهر العدم. نعم، لا بأس بالمصالحة المفيدة فائدتها (1).

______________________________

(1) الغرض من هذه المسألة أنّ الأقسام الثلاثة للقسمة المذكورة في المسألة السابقة حتّى قسمة الردّ المحتاجة إلى ضمّ أمر زائد على المال المشترك إلى أحدهما أو أحدها قد تتأتّى في بعض الموارد؛ كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة أشياء، كالحنطة التي قيمتها عشرة دراهم، و الشعير الذي قيمته خمسة، و الحمّص الذي قيمته خمسة

عشر، فإنّه حينئذ إذا قسّم كلّ واحدة من العناوين الثلاثة نصفين تكون قسمة إفراز، و إن جعلت الحنطة مع القيمة المذكورة مع الشعير الذي لوحظ فيه

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 119

[مسألة 3: لا يعتبر في القسمة تعيين مقدار السهام بعد أن كانت معدّلة]

مسألة 3: لا يعتبر في القسمة تعيين مقدار السهام بعد أن كانت معدّلة، فلو كانت صبرة من حنطة مجهولة الوزن بين ثلاثة، فجعلت ثلاثة أقسام معدّلة بمكيال مجهول المقدار، أو كانت بينهم عرصة أرض متساوية الأجزاء، فقسّمت ثلاثة أقسام معدّلة بخشبة أو حبل لا يدرى مقدار طولهما صحّ (1).

______________________________

قيمته المذكورة سهما، و الحمّص الذي كان قيمته خمسة عشر تصير قسمة تعديل.

و إن جعل الحمّص مع الشعير سهما، و الحنطة مع خمسة دراهم سهما، كانت قسمة الردّ، و لكن حيث إنّ قسمة الردّ تفتقر إلى ضمّ أمر زائد على المال المشترك، فلا دليل على صحّتها حتّى مع التراضي، لعدم كون القسمة بيعا و لا معاوضة كما عرفت، ففي مورد إمكان قسمة غير الردّ لا دليل على صحّة قسمة الردّ. نعم، لا بأس بالمصالحة المفيدة فائدتها.

و أمّا قسمة الإفراز فقد لا تتأتّى في بعض الموارد، كما في القيميّات المتعدّدة المختلفة من حيث القيمة، كما أنّ قسمة التعديل قد لا تتأتّى في بعض الصور كالمثال الأوّل، أي صورة الاختلاف في القيمة مع عدم تساوي بعضها مع بعض و لو مع فرض القلّة و الكثرة، و الظاهر صحّة القسمة بجميع أقسامها إلّا قسمة الردّ مع إمكان غيرها على ما عرفت.

(1) لو كانت القسمة معدّلة- و لازمها عدم إضافة بعض السّهام على بعض آخر- لا يعتبر تعيين مقدار السّهام بعد عدم كون القسمة بيعا و لا معاوضة أصلا، بل هي عبارة عن

مجرّد تمييز الحصص و تشخيصها، فيمكن تحقّق القسمة بمكيال مجهول المقدار في نفسه، أو خشبة أو حبل مجهول الطول كذلك في المثالين المذكورين في المتن و نظائرهما كما هو واضح.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 120

[مسألة 4: لو طلب أحد الشريكين القسمة بأحد أقسامها]

مسألة 4: لو طلب أحد الشريكين القسمة بأحد أقسامها، فإن كانت قسمة ردّ، أو كانت مستلزمة للضرر فللشريك الآخر الامتناع و لم يجبر عليها، و تسمّى هذه قسمة تراض، و إن لم تكن قسمة ردّ و لا مستلزمة للضرر يجبر عليها الممتنع، و تسمّى قسمة إجبار. فإن كان المال لا يمكن فيه إلّا قسمة الإفراز أو التعديل فلا إشكال. و أمّا فيما أمكن كلتاهما، فإن طلب قسمة الإفراز يجبر الممتنع، بخلاف ما إذا طلب قسمة التعديل، فإذا كانا شريكين في أنواع متساوية الأجزاء- كحنطة و شعير و تمر و زبيب- فطلب أحدهما قسمة كلّ نوع بانفراده قسمة إفراز اجبر الممتنع، و إن طلب قسمة تعديل بحسب القيمة لم يجبر. و كذا إذا كانت بينهما قطعتا أرض أو داران أو دكّانان، فيجبر الممتنع عن قسمة كلّ منهما على حدة، و لا يجبر على قسمة التعديل. نعم، لو كانت قسمتها منفردة مستلزمة للضرر دون قسمتها بالتعديل اجبر الممتنع على الثانية دون الاولى (1).

______________________________

(1) لو طلب أحد الشريكين القسمة بأحد أقسامها، فإن كانت القسمة المطلوبة قسمة الردّ المستلزمة لضمّ مال غير مشترك إلى المال المشترك كما عرفت، أو كانت مستلزمة للضرر على الشريك الآخر فله الامتناع، و لا يجبر عليها لا لجريان قاعدة «لا ضرر» في الفرض الثاني، لما عرفت من أنّها بعيدة عن الأحكام الفقهيّة بمراحل كما تقرّر في محلّه، بل لأجل عدم الدليل على وجوب

القبول أو الإجبار في هذه الصورة، و تسمّى هذه قسمة تراض، و لعلّ التسمية بملاحظة توقّفها كذلك على رضا الشريك و موافقته.

و إن لم تكن قسمة ردّ و لا مستلزمة للضرر بوجه، فيجبر الممتنع من الشريكين أو الشركاء عليها و تسمّى قسمة إجبار؛ لجوازه بل وجوبه، فإن كان المال لا يمكن فيه إلّا خصوص قسمة الإفراز أو خصوص قسمة التعديل فلا إشكال، و أمّا فيما إذا

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 121

[مسألة 5: لو اشترك اثنان في دار ذات علو و سفل، و أمكن قسمتها إفرازا]

مسألة 5: لو اشترك اثنان في دار ذات علو و سفل، و أمكن قسمتها إفرازا؛ بأن يصل إلى كلّ بمقدار حصّته منهما، و قسمتها على نحو يحصل لكلّ منهما حصّة من العلو و السفل بالتعديل، و قسمتها على نحو يحصل لأحدهما العلو و للآخر السفل، فإن طلب أحد الشريكين النحو الأوّل و لم يستلزم الضرر يجبر الآخر، و لا يجبر لو طلب أحد النحوين الآخرين. هذا مع إمكان الأوّل و عدم استلزام الضرر، و إلّا ففي النحوين الآخرين يقدّم الأوّل منهما، و يجبر الآخر لو امتنع بخلاف الثاني. نعم، لو انحصر الأمر فيه يجبر إذا لم يستلزم الضرر و لا الردّ، و إلّا لم يجبر كما مرّ، و ما ذكرناه جار في أمثال المقام (1).

______________________________

أمكن كلتاهما ففي المتن التفصيل بين ما إذا كان المطلوب قسمة الإفراز فيجبر الممتنع، بخلاف ما إذا كان المطلوب قسمة التعديل فلا يجبر الممتنع، و لعلّ السرّ فيه أنّ المال محفوظ للمالك بجميع خصوصيّاته في الاولى، بخلاف الثانية كالأمثلة المذكورة في المتن. نعم، لو كانت قسمتها منفردة مستلزمة للضرر دون قسمتها بالتعديل اجبر الممتنع على الثانية دون الاولى لما ذكرنا، فتدبّر جيّدا.

(1) لو

اشترك اثنان في دار ذات علو و سفل و أمكن قسمتها بكلّ واحد من الأقسام الثلاثة المتقدّمة للقسمة: الإفراز، و التعديل، و شبيه الردّ، فإن طلب أحد الشريكين القسم الأوّل و لم يستلزم الضرر بوجه فاللازم إجبار الآخر عليه؛ لما عرفت من انحفاظ المال مع خصوصيّاته في قسمة الإفراز، و المفروض عدم استلزام الضرر بنحو، فلا وجه لجواز امتناع الآخر أصلا، و أمّا لو طلب أحد النحوين الآخرين فلا يجبر- مع إمكان الأوّل و عدم استلزام الضرر- أصلا، و إلّا فمع عدم الإمكان أو استلزام الضرر يدور الأمر بين النحوين الآخرين، و فيهما يقدّم

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 122

[مسألة 6: لو كانت دار ذات بيوت أو خان ذات حجر بين جماعة، و طلب بعض الشركاء القسمة اجبر الباقون]

مسألة 6: لو كانت دار ذات بيوت أو خان ذات حجر بين جماعة، و طلب بعض الشركاء القسمة اجبر الباقون، إلّا إذا استلزم الضرر من جهة ضيقهما و كثرة الشركاء (1).

______________________________

الأوّل منهما و يجبر الآخر لو امتنع، بخلاف الثاني.

و السرّ فيه ما عرفت من انحفاظ حصّة كلّ منهما من المال المشترك بحالها في الفرض الأوّل، بخلاف الفرض الثاني الذي يختصّ أحدهما بالعلو و الآخر بالسفل مع كونهما معا مشتركا غير مختصّ بأحدهما، فهو شبيه قسمة الردّ التي تحتاج إلى انضمام مال غير مشترك إليه، و قد مرّ أنّه لا تصل النوبة إلى قسمة الردّ مع إمكان القسمة بالنحوين الآخرين.

و في المقام نقول بأنّه لو انحصر الأمر في القسم الأخير يجبر الآخر عليه إذا لم يستلزم الضرر و لا الردّ؛ لأنّه و إن لم تكن قسمة الردّ، إلّا أنّه مثلها في عدم الانتقال إليه مع إمكان أحد النحوين الآخرين، و هذا المعنى جار في أمثال المقام؛ كما إذا اشترك اثنان

في قطعتين من الأرض يكون بينهما الاختلاف لا من حيث القيمة، بل من الجهات الاخرى التي يختلف الأنظار فيها من جهة الشرقية و الغربية و غيرها.

(1) لو كانت دار ذات بيوت أو خان ذات حجر مشتركة بين جماعة، و طلب بعض الشركاء القسمة بنحو لا تستلزم الضرر من جهة الضيق و كثرة الشركاء، فاللازم إجبار الباقين عليه؛ إمّا بتخصيص كلّ بيت أو حجرة إلى واحد من الشريكين أو الشركاء مع بقاء الشركة في نفس الفضاء و الخان، و إمّا بتقسيمهما أيضا و تخصيص كلّ من المجموع بالآخر مع الإمكان و عدم استلزام الضرر، و إلّا يتحقّق الانتقال إلى قسم لا يكون فيه ذلك، و بالجملة ربما لا يتحقّق بدون

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 123

[مسألة 7: لو كان بينهما بستان مشتمل على نخيل و أشجار]

مسألة 7: لو كان بينهما بستان مشتمل على نخيل و أشجار، فقسمته بأشجاره و نخيله بالتعديل قسمة إجبار، بخلاف قسمة كلّ من الأرض و الأشجار على حدة، فإنّها قسمة تراض لا يجبر عليها الممتنع «1».

[مسألة 8: لو كانت بينهما أرض مزروعة تجوز قسمة كلّ من الأرض و الزرع]

مسألة 8: لو كانت بينهما أرض مزروعة تجوز قسمة كلّ من الأرض و الزرع- قصيلا كان أو سنبلا- على حدة و تكون قسمة إجبار. و أمّا قسمتها معا فهي قسمة تراض لا يجبر الممتنع عليها، إلّا إذا انحصرت القسمة الخالية عن الضرر فيها فيجبر عليها. هذا إذا كان قصيلا أو سنبلا، و أمّا إذا كان حبّا مدفونا، أو مخضرّا في الجملة و لم يكمل نباته، فلا إشكال في قسمة الأرض وحدها و بقاء الزرع على إشاعته، و الأحوط إفراز الزرع بالمصالحة. و أمّا قسمة الأرض بزرعها بحيث يجعل من توابعها فمحلّ إشكال (2).

______________________________

قسمة الردّ فينتقل إليها على ما عرفت «1».

(1) لو كان بينهما بستان مشتمل على نخيل و أشجار، فإن اريد قسمته بأشجاره و نخيله مع بقاء الأرض على الاشتراك الذي كانت عليه فتلك قسمة التعديل؛ لاختلاف القيمة غالبا، فلا بدّ من التعديل بالقيمة، و حيث إنّه لا يمكن أن يجري فيها قسمة الإفراز فلا بدّ من إجبار الممتنع على قسمة التعديل. و إن اريد قسمته بأشجاره و نخيله مع الأرض أيضا تكون هذه قسمة تراض؛ و هي فيما إذا كانت مستلزمة للردّ أو الضرر كما مرّ، و حكمها أنّه لا يجبر عليها الممتنع.

(2) لو كانت أرض مزروعة مشتركة بين الشريكين أو الشركاء، فتارة تكون

______________________________

(1) في ص 118- 119.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 124

[مسألة 9: لو كانت بينهم دكاكين متعدّدة متجاورة أو منفصلة]

مسألة 9: لو كانت بينهم دكاكين متعدّدة متجاورة أو منفصلة، فإن أمكن قسمة كلّ منها بانفراده و طلبها بعض الشركاء، و طلب بعضهم قسمة تعديل لكي تتعيّن حصّة كلّ منهم في دكّان تامّ أو أزيد، يقدّم ما طلبه الأوّل و يجبر عليها الآخر، إلّا

إذا انحصرت القسمة الخالية عن الضرر بالنحو الثاني، فيجبر الأوّل (1).

______________________________

قصيلا أو سنبلا، و اخرى حبّا مدفونا أو مخضرّا في الجملة و لم يكمل نباته، ففي الصورة الاولى تجوز قسمة كلّ من الزرع و الأرض قسمة إجبار يجبر الممتنع عليها، و أمّا قسمتهما معا فهي قسمة تراض لا يجبر الممتنع عليها إلّا إذا انحصرت القسمة الخالية عن الضرر فيها فيجبر عليها. و في الصورة الثانية إن اريد قسمة الأرض وحدها و بقاء الزرع على إشاعته لكون الحبّ مدفونا، أو لعدم كمال نباته و رشده بعدا، فلا إشكال لمعلوميّة الأرض، فلا مانع من قسمتها و المفروض بقاء الزرع على إشاعته.

و أمّا قسمة الأرض بزرعها بحيث يجعل من توابعها فقد استشكل فيه في المتن، و الظاهر أنّ منشأ الإشكال عدم معلوميّة اشتمال أجزاء الأرض على أيّ مقدار من الحبّ، و عدم معلوميّة كمال النبات في صورة الاخضرار، و احتاط في المتن وجوبا إفراز الزرع بالمصالحة، و أمّا الإفراز حقيقة فلا يمكن أن يتحقّق بعد عدم معلوميّة الحبّة المدفونة بالإضافة إلى أجزاء الأرض، و عدم معلوميّة كمال النبات في صورة الاخضرار كذلك، فالأحوط تحقّق الإفراز بالمصالحة كما أفاده الماتن قدس سرّه.

(1) لو كانت بينهم دكاكين متعدّدة متّصلة أو منفصلة غير متجاورة، فإن أمكن قسمة كلّ منها بانفراده- أي قسمة إفراز- و طلبها بعض الشركاء، و لكن طلب البعض الآخر قسمة تعديل لكي تتعيّن حصّة كلّ منهم في دكّان تامّ أو أزيد، يقدّم

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 125

[مسألة 10: لو كان بينهما حمّام و شبهه ممّا لا يقبل القسمة الخالية عن الضرر لم يجبر الممتنع]

مسألة 10: لو كان بينهما حمّام و شبهه ممّا لا يقبل القسمة الخالية عن الضرر لم يجبر الممتنع. نعم، لو كان كبيرا بحيث يقبل

الانتفاع بصفة الحمّامية من دون ضرر- و لو بإحداث مستوقد أو بئر اخرى- فالأقرب الإجبار (1).

______________________________

ما طلبه الأوّل و يجبر عليها الآخر؛ لما عرفت «1» من انحفاظ المال مع جميع الخصوصيات في قسمة الإفراز، فمع طلب بعض الشركاء ذلك لا محيص عنها، و تكون مقدّمة على قسمة التعديل المتقوّمة بالقيمة و لو طلبها البعض الآخر.

نعم، إذا كانت القسمة الخالية عن الضرر منحصرة بالنحو الثاني فالظاهر إجبار الأوّل عليها، و لا مجال لقسمة الإفراز حينئذ كما مرّ نظيره 2.

(1) لو كان بينهما حمّام و شبهه ممّا لا يقبل القسمة الخالية عن الضرر لا يجبر الممتنع عن القسمة، بل يجري فيه حكم ما لا يقبل القسمة على ما سيأتي إن شاء اللّه تعالى. و أمّا لو كان كبيرا بحيث يكون قابلا للانتفاع به بصفة الحمّامية من دون ضرر بعد التقسيم، فإذا طلب أحد الشريكين القسمة يجبر الآخر عليه، و لو كانت استفادة الحمّامية من المقدار الباقي متوقّفة على إحداث مستوقد آخر، أو بئر اخرى فالأقرب كما في المتن الإجبار في هذه الصورة؛ لعدم منع لزوم الإحداث المذكور عن إمكان التقسيم حتّى بنحو الإفراز.

غاية الأمر أنّه حيث لا يكون مستوقد واحد، أو بئر واحدة كافية للحمّامين تكون الاستفادة منهما كذلك متوقّفة على الإحداث المذكور، و هو لا يمنع من القسمة بالنحو المذكور، مع أنّ المستوقد و البئر خارجان عن حقيقة الحمّام و إن كانا داخلين في دائرة الشركة و في المال المشترك، و بعبارة اخرى: لا بدّ إمّا أن يقال بعدم

______________________________

(1) 1، 2 في ص 120- 121.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 126

[مسألة 11: لو كان لأحد الشريكين عشر من دار مثلا و هو لا يصلح للسكنى]

مسألة 11: لو كان لأحد الشريكين عشر من دار

مثلا و هو لا يصلح للسكنى، و يتضرّر هو بالقسمة دون الشريك الآخر، فلو طلب القسمة لغرض يجبر شريكه و لم يجبر هو لو طلبها الآخر (1).

[مسألة 12: يكفي في الضرر المانع عن الإجبار حدوث نقصان في العين]

مسألة 12: يكفي في الضرر المانع عن الإجبار حدوث نقصان في العين، أو القيمة بسبب القسمة ممّا لا يتسامح فيه في العادة و إن لم يسقط المال عن قابليّة الانتفاع بالمرّة (2).

______________________________

إمكان التقسيم، و المفروض كونه كبيرا فيه القابلية بنحو ينتفع من كليهما بهذه الصفة، فلا يمكن القول فيه بذلك، و إمّا أن يقال بأنّ لزوم إحداث مستوقد آخر، أو بئر اخرى غير مانع من التقسيم بالنحو المذكور؛ و هو ما ذكرناه.

نعم، لا بدّ من أداء قيمة المستوقد آخر، أو إيجاد بئر اخرى إلى الشريك الآخر لئلّا يلزم الضرر عليه، و يكونان بعد ذلك متساويين بعد تقسيم المال المشترك بينهما، كما لا يخفى.

(1) لو كان لأحد الشريكين سهم من دار مثلا لا يصلح لأن ينتفع به للسكنى، و لذا يتضرّر بالقسمة دون الشريك الآخر الذي له سهم كثير قابل للانتفاع به في السكنى، فلو طلب الأوّل القسمة لغرض آخر غير السكنى يجبر الشريك الآخر و لا عكس؛ لاستلزام القسمة الضرر كما هو المفروض. نعم، لو كان لغرض آخر يتحقّق بالقسمة و إن لم يكن قابلا للانتفاع بالسكنى، و الوجه فيه واضح.

(2) يكفي في الضرر الحاصل على تقدير القسمة المانع عن الإجبار حدوث نقصان في العين، أو القيمة بما لا يتسامح فيه في العادة و إن لم يسقط المال عن قابلية

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 127

[مسألة 13: لا بدّ في القسمة من تعديل السّهام ثمّ القرعة.]

مسألة 13: لا بدّ في القسمة من تعديل السّهام ثمّ القرعة. أمّا كيفيّة التعديل؛ فإن كانت حصص الشركاء متساوية- كما إذا كانوا اثنين و لكلّ منهما النصف، أو ثلاثة و لكلّ منهم الثلث و هكذا- يعدّل السهام بعدد الرءوس، و يعلّم كلّ سهم

بعلامة تميّزه عن غيره. فإذا كانت قطعة أرض متساوية الأجزاء بين ثلاثة مثلا تجعل ثلاث قطع متساوية مساحة، و يميّز بينها بمميّز كالاولى لإحداها، و الثانية للاخرى، و الثالثة للثالثة. و إذا كانت دار مشتملة على بيوت بين أربعة مثلا،

______________________________

الانتفاع بالمرّة، و السرّ فيه أنّ الغرض من القسمة وصول كلّ مال إلى صاحبه مع انحفاظ جميع الخصوصيّات، و لا أقلّ من انحفاظ المالية التي هي الغرض المهمّ في باب الأموال، فإذا كانت القسمة مستلزمة للنقصان أو الضرر غير المتسامح فيه في العادة، لا دليل لتأثير القسمة في الخروج عن الإشاعة التي هي معنى الشركة و مساوقة معها، أو كانت الشركة أعمّ منها كالكلّي في المعين على ما عرفت «1»، و لا يرتبط اعتبار هذا الأمر بجريان قاعدة «لا ضرر» التي تكون الأنظار فيها مختلفة و الآراء متشتّتة على ما مرّ غير مرّة «2»، ففي الحقيقة يكون التعيّن بعد الإشاعة من غير أن يكون هناك بيع و لا معاوضة؛ كأنّه يكون على خلاف القاعدة و لو بأيّة كيفيّة، و في هذا الأمر المخالف للقاعدة ينبغي الاقتصار على القدر المتيقّن؛ و هو صورة عدم استلزام الضرر بالمعنى المذكور كما لا يخفى.

فالملاك في المنع عن إجبار الشريك الآخر على القسمة هو ذلك، لا خروج المال و سقوطه عن الانتفاع بالمرّة، مع أنّ الملاك في ذلك الفرض أيضا ما ذكرنا، لا قاعدة

______________________________

(1) في ص 101.

(2) في ص 120- 121 و غيره.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 128

تجعل أربعة أجزاء متساوية بحسب القيمة إن لم يمكن قسمة إفراز إلّا بالضرر، و تميّز كلّ منهما بمميّز كالقطعة الشرقية و الغربية و الشمالية و الجنوبية المحدودات

بحدود كذائيّة. و إن كانت الحصص متفاوتة- كما إذا كان المال بين ثلاثة: سدس لعمرو، و ثلث لزيد، و نصف لبكر- تجعل السهام على أقلّ الحصص، ففي المثال تجعل السهام ستّة معلّمة كلّ منها بعلامة، كما مرّ.

و أمّا كيفيّة القرعة، ففي الأوّل- و هو ما كانت الحصص متساوية- تؤخذ رقاع بعدد رءوس الشركاء؛ رقعتان إذا كانوا اثنين، و ثلاث إذا كانوا ثلاثة و هكذا، و يتخيّر بين أن يكتب عليها أسماء الشركاء؛ على إحداها زيد، و اخرى عمرو مثلا، أو أسماء السهام؛ على إحداها أوّل، و على الاخرى ثاني و هكذا، ثمّ تشوّش و تستر، و يؤمر من لم يشاهدها فيخرج واحدة واحدة، فإن كتب عليها اسم الشركاء يعيّن سهم كالأوّل، و تخرج رقعة باسم هذا السهم قاصدين أن يكون لكلّ من خرج اسمه، فكلّ من خرج اسمه يكون له، ثمّ يعيّن السهم الآخر و تخرج رقعة اخرى لذلك السهم، فمن خرج اسمه فهو له و هكذا. و إن كتب عليها اسم السهام يعيّن أحد الشركاء و تخرج رقعة، فكلّ سهم خرج اسمه فهو له، ثمّ تخرج اخرى لشخص آخر و هكذا.

و في الثاني- و هو ما كانت الحصص متفاوتة؛ كالمثال المتقدّم الذي قد تقدّم أنّه تجعل السّهام على أقلّ الحصص و هو السدس- يتعيّن فيه أن تؤخذ الرقاع بعدد الرءوس؛ يكتب مثلا على إحداها زيد، و على الاخرى عمرو، و على الثالثة بكر، و تستر كما مرّ، و يقصد أنّ كلّ من خرج اسمه على سهم كان له ذلك

______________________________

نفي الضرر البعيدة عن الأحكام الفقهيّة بمراحل على ما اخترناه تبعا لسيّدنا العلّامة الاستاذ الماتن قدّس سرّه الشريف، و التحقيق في محلّه.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة،

المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 129

مع ما يليه بما يكمّل تمام حصّته، ثمّ تخرج إحداها على السهم الأوّل، فإن كان عليها اسم صاحب السدس تعيّن له، ثمّ تخرج اخرى على السهم الثاني، فإن كان عليها اسم صاحب الثلث كان الثاني و الثالث له، و يبقى الرابع و الخامس و السادس لصاحب النصف، و لا يحتاج إلى إخراج الثالثة. و إن كان عليها اسم صاحب النصف كان له الثاني و الثالث و الرابع، و يبقى الباقي لصاحب الثلث.

و إن كان ما خرج على السهم الأوّل اسم صاحب الثلث كان الأوّل و الثاني له، ثمّ تخرج اخرى على السهم الثالث، فإن خرج اسم صاحب السدس فهو له، و تبقى الثلاثة الأخيرة لصاحب النصف. و إن خرج اسم صاحب النصف كان الثالث و الرابع و الخامس له، و يبقى السادس لصاحب السدس، و قس على ذلك غيره (1).

[مسألة 14: الظاهر أنّه ليست للقرعة كيفيّة خاصّة، و إنّما تكون منوطة بمواضعة القاسم و المتقاسمين]

مسألة 14: الظاهر أنّه ليست للقرعة كيفيّة خاصّة، و إنّما تكون منوطة بمواضعة القاسم و المتقاسمين؛ بإناطة التعيّن بأمر ليست إرادة المخلوق دخيلة فيه مفوّضا للأمر إلى الخالق جلّ شأنه؛ سواء كان بكتابة رقاع، أو إعلام علامة في حصاة أو نواة أو ورق أو خشب، أو غير ذلك (2).

______________________________

(1) الوجه في لزوم تعديل السّهام أوّلا و التعديل بالكيفيّة المذكورة في المتن؛ سواء كانت الحصص متساوية أو مختلفة، و كذا في لزوم الرجوع إلى القرعة واضح لا يحتاج إلى توضيح.

(2) الظاهر أنّه ليست للقرعة كيفيّة خاصّة، و إنّما تكون منوطة بإناطة التعيّن بأمر ليست إرادة المخلوق دخيلة فيه و مؤثّرة في نتيجته، بل ليس فيه إلّا تفويض الأمر إلى الخالق جلّ و علا، و إن شئت قلت: إنّ في أمثال

المقام بعد تعديل السهام

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 130

[مسألة 15: الأقوى أنّه تتمّ القسمة بإيقاع القرعة كما تقدّم]

مسألة 15: الأقوى أنّه تتمّ القسمة بإيقاع القرعة كما تقدّم، و لا يحتاج إلى تراض آخر بعدها فضلا عن إنشائه و إن كان أحوط في قسمة الردّ (1).

______________________________

كاملا، و النظر إلى عدم حصول التضرّر لأحد الشركاء، لا محيص للتعيين غير القرعة، و ليست أمارة ظنّية أصلا، خصوصا في الموارد التي لا تعيّن فيها واقعا؛ لأنّه لا مجال لتوهّم الأماريّة في تلك الموارد بعد العلم بعدم التميّز الواقعي أصلا، و المصالحة قد لا يتحقّق التراضي بها أصلا، و لا فرق في ذلك بين كيفيّات القرعة؛ سواء كان بكتابة رقاع، أو الصور الاخرى المذكورة في المتن، و يمكن أن تكون لها كيفيّة اخرى غير الكيفيّات المذكورة، كبعض الكيفيّات المتداولة في هذه الأزمنة.

(1) الظاهر أنّه بعد التقسيم بالنحو المذكور في المسألة الثالثة عشرة بالتعديل أوّلا و المراجعة إلى القرعة ثانيا تتحقّق تماميّة القسمة، و لا حاجة إلى شي ء آخر بعده و لا يفتقر إلى تراض جديد، و إلّا يتحقّق نقض الغرض، و لا فرق في ذلك بين الأقسام المتعدّدة المذكورة للقسمة، فالتراضي بعد ما ذكر لا يحتاج إليه. نعم، في خصوص قسمة الردّ المتوقّفة على ضمّ مال آخر غير المال المشترك إليه احتاط في المتن بالتراضي بعد القسمة، و الظاهر عدم الاحتياج إليه في قسمة الردّ أيضا، و أنّ الاحتياط استحبابي و إن كان ظاهر العبارة يعطي كونه وجوبيّا؛ لأنّ الإقدام على أصل القسمة إن كان مع التراضي فلا معنى للزوم التراضي البعدي فضلا عن إنشائه، و إن كان مع عدم التراضي بل بسبب طلب أحد الشريكين، أو الشركاء مع مخالفة الشريك

الآخر فلا مجال لتحقّق القسمة أصلا، فالقسمة الصحيحة الجامعة للشرائط المذكورة سابقا لا تحتاج إلى التراضي الجديد و إن كان الأحوط الاستحبابي في خصوص قسمة الردّ ما أفاده الماتن قدّس سرّه الشريف،

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 131

[مسألة 16: لو طلب بعض الشركاء المهاياة في الانتفاع بالعين المشتركة]

مسألة 16: لو طلب بعض الشركاء المهاياة في الانتفاع بالعين المشتركة، إمّا بحسب الزمان؛ بأن يسكن هذا في شهر و ذاك في شهر مثلا، و إمّا بحسب الأجزاء؛ بأن يسكن هذا في الفوقاني و ذلك في التحتاني مثلا، لم يلزم على شريكه القبول و لم يجبر إذا امتنع. نعم، يصحّ مع التراضي لكن ليس بلازم، فيجوز لكلّ منهما الرجوع. هذا في شركة الأعيان. و أمّا في شركة المنافع، فينحصر إفرازها بالمهاياة، لكنّها فيها أيضا غير لازمة. نعم، لو حكم الحاكم الشرعي بها في مورد- لأجل حسم النزاع- يجبر الممتنع و تلزم (1).

______________________________

فتدبّر لكي لا يختلط عليك الأمر إن شاء اللّه.

(1) لو طلب بعض الشركاء في شركة الأعيان المهاياة في الانتفاع بالعين المشتركة بأحد النحوين المذكورين في المتن لم يلزم على شريكه القبول و لم يجبر إذا امتنع؛ لعدم كون المهاياة قسمة في باب الأعيان، و لا يصدق عليها شي ء من الأقسام المتقدّمة للقسمة. نعم، يصحّ مع التراضي لكن ليس بلازم حتّى لا يجوز لهما الرجوع، فيمكن الرجوع بعد التراضي، و قد عرفت «1» أنّ القسمة لا تكون بيعا و لا معاوضة فضلا عن المهاياة. و أمّا في شركة المنافع؛ كأن استأجرا معا دارا مثلا من مؤجر واحد، فالظاهر أنّه لا يمكن إفراز المنافع إلّا بالمهاياة بأحد النحوين، لكن لا دليل على لزومها إلّا في صورة التخاصم و التنازع و حكم الحاكم الشرعي

بذلك، فإنّه ينفذ حكمه و لا تجوز مخالفته، كما تقرّر في كتاب القضاء «2».

______________________________

(1) في ص 116.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 36- 37.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 132

[مسألة 17: القسمة في الأعيان بعد التماميّة و الإقراع لازمة]

مسألة 17: القسمة في الأعيان بعد التماميّة و الإقراع لازمة، و ليس لأحد من الشركاء إبطالها و فسخها، بل الظاهر أنّه ليس لهم فسخها و إبطالها بالتراضي؛ لأنّ الظاهر عدم مشروعيّة الإقالة فيها. و أمّا بغير القرعة فلزومها محلّ إشكال (1).

[مسألة 18: لا تشرع القسمة في الديون المشتركة]

مسألة 18: لا تشرع القسمة في الديون المشتركة، فإذا كان لزيد و عمرو معا ديون على الناس بسبب يوجب الشركة كالإرث، فأرادا تقسيمها قبل استيفائها فعدّلا بينها و جعلا ما على الحاضر مثلا لأحدهما، و ما على البادي للآخر لم تفرز، بل تبقى على إشاعتها. نعم، لو اشتركا في دين على أحد و استوفى

______________________________

(1) القسمة بعد التمامية، فتارة تكون بالإقراع و اخرى بغيره، أمّا في الصورة الاولى: فالظاهر أنّها لازمة ليس لأحد من الشركاء فسخها و إبطالها؛ لأنّ ظاهر أدلّة القرعة أنّه مع جريانها- الذي قد عرفت أنّها في الحقيقة إيكال الأمر إلى اللّه تعالى و التفويض إليه- يلزم الأمر و ينقطع مادّة التنازع و التخاصم، مضافا إلى أنّ الاعتبار أيضا يساعد ذلك؛ لأنّه مع عدم اللزوم و جواز الفسخ يتحقّق نقض الغرض، و إذا انتهى الأمر إلى الحاكم الشرعي فلا سبيل له أيضا إلّا التوصّل بالقرعة؛ لعدم كون المورد مجرى البيّنة و الحلف كما لا يخفى.

و أمّا في الصورة الثانية: فقد استشكل الماتن قدّس سرّه الشريف في لزوم القسمة؛ لعدم الدليل عليه خصوصا بعد عدم كونها بيعا و لا شيئا من المعاوضات اللازمة. نعم، الأمر الاعتباري المذكور يساعد اللزوم هنا أيضا.

ثمّ ليعلم أنّ الإقالة التي مرجعها إلى تراضي الطرفين عن العدول عمّا مضى لا دليل على مشروعيّتها في القسمة، بل الدليل عليها إنّما هو بالإضافة إلى البيع و نحوه.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة،

المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 133

أحدهما حصّته؛ بأن قصد كلّ من الدائن و المديون أن يكون ما يأخذه وفاء و أداء لحصّته، فالظاهر تعيّنه و بقاء حصّة الشريك في ذمّة المديون (1).

______________________________

(1) قد عرفت صحّة القسمة في الأعيان المشتركة، و كذلك في المنافع المشتركة كالمثال الذي ذكرناه، و أمّا القسمة في الديون المشتركة فلا دليل على مشروعيّتها، ففي المثال المذكور في المتن- و هو ما إذا كان المديون متعدّدا كالدائن بسبب يوجب الشركة، كالإرث أو بيع دارهما المشتركة من مشتريين كذلك، فأرادا التقسيم قبل الاستيفاء- لا تتحقّق الإفراز بحيث كان كلّ مديون مديونا لواحد من الشركاء مثلا دون الآخر، بل الديون باقية على الإشاعة. نعم، إذا كان المديون واحدا و أراد واحد من الشريكين مثلا استيفاء حصّته، فحيث إنّ أداء الدّين متقوّم بالقصد، و قد حقّقنا في كتاب القضاء «1» عدم ثبوت التهاتر القهري.

نعم، لا شبهة في جواز المقاصّة في موردها المذكور في مبحثها «2»، فإذا دفع المديون خصوص حصّة واحد من الشريكين بعنوان الدّين، و قصد الدائن ذلك أي استيفاء خصوص حصّته، فقد استظهر في المتن التعيّن و بقاء حصّة الشريك في ذمّة المديون، و لكن يمكن الإيراد عليه بعدم التعيّن في هذه الصورة أيضا بعد كون سبب الدّين بنحو الاشتراك، و التقوّم بالقصد إنّما هو بالإضافة إلى أصل أداء الدّين في مقابل الدفع بعنوان آخر، و أمّا إذا كان الدّين مشتركا فتعيّن دين أحدهما بالقصد غير معلوم.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 202- 203 و 373.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 351- 354 و 358- 359.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 134

[مسألة 19: لو ادّعى أحد الشريكين الغلط في القسمة أو عدم التعديل فيها و أنكر الآخر]

مسألة 19: لو ادّعى أحد الشريكين الغلط في القسمة أو عدم التعديل فيها و أنكر الآخر لا تسمع دعواه إلّا بالبيّنة، فإن أقامت نقضت و احتاجت إلى قسمة جديدة، و إن لم تكن بيّنة كان له إحلاف الشريك (1).

[مسألة 20: لو قسّم الشريكان فصار في كلّ حصّة بيت]

مسألة 20: لو قسّم الشريكان فصار في كلّ حصّة بيت، و قد كان يجري ماء أحدهما على الآخر، لم يكن للثاني منعه إلّا إذا اشترطا حين القسمة ردّه عنه.

و مثله ما لو كان مسلك البيت الواقع لأحدهما في نصيب الآخر من الدّار (2).

______________________________

(1) لو ادّعى أحد الشريكين الغلط في القسمة، أو عدم التعديل فيها و أنكره الآخر، فالمدّعي من يدّعي الغلط أو عدم التعديل، و المنكر من ينكر ذلك؛ سواء فسّرنا المدّعي و المنكر بالمعنى العرفي؛ لأنّهما موضوعان عرفيان كما اخترناه في كتاب القضاء على ما تقدّم «1»، أو فسّرناهما بمن يخالف قوله الأصل أو الظاهر و من يوافقه، أو بمن لو ترك ترك و ضدّه، فإذا كان للمدّعي البيّنة الشرعيّة فالمقدّم قوله، و مع عدم البيّنة كان للمنكر الحلف، أو إحلاف الطرف المقابل كما في سائر الموارد.

(2) لو قسّم الشريكان في دار مشتملة على بيتين فصار في كلّ حصّة بيت، و قد كان يجري ماء أحدهما على الآخر، لم يكن للثاني منعه لملاحظة هذه الجهة في القسمة المتقوّمة بتعديل السّهام أوّلا، و من الواضح مدخليّة هذه الجهة في التعديل بنظر العرف و العقلاء؛ مثل أن يكون هذا البيت أصغر من البيت الآخر، و مثله ما لو كان مسلك البيت الواقع لأحدهما في نصيب الآخر من الدار، و كذا وقوع البيت في الجهة الشرقية أو الغربية أو غيرهما من الجهات التي يختلف باختلافها الغرض و الماليّة.

______________________________

(1)

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 75- 77.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 135

[مسألة 21: لا تجوز قسمة الوقف بين الموقوف عليهم إلّا إذا وقع تشاحّ بينهم مؤدّ إلى خرابه]

مسألة 21: لا تجوز قسمة الوقف بين الموقوف عليهم إلّا إذا وقع تشاحّ بينهم مؤدّ إلى خرابه، و لا ترتفع غائلته إلّا بالقسمة، فيقسّم بين الطبقة الموجودة، و لا ينفذ التقسيم بالنسبة إلى الطبقة اللّاحقة إذا كان مخالفا لمقتضى الوقف بسبب اختلاف البطون قلّة و كثرة. نعم، يصحّ إفراز الوقف عن الطلق و تقسيمهما؛ بأن كان ملك نصفه المشاع وقفا و نصفه ملكا، بل الظاهر جواز إفراز وقف عن وقف، و هو فيما إذا كان ملك لأحد فوقف نصفه على زيد و ذريّته و نصفه على عمرو كذلك، أو كان ملك بين اثنين فوقف أحدهما حصّته على ذريّته مثلا، و الآخر حصّته على ذرّيته، فيجوز إفراز أحدهما عن الآخر بالقسمة. و المتصدّي لها الموجودون من الموقوف عليهم و وليّ البطون اللّاحقة (1).

______________________________

(1) لا تجوز قسمة الوقف بين الموقوف عليهم؛ لعدم كونه ملكا طلقا لهم، و لذا لا يجوز لهم معاملة الملك معه و إيقاع التصرّفات المتوقّفة على الملك- كالبيع و نحوه- إلّا إذا وقع بينهم التشاحّ و التشاجر، و يتوقّف رفعه على القسمة فقط، و في مثل هذا المورد يجوز بيعه أيضا كما قرّر في محلّه «1»، ففي المقام يقسّم بين الطبقة الموجودة، و لكن لا ينفذ هذا التقسيم بالإضافة إلى الطبقة اللّاحقة إذا كان مخالفا لمقتضى الوقف بسبب اختلاف البطون قلّة و كثرة؛ لأنّ كلّ بطن له أن ينتفع من جميع العين الموقوفة على حسب ما قرّره الواقف.

نعم، لو كان هناك ملك بين وقف و طلق؛ بأن كان نصفه المشاع وقفا لصحّة وقف

المشاع و نصفه طلقا، فاريد إفراز الطلق عن الوقف يصحّ ذلك، كما أنّه يصحّ إفراز وقف عن وقف آخر كما في المثال المذكور في المتن، لكن لا يجوز أن يتصدّى للإفراز

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الوقف: 82- 87.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 136

..........

______________________________

خصوص الموجودين؛ لعدم انحصار الموقوف عليهم بذلك، بل المتصدّي له الموجودون و وليّ البطون اللّاحقة، و إن شئت قلت: إنّ المتصدّي له هو المتولّي فيهما إن كانت دائرة توليته شاملة للتقسيم أيضا كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 137

[كتاب المزارعة]

اشارة

كتاب المزارعة

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 139

مسائل المزارعة

اشارة

و هي المعاملة على أن تزرع الأرض بحصّة من حاصلها؛ و هي عقد يحتاج إلى إيجاب من صاحب الأرض؛ و هو كلّ لفظ أفاد إنشاء هذا المعنى، كقوله:

«زارعتك» أو «سلّمت إليك الأرض مدّة كذا على أن تزرعها على كذا» و أمثال ذلك، و قبول من الزارع بلفظ أفاد ذلك كسائر العقود. و الظاهر كفاية القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي؛ بأن يتسلّم الأرض بهذا القصد. و لا يعتبر في عقدها العربيّة، فيقع بكلّ لغة. و لا يبعد جريان المعاطاة فيها بعد تعيين ما يلزم تعيينه (1).

______________________________

(1) و الوجه في التعبير بالمفاعلة هو الوجه المتقدّم في باب المضاربة «1» من دون فرق، و هي المعاملة على أن تزرع الأرض بحصّة من حاصلها، ففي الحقيقة تكون شبيه المضاربة في أنّ الإمكان المالي من أحد و العمل من آخر، و هنا تكون الأرض من صاحبها، و الزرع من الطرف الآخر في مقابل حصّة من حاصلها، و خلاصة المجموع أنّ نظر الشارع إلى أن لا تبقى الأرض بلا ثمر و أثر، و لا يكون عمل العامل معطّلا و بلا فائدة، فدخالة المزارعة في تحقّق شعبة من اقتصاد المجتمع الإسلامي الذي قيل في حقّه: من لا معاش له لا معاد له، و يترتّب على عدم انتظامه مفاسد

______________________________

(1) في ص 9- 10.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 140

[مسألة 1: يعتبر فيها زائدا على ما اعتبر في المتعاقدين أمور]

مسألة 1: يعتبر فيها زائدا على ما اعتبر في المتعاقدين؛ من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار و الرشد، و عدم الحجر لفلس إن كان تصرّفه ماليّا دون غيره، كالزارع إذا كان منه العمل فقط، امور:

أحدها: جعل الحاصل مشاعا بينهما، فلو جعل الكلّ لأحدهما، أو بعضه الخاصّ-

كالّذي يحصل متقدّما، أو الّذي يحصل من القطعة الفلانية- لأحدهما

______________________________

كثيرة نراها بالوجدان، بل لعلّها في هذه الأزمنة تكون أزيد من السابق بكثير، كدخالة المضاربة في ذلك، و قد عرفت في ذلك الباب «1» أنّ الاقتصاد الإسلامي في نظر الشارع بمرحلة الأمر بإيتاء الزكاة بعد الأمر بإقامة الصلاة في أكثر موارد الكتاب مشعرا بذلك.

و كيف كان، فالمزارعة عقد يحتاج إلى إيجاب من صاحب الأرض التي هي الأساس في هذا الباب؛ و هو كلّ لفظ دلّ على هذا المعنى مقرونا بقصد الإنشاء كما في سائر المعاملات، كقوله: «زارعتك» أو «سلّمت إليك الأرض مدّة كذا على كذا» و أمثال ذلك من التعبيرات، و قبول من الزارع كما في باب المضاربة، و هل يعتبر في القبول موافقته للإيجاب، أو يجوز أن يكون الإيجاب قوليّا و القبول فعليّا؟ الظاهر هو الثاني؛ لعدم الدليل على لزوم المطابقة بوجه، كما أنّه لا يعتبر في عقدها العربية، بل يكفي كلّ لغة تدلّ عليه.

و السرّ فيه:- مضافا إلى أنّه لا دليل على اعتبار العربيّة- ما ذكرناه من الوجه في المشروعيّة فيها و في المضاربة، و نفى البعد في المتن عن جريان المعاطاة فيها بعد تعيين ما يلزم تعيينه من مقدار الأرض، و مدّة الزراعة و نوعها، و مقدار حصّة الزارع و غير ذلك، و الوجه فيه: أنّه لا ينحصر الإنشاء بالإيجاب و القبول الفعلي إلّا فيما دلّ الدليل عليه مثل النكاح، و لم يقم في المقام دليل على ذلك كما لا يخفى.

______________________________

(1) في ص 9- 10.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 141

و الآخر للآخر لم يصحّ.

ثانيها: تعيين حصّة الزارع بمثل النصف أو الثلث أو الربع و نحو ذلك.

ثالثها: تعيين

المدّة بالأشهر أو السنين، و لو اقتصر على ذكر المزروع في سنة واحدة، ففي الاكتفاء به عن تعيين المدّة وجهان، أوجههما الأوّل، لكن فيما إذا عيّن مبدأ الشروع في الزرع، و إذا عيّن المدّة بالزمان لا بدّ أن يكون مدّة يدرك فيها الزرع بحسب العادة، فلا تكفي المدّة القليلة التي تقصر عن إدراكه.

رابعها: أن تكون الأرض قابلة للزرع و لو بالعلاج و الإصلاح و طمّ الحفر و حفر النهر و نحو ذلك، فلو كانت سبخة لا تقبل للزرع، أو لم يكن لها ماء، و لا يكفيه ماء السماء، و لا يمكن تحصيل الماء له و لو بمثل حفر النهر أو البئر أو الشراء، لم يصحّ.

خامسها: تعيين المزروع؛ من أنّه حنطة أو شعير أو غيرهما مع اختلاف الأغراض فيه، و يكفي فيه تعارف يوجب الانصراف، و لو صرّح بالتعميم صحّ، فيتخيّر الزارع بين أنواعه.

سادسها: تعيين الأرض، فلو زارعه على قطعة من هذه القطعات، أو مزرعة من هذه المزارع بطل. نعم، لو عيّن قطعة معيّنة من الأرض التي لم تختلف أجزاؤها، و قال: «زارعتك على جريب من هذه القطعة على النحو الكلّي في المعيّن» فالظاهر الصحّة، و يكون التخيير في تعيّنه لصاحب الأرض.

سابعها: أن يعيّنا كون البذر و سائر المصارف على أيّ منهما إن لم يكن تعارف (1).

______________________________

(1) يعتبر في المزارعة- زائدا على ما اعتبر في المتعاقدين من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار و الرشد، و عدم الحجر لفلس إن كان تصرّفه ماليّا دون غيره،

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 142

..........

______________________________

كالزارع إذا كان منه العمل محضا لا مع البذر أو سائر المصارف- امور تالية:

أحدها: أن يكون النماء و الحاصل مشاعا

بينهما، فلو جعل الكلّ لأحدهما، أو بعضه الخاصّ- كالذي يحصل متقدّما، أو الذي يحصل من القطعة الفلانية- لأحدهما و الآخر للآخر لم يصحّ، و يدلّ عليه روايات، مثل:

صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تقبل الأرض بحنطة مسمّاة، و لكن بالنصف و الثلث و الربع و الخمس لا بأس به. و قال: لا بأس بالمزارعة بالثلث و الربع و الخمس «1».

و صحيحة عبيد اللّه بن عليّ الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس بالمزارعة بالثلث و الربع و الخمس «2». و الظاهر اتّحاد الروايتين و عدم تعدّدهما، كما نبّهنا عليه غير مرّة في نظائرهما، و قد ذكرنا في كتاب المضاربة «3» أنّه لا دليل على اعتبار كون الربح الحاصل بين المالك و العامل بنحو الإشاعة، و قلنا بكفاية تعيين المقدار الذي يترتّب على الاتّجار برأس المال على حسب التعارف، و ذكرنا أنّ معاملة البنك الإسلامي في زماننا هذا في هذه المملكة إنّما هي منطبقة على ما ذكرنا.

لكن هنا رواية صحيحة دالّة على النهي عن قبالة الأرض بحنطة مسمّاة، و ظاهرها كون النهي إرشاديّا أوّلا، و كون المراد من الحنطة هي الحنطة الحاصلة من المزارعة ثانيا، و كون المراد من الوصف بقوله عليه السّلام: «مسمّاة» هو تعيين المقدار من دون إشاعة ثالثا، و كلّ من الامور الثلاثة و إن كان ممّا يقتضيه ظاهر العبارة، إلّا

______________________________

(1) الكافي: 5/ 267 ح 3، تهذيب الأحكام: 7/ 197 ح 871، الاستبصار: 3/ 128 ح 459، و عنها الوسائل:

19/ 41، كتاب المزارعة و المساقاة ب 8 ح 3.

(2) تهذيب الأحكام: 7/ 194 ح 860، و عنه الوسائل: 19/ 42، كتاب المزارعة و المساقاة ب

8 ح 7.

(3) في ص 21 و 23.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 143

..........

______________________________

أنّه يبقى سؤال التكرار بقوله عليه السّلام: «لا بأس بالمزارعة بالثلث و الربع و الخمس» مع أنّه لا مفهوم له أصلا، و على تقدير ثبوت المفهوم لا دلالة له على البطلان في غيره، فإنّ ثبوت البأس أعمّ من البطلان كما هو واضح.

و دعوى أنّ صحّة المزارعة في نفسها على خلاف القاعدة؛ لاقتضائها تمليك المعدوم، مضافا إلى أنّ مقتضى القاعدة تبعيّة النتاج للبذر، و هو لا ينطبق على المزارعة؛ سواء اشترط أن يكون البذر على العامل، أو على مالك الأرض، أمّا في الصورة الاولى: فالنتاج للعامل، و أمّا في الصورة الثانية: فالنتاج للمالك مع ثبوت اجرة المثل للعامل أو بدونها في مقابل عمله، و على هذا فلا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن من الصحّة، و هو ما إذا كان الحاصل بينهما بنحو الإشاعة.

مدفوعة بأنّه بعد ثبوت أصل المشروعيّة و لو على خلاف القاعدة يحتاج اعتبار أيّ أمر فيها إلى قيام الدليل عليه، و ما ورد من الدليل في المقام هي الصحيحة أو الصحيحتان المتقدّمتان، و دلالتهما غير ظاهرة كما عرفت.

ثانيها: تعيين حصّة الزارع بمثل النصف أو الثلث أو الرّبع؛ و هو أي اعتبار أصل التعيين واضح؛ سواء كان بنحو الكسر المشاع أو بنحو غيره؛ لكونها من المعاملات الماليّة التي لا يغتفر فيها الجهالة أصلا؛ لانتهائها إلى المخاصمة و المنازعة نوعا، مع أنّ غرض الشارع عدمها.

ثالثها: تعيين المدّة بالأشهر و السنين، و ذلك لاختلاف المزروعات في هذه الجهة، بل لاختلاف الأراضي، كما ربما ينقل أنّه في بعض البلاد يستفاد كلّ سنة مرّتان من الحنطة أو الشعير أو غيرهما،

و لو اقتصر على ذكر المزروع في سنة واحدة، ففي الاكتفاء به عن تعيين المدّة وجهان، و جعل في المتن الأوجه هو الوجه الثاني، لكن مع تعيين مبدأ الشروع؛ لأنّه بانتهاء الزرع و تحقّق الحاصل يقع

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 144

..........

______________________________

المطلوب؛ و هو كون الحاصل بينهما.

و ذكر السيّد في العروة بأنّه لا يلزم تعيين ابتداء الشروع أيضا إذا كانت الأرض ممّا لا يزرع في السنة إلّا مرّة، لكن مع تعيين السنة لعدم الغرر فيه، و لا دليل على اعتبار التعيين تعبّدا، و القدر المسلّم من الإجماع على تعيينها- يعني المدّة- غير هذه الصورة «1»، و لكنّه اورد عليه بأنّه لا دليل على اعتبار عدم الغرر في غير البيع؛ إذ الثابت إنّما هو النهي عن البيع الغرري خاصّة إلّا أن يكون هنا إجماع على البطلان في غير صورة التعيين و هو غير معلوم، و الإجماع المنقول يكون فاقدا للحجّية. قال المورد: بل نفس أدلّة المزارعة قاصرة عن شمول ما لا تعيين فيه بأحد المعنيين السابقين «2».

أقول: إن كان المراد بالتعيين هو تعيين السنة أو السنوات في مقابل مجهوليّة ذلك مطلقا، فلا ينبغي الإشكال في اعتباره. و إن كان تعيين مبدأ الشروع فيما لا يزرع في السنة إلّا مرّة مع تعيين السنة، فالظاهر أنّه لا دليل عليه، و مجرّد التعارف- و إن كان مختلفا في الجملة- كاف في ذلك، فإنّ تعارف شروع زرع الحنطة في بلدنا مثلا في الخريف يكفي و إن كان أيّام الشروع مختلفة بمقدار أيّام، بل و أسابيع مثلا.

رابعها: أن تكون الأرض قابلة للزرع و لو بالعلاج، فلو كانت سبخة لا يمكن الانتفاع بها، أو لم يكن

لها ماء أصلا و لا يكفيه ماء السماء، أو لا يستقرّ فيها الماء لاشتمالها على الانحناء مثلا، لا يكفي. نعم، لو كانت صالحة للزراعة بالعلاج و لو بالتسطيح أو طمّ الحفر أو حفر البئر أو النهر أو غير ذلك فلا مانع منه.

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 591- 592، كتاب المزارعة، الشرط السادس.

(2) المباني في شرح العروة الوثقى، كتاب المزارعة: 229- 230.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 145

[مسألة 2: لا يعتبر في المزارعة كون الأرض ملكا للمزارع]

مسألة 2: لا يعتبر في المزارعة كون الأرض ملكا للمزارع، بل يكفي كونه مالكا لمنفعتها أو انتفاعها بالإجارة و نحوها مع عدم اشتراط الانتفاع بنفسه مباشرة، أو أخذها من مالكها بعنوان المزارعة، أو كانت أرضا خراجيّة و قد تقبّلها من السلطان أو غيره مع عدم الاشتراط المتقدّم. و لو لم يكن له فيها حقّ و لا عليها سلطنة أصلا كالموات، لم تصحّ مزارعتها و إن أمكن أن يتشارك مع غيره في زرعها و حاصلها مع الاشتراك في البذر، لكنّه ليس من المزارعة (1).

______________________________

خامسها: تعيين المزروع من حنطة أو شعير أو غيرهما؛ لاختلاف الأغراض في ذلك، بل لاختلاف الأرض قوّة و ضعفا من هذه الجهة. نعم، لو صرّح بالتعميم صحّ، فيتخيّر الزارع بين أنواعه، و هذا الحكم يدلّ على أنّ التعيين لا يكون معتبرا في نفسه، ضرورة عدم صحّة التصريح بالتعميم في غير المقام، مثل البيع و غيره.

سادسها: تعيين الأرض، فإن كانت مبهمة مطلقا فلا إشكال في البطلان، كما أنّه لا إشكال في الصحّة فيما إذا كانت معلومة معيّنة، و أمّا إذا كانت بنحو الكلّي في المعيّن؛ كما لو قال: «زارعتك على جريب من هذه الأرض» مع تساوي قطعاتها في جهة الزراعة مصرفا و حاصلا،

فالظاهر أنّه لا دليل على البطلان. نعم، لو كانت القطعات مختلفة في بعض الجهات أو في كلّها تكون المزارعة باطلة، و لكن قد ذكر الماتن قدّس سرّه في الكلّي في المعيّن أنّ التخيير بيد صاحب الأرض، و الوجه فيه أنّه المالك للأرض و مسلّط عليها.

سابعها: أنّه لو لم يكن هناك تعارف فاللازم تعيين أنّ البذر و سائر المصارف على أيّهما أو التفكيك بينهما، و الوجه فيه واضح لا يخفى.

(1) لا يعتبر في المزارعة أن تكون الأرض ملكا للمزارع عينا، بل يكفي

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 146

..........

______________________________

كونه مالكا لمنفعتها بالإجارة أو الصلح مثلا، أو للانتفاع بها بالعارية مثلا مع عدم اشتراط الانتفاع بنفسه مباشرة، و كذا يكفي أخذها من مالكها بعنوان المزارعة، أو كانت أرضا خراجيّة و قد تقبّلها من السلطان أو غيره مع عدم الاشتراط المتقدّم، و الضابط أن يكون للمزارع في الأرض حقّ أو عليها سلطنة. و لو لم يكن له ذلك كالموات لم تصحّ مزارعتها؛ لتساوي نسبتها إلى الزارع و المزارع.

نعم، قد تقدّم في كتاب الإجارة «1» أنّ في باب الإجارة يكون بعض العناوين المستأجرة لا تجوز للمستأجر أن يؤجرها بالأزيد مع عدم إحداث حدث فيها كالدار و البيت و الرحى و لو مع عدم اشتراط المباشرة، و لا تكون في باب المزارعة هذه الجهة أصلا، فيجوز للزارع أن يزارع غيره مع إضافة و لو من دون إحداث حدث، سواء كان نصيبه من المزارعة الثانية أقلّ من الاولى أو أكثر أو مساوية.

نعم، يعتبر عدم اشتراط المباشرة بنفسه في المزارعة الاولى كما في الإجارة من هذه الحيثيّة.

و قد استثنى من أرض الموات التي لا تصحّ مزارعتها صورة

الشركة؛ بأن يتشارك مع غيره في العمل و الزرع و الحاصل مع لزوم الاشتراك في البذر؛ لأنّه في صورة الاختصاص يكون مقتضى قاعدة تبعيّة النتاج للبذر اختصاص الحاصل بصاحب البذر، و إن كان ربما يجب عليه اجرة المثل لما عمله الآخر أو قيمة ما صرفه، لكن هذا لا يكون من المزارعة بل نوع من المشاركة، كالشركة في التجارة مع اشتراك رأس المال.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 382.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 147

[مسألة 3: إذا أذن مالك الأرض أو المزرعة إذنا عامّا بأنّ كلّ من زرع ذلك فله نصف الحاصل مثلا]

مسألة 3: إذا أذن مالك الأرض أو المزرعة إذنا عامّا بأنّ كلّ من زرع ذلك فله نصف الحاصل مثلا، فأقدم شخص عليه استحقّ المالك حصّته (1).

[مسألة 4: لو اشترطا أن يكون الحاصل بينهما بعد إخراج الخراج، أو بعد إخراج البذر لباذله]

مسألة 4: لو اشترطا أن يكون الحاصل بينهما بعد إخراج الخراج، أو بعد إخراج البذر لباذله، أو ما يصرف في تعمير الأرض لصارفه، فإن اطمأنّا ببقاء شي ء بعد ذلك من الحاصل ليكون بينهما صحّ، و إلّا بطل (2).

______________________________

(1) إذا أذن مالك الأرض أو المزرعة إذنا عامّا بأنّ كلّ من زرع ذلك فله نصف الحاصل مثلا، فأقدم شخص عليه استحقّ المالك حصّته، لكنّ الظاهر أنّه لا ينطبق عليه عنوان المزارعة بل هو من مصاديق الجعالة. غاية الأمر بهذه الكيفيّة فتدبّر جيّدا، و لكنّه ربما يقيّد ذلك- أي كونه من الجعالة- بما إذا كان البذر من المالك، و أمّا إذا كان البذر للعامل فلا وجه لذلك، حيث إنّ المالك حينئذ يجعل لنفسه شيئا على الغير، أعني الحصّة من النتاج الذي يكون تابعا للبذر في الملكيّة، و لا يلتزم على نفسه شيئا للغير، و لكنّه يرد عليه أنّ الدخيل في النتاج ليس هو البذر فقط، بل للأرض مدخلية كاملة، فكما أنّه جعل لنفسه جعل على نفسه، فالظاهر الصحّة مطلقا من باب الجعالة.

(2) لو اشترطا في المزارعة أن يكون الحاصل بينهما بعد إخراج الخراج للسلطان، أو بعد إخراج البذر لباذله، أو ما يصرف في تعمير الأرض لصارفه، ففي المتن أنّه إن اطمأنّا ببقاء شي ء بعد ذلك من الحاصل ليكون بينهما صحّ، و إلّا بطل.

أمّا الصحّة في صورة الاطمئنان فلأنّ الاطمئنان علم عقلائي، كما أنّ القطع علم عقلي، و يعامل عند العقلاء مع الاطمئنان معاملة القطع الذي هو حجّة عقليّة. و أمّا البطلان في

صورة عدم الاطمئنان، فللغويّة مع عدم الاطمئنان، و لازم ذلك

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 148

[مسألة 5: لو انقضت المدّة المعيّنة و لم يدرك الزرع لم يستحقّ الزارع إبقاءه و لو بالاجرة]

مسألة 5: لو انقضت المدّة المعيّنة و لم يدرك الزرع لم يستحقّ الزارع إبقاءه و لو بالاجرة، بل للمالك الأمر بإزالته من دون أرش، و له إبقاؤه مجّانا أو مع الاجرة إن رضي الزارع بها (1).

______________________________

حصول البطلان مع عدم الاطمئنان بنزول الماء من السماء مع كون مائه منحصرا بماء السماء و هكذا، و الظاهر أنّه لا يمكن الالتزام به كما لا يخفى.

(1) لو انقضت المدّة المعيّنة في المزارعة الصالحة لأن يدرك الزرع فيها، و لكنّه لم يدرك الزرع لتأخير الشروع في الزرع أو غيره، لم يستحقّ الزارع الإبقاء و لو بالاجرة، بل للمالك الأمر بإزالته من دون أرش، و له إبقاؤه مجّانا أو مع الاجرة إن رضي الزارع بها، و لكنّه ذكر السيّد قدّس سرّه في العروة بعد تقسيم المزارعة المعاطاتية إلى اللازمة بعد التصرّف و الإذنيّة التي يجوز الرجوع فيها قوله: لكن إذا كان بعد الزرع و كان البذر للعامل يمكن دعوى لزوم إبقائه إلى حصول الحاصل؛ لأنّ الإذن في الشي ء إذن في لوازمه، و فائدة الرجوع أخذ اجرة الأرض منه حينئذ، و يكون الحاصل كلّه للعامل «1».

كما أنّه يستفاد من بعض الشروح على العروة «2»- على تقدير تسليم صحّة المعاطاة الإذنية و عدم القول بفسادها؛ لعدم الدليل على صحّتها مزارعة، و لا دليل على صحّة غيرها- أنّه يمكن أن يستفاد من بعض الروايات المعتبرة أنّه لا يجوز للمالك الإزالة المستلزمة لتضرّر العامل المالك للبذر؛ و هي:

رواية محمّد بن الحسين قال: كتبت إلى أبي محمّد عليه السّلام: رجل كانت له رحى

______________________________

(1)

العروة الوثقى: 2/ 595 ذ مسألة 3495.

(2) المباني في شرح العروة الوثقى، كتاب المزارعة و المساقاة: 243- 245.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 149

[مسألة 6: لو ترك الزارع الزرع حتّى انقضت المدّة، فهل يضمن اجرة المثل أو ما يعادل حصّة المالك بحسب التخمين، أو لا يضمن شيئا؟]

مسألة 6: لو ترك الزارع الزرع حتّى انقضت المدّة، فهل يضمن اجرة المثل أو ما يعادل حصّة المالك بحسب التخمين، أو لا يضمن شيئا؟ وجوه، أوجهها ضمان اجرة المثل فيما إذا كانت الأرض تحت يده و ترك الزراعة بتفريط منه، و في غيره عدم الضمان، و الأحوط التراضي و التصالح. هذا إذا لم يكن تركها لعذر عام؛ كالثلوج الخارقة أو صيرورة المحلّ معسكرا أو مسبعة و نحوها، و إلّا انفسخت المزارعة (1).

______________________________

على نهر قرية، و القرية لرجل، فأراد صاحب القرية أن يسوق إلى قريته الماء في غير هذا النهر و يعطّل هذه الرحى، أله ذلك أم لا؟ فوقّع عليه السّلام: يتّقي اللّه و يعمل في ذلك بالمعروف، و لا يضرّ أخاه المؤمن «1». هذا، و لكن الاستفادة ممنوعة؛ لأنّ الظاهر أنّ الرحى ملك للرجل و تغيير النهر إضرار بصاحب اليد.

(1) لو ترك الزارع الزرع لغير عذر عام بل عمدا، أو لعذر خاصّ حتّى انقضت المدّة المعيّنة في المزارعة، ففي المسألة وجوه:

أحدها: ضمانه اجرة المثل كما أنّه يستقرّ عليه الاجرة المسمّاة في الإجارة لو لم ينتفع بالعين المستأجرة أصلا حتّى انقضت مدّة الإجارة.

ثانيها: عدم ضمانه أصلا، غاية الأمر كونه آثما بترك تحصيل الحاصل؛ لأنّ الضمان كالتكليف يحتاج إلى الدليل، و مع عدمه فمقتضى الأصل العدم.

ثالثها: ضمانه ما يعادل حصّة المالك بحسب التخمين، و المفروض عدم تحقّق الزرع، فلا يبقى فرق بين أن يكون للمالك صاحب الأرض و الزارع، و الوجه فيه

______________________________

(1) الكافي: 5/ 293 ح 5،

الفقيه: 3/ 150 ح 659، تهذيب الأحكام: 7/ 146 ح 647، و عنها الوسائل: 25/ 431، كتاب إحياء الموات ب 15 ح 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 150

..........

______________________________

ظاهرا قاعدة الإتلاف؛ لأنّ الزارع أتلف مال الغير بترك زرعه، لأنّ إتلاف كلّ شي ء بحسبه من جهة، و مطلقا أو مقيّدا من جهة اخرى. لكن قد يقال: إنّ مقتضاها الاختصاص بفرض جهل المالك بالحال حتّى فوات أوان المزارعة؛ لاستناد التلف حينئذ إلى الزارع، إذ لو كان عالما بالحال يكون استناد التلف إلى المالك؛ لعلمه بترك العامل العمل في أرضه، و الظاهر أنّه لا فرق بين الصورتين بعد كون المستند قاعدة الإتلاف.

رابعها: التفصيل بين ما إذا كان الترك مستندا إلى اختياره و وقوعه عمدا بلا عذر و لو عذر خاصّ، فيكون ضامنا، و بين غيره فيضمن.

خامسها: ضمانه مقدار تلك الحصّة من منفعة الأرض من نصف أو ثلث، و من قيمة عمل الزارع؛ لصيرورتهما كأنّهما ملكا لصاحب الأرض، مع أنّه في المزارعة لا يكون تمليك أصلا، لا من قبل صاحب الأرض بالإضافة إلى أرضه، و لا من قبل الزارع بالإضافة إلى عمله، فإنّ المزارعة على ما يستفاد من نصوصها ليس إلّا معاملة بين الطرفين على أن يبذل أحدهما الأرض و الآخر العمل مع الاشتراك في الحاصل.

سادسها: التفصيل بين ما إذا اطّلع المالك على تركه للزرع فلم يفسخ المعاملة لتدارك استيفاء منفعة أرضه فلا يضمن، و بين صورة عدم اطّلاعه إلى أوان ذلك الوقت فيضمن.

سابعها: ضمان العامل للمالك قيمة العمل؛ لأنّه قد ملّكه عليه بعقد المزارعة، فإذا أتلفه بتركه ضمنه بقيمته، و قد عرفت «1» عدم ثبوت التمليك في باب المزارعة،

______________________________

(1) في ص 145- 146.

تفصيل

الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 151

[مسألة 7: لو زارع على أرض ثمّ تبيّن للزارع أنّه لا ماء لها فعلا، لكن أمكن تحصيله بحفر بئر و نحوه]

مسألة 7: لو زارع على أرض ثمّ تبيّن للزارع أنّه لا ماء لها فعلا، لكن أمكن تحصيله بحفر بئر و نحوه صحّت، لكن للعامل خيار الفسخ. و كذا لو تبيّن كون الأرض غير صالحة للزراعة إلّا بالعلاج التامّ، كما إذا كان الماء مستوليا عليها و يمكن قطعه. نعم، لو تبيّن أنّه لا ماء لها فعلا و لا يمكن تحصيله، أو كانت مشغولة بمانع لا يمكن إزالته و لا يرجى زواله، بطل (1).

______________________________

و لا يكون هذا الباب كالإجارة التي يملك المستأجر المنفعة في صورة الصحّة، و المؤجر الاجرة المسمّاة مع الصحّة، و اجرة المثل مع عدمها. و التحقيق أن يقال: بأنّه في صورة تسلّم الأرض من المالك يضمن اجرة مثل منفعتها في المدّة التي ترك فيها الزرع؛ لتفويته على مالك الأرض ذلك، و في صورة عدم التسلّم لا ضمان أصلا. نعم، لو كان البذر للمالك و تسلّمه الزارع يجب ردّه عينا أو مثلا كما لا يخفى، هذا في غير العذر العام، و أمّا فيه فسيأتي الكلام إن شاء اللّه تعالى في انفساخ المزارعة به فانتظر.

(1) لو زارع على أرض ثمّ تبيّن للزارع أنّه لا يكون لها ماء فعلا، و لكن يمكن تحصيله بحفر البئر و نحوه فالمزارعة في نفسها صحيحة لا إشكال فيها؛ لإمكان تحصيل الماء، لكن للعامل خيار الفسخ؛ و هو تخلّف شرط ضمني؛ و هو إمكان الزرع من دون إضافة أمر سوى عمل العامل، و لكن ذلك إنّما هو في صورة الجهل بالحال، و أمّا مع العلم فلا، و مثل هذا الفرض في ثبوت خيار الفسخ المذكور ما لو تبيّن كون الأرض غير

صالحة للزراعة إلّا بالعلاج التامّ كما إذا كان الماء مستوليا عليها و لكن يمكن قطعه. نعم، لو تبيّن أنّه لا ماء لها فعلا و لا يمكن تحصيله و لو بمئونة كثيرة، أو كانت مشغولة بمانع و لا يمكن إزالة المانع كذلك، و لا يرجى زواله بوجه عادة بطلت المزارعة؛ لعدم إمكان الزرع فيها أصلا كما هو ظاهر.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 152

[مسألة 8: لو عيّن المالك نوعا من الزرع كالحنطة مثلا فزرع غيره ببذره]

مسألة 8: لو عيّن المالك نوعا من الزرع كالحنطة مثلا فزرع غيره ببذره، فإن كان التعيين على وجه الشرطية في ضمن عقد المزارعة كان له الخيار بين الفسخ و الإمضاء، فإن أمضاه أخذ حصّته، و إن فسخ كان الزرع للزارع و عليه للمالك اجرة الأرض. و أمّا إذا كان على وجه القيديّة فله عليه اجرة الأرض و أرش نقصها على فرضه (1).

______________________________

(1) لو عيّن المالك نوعا من الزرع كالحنطة مثلا فزرع العامل غيره ببذر نفسه، ففي المتن التفصيل بين ما إذا كان التعيين على وجه الشرطيّة في عقد المزارعة، و بين ما إذا كان التعيين على وجه القيدية، ففي الصورة الاولى يكون للمالك خيار تخلّف الشرط و يكون مخيّرا بين الفسخ و الإمضاء، فإن اختار الإمضاء أخذ حصّته المعيّنة في عقد المزارعة، و إن فسخ كان الزرع للزارع لقاعدة التبعيّة، و لكن للمالك عليه اجرة الأرض، و إن كان على وجه القيدية فلا مجال للخيار و الإمضاء، بل للمالك عليه اجرة الأرض و أرش نقصها كما في الصورة الاولى على تقدير الفسخ.

هذا، و حكي عن بعض أنّه إن كان ما زرع أضرّ ممّا عيّنه المالك كان المالك مخيّرا بين الفسخ و الإمضاء، و أخذ اجرة الأرض في

الصورة الاولى، و أخذ الحصّة من المزروع مع أرش النقص الحاصل من الأضرّ، و إن كان أقلّ ضررا لزم و أخذ الحصّة منه «1»، و قال بعضهم: يتعيّن أخذ اجرة المثل للأرض مطلقا؛ لأنّ ما زرع غير ما وقع العقد عليه، فلا يجوز أخذ الحصّة منه مطلقا «2»، و ذهب صاحب العروة إلى أنّه لو علم أنّ المقصود مطلق الزرع، و أنّ الغرض من التعيين ملاحظة مصلحة

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 2/ 151، قواعد الأحكام: 2/ 313، جواهر الكلام: 27/ 25- 26.

(2) جامع المقاصد: 7/ 328- 329، مسالك الأفهام: 5/ 21- 22.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 153

..........

______________________________

الأرض و ترك ما يوجب ضررا فيها، يمكن أن يقال: إنّ الأمر كما ذكر؛ من التخيير بين الأمرين في صورة كون المزروع أضرّ، و تعيّن الشركة في صورة كونه أقلّ ضررا، قال: لكن التحقيق مع ذلك خلافه.

و إن كان التعيين لغرض متعلّق بالنوع الخاصّ لا لأجل قلّة الضرر و كثرته، فإمّا أن يكون التعيين على وجه التقييد و العنوانية، أو يكون على وجه تعدّد المطلوب و الشرطية، فعلى الأوّل إذا خالف ما عيّن فبالنسبة إليه يكون كما لو ترك الزرع أصلا حتّى انقضت المدّة، فتجري فيه الوجوه المذكورة هناك. و أمّا بالنسبة إلى الزرع الموجود، فإن كان البذر من المالك فهو له، و يستحقّ العامل اجرة عمله على إشكال في صورة علمه بالتعيين و تعمّده الخلاف؛ لإقدامه حينئذ على هتك حرمة عمله، و إن كان البذر للعامل كان الزرع له، و يستحقّ المالك عليه اجرة الأرض مضافا إلى ما استحقّه من بعض الوجوه المتقدّمة، و على الثاني يكون المالك مخيّرا بين أن يفسخ المعاملة

لتخلّف الشرط، و بين أن لا يفسخ و يأخذ حصّته من الزرع الموجود «1»، انتهى ملخّصا.

و قد ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه على ما في تقريراته في شرح العروة ما خلاصته «2»: أنّ الأقوى أن يقال: إنّه قد يفرض انكشاف الحال للمالك بعد تماميّة الزرع الذي تعدّى الزارع فيه و بلوغ الحاصل، و قد يفرض انكشافه في أثناء العمل و قبل بلوغ النتاج، و على كلا التقديرين، فإمّا أن يكون على نحو التقييد، و إمّا أن يكون على نحو الشرطيّة، فإن كان على نحو التقييد، فحيث إنّ ما وقع عليه العقد لم يتحقّق في

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 598 مسألة 3501.

(2) المباني في شرح العروة الوثقى، كتاب المزارعة: 260- 261.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 154

[مسألة 9: الظاهر صحّة جعل الأرض و العمل من أحدهما و البذر و العوامل من الآخر]

مسألة 9: الظاهر صحّة جعل الأرض و العمل من أحدهما و البذر و العوامل من الآخر، أو واحد منها من أحدهما و البقيّة من الآخر، بل الظاهر صحّة الاشتراك في الكلّ، و لا بدّ من تعيين ذلك حين العقد، إلّا إذا كان هناك مقدار يغني عنه. و الظاهر عدم لزوم كون المزارعة بين الاثنين، فيجوز أن تجعل الأرض من أحدهم، و البذر من الآخر، و العمل من الثالث، و العوامل من الرابع، و إن كان الأحوط ترك هذه الصورة و عدم التعدّي عن اثنين، بل لا يترك ما أمكن (1).

______________________________

الخارج و ما تحقّق لم يتعلّق به العقد، كان الزارع متعدّيا ضامنا.

و أمّا لو كان على نحو الاشتراط، فالمالك بالخيار بين إسقاط شرطه و رضاه بالمزروع بالفعل، و بين فسخ العقد من جهة تخلّف الشرط، و قد فصّل الكلام في حكم البذر و أنّه هل

كان للمالك أو العامل، و التحقيق في المقام يقتضي التفصيل بين صورة كون التعيين على نحو الشرطية أو القيديّة، و لا فرق في ذلك بين وقوع انكشاف الحال للمالك بعد تماميّة الزرع أو الأثناء.

(1) في هذه المسألة مقامان:

المقام الأوّل: أنّ المزارعة بحسب الأصل الأوّلي كما أشرنا إليه في أوّل كتاب المزارعة و إن كانت مشروعيّتها لأجل أن لا تكون الأرض لها مالك- و لكنّه لا يتمكّن من الزرع لأيّة جهة- خالية عن الفائدة و العائدة مع وجود من يتمكّن من العمل و الزرع، و لكنّه لا يكون مسلّطا على الأرض بوجه مع قبوله للمزارعة؛ لأنّه نوع من تقوية الاقتصاد في المجتمع الإسلامي المشتمل على مالك الأرض فقط غير القادر مثلا على العمل، و العامل الذي لا يرتبط بالأرض و لو على نحو الإجارة

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 155

..........

______________________________

و العارية، إلّا أنّ الظاهر عدم اختصاص المشروعيّة بهذه الصورة، بل مقتضى الحكمة المذكورة، بل تصحّ أن تكون الأرض و العمل من أحدهما و البذر و العوامل من الآخر، أو واحد منها من أحدهما و البقيّة من الآخر، و يدلّ عليه- مضافا إلى أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب- بعض الروايات:

ففي صحيحة سماعة قال: سألته عن مزارعة المسلم المشرك، فيكون من عند المسلم البذر و البقر، و تكون الأرض و الماء و الخراج و العمل على العلج؟ قال: لا بأس به «1».

و يؤيّدها بعض الروايات الاخر، لكن في صحيحة يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: و سألته عن المزارعة؟ فقال: النفقة منك و الأرض لصاحبها، فما أخرج اللّه من شي ء قسّم على الشطر، و كذلك

أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبر حين أتوه، فأعطاهم إيّاها على أن يعمروها و لهم النصف ممّا أخرجت «2».

و لكن الظاهر عدم إفادتها انحصار المزارعة بذلك و أنّ مدلولها بيان مزارعة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مع أصحاب خيبر، و إلّا لما جاز التوافق على أزيد من النصف أو أقلّ.

المقام الثاني: في جواز المزارعة بين أزيد من اثنين كالثلاثة أو الأربعة، و قد استظهر في المتن أوّلا الجواز ثمّ احتاط بالترك ما أمكن، و يدلّ على الصحّة أنّه ربما لا تكون الأرض مختصّة بواحد، بل مشتركة بينه و بين غيره، كما أنّ إطلاق ما حكاه الإمام عليه السّلام عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله في قصّة خيبر شامل لذلك، و منشأ الاحتياط إمّا ما حكي عن المسالك من أنّ العقود تتوقّف على التوقيف من الشارع و لم يثبت عنه

______________________________

(1) الكافي: 5/ 268 ح 4، المقنع: 389، و عنهما الوسائل: 19/ 47، كتاب المزارعة و المساقاة ب 12 ح 1.

(2) الكافي: 5/ 268 ح 2، تهذيب الأحكام: 7/ 198 ح 876، و عنهما الوسائل: 19/ 45، كتاب المزارعة و المساقاة ب 10 ح 2.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 156

[مسألة 10: يجوز للزارع أن يشارك غيره في مزارعته بجعل حصّة من حصّته لمن يشاركه]

مسألة 10: يجوز للزارع أن يشارك غيره في مزارعته بجعل حصّة من حصّته لمن يشاركه، كما يجوز أن ينقل حصّته إلى الغير و يشترط عليه القيام بأمر الزراعة، و الناقل طرف للمالك، و عليه القيام بأمرها و لو بالتسبيب. و أمّا مزارعة الثاني- بحيث كان الزارع الثاني طرفا للمالك- فليست بمزارعة، و لا يصحّ العقد كذلك، و لا يعتبر في صحّة التشريك في المزارعة و

لا في نقل حصّته إذن المالك. نعم، لا يجوز على الأحوط تسليم الأرض إلى ذلك الغير إلّا بإذنه، كما أنّه لو شرط عليه المالك أن يباشر بنفسه- بحيث لا يشاركه غيره و لا ينقل حصّته إلى الغير- كان هو المتّبع (1).

______________________________

ذلك «1»، و إمّا تركّب العقد من الطرفين أحدهما موجب و الآخر قابل، فلا يجوز التركّب من أزيد، و كلاهما مدفوعان، لكن الاحتياط الاستحبابي في الترك.

(1) يجوز للزارع أن يشارك غيره في مزارعته بجعل حصّة من حصّته لمن يشاركه، كما يجوز أن ينقل حصّته إلى الغير و يشترط عليه القيام بأمر الزراعة، و أمّا طرف المالك في عقد المزارعة هو الناقل؛ لوقوع العقد اللازم بينهما، غاية الأمر أنّ العامل يجب عليه القيام بأمر الزراعة و لو بالتسبيب، و أمّا صحّتها؛ بأن يجعل العامل الغير طرفا للمالك في عقد المزارعة- بحيث تصير نفسها كأنّها أجنبيّة عنها- فممنوعة؛ لتقوّم العقد به و بالمالك، فلا يجوز جعل الغير طرفا له. نعم، لا يعتبر في صحّة التشريك في الفرض الأوّل، و لا في صحّة النقل في الفرض الثاني إذن المالك إلّا مع شرط المباشرة و عدم التشريك، أو شرط عدم النقل إلى الغير، فهو المتّبع و يوجب تخلّفه الخيار.

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 5/ 28- 29.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 157

..........

______________________________

نعم، يبقى الكلام في تسليم الأرض إلى الغير شركة أو نقلا، و قد احتاط في المتن بعدم الجواز، و السرّ فيه أنّ المالك قد رضي بالتسليم إلى طرفه في عقد المزارعة، و أمّا التسليم إلى الغير فلا و إن لم يشترط المباشرة.

هذا، و لكن ذكر السيّد في العروة، و الظاهر جواز نقل مزارعته إلى الغير

بحيث يكون كأنّه هو الطرف للمالك بصلح و نحوه بعوض من خارج أو بلا عوض، كما يجوز نقل حصّته إلى الغير؛ سواء كان ذلك قبل ظهور الحاصل أو بعده، قال: كلّ ذلك لأنّ عقد المزارعة من العقود اللازمة الموجبة لنقل منفعة الأرض نصفا أو ثلثا و نحوهما إلى العامل، فله نقلها إلى الغير بمقتضى قاعدة السلطنة، و لا فرق في ذلك بين أن يكون المالك شرط عليه مباشرة الفعل بنفسه أو لا؛ إذ لا منافاة بين صحّة المذكورات، و بين مباشرته للعمل؛ إذ لا يلزم في صحّة المزارعة مباشرة العمل، فيصحّ أن يشارك أو يزارع غيره و يكون هو المباشر دون ذلك الغير «1».

و أورد عليه بعض الأعلام في الشرح بأنّ الظاهر عدم جوازه فيما إذا كان النقل قبل ظهور الحاصل، إذ لا يجوز نقل الزرع أو الثمر قبل ظهورهما على ما يذكر مفصّلا في كتاب البيع. نعم، يجوز ذلك في موردين:

الأوّل: بيع الثمر لأكثر من سنة.

الثاني: بيعه مع الضميمة على ما يذكر في محلّه «2».

هذا، و لكن العمدة ما ذكرنا من أنّه لا يصحّ جعل الغير طرفا لمالك الأرض بعد كون عقد المزارعة واقعا بينه و بين العامل، سيّما مع اشتراط المباشرة، و أمّا الموردان

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 601 مسألة 3505.

(2) المباني في شرح العروة الوثقى، كتاب المزارعة: 372.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 158

[مسألة 11: عقد المزارعة لازم من الطرفين]

مسألة 11: عقد المزارعة لازم من الطرفين، فلا ينفسخ بفسخ أحدهما إلّا إذا كان له خيار، و ينفسخ بالتقايل كسائر العقود اللازمة، كما أنّه يبطل و ينفسخ قهرا بخروج الأرض عن قابليّة الانتفاع بسبب مع عدم تيسّر العلاج (1).

[مسألة 12: لا تبطل المزارعة بموت أحد المتعاقدين]

مسألة 12: لا تبطل المزارعة بموت أحد المتعاقدين، فإن مات ربّ الأرض قام وارثه مقامه، و إن مات العامل فكذلك، فإمّا أن يتمّوا العمل و لهم حصّة مورّثهم، و إمّا أن يستأجروا شخصا لإتمامه من مال المورّث و لو الحصّة

______________________________

المذكوران في البيع، فالظاهر أنّ استثناء هما إنّما هو بلحاظ البيع الذي يعتبر فيه أن لا يكون غرريّا و لا يشمل مثل الصلح و غيره، و قد عرفت أنّ تمليك المعدوم هنا إنّما هو كالتمليك في باب الإجارة، فلا مانع من هذه الجهة.

(1) عقد المزارعة من العقود اللازمة من الطرفين، فلا ينفسخ بفسخ أحدهما إلّا إذا كان له خيار، كخيار تخلّف الشرط أو الغبن بناء على عدم الاختصاص بالبيع، و الدليل على اللزوم الأدلّة الدالّة عليه في العقود التي يشكّ ابتداء في لزومها، المذكورة في متاجر الشيخ الأعظم قدّس سرّه «1» من العمومات و الإطلاقات، و استصحاب بقاء أثر العقد بعد فسخ أحدهما من دون وجه، و ينفسخ بالتقايل الذي مرجعه إلى تراضي الطرفين على رفع اليد عن مقتضى الذي كان قوامه بهما، كسائر العقود اللازمة ما عدا النكاح، كما أنّه ينفسخ قهرا بخروج الأرض عن قابليّة الانتفاع بسبب- و لو بصيرورته معسكرا و نحوه- مع عدم إمكان العلاج بيسر و سهولة.

______________________________

(1) المكاسب للشيخ الأعظم الأنصاري: 5/ 17- 24.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 159

المزبورة، فإن زاد شي ء كان لهم. نعم، لو

شرط على العامل مباشرته للعمل تبطل بموته (1).

[مسألة 13: لو تبيّن بطلان المزارعة بعد ما زرع الأرض]

مسألة 13: لو تبيّن بطلان المزارعة بعد ما زرع الأرض، فإن كان البذر لصاحب الأرض كان الزرع له، و عليه اجرة العامل و العوامل إن كانت من العامل، إلّا إذا كان البطلان مستندا إلى جعل جميع الحاصل لصاحب الأرض، فإنّ الأقوى حينئذ عدم اجرة العمل و العوامل عليه. و إن كان من العامل كان الزرع له و عليه اجرة الأرض، و كذا العوامل إن كانت من صاحب الأرض، إلّا إذا كان البطلان

______________________________

(1) أمّا عدم البطلان بموت المالك، فلأنّ الأرض و إن كانت تنتقل إلى ورثته، إلّا أنّها تنتقل إليهم متعلّقة لحقّ الغير و مسلوبة المنفعة في مدّة المزارعة، كما في العين المستأجرة مع موت المؤجر. و أمّا عدم البطلان بموت العامل، فلما ذكر من ثبوت الحقّ لصاحب الأرض على العامل الميّت، و الواجب على الورثة أداء هذا الحقّ، إمّا بإتمامهم العمل بأنفسهم و لهم حصّة مورّثهم، و إمّا أن يستأجروا شخصا لإتمامه من مال المورّث، و لكن لا بدّ أن يكون مال الإجارة غير الحصّة المزبورة التي لا يعلم أصلها و لا مقدارها، فإن زاد شي ء كان لهم.

نعم، استثنى صورة واحدة؛ و هي ما لو شرط في عقد المزارعة على العامل المباشرة للعمل، فإنّه تبطل بموته، هذا كما في باب الإجارة، فإنّه إذا استؤجر الخيّاط لعمل خياطة ثوب بنفسه فموته يوجب بطلان الإجارة، و إذا استؤجر لخياطة الثوب بنحو يكون العمل في ذمّته و لو صدرت الخياطة من آخر، فإنّ موت الخيّاط لا يوجب بطلان الإجارة، بل على الورثة تحصيل الخياطة و تسليم الثوب المخيط إلى صاحب الثوب، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة،

الدين و...، ص: 160

مستندا إلى جعل جميع الحاصل للزارع، فالأقوى حينئذ عدم أجرة الأرض و العوامل عليه، و ليس للزارع إبقاء الزرع إلى بلوغ الحاصل و لو بالأجرة فللمالك أن يأمر بقلعه (1).

[مسألة 14: كيفيّة اشتراك العامل مع المالك في الحاصل تابعة للجعل الواقع بينهما]

مسألة 14: كيفيّة اشتراك العامل مع المالك في الحاصل تابعة للجعل الواقع بينهما، فتارة: يشتركان في الزرع من حين طلوعه و بروزه، فيكون حشيشه و قصيله و تبنه و حبّه كلّها مشتركة بينهما. و اخرى: يشتركان في خصوص حبّه؛ إمّا من حين انعقاده، أو بعده إلى زمان حصاده، فيكون الحشيش و القصيل

______________________________

(1) لو تبيّن بطلان المزارعة بعد ما زرع العامل الأرض ففيه تفصيل، فإنّه إن كان البذر لصاحب الأرض فمقتضى تبعيّة النتاج للبذر أن يكون الزرع بأجمعه لصاحب الأرض، غاية الأمر أنّه حيث لم يقدم العامل على العمل مجّانا و بلا عوض تكون اجرة العامل و العوامل إن كانت من العامل على صاحب الأرض، إلّا إذا كان منشأ البطلان جعل جميع الحاصل لصاحب الأرض، فإنّ الظاهر عدم ثبوت الاجرة عليه للإقدام مجّانا، و إن كان البذر للعامل فمقتضى قاعدة التبعيّة المذكورة كون الزرع للزارع و عليه اجرة الأرض، و كذا العوامل إن كانت من صاحب الأرض، إلّا إذا كان الملاك في البطلان جعل جميع الحاصل للزارع، فإنّ الظاهر حينئذ عدم ثبوت شي ء من اجرة الأرض و العوامل عليه لعين ما ذكر، و على أيّ فبعد تبيّن البطلان فليس هنا حقّ للزارع بالنسبة إلى البقاء إلى أن يتحقّق الحاصل و لو بالاجرة، فللمالك الأمر بقلعه كما في نظائره كما لا يخفى، و قد مرّ «1» بعض الكلام في هذه الجهة فراجع.

______________________________

(1) في ص 148.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...،

ص: 161

و التبن كلّها لصاحب البذر، و يمكن أن يجعل البذر لأحدهما، و الحشيش و القصيل و التبن للآخر مع اشتراكهما في الحبّ. هذا مع التصريح، و أمّا مع عدمه فالظاهر من مقتضى وضع المزارعة عند الإطلاق الوجه الأوّل، فالزرع بمجرّد طلوعه و بروزه يكون مشتركا بينهما. و يترتّب على ذلك امور:

منها: كون القصيل و التبن أيضا بينهما.

و منها: تعلّق الزكاة بكلّ منهما إذا كان حصّة كلّ منهما بالغا حدّ النصاب، و تعلّقها بمن بلغ نصيبه حدّه إن بلغ نصيب أحدهما، و عدم التعلّق أصلا إن لم يبلغ النصاب نصيب واحد منهما.

و منها: أنّه لو حصل فسخ من أحدهما بخيار أو منهما بالتقايل في الأثناء يكون الزرع بينهما، و ليس لصاحب الأرض على العامل اجرة أرضه، و لا للعامل عليه اجرة عمله بالنسبة إلى ما مضى. و أمّا بالنسبة إلى الآتي إلى زمان البلوغ و الحصاد، فإن وقع بينهما التراضي بالبقاء بلا اجرة، أو معها، أو على القطع قصيلا فلا إشكال، و إلّا فكلّ منهما مسلّط على حصّته، فلصاحب الأرض مطالبة القسمة و إلزام الزارع بقطع حصّته، كما أنّ للزارع مطالبتها ليقطع حصّته (1).

______________________________

(1) كيفيّة اشتراك العامل مع المالك في الحاصل تابعة للجعل الواقع بينهما؛ و الجعل قد يكون مع التصريح، و قد يكون مع الإطلاق.

أمّا في صورة التصريح، فتارة: يصرّحان بالاشتراك في الزرع من حين بروزه و طلوعه، فيكون جميع الامور المترتّبة من الحشيش و القصيل و التبن و الحبّ كلّها مشتركة بينهما؛ لأنّها من توابع الزرع البارز الطالع.

و اخرى: يصرّحان بالاشتراك في خصوص الحبّ؛ إمّا من حين انعقاده، أو بعده إلى زمان حصاده، فتكون الامور المذكورة من الحشيش و القصيل و التبن

كلّها

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 162

[مسألة 15: خراج الأرض و مال الإجارة للأرض المستأجرة على المزارع لا الزارع]

مسألة 15: خراج الأرض و مال الإجارة للأرض المستأجرة على المزارع لا الزارع، إلّا إذا اشترط عليه كلّا أو بعضا، و أمّا سائر المؤن- كشقّ الأنهار، و حفر

______________________________

تابعة للبذر و ملكا لصاحبه.

و ثالثة: يصرّحان بالتفكيك و جعل البذر لأحدهما، و الحشيش و القصيل و التبن للآخر مع الاشتراك في الحبّ.

و أمّا في صورة الإطلاق، فقد استظهر في المتن أنّ مقتضى وضع المزارعة عند الإطلاق هو الوجه الأوّل الذي مرجعه إلى الاشتراك في جميع الامور المذكورة لا في خصوص الحبّ، خصوصا مع أهمّيتها في باب الأغراض و الأموال، و عليه فالزرع بمجرّد طلوعه و بروزه يكون مشتركا بينهما و يترتّب على ذلك سوى الاشتراك في الكلّ امور:

منها: استقلال كلّ واحد منهما في باب تعلّق الزكاة إذا بلغ نصيبه النصاب، و لا يلزم بلوغ المجموع كما لا يخفى.

و منها: أنّه لو حصل فسخ من أحدهما بخيار، أو منهما بتقايل في الأثناء يكون الزرع بينهما، و ليس لصاحب الأرض اجرتها على العامل، و لا للعامل الاجرة على عمله بالنسبة إلى ما مضى؛ لأنّ أثر الفسخ و التقايل إنّما هو من حينه لا من أوّل العقد و جعله كالعدم من الأوّل. و أمّا بالنسبة إلى الآتي إلى زمان البلوغ و الحصاد، فإن وقع بينهما التراضي بالبقاء بلا اجرة، أو معها، أو على القطع قصيلا، فلا إشكال، و إلّا فكلّ منهما مستقلّ بالنسبة إلى حصّته، و حيث يكون الزرع الفعلي مشتركا بينهما فيجوز لكلّ منهما مطالبة القسمة. أمّا إذا كانت المطالبة من قبل المالك فله إلزام العامل بقطع حصّته، كما أنّه إذا كانت المطالبة من العامل يجوز

له قطع سهمه و نصيبه ليرتفع الاشتراك بالكلّية.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 163

الآبار و إصلاح النهر، و تهيئة آلات السقي، و نصب الدولاب و الناعور و نحو ذلك- فلا بدّ من تعيين كونها على أيّ منهما، إلّا إذا كانت عادة تغني عن ذلك (1).

[مسألة 16: يجوز لكلّ من الزارع و المالك عند بلوغ الحاصل تقبّل حصّة الآخر بحسب الخرص بمقدار معيّن من حاصله بالتراضي]

مسألة 16: يجوز لكلّ من الزارع و المالك عند بلوغ الحاصل تقبّل حصّة الآخر بحسب الخرص بمقدار معيّن من حاصله بالتراضي، و الأقوى لزومه من الطرفين بعد القبول، و إن تبيّن بعد ذلك زيادتها أو نقيصتها فعلى المتقبّل تمام ذلك المقدار و لو تبيّن أنّ حصّة صاحبه أقلّ منه، كما أنّ على صاحبه قبول ذلك و إن تبيّن كونها أكثر منه، و ليس له مطالبة الزائد (2).

______________________________

(1) لا شبهة في أنّ أرض المزارعة إذا كانت مستأجرة من ناحية المالك- و بعبارة اخرى: كان المالك مالكا لمنفعتها فقط- يكون مال الإجارة عليه؛ لأنّه المستأجر، و مال الإجارة إنّما هو على عهدته؛ سواء استوفى المنفعة أم لم يستوفها، و كذلك خراج الأرض، فإنّه متعلّق بها مطلقا و يكون على عهدة صاحبها مطلقا؛ سواء وقع استيفاء المنفعة منها أم لم يقع، كلّ ذلك مع الإطلاق و عدم الاشتراط على العامل كلّا أو بعضا.

و أمّا المؤن الاخرى غير المرتبطة بأصل الأرض بل بالزراعة فيها- كشقّ الأنهار، و حفر الآبار، و إصلاح النهر، و تهيئة آلات السقي، و نصب الدولاب و الناعور، و نحو ذلك- فلا بدّ من تعيين كونها على أيّ منهما، و الفرق ما أشرنا إليه من كون مثل الخراج و اجرة الأرض المستأجرة مرتبطا بالأرض المرتبطة بالمالك.

و أمّا المؤن الاخرى، فهي مرتبطة بالزراعة المشتركة بين المالك و

العامل، فلا بدّ من التعيين إلّا أن تكون هناك عادة تقتضي ذلك لكونها بمنزلة التصريح، فتدبّر.

(2) و الدليل على جواز ذلك- مضافا إلى أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب إلّا من

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 164

..........

______________________________

بعض من لا يقول بحجّية خبر الواحد «1»- جملة من الأخبار «2»، مثل:

صحيحة يعقوب بن شعيب في حديث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه: اختر إمّا أن تأخذ هذا النخل بكذا و كذا كيلا مسمّى، و تعطيني نصف هذا الكيل إمّا زاد أو نقص، و إمّا أن آخذه أنا بذلك، قال: نعم، لا بأس به «3».

و الرواية دالّة على الجواز في مطلق بيع الثمار، و لا اختصاص لها بالمزارعة و المساقاة، بل مقتضى الأخبار جوازه في كلّ زرع مشترك أو ثمر مشترك، و الظاهر أنّها معاملة مستقلّة و ليست بيعا و لا صلحا معاوضيّا، فلا يجري فيها إشكال اتّحاد العوض و المعوّض و لا إشكال الربا و إن قلنا بعدم اختصاص حرمته بالبيع و جريانه في مطلق المعاوضات، مع أنّ حاصل الزرع و الثمر قبل الحصاد و الجذاذ ليس من المكيل و الموزون، فهي معاملة مستقلّة عقلائيّة مسمّاة بالتقبّل، و الظاهر كونها لازمة لدلالة أدلّة أصالة اللزوم عليها، مضافا إلى دلالة مثل الرواية السابقة و لكنّه لا بدّ من حملها على عدم كون المراد قول أحدهما لصاحبه اختر أو أنا أختر، بل لا بدّ من تعيين ذلك كما في النقد و النسيئة إذا خيّر البائع المشتري ذلك، لكنّه يصحّ بشرط تعيين النوع خصوصا مع اختلاف الثمن، كما هو المتداول في النقد و النسيئة.

______________________________

(1) كابن

ادريس في السرائر: 2/ 450- 451.

(2) الوسائل: 19/ 49- 51، كتاب المزارعة و المساقاة ب 14.

(3) الكافي: 5/ 193 ح 2، الفقيه: 3/ 142 ح 623 و ص 164 ح 724، تهذيب الأحكام: 7/ 42 ح 180 و ص 125 ح 546، و عنها الوسائل: 18/ 232، كتاب التجارة، أبواب بيع الثمار ب 10 ح 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 165

[مسألة 17: لو بقيت في الأرض اصول الزرع بعد جمع الحاصل و انقضاء المدّة]

مسألة 17: لو بقيت في الأرض اصول الزرع بعد جمع الحاصل و انقضاء المدّة، فنبتت بعد ذلك في العام المستقبل، فإن كان القرار الواقع بينهما على اشتراكهما في الزرع و اصوله كان الزرع الجديد بينهما على حسب الزرع السابق، و إن كان على اشتراكهما فيما خرج من الزرع في ذلك العام فهو لصاحب البذر، فإن أعرض عنه فهو لمن سبق (1).

______________________________

(1) لو بقيت في الأرض اصول الزرع بعد جمع الحاصل و انقضاء المدّة. فنبتت بعد ذلك في العام المستقبل الخارج عن المدّة المعيّنة، ففي المتن التفصيل بين ما إذا كان القرار الواقع بينهما على اشتراكهما في الزرع و اصوله كان الزرع الجديد بينهما على حسب الزرع السابق، و إن كان القرار على الاشتراك فيما خرج من الزرع في ذلك العام- أي المدّة المعيّنة- فهو لصاحب البذر، فإن كان صاحب البذر فواضح كون الحاصل له، و إن كان العامل فمقتضى تبعيّة النتاج للبذر الالتحاق به. نعم، في صورة الإعراض فهو لمن سبق.

و ذكر صاحب العروة أنّه يحتمل أن يكون لهما مع عدم الإعراض مطلقا؛ لأنّ المفروض شركتهما في الزرع و أصله، و إن كان البذر لأحدهما أو لثالث، قال: و هو الأقوى «1».

و ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه في

الشرح أنّه مبنيّ على ما أفاده من كون مبدأ الاشتراك بين المالك و العامل من حين نثر البذر بحيث يكون الحبّ مشتركا بينهما، أو يكون ذلك بالاشتراط بناء على جوازه. و أمّا على غير هذين الوجهين كالوجهين الأخيرين اللذين ذكرهما، أو الوجه الذي ذكرناه من كون مبدأ الاشتراك أوّل أزمنة حصول الزرع، فحيث إنّ عقد المزارعة لا يقتضي إلّا الاشتراك في الحاصل،

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 609- 610 مسألة 3514.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 166

[مسألة 18: تجوز المزارعة على أرض بائرة لا يمكن زرعها إلّا بعد إصلاحها و تعميرها على أن يعمّرها و يصلحها]

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، در يك جلد، مركز فقه ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1425 ه ق

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...؛ ص: 166

مسألة 18: تجوز المزارعة على أرض بائرة لا يمكن زرعها إلّا بعد إصلاحها و تعميرها على أن يعمّرها و يصلحها و يزرعها سنة أو سنتين مثلا لنفسه، ثمّ يكون الحاصل بينهما بالإشاعة بحصّة معيّنة في مدّة مقدّرة (1).

______________________________

فلا وجه للاشتراك في المقام، حيث إنّ البذر حينئذ يختصّ بباذله؛ سواء كان هو الزارع أو مالك الأرض «1».

(1) تجوز المزارعة على أرض بائرة لها مالك- و لكن لا يمكن زرعها إلّا بعد إصلاحها و تعميرها- على أن يعمّرها و يصلحها و يزرعها سنة أو سنتين مثلا، و كان الحاصل لنفس العامل، ثمّ بعد صيرورتها دائرة يكون الحاصل بينهما بالإشاعة بحصّة معيّنة في مدّة مقدّرة كسائر موارد المزارعة، و لا منافاة بين الأمرين: اختصاص الحاصل بالعامل في مدّة التعمير و الإصلاح، و اشتراكه بينه و بين المالك بعده في مدّة معيّنة؛ لأنّ كلا الأمرين إنّما هو مع تراضي الشخصين.

و

عدم كون الفترة المؤثّرة في التعمير بعنوان المزارعة- لما عرفت من أنّه لا يجوز في المزارعة جعل مجموع الحاصل لأحدهما- لا ينافي ثبوت المزارعة بعد تلك الفترة، و ثبوت الحاصل بينهما بعدها بالإشاعة كما هو شأن المزارعة.

و في الحقيقة هنا أمران جعل الحاصل للعامل في مقابل التعمير و الإصلاح في تلك الفترة مثل سنة أو سنتين، و ثبوت المزارعة بعدها مع شرائطها التي من جملتها عدم اختصاص الحاصل بأحدهما، و حيث يكون الأمران مع تراضي الطرفين و موافقة الشخصين و لا جهالة في البين فلا مانع منه أصلا، هذا تمام الكلام في باب المزارعة، و يتلوه بحث المساقاة إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1) المباني في شرح العروة الوثقى، كتاب المزارعة: 303.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 167

[كتاب المساقاة]

اشارة

كتاب المساقاة

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 169

[مسائل المساقاة]

اشارة

و هي المعاملة على اصول ثابتة؛ بأن يسقيها مدّة معيّنة بحصّة من ثمرها.

و هي عقد يحتاج إلى إيجاب- كقول صاحب الاصول: «ساقيتك» أو «عاملتك» أو «سلّمت إليك» و ما أشبه ذلك- و قبول، نحو: «قبلت» و شبهه. و يكفي فيهما كلّ لفظ دال على المعنى المذكور بأيّ لغة كانت، و الظاهر كفاية القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي، كما تجري فيها المعاطاة على ما مرّ في المزارعة «1».

و يعتبر فيها بعد شرائط المتعاقدين- من البلوغ، و العقل، و القصد، و الاختيار، و عدم الحجر لسفه فيهما، و لفلس من غير العامل- أن تكون الأصول مملوكة عينا أو منفعة، أو يكون المتعامل نافذ التصرّف لولاية أو غيرها، و أن تكون معيّنة عندهما معلومة لديهما، و أن تكون مغروسة ثابتة، فلا تصحّ في الفسيل قبل الغرس، و لا على اصول غير ثابتة كالبطّيخ و الخيار و نحوهما، و أن تكون المدّة معلومة مقدّرة بما لا يحتمل الزيادة و النقصان كالأشهر و السنين.

و الظاهر كفاية جعل المدّة إلى بلوغ الثمر في العام الواحد إذا عيّن مبدأ الشروع في السقي، و أن تكون الحصّة معيّنة مشاعة بينهما مقدّرة بمثل النصف أو الثلث و نحوهما، فلا يصحّ أن يجعل لأحدهما مقدارا معيّنا و البقيّة للآخر، أو يجعل

______________________________

(1) تحرير الوسيلة: 1/ 496.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 170

لأحدهما أشجارا معلومة و للآخر اخرى.

نعم، لا يبعد جواز أن يشترط اختصاص أحدهما بأشجار معلومة و الاشتراك في البقيّة، أو يشترط لأحدهما مقدار معيّن مع الاشتراك في البقيّة إذا علم كون الثمر أزيد منه و أنّه تبقى

بقيّة (1).

______________________________

(1) الشرائط المعتبرة في هذا العقد كالشرائط المذكورة المتقدّمة في كتاب المزارعة «1»، و لكن حيث تكون المعاقدة على سقي اصول بحصّة من ثمرها يعتبر فيه شرائط اخرى أيضا:

1: أن تكون الاصول مملوكة عينا أو منفعة للمتعامل، أو يكون نافذ التصرّف بولاية شرعية أو وكالة عرفية أو غيرهما، و الوجه في اعتباره واضح.

2: أن تكون الاصول مغروسة ثابتة، فلا تصحّ في الفسيل قبل الغرس و لا في الاصول غير الثابتة، كالبطّيخ و الخيار و نحوهما من الباذنجان و القطن و قصب السكّر، و لكن ذكر السيّد في العروة أنّه لا يبعد الجواز للعمومات و إن لم يكن من المساقاة المصطلحة، بل لا يبعد الجواز في مطلق الزرع كذلك، فإنّ مقتضى العمومات الصحّة بعد كونه من المعاملات العقلائية، و لا يكون من المعاملات الغررية عندهم، غاية الأمر أنّها ليست من المساقاة المصطلحة «2».

هذا، و الظاهر عدم كونها من المعاملات غير الغرريّة عند العقلاء بعد عدم معلوميّة الثمر و مقداره، و تعيين الكسر المشاع لا يجدي في ذلك، و من الممكن عدم حصول الثمرة في عام مثلا و لو بسبب غير اختياري، فالقدر الثابت من المساقاة التي لا شبهة في مشروعيّتها هي الاصول الثابتة الموجودة في مثل البساتين المشتملة

______________________________

(1) في ص 141- 145.

(2) العروة الوثقى: 2/ 617- 618.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 171

[مسألة 1: لا إشكال في صحّة المساقاة قبل ظهور الثمر]

مسألة 1: لا إشكال في صحّة المساقاة قبل ظهور الثمر، و في صحّتها بعد الظهور و قبل البلوغ قولان، أقواهما الصحّة إذا كانت الأشجار محتاجة إلى السقي أو عمل آخر ممّا تستزاد به الثمرة و لو كيفيّة، و في غيره محلّ إشكال، كما أنّ الصحّة بعد

البلوغ و الإدراك- بحيث لا يحتاج إلى عمل غير الحفظ و الاقتطاف- محلّ إشكال (1).

______________________________

على أشجار مختلفة.

3: كون المدّة معلومة معيّنة بما لا يحتمل الزيادة و النقصان، و لو جعلت المدّة بلوغ الثمرة في هذا العام فالظاهر كفايتها بشرط تعيين الشروع و المبدأ؛ لأنّ التعيّن حينئذ معلوم عند العرف و العقلاء.

4: أن تكون الحصّة معلومة بنحو الإشاعة كالنصف أو الثلث مثلا، فلا يصحّ أن يجعل لأحدهما مقدارا معيّنا و البقيّة للآخر، و إن قلنا بصحّة مثله في باب المضاربة «1» خلافا للمشهور، إلّا أنّه لا يجوز في المقام؛ لاحتمال عدم الثمرة رأسا، و المفروض تعيّن الثمرة في ذلك. و كذا لا يصحّ أن يجعل لأحدهما أشجارا معيّنة و للآخر الاخرى، و نفى في المتن البعد عن جواز اختصاص أحدهما بأشجار معلومة و الاشتراك في الاخرى؛ لأنّه بمنزلة خلوّ البستان عن تلك الأشجار المعلومة، و المفروض ثبوت الاشتراك في البقيّة، أو يشترط مقدارا معيّنا زائدا لأحدهما بعد الاشتراك في البقيّة إذا علم بزيادة ذلك المقدار زائدا على الحصّة المشتركة.

(1) و الصحّة قبل ظهور الثمر هو المتيقّن من المساقاة المصطلحة المشروعة، و أمّا

______________________________

(1) في ص 21- 23، الشرط الثامن.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 172

..........

______________________________

صحّتها بعد الظهور و قبل البلوغ، فقد قوّى في المتن فيه الصحّة إذا كانت الأشجار محتاجة إلى السقي أو عمل آخر تستزاد به الثمرة و لو من حيث الكيفيّة، و قد استشكل في غير هذه الصورة، و الوجه في الصحّة في الصورة الاولى واضح؛ لصدق عنوان المساقاة عليه، خصوصا فيما إذا كانت الأشجار محتاجة إلى السقي، و أمّا الاستشكال في الصورة الاخرى، فلأنّ المفروض عدم الافتقار إلى

عمل العامل فيما يتعلّق بالأثمار.

و لكن السيّد في العروة قوّى صحّتها مطلقا؛ سواء كان العمل ممّا يوجب الاستزادة أم لا، خصوصا إذا كان في جملتها بعض الأشجار التي بعد لم يظهر ثمرها «1».

و يدلّ على الإطلاق صحيحة يعقوب بن شعيب «2»، فإنّ مقتضى ترك الاستفصال فيها عدم الفرق بين كون احتياجه للعمل بعد ظهور الثمر أو قبله، و أمّا الاستشكال في الصحّة بعد البلوغ و الإدراك بحيث لا يحتاج إلى عمل غير الحفظ و الاقتطاف، فلأنّ الظاهر أنّ المساقاة المشروعة إنّما هي بمنظور التأثير في الثمرة كمّا أو كيفا، و أمّا الحفظ و الاقتطاف فهما أمران مترتّبان على الثمرة، و قد ادّعى السيّد قدّس سرّه في العروة عدم الخلاف في بطلان المساقاة في هذه الصورة، و لكنّه استشكل في الصحّة في بعض المسائل الآتية، و كيف كان فالحقّ مع ما في المتن لما ذكرنا.

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 617 مسألة 3531.

(2) الكافي: 5/ 268 ح 2، تهذيب الأحكام: 7/ 198 ح 876، الفقيه: 3/ 154 ح 678، و عنها الوسائل: 19/ 44، كتاب المزارعة و المساقاة ب 9 ح 2.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 173

[مسألة 2: لا تجوز المساقاة على الأشجار غير المثمرة كالخلاف و نحوه]

مسألة 2: لا تجوز المساقاة على الأشجار غير المثمرة كالخلاف و نحوه.

نعم، لا يبعد جوازها على ما ينتفع بورقه أو ورده منها، كالتوت الذّكر و الحنّاء و بعض أقسام الخلاف ذي الورد و نحوها (1).

______________________________

(1) لا تجوز المساقاة على أشجار غير المثمرة التي لا ينتفع بورقها أو وردها؛ لأنّ هذه المساقاة لا تترتّب عليها نتيجة بعد فرض كون الأصول الثابتة لمالكها الأوّلي، و عدم وصول نتيجة إلى الساقي و العامل؛ لعدم ثبوت الثمرة و لا

الانتفاع بالورق أو الورد. نعم، في الأشجار التي تترتّب عليها الثمرة الأخيرة لا يبعد القول بالجواز؛ لعدم انحصار الثمرة بالثمرة المأكولة للإنسان، لكن اورد عليه بأنّ العمومات و الإطلاقات لا تشمل مثل هذه المعاوضة؛ لتضمّنها تمليك المعدوم بالفعل، و الأدلّة الخاصّة قاصرة الشمول عن مثل المقام، فإنّ صحيحة يعقوب بن شعيب و كذا أخبار خيبر «1» واردة في الأشجار المثمرة؛ لاشتمالهما على النخيل و الأشجار الاخر مثله.

هذا، و لكن دعوى الاختصاص بذلك- بعد تعلّق الغرض بورق بعض الأشجار، أو ورده كالتوت التي ينتفع منها دود القزّ، و كذا الحنّاء الذي ينتفع الإنسان به، و كذا بعض أقسام الخلاف ذي الورد مع احتياجهما إلى السقي، و بعض الأعمال الاخر كالأشجار المثمرة المتعارفة فيها- ما لا يخفى، خصوصا بعد ملاحظة ما ذكرنا من الحكمة في مشروعيّة المساقاة و مدخليّتها في النظام الاقتصادي للمجتمع الإسلامي.

______________________________

(1) الوسائل: 19/ 40 و 42، كتاب المزارعة و المساقاة ب 8 ح 1 و 2 و 8.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 174

[مسألة 3: تجوز المساقاة على فسلان مغروسة قبل أن تصير مثمرة]

مسألة 3: تجوز المساقاة على فسلان مغروسة قبل أن تصير مثمرة بشرط أن تجعل المدّة بمقدار تصير مثمرة فيها، كخمس سنين أو ستّ أو أزيد (1).

[مسألة 4: لو كانت الأشجار لا تحتاج إلى السّقي- لاستغنائها بماء السماء]

مسألة 4: لو كانت الأشجار لا تحتاج إلى السّقي- لاستغنائها بماء السماء، أو لمصّها من رطوبات الأرض- و لكن احتاجت إلى أعمال اخر، فالأقرب الصحّة إذا كانت الأعمال يستزاد بها الثمر؛ كانت الزيادة عينيّة أو كيفيّة، و في غيرها تشكل الصحّة، فلا يترك الاحتياط (2).

______________________________

(1) تجوز المساقاة على فسلان مغروسة غير مثمرة بالفعل بشرط أن تجعل المدّة بمقدار تصير مثمرة فيها، كخمس سنين أو ستّ أو أزيد، و قد استدلّ لذلك بإطلاق صحيحة يعقوب بن شعيب، حيث لم يقع التعرّض فيها لكون الثمر في نفس سنة العقد، و كذا أخبار خيبر، حيث لا يحتمل عادة أن تكون بساتينه بأجمعها مثمرة في سنة الإعطاء، فإنّها لا تخلو من الفسلان؛ و هي لا تثمر إلّا بعد مرور سنين، و لكنّ الظاهر التفصيل بين البساتين التي يوجد في ضمن أشجارها المثمرة بعض الفسلان التي لا تثمر إلّا بعد مرور سنين، و بين البساتين المشتملة على الفسلان فقط و لو كانت مغروسة، بثبوت الجواز في الأوّل و كون الفسلان في ضمن الأشجار المثمرة واقعة بنحو التبع، و الاستشكال في الثاني؛ لعدم ظهور شمول الإطلاق لها و إن كانت حكمة المساقاة جارية في كلتا الصورتين، كما لا يخفى.

(2) المساقاة و إن كانت مأخوذة من السّقي، إلّا أنّه لو كانت هناك أشجار لا تحتاج إلى السقي- لاستغنائها بماء السماء، أو لمصّها من رطوبات الأرض- لكن احتاجت إلى أعمال اخر لازدياد الثمرة عينيّة أو كيفيّة، فالظاهر صحّتها و مشروعيّتها، لمدخلية العمل في زيادة الثمرة، لكن لو

فرض أنّ الثمرة

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 175

[مسألة 5: لو اشتمل البستان على أنواع من الشجر و النخيل يجوز أن يفرد كلّ نوع بحصّة مخالفة للحصّة من النوع الآخر]

مسألة 5: لو اشتمل البستان على أنواع من الشجر و النخيل يجوز أن يفرد كلّ نوع بحصّة مخالفة للحصّة من النوع الآخر، كما إذا جعل النصف في ثمرة النخيل، و الثلث في الكرم، و الربع في الرمّان مثلا، لكن إذا علما بمقدار كلّ نوع من الأنواع، كما أنّ العلم الرافع للغرر شرط في المعاملة على المجموع بحصّة متّحدة (1).

______________________________

لا تحتاج إلى عمل أصلا كما أنّها لا تحتاج السقي، فالحكم بصحّة المساقاة مشكل بل ممنوع.

و ذكر السيّد في العروة في الصورة الاولى في وجه الصحّة، و لا يضرّ عدم صدق المساقاة حينئذ، فإنّ هذه اللفظة لم ترد في خبر من الأخبار، و إنّما هي اصطلاح الفقهاء، و هذا التعبير منهم مبنيّ على الغالب «1»، و لكن يرد عليه ورود هذه المادّة في صحيحة يعقوب بن شعيب المشتملة على قوله عليه السّلام: «اسق هذا من الماء» «2».

(1) لو اشتمل البستان على أنواع من الشجر و النخيل لا يلزم أن تكون الحصّة المشاعة في الجميع بنحو واحد و بمقدار واحد، بل يجوز أن يفرد كلّ نوع بحصّة مخالفة للحصّة من النوع الآخر، كما إذا جعل النصف في ثمرة النخيل، و الثلث في الكرم، و الربع في الرمّان مثلا، كما إذا لم يكن هناك في البستان إلّا خصوص هذا النوع، أو كانت هناك مساقاة متعدّدة متعلّقة بكلّ نوع مستقلّا. و من الواضح اعتبار العلم الرافع للغرر بالإضافة إلى حصّة كلّ واحد، كاعتباره في المعاملة على المجموع بحصّة متّحدة غير مختلفة، كما لا يخفى.

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 618 مسألة 3534.

(2) الوسائل: 19/ 44، كتاب المزارعة

و المساقات ب 9 ح 2.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 176

[مسألة 6: من المعلوم أنّ ما يحتاج إليه البساتين و النخيل و الأشجار في إصلاحها و تعميرها و استزادة ثمارها و حفظها، أعمال كثيرة]

مسألة 6: من المعلوم أنّ ما يحتاج إليه البساتين و النخيل و الأشجار في إصلاحها و تعميرها و استزادة ثمارها و حفظها، أعمال كثيرة:

فمنها: ما يتكرّر في كلّ سنة، مثل إصلاح الأرض، و تنقية الأنهار، و إصلاح طريق الماء، و إزالة الحشيش المضرّ، و تهذيب جرائد النخل و الكرم، و التلقيح، و التشميس، و إصلاح موضعه، و حفظ الثمرة إلى وقت القسمة و غير ذلك.

و منها: ما لا يتكرّر غالبا، كحفر الآبار و الأنهار، و بناء الحائط و الدولاب و الدالية و نحو ذلك، فمع إطلاق عقد المساقاة الظاهر أنّ القسم الثاني على المالك، و أمّا القسم الأوّل فيتّبع التعارف و العادة، فما جرت على كونه على المالك أو العامل كان هو المتّبع، و لا يحتاج إلى التعيين، و لعلّ ذلك يختلف باختلاف البلاد. و إن لم تكن عادة لا بدّ من تعيين أنّه على أيّهما (1).

______________________________

(1) ما يحتاج إليه البساتين و النخيل و الأشجار زائدا على السقي في كلّ زمان يحتاج إليه عرفا و عادة في إصلاحها و تعميرها و استزادة ثمارها و حفظها، أعمال كثيرة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأوّل: ما يكون حاجة فيه إلى التكرّر في كلّ سنة، مثل إصلاح الأرض و تنقية الأنهار و سائر الأمثلة المذكورة في المتن و غيرها.

القسم الثاني: ما لا حاجة فيه إلى التكرّر غالبا، بل قد تمسّ الحاجة إليه، كحفر الآبار و الأنهار و سائر الأمثلة المذكورة في المتن و غيرها، و حينئذ فمع التصريح في المساقاة و تعيين العمل على المالك أو العامل فهو، و مع الإطلاق و عدم

التصريح فالظاهر أنّ القسم الثاني الذي لا حاجة فيه إلى التكرّر، خصوصا مثل حفر الآبار العميقة المتداولة في هذه الأزمنة على المالك؛ لتوقّف استفادة الثمرة في طول سنين

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 177

[مسألة 7: المساقاة لازمة من الطرفين]

مسألة 7: المساقاة لازمة من الطرفين لا تنفسخ إلّا بالتقايل أو الفسخ بخيار، و لا تبطل بموت أحدهما، بل يقوم وارثهما مقامهما. نعم، لو كانت مقيّدة بمباشرة العامل تبطل بموته «1».

[مسألة 8: لا يشترط في المساقاة أن يكون العامل مباشرا بنفسه]

مسألة 8: لا يشترط في المساقاة أن يكون العامل مباشرا بنفسه، فيجوز أن يستأجر أجيرا لبعض الأعمال أو تمامها، و تكون عليه الاجرة. و كذا يجوز أن يتبرّع متبرّع بالعمل، و يستحقّ العامل الحصّة المقرّرة. نعم، لو لم يقصد التبرّع عنه ففي كفايته إشكال، و أشكل منه ما لو قصد التبرّع عن المالك. و كذا الحال لو لم يكن عليه إلّا السقي، و يستغنى عنه بالأمطار و لم يحتج إليه أصلا. نعم، لو كان عليه أعمال اخر غير السقي، و استغني عنه بالمطر و بقي سائر الأعمال، فإن

______________________________

كثيرة عليه، و ليس ذلك كالسقي و مثله. و أمّا القسم الأوّل: فتابع للعرف و العادة، و لعلّها مختلفة بحسب البلاد و المدن، و مع عدم التعارف لا بدّ من التعيين و أنّه على أيّهما ليرتفع الغرر، كما لا يخفى.

(1) عقد المساقاة من العقود اللازمة من الطرفين؛ لأدلّة أصالة اللزوم الجارية في كلّ عقد يشكّ ابتداء في لزومه و عدمه، و لازمه أنّه لا ينفسخ إلّا بالتقايل الجاري في كلّ عقد لازم سوى مثل النكاح، أو بالفسخ بخيار مثل تخلّف الشرط و نحوه، و لا تبطل بموت أحد من المالك و العامل، بل يقوم وارثهما مقامهما. نعم، لو كانت مقيّدة بمباشرة العامل تبطل بموته على نحو ما ذكرناه في المزارعة «1»، كما لا يخفى.

______________________________

(1) في ص 159.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 178

كانت بحيث يستزاد بها الثمر فالظاهر استحقاق حصّته، و إلّا

فمحلّ إشكال (1).

______________________________

(1) لا يشترط في المساقاة في صورة الإطلاق و عدم اشتراط مباشرة العامل للأعمال كلّا أو بعضا أن يكون العامل مباشرا بنفسه، فيجوز أن يستأجر أجيرا لبعض الأعمال و تكون عليه الاجرة، أو يتبرّع متبرّع عن العامل لضعفه مثلا، و يستحقّ العامل الحصّة المقرّرة في عقد المساقاة له. هذا، و لو كان هناك متبرّع بالإضافة إلى بعض الأعمال، من دون أن يكون قصده التبرّع عن العامل الذي يكون معه كأنّه العامل، فتارة: يقصد التبرّع المطلق من دون إضافة إلى العامل أو المالك، و اخرى: يقصد التبرّع عن المالك من دون ارتباط إلى العامل، و قد استشكل في المتن في كفايته، و جعل الثاني أشدّ إشكالا.

و الوجه في أصل الإشكال: أنّه لم يجعل نفسه مكان العامل الذي وظيفته العمل، و من الواضح مدخليته في الحصّة المقرّرة، و وجه الأشديّة، أنّه جعل نفسه مكان المالك و أتى بوظيفة العامل، و مثله ما لو لم يكن على العامل إلّا السقي؛ لعدم الحاجة إلى عمل آخر، أو لتعيينه على المالك، فاستغني عن السقي لكثرة الأمطار بحيث لم يحتج الأشجار إليه أصلا، و ذلك لعدم تحقّق عمل من العامل في هذه الصورة، فيكون شبيها بأكل المال بالباطل.

نعم، لو كان على العامل أعمال اخر غير السقي الذي لم يحتج إليه الأشجار للأمطار، و كان ذلك العمل دخيلا في زيادة الثمرة كمّا أو كيفا، فلا يخلّ ذلك بعدم استحقاق الحصّة المقرّرة، و إن لم تكن تلك الأعمال دخيلة في زيادة الثمرة كذلك، فاستحقاق الحصّة المقرّرة محلّ إشكال؛ لعدم تحقّق عمل مفيد من العامل؛ إمّا لعدم الاحتياج إليه بسبب الأمطار، أو لعدم فائدة لأعماله كما هو المفروض، فلما ذا استحقّ الاجرة،

فتدبّر جيّدا.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 179

[مسألة 9: يجوز أن يشترط العامل مع الحصّة من الثمر شيئا آخر من نقد و غيره]

مسألة 9: يجوز أن يشترط العامل مع الحصّة من الثمر شيئا آخر من نقد و غيره، و كذا حصّة من الاصول مشاعا أو مفروزا (1).

[مسألة 10: كلّ موضع بطل فيه عقد المساقاة تكون الثمرة للمالك]

مسألة 10: كلّ موضع بطل فيه عقد المساقاة تكون الثمرة للمالك، و للعامل عليه اجرة مثل عمله حتّى مع علمه بالفساد شرعا. نعم، لو كان الفساد مستندا إلى اشتراط كون جميع الثمرة للمالك لم يستحقّ الاجرة حتّى مع جهله بالفساد (2).

______________________________

(1) يجوز أن يشترط العامل على المالك زائدا على الحصّة المقرّرة من الثمرة- كالنصف أو الثلث أو الربع- شيئا آخر من نقد أو غيره؛ لأنّه لا مانع من ذلك بعد الوقوع في مقابل مجموع العمل، و من الممكن أن تكون الثمرة قليلة و الأعمال كثيرة جدّا بحسب الغالب في ذلك المكان أو الزمان، كما يجوز أن يشترط مع الحصّة الخاصّة من الشجرة حصّة من الاصول بنحو الإشاعة أو المفروز، لعدم المانع في شي ء من ذلك كلّه، كما لا يخفى.

(2) كلّ موضع يكون عقد المساقاة باطلا لجهة من الجهات، فاللازم أن يقال بكون الثمرة للمالك و عليه اجرة مثل عمله من السقي و غيره، كما في جميع موارد المقبوض بالعقد الفاسد فيما إذا كان في صحيحه الضمان. غاية الأمر أنّ الضمان في الصحيح هو الضمان بالمسمّى، و في الفاسد هو الضمان بالمثل أو القيمة؛ من دون فرق بين صورة الجهل بالفساد أو العلم به. نعم، لو كان الفساد مستندا إلى اشتراط كون جميع الثمرة للمالك لم يستحقّ الاجرة حتّى مع جهله بالفساد؛ للإقدام على العمل مجّانا و بلا شي ء كالبيع بلا ثمن، فإنّ الظاهر عدم ثبوت الضمان؛ لإقدام البائع على أن لا يكون في مقابل مبيعه عوض، و قاعدة «على اليد

ما أخذت» «1»

______________________________

(1) تقدّم في ص 69.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 180

[مسألة 11: يملك العامل الحصّة من الثمر حين ظهوره]

مسألة 11: يملك العامل الحصّة من الثمر حين ظهوره، فإن مات بعده قبل القسمة و بطلت المساقاة- من جهة اشتراط مباشرته للعمل- انتقلت حصّته إلى وارثه، و تجب عليه الزكاة لو بلغت النصاب (1).

______________________________

منصرفة عن مثل هذه الصورة.

(1) يملك العامل حصّته من الثمرة حين ظهوره و لا ينتظر وقت البلوغ، و استظهر السيّد في العروة عدم الخلاف فيه إلّا من بعض العامّة «1»، حيث قال بعدم ملكيّته له إلّا بعد القسمة قياسا على عامل القراض، حيث إنّه لا يملك الربح إلّا بعد الإنضاض، قال: و هو ممنوع عليه حتّى في المقيس عليه «2». و يدلّ على أصل المطلب صحيحة يعقوب بن شعيب التي ذكر فيها عنوان «ما أخرج» «3»، و من الواضح أنّه صادق على الثمرة قبل البلوغ، و يتفرّع على ذلك فروع كثيرة:

منها: ما في المتن من أنّه إذا مات العامل بعده و قبل القسمة بطلت المساقاة فيما إذا اشترط مباشرة العامل للعمل بنفسه، و تنتقل حصّته إلى وارثه و لا يلزم عليهم العمل أصلا في تلك الصورة، و إن لم يشترط المباشرة فقد ذكرنا في بعض المسائل السابقة «4» أنّه لا تبطل المساقاة، بل يقوم الوارث مقام الميّت؛ سواء كان هو المالك أو العامل.

و منها: ما في المتن أيضا من وجوب الزكاة عليه في الأثمار التي يكون فيها الزكاة إذا بلغ سهم العامل النصاب.

و منها: ما في العروة من أنّه إذا فسخ أحدهما بخيار الشرط أو الاشتراط بعد

______________________________

(1) يراجع المغني لابن قدامة: 5/ 576 و الشرح الكبير: 5/ 574.

(2) العروة الوثقى: 2/ 631 مسألة

3563.

(3) وسائل الشيعة: 19/ 44، كتاب المزارعة و المساقاة ب 9 ح 2.

(4) في ص 159 مسألة 12 و 177 مسألة 7.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 181

[مسألة 12: المغارسة باطلة]

مسألة 12: المغارسة باطلة؛ و هي أن يدفع أرضا إلى غيره ليغرس فيها على أن يكون المغروس بينهما؛ سواء اشترط كون حصّته من الأرض أيضا للعامل أو لا، و سواء كانت الاصول من المالك أو من العامل، و حينئذ يكون الغرس لصاحبه، فإن كانت من مالك الأرض فعليه اجرة عمل الغارس، و إن كانت من الغارس فعليه اجرة الأرض، فإن تراضيا على الإبقاء بالاجرة أو لا معها فذاك، و إلّا فلمالك الأرض الأمر بالقلع، و عليه أرش النقص إن نقص بالقلع، كما أنّ للغارس قلعه، و عليه طمّ الحفر و نحو ذلك ممّا حصل بالغرس، و ليس لصاحب الأرض إلزامه بالإبقاء و لو بلا اجرة (1).

______________________________

الظهور و قبل القسمة أو تقايلا «1» كما تقدّم، فالحصّة محفوظة للعامل؛ لأنّ أثر الفسخ أو التقايل إنّما هو من حينهما لا من أصل العقد، و لكن ربما يقال بصيرورتهما العقد كأن لم يكن، فتكون الثمرة بأجمعها للمالك، و التحقيق في محلّه.

و منها: غير ذلك ممّا ذكره في العروة، فراجع.

(1) قال السيّد قدّس سرّه في العروة في مقام الاستدلال على بطلان المغارسة: و وجه البطلان الأصل بعد كون ذلك على خلاف القاعدة، بل ادّعى جماعة الإجماع عليه «2». نعم، حكي عن الأردبيلي و صاحب الكفاية «3» الإشكال فيه؛ لإمكان استفادة الصحّة من العمومات، و هو في محلّه إن لم يتحقّق الإجماع «4».

______________________________

(1) العروة الوثقى: 2/ 632 قطعة من مسألة 3564.

(2) جامع المقاصد: 7/ 392، مجمع الفائدة و

البرهان: 10/ 144، مفتاح الكراهة: 7/ 386، جواهر الكلام:

27/ 93، مسالك الأفهام: 5/ 71.

(3) كفاية الأحكام: 123.

(4) العروة الوثقى: 2/ 634، صدر مسألة 3566.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 182

..........

______________________________

و ذكر بعض الأعلام في الشرح أنّه لا يمكن التمسّك بالعمومات في المقام من جهات:

الأولى: أنّ ظاهر العمومات و الإطلاقات اتّحاد زمان الإنشاء و المنشأ، بحيث يكون الأثر فعليّا و متحقّقا مقارنا للإنشاء في زمانه، و لذا لا يجوز أن يبيع داره في غير الآن، كبعد شهرين مثلا، أو أن يطلّق زوجته كذلك، و حيث إنّ المغارسة غير واجدة لهذه الجهة؛ لاقتضائها استقلال مالك الفسلان بملكيّتها قبل غرسها، و ثبوت الاشتراك في المغروس، ففي الحقيقة ترجع إلى إنشاء أمر متأخّر، فلا تشمله العمومات الدالّة على الصحّة.

الثانية: جهالة فترة الملكية، حيث لا حدّ للعمل الذي التزم به الغارس بالنسبة إلى الأشجار، فإنّه غير موقّت بوقت معيّن. و من هنا فإن كان مبهما فلا مجال للحكم بصحّة ما لا واقع له، و إن كان موقّتا ببقاء الأشجار حكم ببطلانها لمجهوليّة تلك الفترة.

الثالثة: مجهوليّة المنفعة التي يسلّمها المالك للغارس فيما إذا كان عوض عمله منحصرا في انتفاعه بالأرض، بحيث لم يكن قد اشترط عليه الحصّة من الأرض، فإنّ هذه المنفعة مجهولة؛ لعدم تحديدها بحدّ معيّن، فلا مجال للحكم بصحّتها «1».

و هذه الوجوه و إن كان يمكن المناقشة في جميعها؛ لأنّ استظهار زمان الإنشاء و المنشأ من العمومات و الإطلاقات ممنوع، فإنّ الإنشائيات قد يكون من قبيل الواجب المعلّق، يكون الوجوب فعليّا و الواجب استقباليا كوجوب الحجّ على المستطيع، و لا يرى فرق بين البيع بعد شهرين و الإجارة كذلك، و دعوى الفرق

______________________________

(1) المباني

في شرح العروة الوثقى، كتاب المساقاة: 380- 381.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 183

[مسألة 13: بعد بطلان المغارسة يمكن أن يتوصّل إلى نتيجتها؛ بإدخالها تحت عنوان آخر مشروع يشتركان في الاصول]

مسألة 13: بعد بطلان المغارسة يمكن أن يتوصّل إلى نتيجتها؛ بإدخالها تحت عنوان آخر مشروع يشتركان في الاصول، إمّا بشرائها بالشركة و لو بأن يوكّل صاحب الأرض الغارس في أنّ كلّ ما يشتري من الفسيل يشتريه لهما، ثمّ يؤاجر الغارس نفسه لغرس حصّة صاحب الأرض و سقيها و خدمتها في مدّة معيّنة بنصف منفعة أرضه إلى تلك المدّة، أو بنصف عينها، أو بتمليك أحدهما للآخر نصف الاصول مثلا إن كانت من أحدهما، و يجعل العوض- إذا كانت لصاحب

______________________________

واضحة الفساد، و قيام الدليل على البطلان في مثل البيع و الطلاق لا يلازم البطلان في المقام، و جهالة فترة الملكيّة غير مادحة بعد أنّه لا دليل على قدح مطلق الجهالة في مطلق المعاملات، و لذا يصحّ النكاح مع احتمال موت الزوجة مثلا بلا فصل.

فاللازم أن لا تكون المعاملة غررية عند العرف و العقلاء، و المغارسة ليست بغرريّة، و منه يظهر الجواب عن الوجه الثالث، فمناقشة المحقّقين في البطلان غير خالية عن الوجه إن لم يكن هناك إجماع على الخلاف، و الظاهر ثبوته.

و لا فرق في البطلان بين صورة اشتراط كون حصّة من الأرض للعامل، و بين صورة عدمه. و كذا لا فرق بين ما إذا كانت الاصول من المالك، أو من العامل، و حينئذ بعد بطلان المغارسة يكون الغرس لصاحبه، فإن كانت من مالك الأرض فعليه اجرة عمل الغارس؛ لعدم إقدامه عليه مجّانا و بلا عوض، و إن كانت من الغارس فعليه اجرة الأرض إلى الحال، فإن تراضيا على الإبقاء بلا اجرة أو معها فهو، و إلّا فلمالك

الأرض الأمر بالقلع، غاية الأمر أنّ عليه أرش النقص إن نقص بالقلع. كما أنّ للغارس قلع مغروساته، لكن عليه طمّ الحفر و نحو ذلك ممّا حصل بالقلع، و لا يجب عليه قبول إجازة مالك الأرض للإبقاء أو إلزامه بها و لو من دون اجرة.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 184

الأرض- الغرس و الخدمة إلى مدّة معيّنة، شارطا على نفسه بقاء حصّة الغارس في أرضه مجّانا إلى تلك المدّة، و إذا كانت من الغارس يجعل العوض نصف عين الأرض، أو نصف منفعتها إلى مدّة معيّنة، شارطا على نفسه غرس حصّة صاحب الأرض و خدمتها إلى تلك المدّة (1).

[مسألة 14: الخراج الذي يأخذه السلطان من النخيل و الأشجار في الأراضي على المالك]

مسألة 14: الخراج الذي يأخذه السلطان من النخيل و الأشجار في الأراضي

______________________________

(1) بعد الحكم ببطلان المغارسة و عدم صحّتها يمكن أن يتوصّل إلى نتيجتها بإدخالها تحت عنوان آخر مشروع أصله الاشتراك في الاصول، و ذكر في المتن طريقين لذلك:

أحدهما: شراء الاصول بالشركة و لو بأن يوكّل صاحب الأرض الغارس في أنّ كلّ ما يشتري من الفسيل يشتريه لهما ليتحقّق الاشتراك في الاصول، و مثله ما إذا اشترى لصاحب الأرض أيضا فضولة ثمّ يجيز صاحب الأرض ذلك، و بعد الاشتراك في الاصول و الفسلان يؤاجر الغارس نفسه لغرس حصّة صاحب الأرض و سقيها و خدمتها في مدّة معيّنة بنصف منفعة أرضه إلى تلك المدّة، أو بنصف عينها، و لكن اللازم في الصورة الاولى جواز أمر المالك بالقلع بعد تلك المدّة، أو قلع الغارس نفسه كما ذكرنا.

ثانيهما: تمليك مالك الاصول نصفها من الآخر، فإن كان صاحب الأرض يجعل العوض الغرس و الخدمة إلى مدّة معيّنة، شارطا على نفسه بقاء حصّة الغارس في أرضه مجّانا إلى

تلك المدّة، و إذا كانت من الغارس يجعل العوض نصف عين الأرض إلى مدّة معيّنة مع اشتراطه على نفسه غرس حصّة صاحب الأرض و خدمتها إلى تلك المدّة، و الأمر بالإضافة إلى ما بعد المدّة ما ذكرنا في الطريقة الاولى، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 185

الخراجيّة على المالك، إلّا إذا اشترطا كونه على العامل أو عليهما (1).

[مسألة 15: لا يجوز للعامل في المساقاة أن يساقي غيره إلّا بإذن المالك]

مسألة 15: لا يجوز للعامل في المساقاة أن يساقي غيره إلّا بإذن المالك، لكن مرجع إذنه فيها إلى توكيله في إيقاع مساقاة اخرى للمالك مع شخص ثالث بعد فسخ الاولى، فلا يستحقّ العامل الأوّل شيئا. نعم، يجوز للعامل تشريك غيره في العمل على الظاهر (2).

______________________________

(1) الخراج الذي يأخذه السلطان في الأراضي الخراجيّة إنّما هو على مالك الأرض، إلّا مع اشتراط كونه على العامل بعضا أو كلّا؛ لما ذكرنا في كتاب المزارعة «1» من أنّ الظاهر كون الخراج إنّما هو على الأرض؛ سواء استفيد منها أم لا، كالعين المستأجرة التي يجب على مستأجرها دفع الأجرة؛ سواء استفاده من منفعتها أم لا. نعم، مع اشتراط الخلاف يكون المتّبع هو الاشتراط كما لا يخفى.

(2) طرف المالك في المساقاة إنّما هو العامل؛ سواء عمل شخصا أو بمعونة الغير، و الأحكام التي تترتّب على العامل إنّما تكون مترتّبة عليه. نعم، الظاهر أنّه لا مانع من تشريك غيره في العمل، بمعنى كونه أيضا طرفا للمالك؛ كما إذا كان المشتري في البيع شريكين أو أزيد، لكن لا يجوز للعامل أن يساقي غيره بحيث يصير ذلك الغير طرفا للمالك إلّا في صورة إذن المالك، لكن مرجع إذنه إلى جعل الخيار له في فسخ المساقاة الاولى، و إيقاع مساقاة ثانية وكالة

مع شخص ثالث، فإنّه لا يستحقّ العامل الأوّل على المالك شيئا، و يصير الشخص الثالث طرفا للمالك بالكلّية كما لا يخفى.

هذا بحمد للّه تمام الكلام في شرح كتاب المساقاة.

______________________________

(1) في ص 163.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 187

[كتاب الدّين و القرض]

اشارة

كتاب الدّين و القرض

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 189

[تعريف الدين]

الدّين مال كلّي ثابت في ذمّة شخص لآخر بسبب من الأسباب، و يقال لمن اشتغلت ذمّته به: المديون و المدين، و للآخر: الدائن و الغريم. و سببه: إمّا الاقتراض، أو امور اخر اختيارية، كجعله مبيعا في السلم، أو ثمنا في النسيئة، أو اجرة في الإجارة، أو صداقا في النكاح، أو عوضا في الخلع، و غير ذلك، أو قهريّة، كما في موارد الضمانات، و نفقة الزوجة الدائمة، و نحو ذلك، و له أحكام مشتركة، و أحكام مختصّة بالقرض (1).

______________________________

(1) الدّين مال كلّي ثابت في ذمّة شخص لآخر بسبب من الأسباب، فلا يقال للعين المغصوبة: إنّها دين على الغاصب، بل يجب عليه ردّها بعينها إلى صاحبها ما دامت باقية و محفوظة في يده. نعم، بعد عروض التلف لها يجب عليه أداء المثل أو القيمة. نعم، ربما يقال بأنّ المستفاد من قاعدة «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» «1» ثبوت العين على العهدة بعد التلف أيضا، و لذا ربما يقال بأنّ المضمون قيمة يوم الأداء و الدفع، لا سائر المواقع و لا أعلى القيم، لكن ثبوت العين على العهدة على تقدير تسليم تصويرها لا ينافي عدم صدق الدّين عليه، و هو المهمّ في البحث.

______________________________

(1) تقدّم في ص 69.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 190

..........

______________________________

و كيف كان، فالدّين مال كلّي ثابت في الذمّة، و يقال لمن اشتغلت ذمّته به:

المديون و المدين، و للآخر الذي يكون الدّين له: الدائن و الغريم، و إن كان يستفاد من صحيحة أبي ولّاد المفصّلة «1» المعروفة المذكورة في كتاب متاجر الشيخ الأعظم الأنصاري قدّس

سرّه في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد «2»، إطلاق الغريم على المديون.

و كيف كان، فسببه إمّا الاقتراض الذي تجي ء أحكامه، أو امور اخر، و تلك الامور قد تكون اختيارية كجعله مبيعا في السلم و السلف، أو ثمنا في النسيئة، أو اجرة في الإجارة، أو صداقا في النكاح، أو عوضا في الخلع، و غير ذلك. و أمّا الثمن الكلّي في معاملة النقد، فالظاهر أيضا أنّه دين. غاية الأمر يجب عليه أداؤه فورا بلحاظ كون المعاملة نقدا، و هذا فيما إذا كان تسليم الثمن متأخّرا عن العقد و تسلّم المبيع. و أمّا إذا كان البيع بصورة المعاطاة، فالثمن و إن كان كليّا إلّا أنّه لا يصدق عليه عنوان الدّين؛ لأنّه بالإعطاء يصير جزئيّا. و قد تكون امورا غير اختياريّة، كما في موارد الضمانات، و نفقة الزوجة الدائمة، و نحو ذلك من الموارد، و له أحكام مشتركة تجري في الدّين بأيّ سبب كان، و أحكام مختصّة بالقرض الذي هو سبب خاصّ للدّين، و يأتي الجميع إنشاء اللّه تعالى.

ثمّ ليعلم أنّه ربما اطلق الدّين على بعض الأحكام الإلهيّة كالصلاة، حيث اطلق عليها دين اللّه «3»، و كالحجّ حيث ورد في الرواية النبويّة الواردة في نيابة الحجّ: أنّ

______________________________

(1) الكافي: 5/ 290 ح 6، تهذيب الأحكام: 7/ 215 ح 934، الاستبصار: 3/ 134 ح 483، و عنها الوسائل:

19/ 119، كتاب الإجارة ب 17 ح 1.

(2) المكاسب: 3/ 245- 247.

(3) الحدائق الناضرة: 11/ 38- 40.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 191

[القول في أحكام الدّين]

اشارة

القول في أحكام الدّين

[مسألة 1: الدّين إمّا حالّ، فللدائن مطالبته و اقتضاؤه]

مسألة 1: الدّين إمّا حالّ، فللدائن مطالبته و اقتضاؤه، و يجب على المديون أداؤه مع التمكّن و اليسار في كلّ وقت، و إمّا مؤجّل، فليس للدائن حقّ المطالبة، و لا يجب على المديون القضاء إلّا بعد انقضاء المدّة المضروبة و حلول الأجل، و تعيين الأجل تارة بجعل المتداينين كما في السلم و النسيئة، و اخرى بجعل الشارع كالنجوم و الأقساط المقرّرة في الدية (1).

______________________________

دين اللّه أحقّ أن يقضى «1»، و يؤيّده التعبير عنه في الكتاب ب «اللام» و «على» في قوله تعالى: وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ... «2» الآية، و لكن الظاهر أنّ هذا الإطلاق مسامحي، و منشؤه ثبوت القضاء فيها كوجوب قضاء الدّين، فتدبّر جيّدا.

(1) أمّا الدّين الحالّ، فيجوز للدائن المطالبة و الاقتضاء، و يجب على المديون الأداء مع التمكّن و اليسار في كلّ وقت، و إذا لم يؤدّ في هذه الحالة فمقتضى قوله صلّى اللّه عليه و آله:

لي الواجد بالدين يحلّ عقوبته، أو مع إضافة عرضه «3»، أنّ التأخير مع الوجدان و القدرة على الأداء موجب لحلية عقوبته، بل و مع عرضه، و أمّا مع عدم الإمكان و اليسار، فمقتضى قوله تعالى: فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ «4» في مورد ذي العسرة، لزوم التأخير إلى اليسار، لكن هنا بحث قد تقدّم تفصيله في كتاب القضاء «5»؛ و هو أنّه مع

______________________________

(1) المعجم الكبير للطبراني: 12/ 12- 13 ح 12330- 12332.

(2) سورة آل عمران: 3/ 97.

(3) أمالي الطوسي 520 ح 1146، و عنه الوسائل: 18/ 334، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 8 ح 4.

(4) سورة البقرة: 2/ 279.

(5) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 110- 115.

تفصيل

الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 192

..........

______________________________

عدم اليسار هل يجب عليه التكسّب و إيجاد اليسار ليؤدّي دينه، أو لا يجب عليه التكسّب بوجه، بل إن صار موسرا أحيانا يجب ذلك، أو تفصيل بين التكسّب المناسب لشأنه عادة، أو التكسّب غير المناسب؟ و قد تقدّم التحقيق في هذه الجهة في كتاب القضاء «1»، و لا حاجة إلى الإعادة بوجه.

هذا في الدّين الحالّ، و أمّا في الدّين المؤجّل، فلا يجوز المطالبة للدائن، و لا يجب على المديون القضاء إلّا بعد انقضاء المدّة المضروبة و حلول الأجل؛ لعدم صدق الدائن و المديون قبل الحلول و انقضاء المدّة، و قد تقدّم 2 بعض الروايات الدالّة على أنّ عليّا عليه السّلام كان يحبس في الدّين، فإذا انكشف الحال و أنّه غير قادر على القضاء يطلقه إلى زمان اليسار و إمكان الأداء.

و كيف كان، فتعيين الأجل قد يكون بجعل المتداينين كما في السلم و النسيئة و أمثالهما، و قد يكون بجعل الشارع كالنجوم و الأقساط المقرّرة في الدية المختلفة بحسب كون القتل خطأ الذي تكون الدية فيه على العاقلة، أو شبه العمد الذي تكون الدية فيه على القاتل نفسه، و قد فصّلنا الكلام في هذا المجال في كتاب الديات من شرح هذا الكتاب المطبوع قبل سنتين «3»، فراجع.

ثمّ إنّ في بعض الشروح: أنّ هذا الحصر استقرائي شرعي، و يمكن أن يكون عقليّا أيضا؛ إذ لا يعقل تعيين المدّة لمن لا يكون مسلّطا عليها، و المسلّط عليها إمّا الشارع أو المتداينان، و لا ثالث في البين إلّا الظالم، و لا اعتبار بتعيينه بالضرورة «4»، و الأمر سهل كما لا يخفى.

______________________________

(1) 1، 2 تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة،

كتاب القضاء: 110- 115.

(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الديات: 30- 31.

(4) مهذّب الأحكام في بيان الحلال و الحرام: 21/ 7.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 193

[مسألة 2: لو كان الدّين حالّا أو مؤجّلا و قد حلّ أجله]

مسألة 2: لو كان الدّين حالّا أو مؤجّلا و قد حلّ أجله، فكما يجب على المديون الموسر أداؤه عند مطالبة الدائن، كذلك يجب على الدائن أخذه و تسلّمه إذا صار المديون بصدد أدائه و تفريغ ذمّته. و أمّا الدّين المؤجّل قبل حلول أجله فلا إشكال في أنّه ليس للدائن حقّ المطالبة، و إنّما الإشكال في أنّه هل يجب عليه القبول لو تبرّع المديون بأدائه أم لا؟ وجهان بل قولان، أقواهما الثاني، إلّا إذا علم بالقرائن أنّ التأجيل لمجرّد إرفاق على المديون من دون أن يكون حقّا للدائن (1).

______________________________

(1) لو كان الدّين حالّا أو مؤجّلا و قد حلّ أجله و انقضت مدّته، فكما يجب على المديون الموسر أداؤه عند مطالبة الدائن، كذلك يجب على الدائن أخذه و تسلّمه إذا صار المديون بصدد أدائه و تفريغ ذمّته خوفا من الإعسار أو من الموت، و عدم قيام الورثة بالأداء، أو حبّا لعدم اشتغال ذمّته في نفسه، و الظاهر أنّه لا خلاف فيه أيضا، كما أنّه في العين المغصوبة إذا أراد الغاصب ردّها إلى صاحبها يجب عليه القبول، و لا يجوز له المماطلة إلى أن تتلف مثلا، فيتحقّق الانتقال إلى المثل أو القيمة.

و أمّا الدّين المؤجّل قبل حلول أجله و انقضاء مدّته، فقد عرفت أنّه ليس للدائن حقّ المطالبة؛ لعدم ثبوت الدّين بعد، إنّما الإشكال في أنّه هل يجب عليه القبول لو أراد المديون التبرّع بالأداء قبل الأجل، أو لا يجب؟ فيه وجهان بل قولان،

و ظاهر المتن التفصيل بين ما إذا علم بالقرائن أنّ التأجيل لمجرّد إرفاق على المديون من دون أن يكون حقّا للدائن، فيجب القبول حينئذ لفرض عدم التأجيل في الدّين، بل هو حالّ على كلّ حال، و التأخير إرفاق بالنسبة إلى المديون لا أن يكون من ثبوت حقّ في البين، و قد عرفت أنّه في الدّين الحالّ يجب على الدائن الأخذ و التسلّم إذا صار المديون بصدد أداء دينه و تفريغ ذمّته، و هذا التفصيل هو الأقوى.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 194

[مسألة 3: قد عرفت أنّه إذا أدّى المديون دينه الحالّ يجب على الدائن أخذه]

مسألة 3: قد عرفت أنّه إذا أدّى المديون دينه الحالّ يجب على الدائن أخذه، فإذا امتنع أجبره الحاكم لو التمس منه المديون، و لو تعذّر إجباره أحضره عنده و مكّنه منه بحيث صار تحت يده و سلطانه عرفا، و به تفرغ ذمّته، و لو تلف بعد ذلك فلا ضمان عليه. و لو تعذّر عليه ذلك فله أن يسلّمه إلى الحاكم، و به تفرغ ذمّته. و هل يجب على الحاكم القبول؟ فيه تأمّل و إشكال.

و لو لم يوجد الحاكم فهل له أن يعيّن الدّين في مال مخصوص و يعزله؟ فيه تأمّل و إشكال. و لو كان الدائن غائبا و لا يمكن إيصاله إليه، و أراد المديون تفريغ ذمّته أو صله إلى الحاكم عند وجوده، و في وجوب القبول عليه الإشكال السابق. و لو لم يوجد الحاكم يبقى في ذمّته إلى أن يوصله إلى الدائن، أو من يقوم مقامه (1).

______________________________

(1) إذا امتنع المديون من أداء دينه الحالّ، فإذا التمس الدائن من الحاكم ذلك يجب عليه إجباره له، أمّا الوجوب على الحاكم فلكون مثل ذلك من الامور الحسبية التي يختصّ القيام

بها بالحاكم أو المأذون من قبله مع وجودهما، و أمّا توقّفه على التماس الدائن، فلأنّ الحقّ حقّه، و يمكن له الإغماض عنه و إسقاط حقّه، كما أنّه يمكن له التأجيل إرفاقا و مسامحة، فالإجبار متوقّف على الالتماس، و لو تعذّر إجباره أحضره الحاكم عنده و مكّن الدائن منه بحيث صار تحت يده و سلطانه عرفا، و يحصل به فراغ ذمّته لفرض تحقّق الوفاء، و يتفرّع عليه أنّه لو تلف بعد ذلك فلا ضمان على المديون للفرض المذكور.

و لو تعذّر على المديون أداء الدّين إلى الدائن فله أن يسلّمه إلى الحاكم؛ لأنّه وليّ من لا وليّ له و تفرغ ذمّته بذلك، و هل يجب على الحاكم القبول؟ فقد استشكل فيه في المتن، و وجه الإشكال أصالة عدم الوجوب عليه، و أنّه لا فرق ظاهرا بين

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 195

..........

______________________________

وجوب الإجبار و وجوب القبول بعد كون كلاهما من الامور الحسبيّة المتقدّمة، و لعلّه الظاهر. و لو لم يوجد الحاكم فهل للمديون أن يعيّن الدّين في مال مخصوص و يعزله؟ فقد تأمّل فيه في المتن و استشكل أيضا، و وجهه أنّ التعيّن في مال مخصوص إنّما يحصل بقبض صاحب المال كما في بيع النسيئة و السلم، و أمّا مجرّد تعيين المديون و حتّى عزله فلا يؤثّر في التعيّن، و أنّه مع عدم وجود الحاكم أو المأذون من قبله لا يبعد الالتزام بالتعيّن بتعيين نفسه، و لعلّ الظاهر هو الأوّل.

و لو كان الدائن غائبا و لا يمكن إيصاله إليه، و أراد المديون تفريغ ذمّته أو صله إلى الحاكم عند وجوده لما مرّ، و في وجوب القبول عليه ما تقدّم، و لو

لم يوجد الحاكم يبقى المال في ذمّته إلى أن يوصله إلى الدائن، أو من يقوم مقامه؛ لأصالة بقاء الاشتغال و عدم الفراغ إلّا بذلك.

و هنا خبر يدلّ على التصدّق قليلا قليلا، و هي رواية نصر بن حبيب قال:

كتبت إلى العبد الصالح عليه السّلام: لقد وقعت عندي مائتا درهم و أربعة دراهم و أنا صاحب فندق و مات صاحبها و لم أعرف له ورثة، فرأيك في إعلامي حالها و ما أصنع بها فقد ضقت بها ذرعا، فكتب عليه السّلام: اعمل فيها و أخرجها صدقة قليلا قليلا حتّى تخرج «1».

و لكنّها معرض عنها ظاهرا مع معارضتها للخبر الآخر «2» الدالّ على وجوب الإبقاء أمانة في صورة بقاء المالك و عدم موته.

______________________________

(1) الكافي: 7/ 153 ح 3، تهذيب الأحكام: 9/ 389 ح 1389، الاستبصار: 4/ 197 ح 740، و عنها الوسائل:

26/ 297، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ميراث الخنثى ب 6 ح 3.

(2) الكافي: 7/ 154 ح 4، تهذيب الأحكام: 9/ 389 ح 1390، الاستبصار: 4/ 197 ح 738، و عنها الوسائل:

26/ 298، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ميراث الخنثى ب 6 ح 4.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 196

[مسألة 4: يجوز التبرّع بأداء دين الغير حيّا كان أو ميّتا]

مسألة 4: يجوز التبرّع بأداء دين الغير حيّا كان أو ميّتا، و به تبرأ ذمّته و إن كان بغير إذنه بل و إن منعه، و يجب على من له الدّين القبول (1).

______________________________

(1) الأصل في ذلك أنّ أداء الدّين و إن كان واجبا لكنّه واجب غير تعبّدي، و من خصوصيّاته تحقّق الموافقة بأيّ نحو تحقّق، فإذا أرسلت الرياح الثوب النجس إلى الحوض الكرّ بحيث غمس الماء جانبه النجس يطهر و إن لم يطّلع عليه

صاحب الثوب أصلا، مضافا إلى دلالة نصوص كثيرة عليه.

منها: ما عن الصادق عليه السّلام: من أحبّ الأعمال إلى اللّه- عزّ و جلّ- إدخال السرور على المؤمن: إشباع جوعته، أو تنفيس كربته، أو قضاء دينه «1».

و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الحيّ و الميّت، كما أنّ مقتضاه حصول البراءة بذلك و إن كان بغير إذنه، بل مع منعه. و قد ورد في قضاء ديون الميّت أخبار كثيرة.

منها: ما عن ابن خنيس قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ لعبد الرحمن بن سيابة دينا على رجل قد مات و كلّمناه أن يحلّله فأبى، قال: ويحه أ ما يعلم أنّ له بكلّ درهم عشرة دراهم إذا حلّله، فإن لم يحلّله فإنّما له درهم بدل درهم «2».

و قد ورد في قضاء دين الوالدين أخبار أيضا.

منها: رواية محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إنّ العبد ليكون بارّا بوالديه في حياتهما ثمّ يموتان فلا يقضي عنهما ديونهما، و لا يستغفر لهما فيكتبه اللّه عاقّا «3»،

______________________________

(1) الكافي: 2/ 192 ح 16، مصادقة الأخوان: 44 ح 2، تهذيب الأحكام: 4/ 110 ح 318، و عنها الوسائل:

16/ 350، كتاب الأمر و النهى، أبواب فعل المعروف ب 24 ح 6.

(2) الفقيه: 3/ 116 ح 498، و ج 2/ 32 ح 131، ثواب الأعمال: 175 ح 1، تهذيب الأحكام: 6/ 195 ح 427، و عنها الوسائل: 18/ 363، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 23 ح 1.

(3) الكافي: 2/ 163 ح 21، الزهد: 33 ح 87، و عنهما الوسائل: 18/ 371، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 30 ح 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 197

[مسألة 5: لا يتعيّن الدّين فيما عيّنه المدين]

مسألة 5: لا يتعيّن الدّين فيما عيّنه المدين، و لا يصير ملكا للدائن ما لم يقبضه. و قد مرّ التأمّل و الإشكال في تعيّنه بالتعيين عند امتناع الدائن عن القبول في المسألة الثالثة، فلو كان عليه درهم و أخرج من كيسه درهما ليدفعه إليه وفاء عمّا عليه، و قبل وصوله بيده تلف، كان من ماله و بقي ما في ذمّته على حاله (1).

[مسألة 6: يحلّ الدّين المؤجّل بموت المديون قبل حلول أجله، لا موت الدائن]

مسألة 6: يحلّ الدّين المؤجّل بموت المديون قبل حلول أجله، لا موت الدائن، فلو مات يبقى على حاله ينتظر ورثته انقضاءه، فلو كان الصداق مؤجّلا إلى مدّة معيّنة، و مات الزوج قبل حلوله استحقّت الزوجة مطالبته بعد موته، بخلاف ما إذا ماتت الزوجة، فليس لورثتها المطالبة قبل انقضائه. و لا يلحق بموت الزوج طلاقه، فلو طلّقها يبقى صداقها المؤجّل على حاله. كما أنّه لا يلحق بموت المديون تحجيره بسبب الفلس، فلو كان عليه ديون حالّة و ديون مؤجّلة يقسّم ماله بين أرباب الديون الحالّة، و لا يشاركهم أرباب المؤجّلة (2).

______________________________

و يجب على من له الدّين القبول كما مرّ.

(1) لا يتعيّن الدّين فيما عيّنه المدين، و لا يصير ملكا للدائن ما لم يتحقّق القبض منه؛ لأصالة عدم التعيّن بتعيينه، و قد مرّ التأمّل و الإشكال في تعيّنه بالتعيين عند امتناع الدائن عن القبول في المسألة الثالثة، فلو كان عليه درهم و أخرج من كيسه درهما ليدفعه إليه وفاء عمّا عليه، و قبل وصوله بيده تلف، كان من ماله و بقي ما في ذمّته على حاله؛ للأصل المذكور و عدم ما يدلّ على التعيّن بنحو التعيين المذكور.

(2) و الدليل على حلول الدّين المؤجّل بموت المديون قبل حلول أجله صحيحة حسين بن سعيد قال: سألته

عن رجل أقرض رجلا دراهم إلى أجل مسمّى، ثمّ

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 198

..........

______________________________

مات المستقرض أ يحلّ مال القارض عند موت المستقرض منه، أو للورثة من الأجل مثل ما للمستقرض في حياته؟ فقال: إذا مات فقد حلّ مال القارض «1»، و الظاهر أنّه لا خصوصيّة للقرض في ذلك، بل هو حكم الدّين مطلقا قرضا كان أو غيره.

و رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه عليهما السّلام أنّه قال: إذا كان على الرجل دين إلى أجل و مات الرجل حلّ الدّين «2».

هذا بالإضافة إلى المديون، و أمّا بالإضافة إلى الدائن، فلو مات يبقى على حاله ينتظر ورثته انقضاءه كما هو المنسوب إلى المشهور «3». نعم، في رواية أبي بصير، عن الصادق عليه السّلام قال: إذا مات الرجل حلّ ماله و ما عليه من الدّين «4». لكنّه قد نوقش فيها بضعف السند تارة، و بالإعراض اخرى، و بالحمل على مثل السكنى و الرقبى ثالثة، و العمدة هو الإعراض، مضافا إلى ثبوت خلاف الظاهر في بعضها. و على ما ذكرنا فلو كان الصداق مؤجّلا إلى مدّة معيّنة، فإن مات الزوج قبل حلول الأجل استحقّت الزوجة مطالبته بعد موته، بخلاف ما إذا ماتت الزوجة، فإنّه ليس لورثتها المطالبة قبل انقضائه.

و لا يلحق بموت الزوج طلاقه، فلو طلّقها يبقى صداقها المؤجّل على حاله؛ لعدم

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 6/ 190 ح 409، و عنه الوسائل: 18/ 344، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 12 ح 2.

(2) الفقيه: 3/ 116 ح 495، تهذيب الأحكام: 6/ 190 ح 408، و عنهما الوسائل: 18/ 344، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 12 ح 3.

(3) الحدائق الناضرة:

20/ 164.

(4) الكافي: 5/ 99 ح 1، تهذيب الأحكام: 16/ 190 ح 407، و عنهما الوسائل: 18/ 344، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 12 ح 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 199

[مسألة 7: لا يجوز بيع الدّين بالدّين على الأقوى فيما إذا كانا مؤجّلين و إن حلّ أجلهما]

مسألة 7: لا يجوز بيع الدّين بالدّين على الأقوى فيما إذا كانا مؤجّلين و إن حلّ أجلهما، و على الأحوط في غيره؛ بأن كان العوضان كلاهما دينا قبل البيع، كما إذا كان لأحدهما على الآخر طعام كوزنة من حنطة، و للآخر عليه طعام آخر كوزنة من شعير، فباع الشعير بالحنطة، أو كان لأحدهما على شخص طعام، و للآخر على ذلك الشخص طعام آخر، فباع ماله على ذلك الشخص بما للآخر عليه، أو كان لأحدهما على شخص طعام، و للآخر طعام على شخص آخر، فبيع أحدهما بالآخر. و أمّا إذا لم يكن العوضان كلاهما دينا قبل البيع و إن صار أحدهما أو كلاهما دينا بسبب البيع، كما إذا باع ماله في ذمّة الآخر بثمن في ذمّته نسيئة مثلا، فله شقوق و صور كثيرة لا يسعها هذا المختصر (1).

______________________________

الدليل على اللحوق، مضافا إلى مساعدة الاعتبار للفرق بين الموت و الطلاق، كما أنّه لا يلحق بموت المديون تحجيره بسبب الفلس، فلو كان عليه ديون حالّة و ديون مؤجّلة يقسّم ماله بين أرباب الديون الحالّة، و لا يشاركهم أرباب المؤجّلة لإطلاق دليل التأجيل. مضافا إلى الأصل، و ظهور الاتّفاق، و عدم كون الدّين المؤجّل دينا حالّيا، و ثبوته في المديون بسبب الموت لا يلازم الثبوت في جميع الموارد.

(1) يدلّ على عدم جواز بيع الدّين بالدّين في الجملة- مضافا إلى الإجماع «1»- رواية طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه عليه

السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا يباع الدّين بالدّين «2».

______________________________

(1) السرائر: 2/ 55، الحدائق الناضرة: 20/ 201، مفتاح الكرامة: 5/ 28- 29.

(2) الكافي: 5/ 100 ح 1، تهذيب الأحكام: 6/ 189 ح 400، و عنهما الوسائل: 18/ 298، كتاب التجارة، أبواب السلف ب 8 ح 2 و ص 347، أبواب الدين و القرض ب 15 ح 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 200

..........

______________________________

و عن طرق العامّة عنه صلّى اللّه عليه و آله: لا يجوز بيع الكالئ بالكالئ «1»، و المراد بالكالئ هو الدّين، و لكن ذلك فيما إذا كانا مؤجّلين؛ بأن كان العوضان كلاهما دينا قبل البيع؛ سواء حلّ أجلهما كما هو المتيقّن من النصوص و من معقد الإجماع- لأنّ الحكم إنّما هو على خلاف القواعد المستفادة من العمومات و الإطلاقات على الأقوى- أو لم يحلّ على الأحوط؛ لعدم قوّة رفض الإطلاق و العموم، و قد ذكر لذلك- أي ما إذا كان العوضان كلاهما دينا قبل البيع- ثلاثة أمثلة مذكورة في المتن و لا حاجة إلى تكرارها.

و أمّا إذا لم يكن العوضان كلاهما دينا قبل البيع، و إن صار أحدهما أو كلاهما دينا بسبب البيع، كما إذا باع ماله في ذمّة الآخر بثمن في ذمّته نسيئة مثلا، فله شقوق كثيرة، و قد ذكر بعض الأعاظم قدّس سرّه أنّ إجمال بعضها: أنّ كلّا من المبيع و الثمن لا تخلو عن أقسام خمسة:

الأوّل: أن يكون دينا سابقا مؤجّلا فعلا.

الثاني: أن يكون مؤجّلا سابقا و لكن حلّ الأجل.

الثالث: أن يكون دينا سابقا غير مؤجّل بل حالّا.

الرابع: أن يكون دينا لاحقا حالّا.

الخامس: أن يكون دينا لاحقا مؤجّلا، و ضرب

الخمسة في الخمسة يصير خمسة و عشرين.

هذا فيما إذا كان بيع الدّين على غير المديون. و أمّا إن كان بيع الدّين على المديون

______________________________

(1) السنن الكبرى للبيهقى: 8/ 141- 142 ح 10675- 10679، كنز العمال: 4/ 77 ح 9606 و ص 172 ح 10025، دعائم الإسلام: 2/ 33 ح 70، و عنه مستدرك الوسائل: 13/ 405، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 15 ح 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 201

[مسألة 8: يجوز تعجيل الدّين المؤجّل بنقصان مع التراضي]

مسألة 8: يجوز تعجيل الدّين المؤجّل بنقصان مع التراضي؛ و هو الذي يسمّى في لسان تجّار العصر بالنزول، و لا يجوز تأجيل الحالّ و لا زيادة أجل المؤجّل بزيادة «1».

______________________________

فتصير الأقسام ستّة و أربعين؛ لإضافة واحد و عشرين قسما إلى الأقسام المتقدّمة، و سقوط أربع صور الدّين بالدّين اللّاحق. هذا في غير السلم، و أمّا فيه ففيه تفصيل لا يسعه المقام «1».

و ليعلم هنا أنّ ما عبّر عنه بالتهاتر القهري- مثل ما إذا كان لزيد على عمرو مائة دينار، و لعمرو على زيد أيضا هذا المقدار- هل يكون له مأخذ و مستند؟ الظاهر العدم، أو من الممكن عدم إرادة أحدهما تسليم ما في ذمّته إلى الآخر، أو عدم إرادة كليهما، و قد ذكرنا التفصيل في كتاب القضاء «2»، فراجع.

(1) يدلّ على الجواز- مضافا إلى أنّه مقتضى القاعدة؛ سواء كان الدّين من الأثمان أو من غيرها، بشرط أن لا يكون من جنسه أو ربويّا. أمّا الأثمان، فيجوز بيعها نقدا مع التفاوت فضلا عن النسيئة، فيجوز بيع ألف تومان مثلا بأقلّ منه، أو أكثر مع تعلّق غرض عقلائيّ معامليّ بذلك. و أمّا غير الأثمان، فربما يتوهّم الجواز؛ سواء كان من

المكيل أو الموزون؛ كبيع دين حنطة مؤجّلا بنقصان مع التراضي، أو من غير المكيل و الموزون، أمّا الثاني فواضح، و أمّا الأوّل، فلأنّ أدلّة الربا المعاوضي في المكيل و الموزون تختصّ بما إذا كان الثمن و المثمن نقدين أو متساويين في الأجل، أمّا إذا كان أحدهما نقدا و الآخر غيره فلا مانع منه. هذا، و لكن الظاهر

______________________________

(1) مهذّب الأحكام: 21/ 19- 20.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 373.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 202

[مسألة 9: لا يجوز قسمة الدّين، فإذا كان لاثنين دين مشترك على ذمم متعدّدة]

مسألة 9: لا يجوز قسمة الدّين، فإذا كان لاثنين دين مشترك على ذمم متعدّدة؛ كما إذا باعا عينا مشتركة بينهما من أشخاص، أو كان لمورّثهما دين على أشخاص فورثاه، فجعلا بعد التعديل ما في ذمّة بعضهم لأحدهما و ما في ذمّة آخرين للآخر، فإنّه لا يصحّ. نعم، الظاهر كما مرّ في الشركة أنّه إذا كان لهما دين مشترك على أحد يجوز أن يستوفي أحدهما منه حصّته، فيتعيّن له و تبقى حصّة الآخر في ذمّته. و هذا ليس من قسمة الدّين (1).

______________________________

خلافه و التحقيق في محلّه- بعض الروايات الواردة في هذا المجال، مثل:

رواية محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام في الرجل يكون عليه دين إلى أجل مسمّى فيأتيه غريمه فيقول: انقدني من الذي لي كذا و كذا و أضع لك بقيّته، أو يقول: انقدني بعضا و أمدّ لك في الأجل فيما بقي، فقال: لا أرى به بأسا ما لم يزد على رأس ماله شيئا «1».

و رواية أبان، عن الصادق عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يكون له على الرجل الدّين، فيقول له قبل أن يحلّ الأجل: عجّل لي النصف من حقّي

على أن أضع عنك النصف، أ يحلّ ذلك لواحد منهما؟ قال عليه السّلام: نعم «2». و الظاهر أنّ إطلاق الدّين يشمل جميع الفروض الثلاثة المتقدّمة، و ظهر من الرواية الاولى عدم جواز تأجيل الحالّ و لا زيادة المؤجّل بزيادة، كما لا يخفى.

(1) يدلّ على عدم الجواز روايات متعدّدة، مثل:

صحيحة ابن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين كان لهما مال بأيديهما

______________________________

(1) الفقيه: 3/ 21 ح 55، و عنه الوسائل: 18/ 376، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 32 ح 1.

(2) الكافي: 5/ 258 ح 3، تهذيب الأحكام: 6/ 206 ح 474، و عنهما الوسائل: 18/ 449، كتاب الصلح ب 7 ح 2.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 203

..........

______________________________

و منه متفرّق عنهما، فاقتسما بالسويّة ما كان في أيديهما و ما كان غائبا عنهما، فهلك نصيب أحدهما ممّا كان غائبا و استوفى الآخر، عليه أن يردّ على صاحبه؟ قال: نعم ما يذهب بماله «1».

و موثّقة ابن سنان، عن الصادق عليه السّلام قال: سألته عن رجلين بينهما مال منه دين و منه عين، فاقتسما العين و الدّين، فتوى «2» الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه، و خرج الذي للآخر أ يردّ على صاحبه؟ قال: نعم ما يذهب بماله «3».

و مرسلة أبي حمزة قال: سئل أبو جعفر عليه السّلام عن رجلين بينهما مال منه بأيديهما و منه غائب عنهما، فاقتسما الذي بأيديهما، و أحال كلّ واحد منهما من نصيبه الغائب، فاقتضى أحدهما و لم يقتض الآخر، قال: ما اقتضى أحدهما فهو بينهما ما يذهب بماله «4». و يحتمل قويّا أن يكون المراد بالمرسلة ما استدركه من أنّ الظاهر

أنّه إذا كان لهما دين مشترك على أحد يجوز أن يستوفي أحد حصّته و يتعيّن له، و تبقى حصّة الآخر على عهدته، و لكن الظاهر أنّه لا مانع منه كما مرّ في باب الشركة «5»، و لكنّه ليس من قسمة الدّين بل استيفاء كلّ دائن حقّه.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 6/ 207 ح 477، الفقيه: 3/ 23 ح 60، و عنهما الوسائل: 18/ 371، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 29 ح 1.

(2) توى: هلك (الصحاح: 6/ 2290 مادّة توى.

(3) تهذيب الأحكام: 7/ 186 ح 821، و عنه الوسائل: 19/ 12، كتاب الشركة ب 6 ح 2.

(4) تهذيب الأحكام: 6/ 195 ح 430، و ج 7/ 185- 186 ح 818- 820، و عنه الوسائل: 19/ 12، كتاب الشركة ب 6 ح 1.

(5) في ص 133.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 204

[مسألة 10: يجب على المديون عند حلول الدّين و مطالبة الدائن السعي في أدائه بكلّ وسيلة]

مسألة 10: يجب على المديون عند حلول الدّين و مطالبة الدائن السعي في أدائه بكلّ وسيلة؛ و لو ببيع سلعته و متاعه و عقاره، أو مطالبة غريم له، أو إجارة أملاكه، و غير ذلك. و هل يجب عليه التكسّب اللائق بحاله من حيث الشرف و القدرة؟ وجهان بل قولان، أحوطهما ذلك، خصوصا فيما لا يحتاج إلى تكلّف و فيمن شغله التكسّب، بل وجوبه حينئذ قويّ. نعم، يستثنى من ذلك بيع دار سكناه، و ثيابه المحتاج إليها و لو للتجمّل، و دابّة ركوبه إذا كان من أهله و احتاج إليه، بل و ضروريّات بيته؛ من فراشه و غطائه و ظروفه و إنائه لأكله و شربه و طبخه، و لو لأضيافه؛ مراعيا في ذلك كلّه مقدار الحاجة بحسب حاله و شرفه، و

أنّه بحيث لو كلّف ببيعها لوقع في عسر و شدّة و حزازة و منقصة. و هذه كلّها من مستثنيات الدّين، لا خصوص بعض المذكورات، بل لا يبعد أن يعدّ منها الكتب العلميّة لأهلها بمقدار حاجته بحسب حاله و مرتبته (1).

[مسألة 11: لو كانت دار سكناه أزيد عمّا يحتاجه، سكن ما احتاجه و باع ما فضل عنه]

مسألة 11: لو كانت دار سكناه أزيد عمّا يحتاجه، سكن ما احتاجه و باع ما فضل عنه، أو باعها و اشترى ما هو أدون ممّا يليق بحاله. و إذا كانت له دور متعدّدة و احتاج إليها لسكناها لا يبيع شيئا منها، و كذلك الحال في المركوب

______________________________

(1) قد استوفينا الكلام في هذه المسألة- و أنّه هل على المديون غير القادر على أداء الدّين، التكسّب مطلقا، أو خصوص التكسّب اللائق بحاله من حيث الشرف و القدرة، أو لا يجب عليه التكسّب مطلقا، بل إن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة- في كتاب القضاء «1»، و لا حاجة إلى الإعادة و التكرار، فراجع ما هناك.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 112- 115 و 119.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 205

و الثياب و نحوهما (1).

[مسألة 12: لو كانت عنده دار موقوفة عليه تكفي لسكناه- و لم يكن سكناه فيها موجبا لمنقصة و حزازة- و له دار مملوكة]

مسألة 12: لو كانت عنده دار موقوفة عليه تكفي لسكناه- و لم يكن سكناه فيها موجبا لمنقصة و حزازة- و له دار مملوكة، فالأحوط أن يبيع المملوكة (2).

______________________________

(1) لو كانت دار سكنى المديون غير القادر على أداء الدّين مع قطع النظر عنها أزيد ممّا يحتاجه، سكن ما احتاجه و باع ما فضل عنه، أو باعها و اشترى ما هو أدون ممّا يرفع حاجته و لا يكون غير لائق بحاله؛ لأنّ ظاهر أدلّة استثناء دار المديون استثناؤها للاحتياج إليها، و لئلّا يصير فاقدا للمسكن اللائق بحاله. و أمّا في صورة زيادة المسكن عن الاحتياج لأجل سعتها أو خصوصياتها الاخرى، فلا دلالة لها على استثناء الزيادة أصلا، بل يعمل طبق أحد الطريقين المذكورين في المتن، كما أنّه لو كانت له دور متعدّدة يحتاج إلى جميعها لتعدّد زوجاته مثلا،

أو لأجل الصيف و الشتاء لا يجب عليه بيع شي ء منها.

و كذلك الحال في المركوب و الثياب و الكتب و نحوها، و يدلّ على أصل الحكم أيضا خبر مسعدة بن صدقة قال: سمعت جعفر بن محمّد عليهما السّلام و سئل عن رجل عليه دين و له نصيب في دار، و هي تغل غلّة فربما بلغت غلّتها قوته، و ربما لم تبلغ حتّى يستدين، فإن هو باع الدار و قضى دينه بقي لا دار له؟ فقال: إن كان في داره ما يقضي به دينه و يفضل منها ما يكفيه و عياله فليبع الدار، و إلّا فلا «1».

(2) لو كانت عند المديون دار موقوفة عليه كافية لسكناه- و لا يكون سكناه فيها موجبا لمنقصة و حزازة مخلّة بشأنه عند العرف و العقلاء- و له أيضا دار مملوكة

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 6/ 198 ح 440، الاستبصار: 3/ 7 ح 16، و عنهما الوسائل: 18/ 342، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 11 ح 7.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 206

[مسألة 13: إنّما لا تباع دار السكنى في أداء الدّين ما دام المديون حيّا]

مسألة 13: إنّما لا تباع دار السكنى في أداء الدّين ما دام المديون حيّا، فلو مات و لم يترك غير دار سكناه، أو ترك و كان دينه مستوعبا أو كالمستوعب، تباع و تصرف فيه (1).

[مسألة 14: معنى كون الدار و نحوها من مستثنيات الدّين: أنّه لا يجبر على بيعها]

مسألة 14: معنى كون الدار و نحوها من مستثنيات الدّين: أنّه لا يجبر على بيعها لأجل أدائه، و لا يجب عليه ذلك، و أمّا لو رضى به لقضائه جاز للدائن أخذه. نعم، ينبغي أن لا يرضى ببيع مسكنه و لا يصير سببا له و إن رضي به، ففي خبر عثمان بن زياد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ لي على رجل دينا و قد أراد أن يبيع داره فيقضيني، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «أعيذك باللّه أن تخرجه من ظلّ رأسه» بل الاحتياط و التورّع في الدّين يقتضي ذلك بعد قصّة ابن أبي عمير رضوان اللّه عليه (2).

______________________________

لشخصه، فقد احتاط وجوبا في المتن بأن يبيع الدار المملوكة و يصرف ثمنها في أداء الدّين، و لعلّ الوجه فيه انصراف أدلّة الاستثناء عن مثل هذا المورد الذي يوجد ما يرفع حاجته من دون توقيت.

(1) إنّما لا تباع دار السكنى لأداء الدّين ما دام كون المديون حيّا، فلو مات و لم يترك غير داره تباع و تصرف في دينه؛ لوضوح أنّ أدلّة استثناء الدار لا تشمل هذه الصورة التي لا حاجة له إليها أصلا لفرض موته، و احتياج الورثة على تقديره لا يرتبط بالميّت المديون. و مثل هذه الصورة ما لو ترك غير داره أيضا، و لكن كان دينه مستوعبا أو كالمستوعب، و لا يمكن أداء الجميع إلّا ببيع داره، فإنّها تباع و تصرف فيه كما لا يخفى.

(2) لوضوح أنّ

استثناء الدار و نحوها من مستثنيات الدّين إنّما هو استثناء ترخيصيّ لا إلزاميّ، فلا يجبر المديون على بيعها لأجل أداء الدّين، و لا يجب عليه

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 207

..........

______________________________

ذلك. نعم، لو أراد هو نفسه بيع داره مثلا لقضائه لا يحرم على الدائن أخذه بعد فرض ثبوت الدّين و عدم إلزامه ببيعها. نعم، ينبغي أن لا يرضى ببيع مسكنه و لا يصير سببا له للخبر المذكور في المتن «1». و قول الإمام عليه السّلام في الجواب «أعيذك باللّه أن تخرجه من ظلّ رأسه» لا دلالة له على الإجبار.

و أمّا قصّة ابن أبي عمير؛ فهي ما رواه إبراهيم بن هاشم أنّ محمّد بن أبي عمير رضى اللّه عنه كان رجلا بزّازا، فذهب ماله و افتقر، و كان له على رجل عشرة آلاف درهم، فباع دارا له كان يسكنها بعشرة آلاف درهم، و حمل المال إلى بابه، فخرج إليه محمّد بن أبي عمير فقال: ما هذا؟ فقال: هذا مالك الذي لك عليّ، قال: ورثته؟

قال: لا، قال: وهب لك؟ قال: لا، فقال: هو من ثمن ضيعة بعتها؟ فقال: لا، فقال:

ما هو؟ فقال: بعت داري التي أسكنها لأقضي ديني.

فقال محمّد بن أبي عمير: حدّثني ذريح المحاربي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدّين، ارفعها فلا حاجة لي فيها، و اللّه إنّي لمحتاج في وقتي هذا إلى درهم واحد، و ما يدخل ملكي درهم واحد «2».

ثمّ إنّ الظاهر أنّه لو أجبره على بيع داره و أداء دينه لا الإجبار المساوق للإكراه الذي لا يصحّ البيع معه- بل الإجبار العرفي غير المنافي مع الصحّة- لا يوجب ذلك

حرمة الأخذ منه و عدم تحقّق أداء الدّين، بل الإجبار غير جائز و إن كان التصرّف في المال جائزا.

______________________________

(1) الكافي: 5/ 97 ح 8، تهذيب الأحكام: 6/ 187 ح 390، الاستبصار: 3/ 6 ح 13، و عنها الوسائل: 18/ 340، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 11 ح 3.

(2) الفقيه: 3/ 117 ح 507، علل الشرائع: 529 ب 313 ح 2، تهذيب الأحكام: 6/ 198 ح 441، و عنها الوسائل:

18/ 341، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 11 ح 5.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 208

[مسألة 15: لو كان عنده متاع أو سلعة أو عقار زائدا على المستثنيات لا تباع إلّا بأقلّ من قيمتها]

مسألة 15: لو كان عنده متاع أو سلعة أو عقار زائدا على المستثنيات لا تباع إلّا بأقلّ من قيمتها، يجب بيعها للدّين عند حلوله و مطالبة صاحبه، و لا يجوز له التأخير و انتظار من يشتريها بالقيمة. نعم، لو كان ما يشترى به أقلّ من قيمته بكثير جدّا- بحيث يعدّ بيعه به تضييعا للمال و إتلافا له- لا يبعد عدم وجوب بيعه (1).

[مسألة 16: كما لا يجب على المعسر الأداء، يحرم على الدائن إعساره بالمطالبة و الاقتضاء]

مسألة 16: كما لا يجب على المعسر الأداء، يحرم على الدائن إعساره بالمطالبة و الاقتضاء، بل يجب أن ينظره إلى اليسار (2).

______________________________

(1) لو كان عنده متاع أو سلعة أو عقار من غير المستثنيات في الدّين، و ممّا يجب عليه بيعه في أداء دينه في نفسه لا تباع إلّا بأقلّ من قيمتها، ففي المتن التفصيل بين ما إذا لم يكن ما يشترى به بأقلّ من قيمته بكثير، بحيث يعدّ بيعه بذلك المقدار تضييعا للمال و إتلافا له، و بين ما إذا كان كذلك، بوجوب البيع في الأوّل و الصرف في أداء الدّين للإمكان العقلائي حينئذ، مع أنّه لا يوجد كثيرا من يشتري مثل هذه الامور بقيمته الواقعيّة، و عدم الوجوب في الصورة الثانية؛ لعدم رضى الشارع بالتضييع و الإتلاف لأداء مال الغير، كما لا يخفى.

(2) كما أنّه لا يجب على المعسر أداء الدّين لفرض الإعسار و عدم القدرة، و كون بعض الأشياء متّصفا بعنوان المستثنى في الدّين، كالدار التي يحتاج إلى سكناها، و لا تكون زائدة عليه كمّا و لا كيفا بحسب شأنه و شرفه، كذلك يحرم على الدائن المطالبة و الاقتضاء في صورة الإعسار، و الأصل فيه قوله تعالى: وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ «1» الدالّ بظاهره على وجوب

الإنظار، و هو و إن كان لا يلازم

______________________________

(1) سورة البقرة: 2/ 280.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 209

[مسألة 17: مماطلة الدائن مع القدرة معصية]

مسألة 17: مماطلة الدائن مع القدرة معصية، بل يجب عليه نيّة القضاء مع عدم القدرة؛ بأن يكون من نيّته الأداء عندها (1).

______________________________

حرمة المطالبة و الاقتضاء؛ لعدم اقتضاء الأمر بالشي ء للنهي عن ضدّه و لو العام كما بيّن في محلّه، و إلّا يلزم أن يكون في جميع الواجبات حكمان تعلّق أحدهما بالإيجاد و الآخر بالترك، و هذا من وضوح البطلان بمكان؛ لعدم ثبوت الحرمة في مورد الوجوب و لا العكس، إلّا أنّ الملازمة العرفية ثابتة.

هذا، مضافا إلى دلالة جملة من الروايات عليه، ففي الموثّق عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: كما لا يحلّ لغريمك أن يمطلك و هو موسر، فكذلك لا يحلّ لك أن تعسره إذا علمت أنّه معسر «1».

و موثّق ابن سنان، عن الصادق عليه السّلام قال: و إيّاكم و إعسار أحد من إخوانكم المسلمين أن تعسروه بشي ء يكون لكم قبله و هو معسر، فإنّ أبانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقول: ليس لمسلم أن يعسر مسلما، و من أنظر معسرا أظلّه اللّه يوم القيامة بظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه «2»، و غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال.

(1) مماطلة الدائن مع القدرة و الوجدان معصية، بل معصية كبيرة لما مرّ من قوله صلّى اللّه عليه و آله: لي الواجد بالدين يحلّ عرضه و عقوبته «3»، أي مماطلة الغني الواجد لأداء الدّين يحلّ عقوبته بالتماس حبسه من الحاكم، و عرضه بالتعبير عنه بقوله: يا ظالم

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 6/ 192 ح 418، ثواب الأعمال: 167

ح 5، و عنهما الوسائل: 18/ 334، كتاب التجارة أبواب الدين و القرض ب 8 ح 5 و ص 366 ب 25 ح 2.

(2) الكافي: 8/ 9 ح 1، و عنه الوسائل: 18/ 366، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 25 ح 1.

(3) في ص 191.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 210

[القول في القرض]

اشارة

القول في القرض و هو تمليك مال لآخر بالضمان؛ بأن يكون على عهدته أداؤه بنفسه أو بمثله أو قيمته. و يقال للمملّك: المقرض، و للمتملّك: المقترض و المستقرض «1».

[مسألة 1: يكره الاقتراض مع عدم الحاجة، و تخفّ كراهته مع الحاجة]

مسألة 1: يكره الاقتراض مع عدم الحاجة، و تخفّ كراهته مع الحاجة، و كلّما خفّت الحاجة اشتدّت الكراهة، و كلّما اشتدّت خفّت إلى أن تزول، بل ربما وجب لو توقّف عليه أمر واجب، كحفظ نفسه أو عرضه و نحو ذلك،

______________________________

يا فاسق و أمثال ذلك، و هذه كلّها تدلّ على أنّها معصية كبيرة. و أمّا وجوب نيّة الأداء عند القدرة في صورة عدم الوجدان، فيدلّ عليه مثل:

صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يكون عليه الدّين لا يقدر على صاحبه و لا على وليّ له، و لا يدري بأيّ أرض هو؟ قال: لا جناح عليه بعد أن يعلم اللّه منه أنّ نيّته الأداء «1». و الرواية و إن لم تكن واردة في مفروض المقام، إلّا أنّه يستفاد منها الضابطة الكلّية؛ و هي لزوم نيّة الأداء عند وجدان صاحبه، أو وجدان ما يؤدّي به دينه كما لا يخفى.

(1) و هو- كما في الجواهر- بكسر القاف و فتحها، و هو معروف أثبته الشارع متاعا للمحتاجين مع ردّ عوضه في غير المجلس غالبا، و إن كان من النقدين رخصة «2».

و كيف كان، فهو تمليك مال لآخر بالضمان؛ بأن يكون على عهدته أداؤه بنفسه أو بمثله أو قيمته، و يقال للمملّك: المقرض، و للمتملّك: المقترض و المستقرض.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 6/ 188 ح 395، و عنه الوسائل: 18/ 362، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 22 ح 1.

(2) جواهر الكلام: 25/ 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة،

الدين و...، ص: 211

و الأحوط لمن لم يكن عنده ما يوفي به دينه و لم يترقّب حصوله، عدم الاستدانة إلّا عند الضرورة، أو علم المستدان منه بحاله (1).

______________________________

(1) أمّا أدلّة الكراهة مع عدم الحاجة فروايات كثيرة:

منها: رواية عبد اللّه بن ميمون، عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام قال: قال عليّ عليه السّلام: إيّاكم و الدّين فإنّه مذلّة بالنهار، و مهمّة بالليل، و قضاء في الدّنيا و قضاء في الآخرة «1».

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الدّين راية اللّه- عزّ و جلّ- في الأرضين، فإذا أراد أن يذلّ عبدا وضعه في عنقه «2».

و غير ذلك من الروايات الدالّة بالمطابقة على الكراهة في الصورة المذكورة، و بالملازمة على أصل المشروعيّة، مع أنّه مع ضرورة الفقه، و يدلّ عليه الكتاب و السنّة.

و أمّا زوال الكراهة في صورة كمال اشتداد الحاجة، فيدلّ عليه أيضا روايات متعدّدة:

منها: رواية موسى بن بكر، عن أبي الحسن موسى عليه السّلام: من طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه، فإن غلب عليه فليستدن على اللّه و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله ما يقوت به عياله «3».

و غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال.

______________________________

(1) الفقيه: 3/ 111 ح 468، علل الشرائع: 527 ح 2، الكافي: 5/ 95 ح 11، تهذيب الأحكام: 6/ 183 ح 376، و عنها الوسائل: 18/ 316، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 1 ح 4 و ص 327 ح 6.

(2) علل الشرائع: 529 ح 10، الكافي: 5/ 101 ح 5، و عنهما الوسائل: 18/ 318، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 1 ح

10.

(3) الكافي: 5/ 93 ح 3، قرب الإسناد: 340 ح 1245، تهذيب الأحكام: 6/ 184 ح 381، و عنها الوسائل:

18/ 320، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 2 ح 2 و ص 336 ب 9 ح 2.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 212

[مسألة 2: إقراض المؤمن من المستحبّات الأكيدة، سيّما لذوي الحاجة]

مسألة 2: إقراض المؤمن من المستحبّات الأكيدة، سيّما لذوي الحاجة؛ لما فيه من قضاء حاجته و كشف كربته، فعن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: من أقرض أخاه المسلم كان له بكلّ درهم أقرضه وزن جبل أحد من جبال رضوى و طور سيناء حسنات، و إن رفق به في طلبه تعدّى به على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب و لا عذاب، و من شكا إليه أخوه المسلم فلم يقرضه حرّم اللّه- عزّ و جلّ- عليه الجنّة يوم يجزي المحسنين (1).

______________________________

و أمّا الوجوب، ففي صورة توقّف أمر واجب عليه كحفظ نفسه و عرضه، بل و مثل الحجّ إذا كان مستطيعا لأجل متاع كثير عنده و لكن لا يمكن له بيعه فعلا، و أمّا إذا استدان فيمكن له بعد الرجوع ذلك و قضاء دينه، كما هو المذكور في باب الاستطاعة في الحجّ «1».

و من لم يكن عنده ما يوفي به دينه و لم يترقّب حصوله فقد احتاط في المتن وجوبا عدم الاستدانة، و منشؤه الحرمة المنسوبة إلى الحلبي «2» و الكراهة المنسوبة إلى الشيخ «3»، و لا يبعد أن يقال بثبوت الحرمة مع عدم نيّة الأداء من أوّل الأمر و البناء على عدم القضاء، فتدبّر جيّدا.

(1) يدلّ على استحباب إقراض المؤمن روايات كثيرة، مثل الرواية المذكورة في المتن «4»، و قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و

آله: من أقرض مؤمنا قرضا ينظر به ميسوره كان ماله في

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحج: 1/ 123- 124، الفرع الثالث.

(2) الكافي في الفقه: 330.

(3) النهاية في مجرّد الفقه و الفتاوى: 304.

(4) عقاب الأعمال: 341، و عنه الوسائل: 18/ 331، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 6 ح 5.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 213

..........

______________________________

زكاة، و كان هو في صلاة من الملائكة حتّى يؤدّيه «1». و قول الصادق عليه السّلام: لأن أقرض قرضا أحبّ إليّ من أن أتصدّق بمثله، و كان يقول: من أقرض قرضا و ضرب له أجلا فلم يؤت به عند ذلك الأجل، كان له من الثواب في كلّ يوم يتأخّر عن ذلك الأجل بمثل صدقة دينار واحد في كلّ يوم «2»، و القرض الواحد بثمانية عشر، و إن مات حسبتها من الزكاة «3»، و ما من مسلم أقرض مسلما قرضا حسنا يريد به وجه اللّه إلّا حسب له أجره كأجر الصدقة حتّى يرجع إليه «4». و عنه عليه السّلام أيضا قال: مكتوب على باب الجنّة: الصدقة بعشرة، و القرض بثمانية عشر «5».

و الوجه فيه ما حكي عن الحدائق ممّا حاصله: أنّ الصدقة بعشرة، حيث إنّ نفس الدرهم المتصدّق به يحسب في ضمن العشرة؛ لأنّه لا يرجع إلى المتصدّق، فيكون أصل الثواب تسعة، و بزيادة نفس درهم الصدقة يصير عشرة، و أصل ثواب القرض أيضا كذلك، و لكن حيث إنّ درهم القرض يرجع إلى المقترض مع الثواب فيصير تسعة عشر؛ لأنّ درهم القرض يرجع إلى المقترض مع فضله الثواب الذي اكتسبه من انطباق عنوان القرض عليه، فالمقرض يستفيد تسعة من الثواب بالإقراض، و

تسعة اخرى بثواب القرض «6».

______________________________

(1) ثواب الأعمال: 166 ح 1، و عنه الوسائل: 18/ 330، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 6 ح 3.

(2) ثواب الأعمال: 167 ح 4، و عنه الوسائل: 18/ 330، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 6 ح 1.

(3) ثواب الأعمال: 167 ح 3، و عنه الوسائل: 18/ 330، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 6 ح 4.

(4) ثواب الأعمال: 166 ح 2، و عنه الوسائل: 18/ 330، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 6 ح 2.

(5) الكافي: 4/ 33 ح 1، الفقيه: 2/ 31 ح 124، و عنهما الوسائل: 16/ 318، كتاب الأمر و النهي، أبواب فعل المعروف ب 11 ح 3، و أخرجه في البحار: 103/ 139 ح 9 عن الهداية: 180- 181، و في مستدرك الوسائل:

12/ 364 ح 3 عن تفسير القمّي: 2/ 350.

(6) الحدائق الناضرة: 20/ 107.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 214

[مسألة 3: القرض عقد يحتاج إلى إيجاب]

مسألة 3: القرض عقد يحتاج إلى إيجاب، كقوله: «أقرضتك» أو ما يؤدّي معناه، و قبول دالّ على الرضا بالإيجاب. و لا يعتبر فيه العربيّة، بل يقع بكلّ لغة، بل تجري المعاطاة فيه بإقباض العين و قبضها بهذا العنوان. و يعتبر في المقرض و المقترض ما يعتبر في المتعاقدين؛ من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار و غيره (1).

[مسألة 4: يعتبر في المال أن يكون عينا على الأحوط مملوكا]

مسألة 4: يعتبر في المال أن يكون عينا على الأحوط مملوكا، فلا يصحّ إقراض الدّين و لا المنفعة، و لا ما لا يصحّ تملّكه كالخمر و الخنزير. و في صحّة إقراض الكلّي- بأن يوقع العقد عليه و أقبضه بدفع مصداقه- تأمّل. و يعتبر في المثليّات كونه ممّا يمكن ضبط أوصافه و خصوصيّاته التي تختلف باختلافها القيمة و الرغبات. و أمّا في القيميّات كالأغنام و الجواهر، فلا يبعد عدم اعتبار إمكان ضبط الأوصاف، بل يكفي فيها العلم بالقيمة حين الإقراض، فيجوز إقراض الجواهر و نحوها على الأقرب مع العلم بقيمتها حينه و إن لم يمكن

______________________________

(1) حيث إنّ القرض من العقود لا لصرف الاحتياج إلى الطرفين- فإنّ أكثر الإيقاعات أيضا كذلك، كالطلاق و العتاق و الإبراء من الدّين- بل لأجل اعتبار رضا الطرفين، ضرورة أنّ اعتبار رضا المقرض و المقترض يحتاج إيجاب مفاده الإقراض، و قبول دالّ على الرضا بالإيجاب، و لا يعتبر فيه العربية بل يقع بكلّ لغة، بل يكفي فيه الإيجاب و القبول الفعليّان المعبّر عنه بالمعاطاة؛ لعدم الدليل على انحصار إنشائه باللفظ، و يعتبر في المقرض و المقترض ما يعتبر في المتعاقدين؛ من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار و سائر الامور المعتبرة.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 215

ضبط

أوصافها (1).

[مسألة 5: لا بدّ أن يقع القرض على معيّن]

مسألة 5: لا بدّ أن يقع القرض على معيّن، فلا يصحّ إقراض المبهم كأحد هذين، و أن يكون قدره معلوما بالكيل فيما يكال، و الوزن فيما يوزن، و العدّ

______________________________

(1) يعتبر في المال أن يكون عينا في مقابل الدّين و المنفعة على الأحوط، و منشؤه ادّعاء الإجماع «1» على ذلك، فلا يصحّ إقراض الدّين و لا المنفعة، و لا ما لا يصحّ تملّكه كالخمر و الخنزير، و هو واضح بعد كون حقيقة القرض التمليك و التملّك. و أمّا العين في مقابل الكلّي؛ كأن أوقع عقد القرض على الكلّي و أقبضه بدفع مصداقه، كما ربما يتحقّق غالبا في اقتراض النقدين و اقراضهما، فقد تأمّل فيه في المتن، و لكن الظاهر أنّه لا وجه للتأمّل في صحّته بعد صحّة تمليك الكلّي و تحقّق الإقباض بدفع مصداقه، اللّهمّ إلّا أن يكون هناك إجماع على خلافه، و الظاهر العدم لتحقّق الغلبة بالإضافة إلى هذا النوع من القرض، كما نراه بالوجدان بين المتشرّعة.

و أمّا الأعيان الشخصيّة: فإن كانت مثليّة، فالظاهر اعتبار كونه ممّا يمكن ضبط أوصافه و خصوصيّاته التي تختلف باختلافها القيمة و الرغبات؛ لأنّ المفروض لزوم ردّ العين بنفسها أو بمثلها ممّا لا يغاير نظر المالك المقرض، و لا تكون مختلفة معها في القيمة و الرغبة.

و أمّا إن كانت قيميّة، و لازمها عدم إمكان ضبط جميع الأوصاف و الخصوصيّات المذكورة، فاللازم أن يقال بكفاية العلم بقيمتها حين الاقتراض، و عليه: فيجوز إقراض الجواهر و نحوها مع العلم بقيمتها في ذلك الحين، كما استقربه الماتن قدّس سرّه، و هو الأقوى.

______________________________

(1) مهذّب الأحكام: 21/ 38.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 216

فيما يقدّر بالعدّ، فلا يصحّ

إقراض صبرة من طعام جزافا. و لو قدّر بكيلة معيّنة و ملأ إناء معيّن غير الكيل المتعارف، أو وزن بصخرة معيّنة غير العيار المتعارف عند العامّة لا يبعد الاكتفاء به، لكن الأحوط خلافه (1).

[مسألة 6: يشترط في صحّة القرض القبض و الإقباض]

مسألة 6: يشترط في صحّة القرض القبض و الإقباض، فلا يملك

______________________________

(1) لا بدّ أن يقع القرض على معيّن، فلا يصحّ إقراض المبهم كأحد هذين، و قد استدلّ على اعتباره بظهور الإجماع و السيرة «1»، و لكن القدر المتيقّن منهما- خصوصا مع كونهما من الأدلّة اللبّية التي لا إطلاق لها نوعا- ما إذا كان الأمران و الشيئان مختلفين في الأوصاف و الخصوصيات الموجبة لاختلاف الأغراض. و أمّا لو فرض اتّحادهما في جميع ذلك فلا دليل على قدح الإبهام، و مجرّده من حيث هو لا يلازم الغرر المنهيّ عنه «2»، بناء على عدم اختصاصه بالبيع.

و يعتبر أن يكون قدره معلوما بالكيل فيما يكال، و الوزن فيما يوزن، و العدّ فيما يقدّر بالعدّ، فلا يصحّ إقراض صبرة من طعام جزافا. نعم، لو كان الكيل أو الوزن بغير الكيل أو الوزن المتعارف عند العامّة لا يبعد الاكتفاء به؛ لعدم استلزام نقص أو زيادة في مال الغير عند الأداء و الردّ اللذين يهتمّ بهما الشارع، و لا يتحقّق الغرر بوجه، لكن الاحتياط الاستحبابي في خلافه؛ لأنّه قد ينتهي الأمر إلى فقدان تلك الكيلة و تلك الصخرة المعيّنة؛ لفرض كونهما غير المتعارف عند العامّة، فيتحقّق التنازع و التخاصم الذي بناء الشارع على العدم في باب المعاملات.

______________________________

(1) مهذّب الأحكام: 21/ 40.

(2) المصنّف في الأحاديث و الآثار: 5/ 61، 62 ح 4 و 7 و 18، سنن أبي داود: 3/ 435 ح 3376، سنن ابن ماجة:

3/ 35- 36 ح

2194 و 2195، سنن الدارقطني: 2/ 12 ح 2818، حلية الأولياء: 7/ 94، شرح السنّة: 8/ 131 ح 2103.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 217

المستقرض المال المقترض إلّا بعد القبض، و لا يتوقّف على التصرّف (1).

[مسألة 7: الأقوى أنّ القرض عقد لازم، فليس للمقرض فسخه بالرجوع بالعين المقترضة لو كانت موجودة]

مسألة 7: الأقوى أنّ القرض عقد لازم، فليس للمقرض فسخه بالرجوع بالعين المقترضة لو كانت موجودة، و لا للمقترض فسخه و إرجاع العين في القيميات. نعم، للمقرض عدم الإنظار و مطالبة المقترض بالأداء و لو قبل قضاء وطره، أو مضيّ زمان يمكن فيه ذلك (2).

______________________________

(1) يشترط في صحّة القرض القبض و الإقباض، فلا يملك المستقرض المال المقترض إلّا بعد القبض، و الدليل عليه إرسالهم اعتبار القبض في القرض إرسال المسلّمات، و لعلّ الارتكاز العقلائي يساعد ذلك، فإنّه لا يكون مجرّد التمليك و التملّك و الإيجاب و القبول عندهم موجبا لتحقّق القرض الذي هو بمعنى قطع جزء من المال و قرضه للمقترض، و لو لا ذلك لأمكن المناقشة في اعتباره بأنّه أيّ فرق بينه، و بين مثل البيع الذي لا يفتقر إلى القبض إلّا في بعض أنواعه، كبيع الصرف و السلم.

و أمّا عدم التوقّف على التصرّف، فلأنّه لا دليل عليه، بل الدليل على خلافه؛ و هو إطلاق النصوص الدالّة على أنّ زكاة مال القرض على المقترض «1»، فإنّ مقتضى إطلاقها ثبوت الملكيّة للمقترض و إن لم يتصرّف فيه أصلا، و لكن ربما يستدلّ على عدم حصول الملكيّة إلّا بالتصرّف بأصالة عدم تحقّق الملكيّة قبل التصرّف، و لكن يردّه- مضافا إلى أنّ الأصل لا يكون في رتبة الإطلاق- أنّ التصرّف لا بدّ و أن يكون مسبوقا بالملكيّة و لا يتصوّر هنا، نظير ما ذكر في باب

المعاطاة في البيع من حصول الإباحة بالعوض، كما لا يخفى.

(2) لأدلّة أصالة اللزوم الجارية في كلّ عقد شكّ في لزومه و عدمه، و لكن

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 9/ 100- 102، كتاب الزكاة، أبواب من وجب عليه الزكاة ب 7.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 218

..........

______________________________

ربما يستدلّ على الجواز كما عن الشيخ قدّس سرّه «1» تارة بالإجماع على أنّه من العقود الجائزة، و اخرى بأنّه لا يزيد على الهبة، و ثالثة بأنّه إذا استحقّ المقرض المطالبة بالمثل أو القيمة فله المطالبة بالعين بطريق أولى «2»، لكن الوجه الأوّل مخدوش بعدم ثبوت الإجماع، خصوصا بعد قيام الشهرة على عدم صحّة رجوع المقرض بالعين المقترضة 3، و بان هنا أمرين: أحدهما: لزوم العقد و جوازه، ثانيهما: الإنظار و عدمه، و ثبوت عدم لزوم الإنظار لا يلازم كون العقد جائزا كما لا يخفى.

و الوجه الثاني مخدوش بأنّه من القياس الباطل، و الوجه الثالث مخدوش بعد خروج العين عن ملك المقرض و دخوله في ملك المقترض. و على ما ذكرنا فليس للمقرض فسخه بالرجوع بالعين المقترضة لو كانت موجودة، و لا للمقترض فسخه و إرجاع القيميات. نعم، للمقرض عدم الإنظار و مطالبة المقترض بالأداء و لو قبل قضاء وطره، أو مضيّ زمان يمكن فيه ذلك؛ لأنّ الإنظار أمر خارج عن حقيقة القرض.

و يدلّ عليه بعض الروايات، كقول أبي جعفر عليه السّلام: يبعث يوم القيامة قوم تحت ظلّ العرش وجوههم من نور- إلى أن قال:- فينادي مناد: هؤلاء قوم كانوا ييسّرون على المؤمنين، و ينظرون المعسر حتّى ييسر «4»، و كذا قول الصادق عليه السّلام

______________________________

(1) المبسوط: 2/ 161.

(2) 2، 3 جواهر الكلام: 25/ 28، مسالك

الأفهام: 453.

(4) ثواب الأعمال: 174 ح 1، تفسير العيّاشى: 1/ 154 ح 518، و عنهما الوسائل: 18/ 367، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 25 ح 3، و في البحار: 103/ 151 ح 16 و البرهان في تفسير القرآن: 1/ 261 ح 9 عن تفسير العيّاشى.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 219

[مسألة 8: لو كان المال المقترض مثليّا- كالحنطة و الشعير و الذهب و الفضّة تثبت في ذمّة المقترض مثل ما اقترض.]

مسألة 8: لو كان المال المقترض مثليّا- كالحنطة و الشعير و الذهب و الفضّة- تثبت في ذمّة المقترض مثل ما اقترض. و يلحق به أمثال ما يخرج من المكائن الحديثة كظروف البلّور و الصيني، بل و طاقات الملابس على الأقرب. و لو كان قيميا- كالغنم و نحوها- ثبت في ذمّته قيمته. و في اعتبار قيمة وقت الاقتراض و القبض أو قيمة حال الأداء وجهان، أقربهما الأوّل و إن كان الأحوط التراضي و التصالح في مقدار التفاوت بين القيمتين (1).

______________________________

قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أراد أن يظلّه اللّه في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه فلينظر معسرا، أو ليدع له من حقّه «1». هذا مع عدم اشتراط التأجيل في ضمن عقد لازم، و إلّا فلا يجوز له المطالبة و عدم الإنظار.

(1) قاعدة ضمان المثل بالمثل و القيمي بالقيمة و إن كانت من القواعد المسلّمة المذكورة في محلّها، إلّا أنّ الغرض من هذه المسألة بيان أمرين:

أحدهما: أنّ ما يخرج من المكائن الحديثة- سيّما في زماننا هذا- الّتي تكون الأجناس الخارجة منها متّحدة في الأوصاف و الخصوصيّات و يسمّى ب «المعيار» يكون ملحقا بالمثليات، كظروف البلّور و الصيني بل و طاقات الملابس و الثياب.

ثانيهما: أنّ القيمة الثابتة في القيميات هل هي القيمة وقت الاقتراض

و القبض، أو قيمة حال الأداء؟ فيه وجهان، و الظاهر هو الوجه الأوّل؛ لأنّ الانتقال إلى القيمة إنّما هو ذلك الحين، و لكن الأحوط التصالح في مقدار التفاوت.

______________________________

(1) تفسير العيّاشي: 1/ 153 ح 513، و عنه الوسائل: 18/ 367، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 25 ح 4.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 220

[مسألة 9: لا يجوز شرط الزيادة؛ بأن يقرض مالا على أن يؤدّي المقترض أزيد ممّا اقترضه]

مسألة 9: لا يجوز شرط الزيادة؛ بأن يقرض مالا على أن يؤدّي المقترض أزيد ممّا اقترضه، سواء اشترطاه صريحا، أو أضمراه بحيث وقع القرض مبنيّا عليه، و هذا هو الربا القرضي المحرّم الذي ورد التشديد عليه. و لا فرق في الزيادة بين أن تكون عينيّة كعشرة دراهم باثني عشر، أو عملا كخياطة ثوب له، أو منفعة، أو انتفاعا كالانتفاع بالعين المرهونة عنده، أو صفة مثل أن يقرضه دراهم مكسورة على أن يؤدّيها صحيحة. و كذا لا فرق بين أن يكون المال المقترض ربويّا؛ بأن كان من المكيل و الموزون، و غيره؛ بأن كان معدودا كالجوز و البيض (1).

______________________________

(1) لا يجوز شرط الزيادة في القرض، بل الواجب الاقتصار على ردّ العوض فقط من دون نفع زائد، و عليه الإجماع، بل ربما يقال: إنّه إجماع المسلمين، و يدلّ عليه الكتاب و السنّة، مثل:

قوله تعالى: وَ حَرَّمَ الرِّبٰا «1»، و في رواية عليّ بن جعفر المرويّة في قرب الإسناد قال: سألت أخي موسى بن جعفر عليه السّلام عن رجل أعطى رجلا مائة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقلّ أو أكثر؟ قال: هذا الربا المحض «2».

و في رواية خالد بن الحجّاج قال: سألته عن الرجل كانت لي عليه مائة درهم عددا قضانيها مائة درهم وزنا؟ قال: لا

بأس ما لم يشترط. قال: و قال: جاء الربا من قبل الشروط، إنّما يفسده الشروط «3».

______________________________

(1) سورة البقرة: 2/ 275.

(2) قرب الإسناد: 265 ح 1055، مسائل عليّ بن جعفر: 125 ح 90، و عنهما الوسائل: 18/ 359، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 19 ح 18، و في البحار: 103/ 157 ح 2 عن قرب الإسناد.

(3) الكافي: 5/ 244 ح 1، تهذيب الأحكام: 7/ 112 ح 483، و عنهما الوسائل: 18/ 190، كتاب التجارة، أبواب الصرف ب 12 ح 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 221

..........

______________________________

و مثل هذه الروايات دليل على أنّ المراد بالبأس في بعض الروايات الواردة في هذا المجال في صورة الاشتراط هي الحرمة، ففي موثّقة إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام: الرجل يكون له عند الرجل المال قرضا، فيطول مكثه عند الرجل لا يدخل على صاحبه منه منفعة، فينيله الرجل الشي ء بعد الشي ء كراهية أن يأخذ ماله حيث لا يصيب منه منفعة، أ يحلّ ذلك له؟ قال: لا بأس إذا لم يكونا شرطاه «1».

و في رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عددا ثمّ يعطي سودا وزنا و قد عرف أنّها أثقل ممّا أخذ، و تطيب نفسه أن يجعل له فضلها؟ فقال: لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط، و لو وهبها له كلّها صلح «2»، و غير ذلك من الروايات الدالّة عليه.

ثمّ إنّ الزيادة التي لا يجوز شرطها في القرض أعمّ من أن تكون عينيّة كعشرة دراهم باثني عشر، أو عملا كخياطة الثوب، أو منفعة، أو انتفاعا كالانتفاع بالعين المرهونة عنده، أو صفة مثل

أن يقرضه دراهم مكسورة على أن يؤدّيها صحيحة؛ لصدق عنوان الزيادة في جميع الصور المفروضة. كما أنّه لا فرق بين أن يكون الاشتراط صريحا، أو أضمراه بحيث وقع القرض مبنيّا عليه، كما أنّه لا فرق بين أن يكون المال المقترض ربويا في باب المعارضة؛ بأن كان من المكيل و الموزون، أو غيره؛ بأن كان معدودا كالجوز و البيض، و الظاهر أنّ مثل الورقة النقديّة الإيراني من هذا القبيل.

______________________________

(1) الفقيه: 3/ 181 ح 817، تهذيب الأحكام: 6/ 205 ح 467، الاستبصار: 3/ 10 ح 28، و عنها الوسائل:

18/ 357، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 19 ح 13.

(2) الكافي: 5/ 253 ح 1، الفقيه: 3/ 180 ح 815، تهذيب الأحكام: 6/ 200 ح 470، و عنها الوسائل: 18/ 191، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 12 ح 2.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 222

[مسألة 10: لو أقرضه و شرط عليه أن يبيع منه شيئا بأقلّ من قيمته]

مسألة 10: لو أقرضه و شرط عليه أن يبيع منه شيئا بأقلّ من قيمته، أو يؤاجره بأقلّ من اجرته كان داخلا في شرط الزيادة. نعم، لو باع المقترض من المقرض مالا بأقلّ من قيمته، و شرط عليه أن يقرضه مبلغا معيّنا لا بأس به (1).

[مسألة 11: إنّما تحرم الزيادة مع الشرط، و أمّا بدونه فلا بأس]

مسألة 11: إنّما تحرم الزيادة مع الشرط، و أمّا بدونه فلا بأس، بل تستحبّ للمقترض؛ حيث إنّه من حسن القضاء، و خير الناس أحسنهم قضاء، بل يجوز ذلك إعطاء و أخذا لو كان الإعطاء لأجل أن يراه المقرض حسن القضاء، فيقرضه كلّما احتاج إلى الاقتراض، أو كان الإقراض لأجل أن ينتفع من المقترض لكونه حسن القضاء، و يكافئ من أحسن إليه بأحسن الجزاء بحيث لو لا ذلك لم يقرضه. نعم، يكره أخذه للمقرض، خصوصا إذا كان إقراضه لأجل ذلك، بل يستحبّ أنّه إذا أعطاه شيئا بعنوان الهدية و نحوها يحسبه عوض طلبه؛ بمعنى أنّه يسقط منه بمقداره (2).

______________________________

(1) من شرط الزيادة ما لو أقرضه و شرط عليه أن يبيع منه شيئا بأقلّ من قيمته، أو يؤاجره بأقلّ من اجرته كما هو المتداول في هذه الأزمنة، غاية الأمر يعبّرون عن القرض بالرهن غلطا مشهورا، و لا وجه لتصحيحه بالنحو المتعارف إلّا بالكيفيّة المذكورة في المتن؛ و هي القرض في ضمن الإجارة بالأقلّ، بحيث كان القرض شرطا في الإجارة، لا كون الإجارة بالأقلّ شرطا في ضمن القرض، فإنّه غير جائز، و لا يشكل بأنّه أيّ فرق بينهما، فإنّه يقال عند ذلك: لا بدّ و أن يقال بأنّه ما الفرق بين المتعة و الزنا مع اشتراكهما في كثير من الأحكام، و في أنّ المقصود من كليهما الالتذاذ و الاستمتاع.

(2) مقتضى النصّ و الفتوى

أنّ حرمة الزيادة إنّما هي مع الشرط، و أمّا بدونه

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 223

[مسألة 12: إنّما يحرم شرط الزيادة للمقرض على المقترض]

مسألة 12: إنّما يحرم شرط الزيادة للمقرض على المقترض، فلا بأس بشرطها للمقترض؛ كما أقرضه عشرة دراهم على أن يؤدّي ثمانية، أو أقرضه دراهم صحيحة على أن يؤدّيها مكسورة. فما تداول بين التجّار من أخذ الزيادة و إعطائها في الحوائل المسمّى عندهم بصرف البرات، و يطلقون عليه- على المحكي- بيع الحوالة و شرائها، إن كان بإعطاء مقدار من الدراهم و أخذ الحوالة من المدفوع إليه بالأقلّ منه فلا بأس به، و إن كان بإعطاء الأقلّ و أخذ الحوالة بالأكثر يكون داخلا في الرّبا (1).

______________________________

فلا بأس، بل تستحبّ الزيادة للمقترض؛ حيث إنّه من حسن القضاء، و خير الناس أحسنهم قضاء، بل يجوز ذلك إعطاء و أخذا لو كان الإعطاء لأجل أن يراه المقرض حسن القضاء، فيقرضه كلّما احتاج إلى القرض، أو كان الإقراض لأجل أن ينتفع من المقترض لكونه حسن القضاء، و يكافئ من أحسن إليه بأحسن الجزاء بحيث لو لا ذلك لم يقرضه، و في عين الحال يكره أخذه للمقرض، خصوصا إذا كان إقراضه لأجل ذلك؛ أي لأجل العلم بأنّ المقترض يعطي الزيادة، بل المستحبّ له أنّه إذا أعطاه شيئا بعنوان الهدية و نحوها يحسب عوض طلبه؛ بمعنى أنّه يسقط منه بمقداره. و هذه نظير الضيافة، فإنّه يكره للضيف التحميل على المضيف و إيقاعه في الكلفة و المشقّة، و يستحبّ للمضيف ذلك؛ أي إكمال الإكرام و تكميل الضيافة و لو بالوقوع في الكلفة، كما لا يخفى.

(1) إنّما يحرم شرط الزيادة في القرض إذا كان للمقرض على المقترض، كالمثال المذكور في المسألة التاسعة المتقدّمة؛

و هو أن يقرضه عشرة دراهم باثني عشر و مثله من أنواع الزيادة. و أمّا إذا كان بالعكس؛ بأن يكون للمقترض على المقرض

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 224

[مسألة 13: القرض المشروط بالزيادة صحيح]

مسألة 13: القرض المشروط بالزيادة صحيح، لكن الشرط باطل و حرام، فيجوز الاقتراض ممّن لا يقرض إلّا بالزيادة- كالبنك و غيره- مع عدم قبول الشرط على نحو الجدّ و قبول القرض فقط، و لا يحرم إظهار قبول الشرط من دون جدّ و قصد حقيقيّ به، فيصحّ القرض و يبطل الشرط من دون ارتكاب الحرام (1).

______________________________

كالمثالين المذكورين في المتن فلا بأس به؛ لأنّ الروايات الدالّة على البأس مع الاشتراط التي تقدّم بعضها لا يشمل هذه الصورة، و يتفرّع على ما ذكر أنّ ما تداول بين التجّار من أخذ الزيادة و إعطائها في الحوائل المسمّى عندهم بصرف البرات، و يطلقون عليه بيع الحوالة و شرائها، إن كان بإعطاء مقدار من الدرهم و أخذ الحوالة من المدفوع إليه بالأقلّ منه، إمّا لكون المحال عليه أشدّ اطمئنانا منه، أو للخوف من السرقة و أمثالها في الطريق، فلا بأس به، و إن كان بإعطاء الأقلّ و أخذ الحوالة بالأكثر لخوف المدفوع إليه كذلك و أمثاله فهو من مصاديق الربا؛ لأنّ الشرط إنّما هو بنفع المحيل كما لا يخفى.

(1) وقع الاختلاف بعد الاتّفاق على بطلان شرط الزيادة في القرض و حرمته في أنّ هذا الشرط الفاسد المحرّم يوجب بطلان القرض أيضا، كما إذا قلنا في مثل البيع بأنّ الشرط الفاسد مفسد للعقد الذي وقع فيه هذا الشرط، أم لا يوجب بطلان أصل الاقتراض، ظاهر المتن الثاني، و لكن صاحب الجواهر يقول بالأوّل الذي مرجعه إلى أنّ

الشرط في صحّة القرض عدم اشتراط الزيادة، مستظهرا ذلك من صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من أقرض رجلا ورقا فلا يشترط إلّا مثلها، فإن جوزي أجود منها فليقبل، و لا يأخذ أحد منكم ركوب دابّة

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 225

..........

______________________________

أو عارية متاع يشترطه من أجل قرض ورقه «1».

قال: ضرورة ظهور النهي فيها في الشرطية كما في نظائره، مضافا إلى النبويّ:

كلّ قرض يجرّ منفعة فهو حرام «2». المراد منه بقرينة غيره صورة الشرط المنجبر بكلام الأصحاب، بل قيل: إنّه إجماع، بل في المختلف الإجماع على أنّه إذا أقرضه و شرط عليه أن يردّ خيرا ممّا اقترض كان حراما و بطل القرض «3»، فحرمة القرض منه حينئذ ظاهرة في فساده و أنّه لم يفد الملك، فيحرم على المستقرض التصرّف فيه و هو مضمون عليه؛ لكونه مقبوضا على ذلك، و لأنّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده «4».

هذا، و لكن عن المحدّث البحراني فيما حكي عنه التوقّف في ذلك، مدّعيا أنّه ليس في شي ء من نصوصنا ما يدلّ على فساد العقد بذلك، بل أقصاها النهي عن اشتراط الزيادة، و الخبر النبوي ليس من طرقنا. نعم، يبنى فساد العقد على أنّ فساد الشرط هل يوجب فساد العقد و هو مورد للخلاف و إن كان ظاهرهم هنا عدم كون البطلان مبنيّا على ذلك، و لذا ادّعى شيخنا في المسالك الإجماع عليه «5» «6».

أقول: و الظاهر أنّ الحقّ مع ما في المتن؛ لمنع ظهور الصحيحة في الشرطية،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 6/ 203 ح 457، و عنه الوسائل: 18/ 357، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 19 ح 11.

(2) السنن الكبرى

للبيهقي: 8/ 276 ح 11092، المطالب العالية: 7/ 362 ح 1440، الجامع الصغير للسيوطي:

394 ح 6336، كنز العمال: 6/ 238 ح 15516.

(3) مختلف الشيعة: 5/ 408 مسألة 24.

(4) جواهر الكلام: 25/ 6- 7.

(5) مسالك الأفهام: 3/ 443- 444.

(6) الحدائق الناضرة: 20/ 116- 118، جواهر الكلام: 25/ 6- 7.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 226

[مسألة 14: المال المقترض إن كان مثليا- كالدراهم و الدنانير و الحنطة و الشعير- كان وفاؤه و أداؤه بإعطاء ما يماثله في الصفات من جنسه]

مسألة 14: المال المقترض إن كان مثليا- كالدراهم و الدنانير و الحنطة و الشعير- كان وفاؤه و أداؤه بإعطاء ما يماثله في الصفات من جنسه؛ سواء بقي على سعره الذي كان له وقت الإقراض، أو ترقّى أو تنزّل؛ و هذا هو الوفاء الذي لا يتوقّف على التراضي، فللمقرض أن يطالب المقترض به، و ليس له الامتناع و لو ترقّى سعره عمّا أخذه بكثير، و للمقترض إعطاؤه، و ليس للمقرض الامتناع و لو تنزّل بكثير، و يمكن أن يؤدّي بالقيمة بغير جنسه؛ بأن يعطي بدل الدراهم الدنانير مثلا و بالعكس، و لكنّه يتوقّف على التراضي، فلو أعطى بدل الدراهم الدنانير فللمقرض الامتناع و لو تساويا في القيمة، بل و لو كانت الدنانير أغلى، كما أنّه لو أراده المقرض كان للمقترض الامتناع و لو كانت الدنانير أرخص.

و إن كان قيميّا فقد مرّ أنّه تشتغل ذمّته بالقيمة، و هي النقود الرائجة، فأداؤه- الذي لا يتوقّف على التراضي- بإعطائها، و يمكن أن يؤدّي بجنس آخر من غير

______________________________

و النبوي ليس من طرقنا، و الانجبار غير معلوم، مع أنّ هنا روايات دالّة على أنّ خير القرض ما جرّ نفعا «1»، و المراد منها و إن كان صورة عدم الاشتراط، إلّا أنّ استفادة حرمة أصل القرض و فساده في صورة الاشتراط ممنوعة، و

يترتّب على ما ذكر من عدم حرمة الاقتراض ممّن لا يقرض إلّا مع الزيادة، كالبنك في زمن الطاغوت لا زماننا الذي يكون مبناه على المضاربة و الجعالة و أمثالهما من العناوين المحلّلة، فإنّ قصد الاقتراض جدّا و عدم قبول الزيادة كذلك كاف في الصحّة و الحلّية، و إن كان يعلم بأنّه يؤخذ منه الزيادة بالقوى القهريّة، و لكنّه لم يكن مرتكبا للحرام بالاقتراض كذلك، كما لا يخفى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: 18/ 354- 359، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض ب 19 ح 4- 6، 8، 16 و غيرها.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 227

النقود بالقيمة، لكنّه يتوقّف على التراضي. و لو كانت العين المقترضة موجودة، فأراد المقترض أو المقرض أداء الدّين بإعطائها، فالأقوى جواز الامتناع (1).

______________________________

(1) المال المقترض تارة يكون بنفسه موجودا، و اخرى لا يكون كذلك، و على الفرض الثاني تارة يكون مثليّا، كالدراهم و الدنانير و الحنطة و الشعير، و اخرى يكون قيميّا، كالأغنام و مثلها، و على التقديرين تارة لا يتوقّف الأداء على التراضي و لا يجوز لكلّ منهما الامتناع، و اخرى يتوقّف على التراضي و لا يتحقّق بدونه. أمّا إذا كان المال المقترض موجودا باقيا غير تالف، فقد قوّى في المتن جواز الامتناع لكلّ منهما، و لعلّ السرّ أنّ الدّين الذي يعمّ القرض مال كلّي في ذمّة المديون المقترض، و تعيينه في فرد خاصّ إنّما هو بيده، فإذا أراد التعيين في غير المال الشخصي المقترض فله ذلك، و ليس للمقرض الامتناع عن قبوله، و أمّا إذا أراد الأداء بدفع نفس العين المقترضة فظاهر المتن جواز امتناعه عن قبولها، و الظاهر أنّه ليس له وجه وجيه، فإنّ المفروض

أنّ ما في الذمّة هو الكلّي، و العين الشخصية من مصاديقه و أفراده، مضافا إلى أنّ لزوم قبول المثل أو القيمة مع جواز الامتناع من قبول نفس العين لعلّه ممّا لا يجتمعان.

هذا بالنسبة إلى العين. و أمّا في غيرها، فإن كان مثليا كالدراهم و الدنانير، فإن أراد الدفع و الأداء من نفس المثلي الذي يماثله في الصفات و الخصوصيات المربوطة، فذلك هو الأداء الواقعي الذي لا يتوقّف على التراضي، و لا يجوز للمقرض الامتناع عن قبوله بوجه، و هذا من دون فرق بين ترقّي السعر و تنزّله و العدم؛ لعدم الفرق بين الصور الثلاثة في ذلك. و أمّا إذا لم يرد الدفع من نفس المثلي، بل من جنس آخر أو القيمة مثلا، كما إذا أراد إعطاء الشعير بدلا عن الحنطة أو قيمتها، فهو متوقّف على التراضي و إن كانت القيمتان متساويتين. و كذا الحال في

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 228

[مسألة 15: يجوز في قرض المثلي أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤدّي من غير جنسه]

مسألة 15: يجوز في قرض المثلي أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤدّي من غير جنسه، و يلزم عليه ذلك بشرط أن يكونا متساويين في القيمة، أو كان ما شرط عليه أقلّ قيمة ممّا اقترض (1).

[مسألة 16: الأقوى أنّه لو شرط التأجيل في القرض صحّ و لزم العمل به]

مسألة 16: الأقوى أنّه لو شرط التأجيل في القرض صحّ و لزم العمل به و ليس للمقرض مطالبته قبل حلول الأجل (2).

______________________________

غير المثلي، فإن أراد الوفاء بالقيمة- و هي النقود الرائجة- فذلك لا يتوقّف على التراضي؛ لأنّها الأداء الواقعي، و إن أراد التأدية بغير القيمة كجنس آخر فذلك يتوقّف على التراضي؛ لأنّ أداء القيمة كانت هي الوظيفة عليه، فتدبّر جيّدا.

(1) يجوز في قرض المثلي أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤدّي من جنسه، و يلزم عليه ذلك بشرط عدم تحقّق الزيادة بشي ء من عناوينها المتقدّمة، و لا يصدق على ذلك الزيادة في الصفة بعد عدم المدخلية في زيادة القيمة، بل ربما يكون له دخلا في قلّتها، كما لا يخفى.

(2) شرط التأجيل في القرض صحيح بشرط كون الأجل معيّنا، و يلزم العمل بهذا الشرط خصوصا بعد وقوعه في ضمن عقد لازم، و عليه فليس للمقرض المطالبة قبل حلول الأجل. نعم، يظهر هنا في بادئ النظر إشكال؛ و هو أنّ لزوم عقد القرض من ناحية كما تقدّم، و عدم لزوم شرط التأجيل من ناحية اخرى، و جواز مطالبة المقرض بعد تحقّق القرض في كلّ آن لعلّهما ممّا لا يمكن اجتماعهما، و الجواب أنّ معنى اللزوم عدم جواز الفسخ الذي مرجعه إلى ردّ نفس العين المقترضة، و هو لا ينافي جواز مطالبة المثل أو القيمة، خصوصا مع ما عرفت من المتن من أنّه يجوز

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين

و...، ص: 229

[مسألة 17: لو شرط على المقترض أداء القرض و تسليمه في بلد معيّن صحّ]

مسألة 17: لو شرط على المقترض أداء القرض و تسليمه في بلد معيّن صحّ و لزم و إن كان في حمله مئونة، فإن طالبه في غيره لم يلزم عليه الأداء، كما أنّه لو أدّاه في غيره لم يلزم المقرض القبول. و إن أطلق القرض و لم يعيّن بلد التسليم، فلو طالبه المقرض في بلد القرض يجب عليه الأداء، و لو أدّاه فيه يجب عليه القبول، و أمّا في غيره فالأحوط للمقترض- مع عدم الضرر و عدم الاحتياج إلى المئونة- الأداء لو طالبه الغريم، كما أنّ الأحوط للمقرض القبول مع عدمهما، و مع لزوم أحدهما يحتاج إلى التراضي (1).

______________________________

للمقرض الامتناع عن قبول نفس العين المقترضة، و معنى عدم لزوم شرط التأجيل أنّ القرض ليس مثل الإجارة التي يعتبر فيها ذكر الأجل المعيّن، بل يمكن فيه ترك اشتراط التأجيل بالمرّة، فاجتماع هذه الامور ممكن.

(1) لو شرط على المقترض أداء القرض و تسليمه في بلد معيّن صحّ و لزم؛ للزوم الوفاء بالشرط، خصوصا إذا كان في ضمن عقد لازم كالقرض و مثله، و يجب على المقترض الأداء في ذلك البلد المعيّن المشروط، من دون فرق بين أن يكون في حمله مئونة أم لا، و مع المطالبة في غير ذلك لم يلزم عليه الأداء، كما أنّه لو أدّاه في غيره لم يلزم المقرض القبول، و كذا، من دون فرق بين أن يكون الإعطاء في ذلك البلد بنفع واحد منهما أو عدمه؛ لعدم صدق الزيادة الموجبة للتحريم، و يتّفق هذا في زماننا كثيرا من جهة اختلاف قيمة مثل الورقة النقديّة في الممالك المختلفة، هذا في صورة التعيين.

و أمّا مع الإطلاق و عدم تعيين بلد التسليم أصلا،

فلو وقعت المطالبة في بلد القرض يجب على المقترض الأداء، و كذا العكس لو أدّاه فيه يجب على المقرض

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 230

[مسألة 18: يجوز أن يشترط في القرض إعطاء الرهن، أو الضامن، أو الكفيل]

مسألة 18: يجوز أن يشترط في القرض إعطاء الرهن، أو الضامن، أو الكفيل، و كلّ شرط سائغ لا يكون فيه النفع للمقرض و لو كان مصلحة له «1».

[مسألة 19: لو اقترض دراهم ثمّ أسقطها السلطان و جاء بدراهم غيرها]

مسألة 19: لو اقترض دراهم ثمّ أسقطها السلطان و جاء بدراهم غيرها، لم يكن عليه إلّا الدراهم الاولى. نعم، في مثل الأوراق النقدية المتعارفة في هذه

______________________________

القبول. و أمّا في غير بلد القرض، فإن طالبه الغريم و لم يكن الأداء مستلزما للضرر أو الحاجة إلى المئونة، كما لو كانت العين المقترضة هي الورقة النقديّة الذي لا يحتاج حمله إلى المئونة، و لا يوجب الأداء في غير بلد القرض و التسليم مستلزما للضرر بوجه، فقد احتاط لزوما في المتن بالأداء، كما أنّه احتاط كذلك قبول المقرض مع عدم استلزام شي ء من الأمرين، و لعلّ وجه الاحتياط أنّه نسب وجوب الأداء في هذه الصورة إلى العلّامة «1»؛ لأنّ المقرض صاحب الحقّ فله السلطنة على التعيين، و يرد عليه أنّه لا ملازمة بين كونه صاحب الحقّ، و بين لزوم الأداء مع المطالبة في صورة عدم الاشتراط مع ثبوت حقّ الاشتراط له كما مرّ، فالظاهر لزوم رعاية التراضي كما في صورة استلزام الضرر أو الحاجة إلى المئونة، كما لا يخفى.

(1) يجوز أن يشترط في القرض إعطاء الرهن ليكون وثيقة لدينه و لا ينطبق عليه عنوان الزيادة، بل يشترطه لأجل أن يصل إلى ماله قطعا كما هو الغرض الأصلي من الرهن، كما أنّه يجوز أن يشترط فيه الضامن أو الكفيل لما ذكرنا، و كذا كلّ شرط سائغ لا يكون فيه النفع الموجب لانطباق عنوان الزيادة و إن كان للمشترط فيه المصلحة، فإنّ ثبوتها أعمّ من ثبوت نفع له كما لا يخفى.

______________________________

(1) قواعد الأحكام:

2/ 105.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 231

الأزمنة إذا سقطت عن الاعتبار، فالظاهر الاشتغال بالدراهم و الدنانير الرائجة. نعم، لو فرض وقوع القرض على الصكّ الخاصّ بنفسه- بأن قال:

«أقرضتك هذا الكاغذ المسمّى بالنوت»- كان حاله حال الدراهم، و هكذا الحال في المعاملات و المهور الواقعة على الصكوك (1).

______________________________

(1) ربما يقال: إنّ إسقاط الدراهم و الدنانير على أقسام:

الأوّل: إسقاط الرواج الفعلي مع بقاء أصل المالية من كلّ جهة، بلا فرق في هذه الجهة بين السابقة و اللاحقة، بل ربما تكون القيمة في السابقة أكثر، كالسكوك التي كانت من الفضّة الواقعية في الزمن السابق، فإنّها و إن لم تكن رائجة فعلا لكن قيمتها تكون أكثر من السابقة.

الثاني: إسقاط أصل المالية رأسا، فلا تكون للسابقة قيمة أصلا، كالسكوك التي كانت في زمن الطاغوت و الآن لا قيمة لها أصلا؛ لخلوّها عن الفضّة الواقعيّة.

الثالث: تغيير السعر في الجملة بين السابقة و اللاحقة مع بقاء الرواج و سائر الجهات، و مقتضى قاعدة ضمان المثلي بالمثل هو اشتغال الذمّة بالمثل في القسم الأوّل و الأخير، كما أنّ مقتضى بناء القرض و سائر الضمانات على تحفّظ المالية مهما أمكن ذلك، هو اشتغال الذمّة بالقيمة في الوسط بناء على متعارف الناس في هذا الموضوع.

هذا مع قطع النظر عن الروايات، و أمّا بملاحظتها، فقد وردت فيه روايتان:

إحداهما: رواية يونس قال: كتبت إلى الرضا عليه السّلام: إنّ لي على رجل ثلاثة آلاف درهم، و كانت تلك الدراهم تنفق بين الناس تلك الأيّام، و ليست تنفق اليوم، فلي عليه تلك الدراهم بأعيانها، أو ما ينفق اليوم بين الناس؟

قال: فكتب عليه السّلام إليّ: لك أن تأخذ منه ما ينفق بين الناس كما

أعطيته ما ينفق بين

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 232

..........

______________________________

الناس «1». و لا بدّ من حمله على ما مرّ من القسم الثاني، جمعا بينه و بين ما يأتي.

ثانيتهما: رواية عبّاس عن صفوان قال: سأله معاوية بن سعيد عن رجل استقرض دراهم من رجل، و سقطت تلك الدراهم أو تغيّرت، و لا يباع بها شي ء، الصاحب الدراهم الدراهم الاولى، أو الجائزة التي تجوز بين الناس؟ فقال:

لصاحب الدراهم الدراهم الاولى «2». و لا بدّ من حمله على سقوط الرواج الفعلي لا سقوط أصل المالية جمعا بينه و بين ما مرّ.

هذا كلّه في الدراهم و الدنانير، و أمّا الأوراق الرائجة كالورقة النقديّة بعد الثورة الإسلامية، و قد استدرك منه ما لو فرض وقوع القرض على الصك الخاص بنفسه؛ بأن قال: «أقرضتك هذا القرطاس المسمّى بالنوت» كان حاله حال الدراهم، و كذا الحال في المعاملات و المهور الواقعة على الصكوك؛ بأن يكون لنفس الورق من حيث هو موضوعيّة خاصّة، كما في الطوابع الرائجة في البريد في جميع الدول، فالحكم في الجميع حكم الدراهم على ما مرّ من تصوير الأقسام الثلاثة فيه، فتدبّر.

______________________________

(1) الكافي: 5/ 252 ح 1، تهذيب الأحكام: 7/ 116 ح 505، الاستبصار: 3/ 100 ح 345، و عنها الوسائل:

18/ 206، كتاب التجارة، أبواب الصرف ب 20 ح 1.

(2) تهذيب الأحكام: 7/ 117 ح 508، الاستبصار: 3/ 99 ح 344، و عنهما الوسائل: 18/ 207، كتاب التجارة، أبواب الصرف ب 20 ح 4.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 233

[كتاب الرّهن]

اشارة

كتاب الرّهن

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 235

[مسائل الرهن]

اشارة

و هو عقد شرّع للاستيثاق على الدّين، و يقال للعين: الرهن و المرهون، و لدافعها: الراهن، و لآخذها المرتهن، و يحتاج إلى الإيجاب من الراهن؛ و هو كلّ لفظ أفاد المقصود في متفاهم أهل المحاورة، كقوله: «رهنتك» أو «أرهنتك» أو «هذا وثيقة عندك على مالك» و نحو ذلك، و القبول من المرتهن، و هو كلّ لفظ دالّ على الرضا بالإيجاب. و لا يعتبر فيه العربيّة، بل الظاهر وقوعه بالمعاطاة (1).

______________________________

(1) هذه المادّة- أي مادّة رهن- المستعملة في الكتاب العزيز، و في الروايات الكثيرة، و في الاستعمالات العرفية بمعنى الاستيثاق و الثبات و التأكيد و نحوه، قال اللّه تعالى: كُلُّ امْرِئٍ بِمٰا كَسَبَ رَهِينٌ «1»، و قال أيضا: فَرِهٰانٌ مَقْبُوضَةٌ «2».

و في كلام عليّ عليه السّلام مخاطبا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- على ما هو المحكي- في نهج البلاغة عند دفن فاطمة الشهيدة عليها السّلام: فلقد استرجعت الوديعة و أخذت الرهينة «3».

______________________________

(1) سورة الطور: 52/ 21.

(2) سورة البقرة: 2/ 283.

(3) نهج البلاغة خطبة 202.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 236

[مسألة 1: يشترط في الراهن و المرتهن البلوغ و العقل و القصد و الاختيار]

مسألة 1: يشترط في الراهن و المرتهن البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، و في خصوص الأوّل عدم الحجر بالسفه و الفلس، و يجوز لوليّ الطفل و المجنون رهن مالهما مع المصلحة و الغبطة، و الارتهان لهما كذلك (1).

______________________________

و لا يبعد أن يقال بثبوت اصطلاح خاصّ للفقهاء في ذلك يغاير العرف و اللغة بالإطلاق و التقييد؛ لأنّ معنى الرهن هي الوثيقة على الدّين، و لا يشمل مثل الوثيقة في مقابل العارية أو الامور الاخر، و في الحقيقة هو عقد يكون الغرض من مشروعيّته الاستيثاق على الدّين. و يقال

للعين: الرهن و المرهون، و لصاحبها الدافع: الراهن، و لآخذها: المرتهن.

و حيث إنّه عقد من العقود يحتاج إلى الإيجاب و القبول، فالإيجاب يتحقّق من الراهن صاحب العين؛ و هو كلّ لفظ أفاد المقصود في متفاهم أهل المحاورة، كالأقوال المذكورة في المتن، و القبول يتحقّق من المرتهن؛ و هو كلّ لفظ دالّ على الرضا بالإيجاب و قبوله، و لا يعتبر فيه العربية، بل يتحقّق بكلّ لغة دالّة على هذا المقصود، بل لعلّ تعبير غير العارف باللغة العربية بلغته و لسانه يكون أولى؛ لأنّه أقرب إلى الإنشاء و ما يراد منها.

و الظاهر عدم اختصاص الإيجاب و القبول و الإنشاء بهما باللفظ، بل يصحّ بالمعاطاة مع ظهور المعنى المقصود؛ لأنّه لم ينهض دليل على عدم جريان المعاطاة فيه كالنكاح مثلا، كما لا يخفى.

(1) يشترط في المتعاقدين في الرهن- أي الراهن و المرتهن- البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، و في خصوص الراهن- الذي يدفع العين المرهونة- عدم الحجر بالسفه و الفلس. نعم، يجوز لولي الطفل و المجنون في صورة الغبطة و المصلحة

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 237

[مسألة 2: يشترط في صحّة الرهن القبض من المرتهن بإقباض من الراهن أو بإذن منه]

مسألة 2: يشترط في صحّة الرهن القبض من المرتهن بإقباض من الراهن أو بإذن منه، و لو كان في يده شي ء وديعة أو عارية- بل و لو غصبا- فأوقعا عقد الرهن عليه كفى، و لا يحتاج إلى قبض جديد، و لو رهن المشاع لا يجوز تسليمه إلى المرتهن إلّا برضا شريكه، و لكن لو سلّمه إليه فالظاهر كفايته في تحقّق القبض الذي هو شرط لصحّته و إن تحقّق العدوان بالنسبة إلى حصّة شريكه (1).

______________________________

الارتهان لهما كذلك بمقتضى الولاية و ثبوت المصلحة.

(1) يشترط في

صحّة الرهن، القبض من المرتهن بإقباض من شخص الراهن أو بإذن منه؛ لأنّ الغرض من الرهن- و هو الاستيثاق على ما عرفت- لا يتحقّق بدون القبض، مضافا إلى الإجماع المدّعى على ذلك «1»، و إلى قول أبي جعفر عليه السّلام: لا رهن إلّا مقبوضا «2».

و أمّا قوله تعالى: فَرِهٰانٌ مَقْبُوضَةٌ «3» فقد نوقش في دلالته تارة بأنّه إرشاد إلى بيان ما هو واقع في الخارج و لا يكون في مقام التشريع.

و اخرى بأنّ وقوعه في سياق الشهادة قرينة على أنّه من المندوبات.

و ثالثة بأنّ القيد يحتمل أن يكون لبيان الكمال لا أصل الصحّة، و لكن الكلّ مدفوع بظهور الآية في كونها في مقام التشريع لا الإرشاد، و ظهور بطلان الثاني

______________________________

(1) المؤتلف من المختلف: 1/ 529 و 540.

(2) تهذيب الأحكام: 7/ 176 ح 779، تفسير العيّاشى: 1/ 156 ح 525، و عنهما الوسائل: 18/ 383، كتاب الرهن ب 3 ح 1، و في تفسير كنز الدقائق: 1/ 685 عن العيّاشي.

(3) سورة البقرة: 2/ 283.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 238

[مسألة 3: إنّما يعتبر القبض في الابتداء]

مسألة 3: إنّما يعتبر القبض في الابتداء، و لا يعتبر استدامته، فلو قبضه المرتهن ثمّ صار في يد الراهن أو غيره بإذن الراهن أو بدونه، لم يضرّ و لم يطرأه البطلان. نعم، للمرتهن استحقاق إدامة القبض و كونه تحت يده، فلا يجوز انتزاعه منه (1).

______________________________

و الثالث، و العمدة ما ذكرنا من أنّ الرهن له خصوصيّة لا يتحقّق بدون القبض، و لا يمكن دعوى اعتباره في اللزوم فقط لا في الصحّة؛ لأنّ الحقيقة غير متحقّقة بدونه كما لا يخفى.

بقي في هذه المسألة أمران آخران:

أحدهما: أنّه لو كان شي ء في يده وديعة،

أو عارية، بل و لو غصبا فأوقعا عقد الرهن عليه، فالظاهر كفاية ذلك في تحقّق القبض الذي هو أمر تكويني و شرط للصحّة، و لا يعتبر أن يكون أصل حدوثه قبل الرهن بإذن الراهن. نعم، بعد حدوث الرهن لا مجال إلّا لإقباضه أو المأذون من قبله.

ثانيهما: أنّه لو رهن المشاع الذي كان بين الراهن و غيره، لا يجوز تكليفا التسليم إلى المرتهن بدون إذن الشريك، لكن لو ارتكب الحرام و أقبضه بدون إذن شريكه فالظاهر تحقّق القبض المعتبر في الرهن و إن ارتكب الحرام بالتسليم مع عدم إذنه.

(1) القبض المعتبر في الرهن إنّما يكون معتبرا في ابتدائه، و لا يكون معتبرا في الاستدامة، فلو قبضه المرتهن فلقد تمّ شرط الصحّة، فإن صار بعده في يد الراهن، أو غيره بإذن الراهن أو بدونه، كما لو غصبت من يد المرتهن لم يطرأ الفساد على الرهن لتماميّة شرائطه، و إلّا لزم أن يقال بلزوم حفظ العين المرهونة في يد المرتهن.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 239

[مسألة 4: يشترط في المرهون أن يكون عينا مملوكا يصحّ بيعه و يمكن قبضه]

مسألة 4: يشترط في المرهون أن يكون عينا مملوكا يصحّ بيعه و يمكن قبضه، فلا يصحّ رهن الدّين قبل قبضه على الأحوط و إن كان للصحّة وجه.

و قبضه بقبض مصداقه. و لا رهن المنفعة، و لا الحرّ، و لا الخمر و الخنزير، و لا مال الغير إلّا بإذنه أو إجازته، و لا الأرض الخراجية ما كانت مفتوحة عنوة، و ما صولح عليها على أن تكون ملكا للمسلمين، و لا الطير المملوك في الهواء إذا كان غير معتاد عوده، و لا الوقف و لو كان خاصّا (1).

______________________________

نعم، للمرتهن استحقاق إدامة القبض و كونه تحت يده، لمدخليّته في الاستيثاق،

فلا يجوز الانتزاع منه و لو للرّاهن.

(1) يشترط في المرهون أن يكون عينا مملوكا يصحّ بيعه و يمكن قبضه، و العين المشروطة هي العين في مقابل الدّين قبل قبضه و في مقابل المنفعة. أمّا الدّين فقد احتاط في عدم الصحّة، و الظاهر أنّ المراد بالاحتياط هو الاحتياط الوجوبي، و قال في المتن: و إن كان للصحّة وجه، و لعلّ الوجه فيها إمكان تحقّق الاستيثاق و الوثوق بأداء المديون الذي صار دينه رهنا، بخلاف المديون الذي اخذ الرهن منه.

و أمّا المنفعة، فحيث إنّ وجودها تدريجي يوجد و ينعدم، و المفروض أنّ ما بإزائها ملك للراهن فبم يتحقّق الاستيثاق، و أمّا عدم جواز رهن الحرّ فواضح؛ لعدم الفائدة فيه، و كذا الخمر و الخنزير بعد عدم تعلّق الملك بهما شرعا و عدم جواز بيعهما، مع أنّ المقصود من الرهن بيع المرتهن العين المرهونة و أداء دينه منه لو امتنع الراهن عن الأداء و الوفاء، و كذا لا يجوز رهن مال الغير إلّا بإذنه أو إجازته المستلزم لإجازة بيع المرتهن في الصورة المذكورة، و كذا لا يجوز رهن الأراضي

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، در يك جلد، مركز فقه ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1425 ه ق

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...؛ ص: 240

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 240

[مسألة 5: لو رهن ملكه مع ملك غيره في عقد واحد صحّ في ملكه]

مسألة 5: لو رهن ملكه مع ملك غيره في عقد واحد صحّ في ملكه، و وقف في ملك غيره على إجازة مالكه (1).

______________________________

الخراجية ما كانت مفتوحة عنوة، و ما صولح عليها على أن تكون ملكا للمسلمين؛ لعدم اختصاصها

بشخص خاصّ، و لا يبعد أن يقال بجواز الرهن بالإضافة إلى ما يجوز بيعه من البناء تبعا للأرض.

و كذا لا يجوز رهن الطير في الهواء و إن كان مملوكا؛ لعدم إمكان قبضه إلّا إذا اعتاد عوده فيصحّ إقباضه، و كذا لا يجوز رهن الوقف أعمّ من الوقف العام و الوقف الخاص؛ لعدم جواز بيع العين الموقوفة إلّا في موارد مخصوصة لا يكون بيع المرتهن منها كما لا يخفى.

هذا، و قد ادّعي الإجماع على جميع ما ذكر «1»، و لكن في الجواهر: دون تحصيله خرط القتاد «2».

(1) مرجع هذه المسألة إلى جريان الفضولية في الرهن كجريانها في البيع و الإجارة، فلو رهن ملكه مع ملك غيره في عقد واحد صحّ في ملكه، و يتوقّف في ملك غيره على إجازة مالكه، كما أنّك عرفت في المسألة السابقة التوقّف على الإجازة لو رهن ملك الغير فقط، و السرّ في ذلك كلّه أنّ صحّة الفضولي في موارده لا تكون على خلاف القاعدة حتّى يقتصر فيه على المورد المسلّم كالبيع و نحوه، بل هي على طبق القاعدة لا يتخلّف عنها إلّا في موارد قيام الدليل، كالإيقاعات مثلا.

______________________________

(1) غنية النزوع: 242- 243، السرائر: 2/ 416- 417، مهذّب الأحكام: 21/ 81- 82.

(2) جواهر الكلام: 25/ 118- 119.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 241

[مسألة 6: لو كان له غرس أو بناء في الأرض الخراجية لا إشكال في صحّة رهن ما فيها مستقلّا]

مسألة 6: لو كان له غرس أو بناء في الأرض الخراجية لا إشكال في صحّة رهن ما فيها مستقلّا، و أمّا رهنها مع أرضها بعنوان التبعيّة ففيه إشكال، بل المنع لا يخلو من قرب، كما لا يصحّ رهن أرضها مستقلّا على الأقوى. نعم، لا يبعد جواز رهن الحقّ المتعلّق بها على إشكال (1).

[مسألة 7: لا يعتبر أن يكون الرهن ملكا لمن عليه الدّين]

مسألة 7: لا يعتبر أن يكون الرهن ملكا لمن عليه الدّين، فيجوز لشخص أن يرهن ماله على دين غيره تبرّعا و لو من غير إذنه، بل و لو مع نهيه. و كذا يجوز للمديون أن يستعير شيئا ليرهنه على دينه، و لو رهنه و قبضه المرتهن ليس

______________________________

(1) لو كان له غرس أو بناء في الأرض الخراجيّة فلا إشكال في صحّة رهنه مستقلّا؛ لأنّه ملك له لا يشاركه غيره، فلا مانع من رهنه. و أمّا رهنه بضميمة الأرض بعنوان التبعيّة فقد استشكل فيه في المتن، بل جعل المنع غير خال عن القرب، و الوجه فيه أنّ الأرض لا تكون ملكا له بشخصه، بل إنّما هي ملك للمسلمين جميعا، و ليست لها أيّة طريق للاختصاص بمالك الغرس، أو البناء في الأرض المذكورة، و منه يظهر عدم جواز رهن الأرض الكذائيّة مستقلّة بطريق أولى.

نعم، نفى البعد عن جواز رهن الحقّ المتعلّق بها على إشكال، و لعلّ السرّ في الإشكال أنّه لا يكون في هذا الحقّ نفع يعود إلى المرتهن بدلا عن الدّين و وثيقة له؛ لأنّه ما دام فيها الغرس و البناء يكون الغرس و البناء لنفسه، و لو فرض زوالهما بسبب زلزلة و نحوها تصير الأرض الخالية متعلّقة بجميع المسلمين؛ لأنّ المفروض كونها مفتوحة عنوة و ملكا لعموم المسلمين، فليس هذا الحقّ الذي مرجعه

إلى جواز البقاء في الأرض ما دام الأثر باقيا فيه، نفع قابل لأن يقع بديلا عن الدّين.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 242

لمالكه الرجوع، و يبيعه المرتهن كما يبيع ما كان ملكا للمديون، و لو بيع كان لمالكه مطالبة المستعير بما بيع به لو بيع بالقيمة أو بالأكثر، و بقيمة تامّة لو بيع بأقلّ منها، و لو عيّن له أن يرهنه على حقّ مخصوص- من حيث القدر أو الحلول أو الأجل أو عند شخص معيّن- لم يجز له مخالفته، و لو أذنه في الرهن مطلقا جاز له الجميع و تخيّر (1).

______________________________

(1) أمّا عدم اعتبار أن يكون الرهن ملكا لمن عليه الدّين، فلأنّه لا يتضمّن معنى المبادلة و النقل و الانتقال كما في البيع و نحوه، بل هو وثيقة للدّين كما عرفت في تعريفه «1»، و يتفرّع على ما ذكر أنّه يجوز لشخص أن يرهن مال نفسه على دين غيره تبرّعا و لو من غير إذنه، بل و مع نهيه، و ما تقدّم من التوقّف على الإذن فإنّما هو فيما لو أراد أن يرهن مال المالك المديون، لا ما لو أراد أن يرهن مال نفسه، كما أنّه يتفرّع على ما ذكرنا أنّه يجوز للمديون عارية العين المرهونة ليرهنها، و في هذه الصورة لو تحقّق الرهن و القبض و الإقباض لا يجوز للمالك المعير الرجوع، بل يجوز للمرتهن بيعه كما في سائر الصور. و في صورة تحقّق البيع، فإن بيع بالقيمة أو بالأكثر يجوز للمعير مطالبة المستعير بتلك القيمة؛ لأنّ المبيع كان ملكه الذي بيع عليه قهرا بمقتضى إعارته للرهن بطيب نفسه و رضاه، و إن بيع بالأقلّ من القيمة فللمالك القيمة

التامّة العادلة.

ثمّ إنّه حيث يكون المالك في العارية هو المعير؛ لأنّ مرجع العارية إلى حقّ الانتفاع بالعين من دون ثبوت ملكيّة للمستعير عينا و لا منفعة، فمرجع الإذن في ذلك هو المالك، فلو عيّن للمستعير جهة خاصّة من جهة المرتهن، أو الحقّ

______________________________

(1) في ص 235.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 243

[مسألة 8: لو كان الرهن على الدّين المؤجّل]

مسألة 8: لو كان الرهن على الدّين المؤجّل، و كان ممّا يسرع إليه الفساد قبل الأجل، فإن شرط بيعه صريحا قبل أن يطرأ عليه الفساد صحّ الرهن، و يبيعه الراهن أو يوكّل المرتهن في بيعه، و إن امتنع أجبره الحاكم، فإن تعذّر باعه الحاكم، و مع فقده باعه المرتهن، فإذا بيع يجعل ثمنه في الرهن. و كذلك لو استفيد اشتراط البيع من قرينة، كما لو جعل العين بماليّتها رهنا، فيصحّ و تباع و يجعل ثمنها في الرهن. و لو اشترط عدم البيع إلّا بعد الأجل بطل الرهن، و كذا لو أطلق و لم يشترط البيع و لا عدمه و لم يستفد الاشتراط بقرينة على الأقرب.

و لو رهن ما لا يتسارع إليه الفساد، فعرض ما صيّره عرضة له- كالحنطة لو ابتلّت- لم ينفسخ، بل يباع و يجعل ثمنه رهنا (1).

______________________________

المخصوص من حيث القدر، أو الحلول، أو الأجل، أو غير ذلك ممّا هو من شئون المالك، فلا يجوز التخلّف عنه لأنّه المالك مطلقا. نعم، لو أذن في مطلق الرهن من غير تعيين خصوصيّة من الخصوصيّات المذكورة جاز له الجميع، و تخيّر بين تلك الخصوصيّات، و الوجه فيه واضح.

و من جميع ما ذكرنا ظهر أنّ إطلاق العارية و عدم تصريح المالك بجواز الرهن لا يجوز للمستعير ذلك؛ لأنّ صحّة الرهن يترتّب

عليها جواز البيع مع عدم أداء الدّين، و إطلاق العارية لا يلازم ذلك، بخلاف صورة التصريح بجواز الرهن كما ذكرنا، فتدبّر.

(1) المفروض في هذه المسألة صورتان:

الصورة الاولى: ما كان الرهن على الدّين المؤجّل، و كان يسرع إلى الرهن الفساد قبل حلول أجل الدّين، و فيه فروض:

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 244

[مسألة 9: لا إشكال في أنّه يعتبر في المرهون كونه معيّنا]

مسألة 9: لا إشكال في أنّه يعتبر في المرهون كونه معيّنا، فلا يصحّ رهن المبهم كأحد هذين. نعم، صحّة رهن الكلّي- من غير فرق بين الكلّي في المعيّن؛

______________________________

الأوّل: ما إذا شرط بيعه صريحا قبل أن يطرأ عليه الفساد، و في هذا الفرض يصحّ الرهن و لا مجال لتوهّم بطلانه، غاية الأمر أنّه يبيعه الراهن قبل طروّ الفساد، أو يوكّل المرتهن في بيعه، و إن امتنع الراهن أجبره الحاكم، و مع تعذّر الإجبار باعه الحاكم، و مع فقده باعه المرتهن، و مع البيع يجعل ثمنه في الرهن تحقيقا للاستيثاق و تحصيلا لاطمئنان المرتهن.

الثاني: ما لو استفيد اشتراط البيع من قرينة من دون أن يشترط بيعه صريحا، كما لو جعل العين بماليّتها لا بشخصها رهنا، و في هذا الفرض يصحّ الرهن، و تباع العين قبل طروّ الفساد و يجعل ثمنها رهنا، و الوجه فيه واضح.

الثالث: ما لو اشترط عدم البيع إلّا بعد الأجل مع العلم بطروّ الفساد قبل حلوله، و في هذا الفرض بطل الرهن؛ لعدم اجتماع الشرط المذكور مع حقيقة الرهن، كما لا يخفى.

الرابع: ما لو أطلق و لم يشترط البيع و لا عدمه، و لم يستفد الاشتراط من قرينة مثل ما اشير إليها، و في هذا الفرض جعل الأقرب البطلان، و الوجه فيه ما ذكرناه في الفرض الثالث،

غاية الأمر أنّه يمكن أن يقال: إنّ نفس الفرض قرينة على جواز البيع، و هو محلّ تأمّل بل منع.

الصورة الثانية: لو كان الرهن على الدّين الكذائي ممّا لا يتسرّع إليه الفساد بالذات، لكن عرض له ما صيّره عرضة للفساد، كالحنطة لو ابتلّت، و الحكم فيه عدم انفساخ الرهن بذلك، بل يجوز بيع الرهن و جعل الثمن رهنا، فيصير نظير الفرض الأوّل من الصورة الاولى، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 245

كصاع من صبرة معلومة، و شاة من القطيع المعلوم، و غيره كصاع من الحنطة- لا تخلو من وجه، و قبضه في الأوّل، إمّا بقبض الجميع، أو بقبض ما عيّنه الراهن، و في الثاني بقبض مصداقه، فإذا قبضه المرتهن صحّ و لزم، و الأحوط عدم إيقاعه على الكلّي، و لا يصحّ رهن المجهول من جميع الوجوه حتّى كونه ممّا يتموّل. و أمّا مع علمه بذلك و جهله بعنوان العين، فالأحوط ذلك و إن كان الجواز لا يخلو من وجه، فإذا رهن ما في الصندوق المقفل و كان ما فيه مجهولا حتّى ماليّته بطل، و لو علم ماليّته فقط لا يبعد الصحّة، كما أنّ الظاهر صحّة رهن معلوم الجنس و النوع مع كونه مجهول المقدار (1).

______________________________

(1) قد نفى الإشكال عن أنّه يعتبر في المرهون كونه معيّنا في مقابل المبهم كأحد هذين، و استدلّ عليه في محكي الدروس بلزوم الغرر «1»، و يرد عليه كما في الجواهر أنّ مقتضى الإطلاقات الجواز، و نفي الغرر إنّما هو في العقود المبنيّة على المغابنة، لا في مثل الرهن المبني على غبن الراهن للمرتهن، كالواهب بالنسبة إلى المتّهب «2».

نعم، نفى الخلوّ عن الوجه في صحّة رهن الكلّي

من غير فرق بين الكلّي في المعيّن، كصاع من صبرة معلومة، و شاة من القطيع المعلوم، و بين غيره كصاع من الحنطة و لو كانت مجهولة الوصف و القيمة. غاية الأمر أنّ القبض المعتبر في الرهن كما عرفت «3» إنّما يتحقّق في الكلّي في المعيّن بقبض الجميع، أو بقبض ما عيّنه الراهن؛ لعدم خصوصيّة للرهن من هذه الجهة، و في الثاني بقبض مصداقه، فإذا قبضه المرتهن صحّ و لزم، و لكن جعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي عدم الإيقاع على

______________________________

(1) الدروس الشرعيّة: 3/ 388.

(2) جواهر الكلام: 25/ 141.

(3) في ص 237.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 246

[مسألة 10: يشترط فيما يرهن عليه أن يكون دينا ثابتا في الذمّة لتحقّق موجبه]

مسألة 10: يشترط فيما يرهن عليه أن يكون دينا ثابتا في الذمّة لتحقّق موجبه: من اقتراض، أو إسلاف مال، أو شراء، أو استئجار عين بالذمّة و غير ذلك، حالّا كان الدّين أو مؤجّلا، فلا يصحّ الرهن على ما يقترض، أو على ثمن ما يشتريه فيما بعد، فلو رهن شيئا على ما يقترض ثمّ اقترض لم يصر بذلك رهنا، و لا على الدية قبل استقرارها بتحقّق الموت و إن علم أنّ الجناية تؤدّي إليه، و لا على مال الجعالة قبل تمام العمل (1).

______________________________

الكلّي مطلقا، و ظاهره حتّى الكلّي في المعيّن، مع أنّ الرهن لا يكون أولى من البيع قطعا، و يجوز بيع الكلّي من دون فرق بين الكلّي في المعيّن و الكلّي الموصوف.

و ذكر في المتن بعد الاحتياط المزبور أنّه لا يصحّ رهن المجهول من جميع الوجوه حتّى كونه ممّا يتموّل، و الوجه فيه أنّ المجهول الكذائي لا يمكن أن يكون وثيقة للدّين في مقام الإثبات، و فرّع عليه أنّه إذا رهن الصندوق المقفل و

كان ما فيه مجهولا حتّى من جهة الماليّة. نعم، مع علمه بذلك و جهله بعنوان العين فمقتضى الاحتياط و إن كان البطلان، إلّا أنّه نفى الخلوّ عن الوجه عن الجواز، و السرّ فيه أنّ الرهن و إن كان لا بدّ فيه من أن يتموّل و المفروض إحراز ذلك، إلّا أنّه لا تلزم المساواة مع الدّين في الماليّة، بل اللازم إحراز أصل الماليّة و لو كان في غاية القلّة، و يترتّب على ذلك صحّة رهن معلوم الجنس و النوع و إن كان مجهولا بالمقدار، كما استظهره في الذيل، و ذلك لما عرفت من كفاية العلم بأصل الماليّة و لا يلزم العلم بالخصوصيّة؛ إذ ليس الرهن كالبيع الذي هو القدر المتيقّن من جهة النهي عن الغرر، فتدبّر.

(1) حيث إنّ الرهن وثيقة للدّين فيعتبر فيما يرهن عليه أن يكون دينا ثابتا في

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 247

..........

______________________________

الذمّة، حالّا كان أو مؤجّلا؛ لتحقّق موجبه من اقتراض أو إسلاف مال، فيأخذ الرهن في مقابل المبيع الكلّي الثابت في الذمّة اطمئنانا لوقوعه في يده في ظرفه، و مع العدم يستفيد المالية من بيع الرهن أو شراء نسيئة، فيأخذ البائع الرهن في مقابل الثمن الثابت على الذمّة و لو مؤجّلا، و فرّع عليه أنّه لا يصحّ الرهن على ما يقترض، أو على ثمن ما يشتريه فيما بعد، فلو رهن شيئا على ما يقترض ثمّ اقترض لم يصر بذلك رهنا. و هنا إشكال؛ و هو أنّ القرض أمر، و الرهن أمر آخر مترتّب عليه متوقّف على رضا الطرفين، و من الممكن أن لا يرضى الراهن برهن ماله مثلا، أو لا يرضى المرتهن بالارتهان؛ لعدم تمكّنه من

حفظه خاليا عن التعدّي و التفريط.

و حينئذ فلو فرض أنّ المقرض لا يطمئنّ برهن المقترض ماله مثلا لا يقرضه.

نعم، لو رهن ماله يطيب له الإقراض و جعل ماله في اختيار المقترض بعنوان القرض، و هل يمكن أن يقال في مقام حلّ الإشكال بأنّه يجوز للمقرض اشتراط الرهن في ضمن عقد القرض الذي هو عقد لازم كما عرفت «1»، فإن و فى المقترض بالشرط فبها، و إلّا فيجوز للمقرض فسخ عقد القرض؛ لتخلّف الشرط و عدم الوفاء به مع لزومه كما هو المفروض، و لا يرجع هذا الشرط إلى شرط الزيادة في القرض حتّى لا يجوز على ما تقدّم «2»، كما أنّه لا يلزم الرهن قبل ثبوت الدّين في الذمّة؛ لأنّ ما هو قبل ذلك إنّما هو الاشتراط. و أمّا أصل الرهن فيقع بعد ثبوت الدّين في الذمّة يعني بعد الاقتراض؟

و من جملة ما يتفرّع على أصل المسألة: الرهن على الدية قبل استقرارها بتحقّق الموت و إن علم أنّ الجنابة تؤدّي إليه، كما فيما يعبّر عنه بالموت الدماغيّ الذي ربما

______________________________

(1) في ص 217- 219.

(2) في ص 220- 221.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 248

[مسألة 11: كما يصحّ في الإجارة أن يأخذ المؤجر الرهن على الاجرة التي في ذمّة المستأجر]

مسألة 11: كما يصحّ في الإجارة أن يأخذ المؤجر الرهن على الاجرة التي في ذمّة المستأجر، كذلك يصحّ أن يأخذ المستأجر الرهن على العمل الثابت في ذمّة المؤجر (1).

______________________________

يقارن طول المدّة، فإنّه يرد عليه أنّ حصول العلم في مثله ممنوع، و قد ثبت إخبار بعض المطبوعات بحصول الحياة العادية للأفراد الكذائية و لو بعد سنين متمادية، و على تقدير حصول العلم لا يكون الموجب للدية العلم بانجرار الجناية إلى الموت، بل الموجب هو الموت الواقعي الخارجي،

فلا مجال للرهن على الدية قبل تحقّقها.

و كذا يترتّب على أصل المسألة: عدم جواز الرهن على مال الجعالة قبل تمام العمل؛ لأنّه يمكن له رفع اليد عن الإتمام، أو تحقّق الموت أوّلا و عدم تحقّق الاستحقاق قبل تمام العمل ثانيا، فلا يجوز الرهن عليه، و هكذا. نعم، في مورد مال الإجارة حيث تتحقّق الملكية بنفس عقد الإجارة يجوز الرهن بعد عقدها.

(1) كما عرفت أنّه يصحّ في الإجارة أن يأخذ المؤجر الرهن على الاجرة الثابتة في ذمّة المستأجر بنفس عقد الإجارة بعد تحقّقها، كذلك في الإجارة على الأعمال- التي يشرع في العمل بعد تحقّق الإجارة، غاية الأمر استحقاق المستأجر العمل على عهدة الأجير بنفس عقد الإجارة مباشرة في بعض الموارد، و أعمّ منها في بعض الموارد الاخر، كما قد فصّل في كتاب الإجارة «1»- يجوز للمستأجر أخذ الرهن من الأجير لئلّا يتحقّق منه العمل على طبق الإجارة، و الوجه فيه اتّحاد العلّة مع الفرض السابق، و عدم ثبوت الفرق أصلا. نعم، لا يجري ذلك في إجارة الأعيان كما هو واضح.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 251- 262.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 249

[مسألة 12: الظاهر أنّه يصحّ الرهن على الأعيان المضمونة]

مسألة 12: الظاهر أنّه يصحّ الرهن على الأعيان المضمونة، كالمغصوبة و العارية المضمونة و المقبوض بالسّوم و نحوها، و أمّا عهدة الثمن أو المبيع أو الاجرة أو عوض الصلح و غيرها- لو خرجت مستحقّة للغير- فالأقوى عدم صحّته عليها (1).

[مسألة 13: لو اشترى شيئا بثمن في الذمّة]

مسألة 13: لو اشترى شيئا بثمن في الذمّة جاز جعل المبيع رهنا على الثمن (2).

______________________________

(1) لعلّ الوجه في صحّة الرهن على الأعيان المضمونة كالمغصوبة و نحوها ممّا هو مذكور في المتن، إمّا أولويّتها من الدّين الثابت على العهدة و المستقرّ في الذمّة، و إمّا لثبوتها بأنفسها على العهدة، كما هو التحقيق في مقتضى قاعدة ضمان اليد الثابت بمثل قوله صلّى اللّه عليه و آله: على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي «1»، و إمّا عدم الاختصاص بالدين لعدم قيام دليل عليه، مضافا إلى ثبوت حقيقة الرهن بالإضافة إلى كليهما، كما لا يخفى.

و أمّا عدم صحّة الرهن على عهدة الثمن الشخصي، أو المبيع كذلك، أو الاجرة، أو عوض الصلح فيما إذا كانا كذلك لو خرجت هذه الامور مستحقّة للغير، فالوجه فيه عدم معلوميّة الحال و عدم ثبوت كونها مستحقّة للغير في حال الرهن، و على تقدير الثبوت بعدا لكشف ذلك عن بطلان المعاملة؛ بيعا كانت أو إجارة أو صلحا، فلا يجوز أيضا؛ لأنّ الرهن على دين يمكن أن يثبت بعد ذلك غير جائز، كما مرّ من لزوم أن يكون الرهن على دين ثابت في الذمّة، و لعلّه لما ذكر قد قوّى في المتن عدم الصحّة.

(2) لو اشترى شيئا بثمن في الذمّة نسيئة و تمّت المعاملة جاز للمشتري جعل

______________________________

(1) تقدم في ص 69.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 250

[مسألة 14: لو رهن على دينه رهنا ثمّ استدان مالا آخر من المرتهن]

مسألة 14: لو رهن على دينه رهنا ثمّ استدان مالا آخر من المرتهن، جاز جعل ذلك الرهن رهنا على الثاني أيضا، و كان رهنا عليهما معا؛ سواء كان الثاني مساويا للأوّل في الجنس و القدر أو مخالفا، و كذا له أن يجعله على

دين ثالث و رابع إلى ما شاء. و كذا إذا رهن شيئا على دين جاز أن يرهن شيئا آخر على ذلك الدّين، و كانا جميعا رهنا عليه (1).

______________________________

المبيع رهنا على الثمن تحصيلا للاستيثاق؛ لفرض صيرورته ملكا له بمجرّد تماميّة المعاملة، و خروجه عن ملك البائع بعدها، و لا فرق في جواز الرهن على الثمن بين المبيع و بين غيره من الامور المرتبطة بالمشتري.

(1) قد تعرّض في هذه المسألة لفرعين:

أحدهما: أنّه لو رهن على دينه شيئا يكون مملوكا للراهن مثلا، ثمّ استدان مالا آخر من نفس ذلك المرتهن، يجوز مع رضا المرتهن أن يجعل الرهن الأوّلي رهنا على الثاني أيضا؛ لعدم كون تعلّق حقّ الرهن به مانعا عن ذلك، و ليس فيه تفويت حقّ المرتهن بوجه مع رضاه بذلك، خصوصا مع كونه أضعاف الدّين الأوّلي، و هذا لا فرق فيه بين كون الدّين الثاني مساويا للأوّل في الجنس و القدر، أو مخالفا فيهما أو في أحدهما، و هذا الملاك جار في جعل الرهن الأوّلي رهنا على الدّين الثالث أو الرابع و هكذا؛ لعدم الفرق و لأنّ الأمر لا يعدوهما، فرضاهما بذلك كاف، كما لو فرض رضا المرتهن بالدّين الثاني و هكذا من دون رهن.

ثانيهما: أنّه إذا رهن شيئا على دين جاز له أن يضمّ إليه شيئا آخر؛ لحصول الاطمئنان الكامل و الاستيثاق التامّ، خصوصا مع كون الرهن الأوّل أقلّ من الدين بمراتب، و الوجه فيه ما ذكرناه من أنّ الحقّ لا يعدوهما، و أنّ الرهن إنّما هو وثيقة

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 251

[مسألة 15: لو رهن شيئا عند زيد ثمّ رهنه عند آخر أيضا باتّفاق من المرتهنين]

مسألة 15: لو رهن شيئا عند زيد ثمّ رهنه عند آخر أيضا باتّفاق من المرتهنين كان

رهنا على الحقّين، إلّا إذا قصدا بذلك فسخ الرهن الأوّل و كونه رهنا على خصوص الثاني (1).

[مسألة 16: لو استدان اثنان من واحد كلّ منهما دينا، ثمّ رهنا عنده مالا مشتركا بينهما و لو بعقد واحد، ثمّ قضى أحدهما دينه]

مسألة 16: لو استدان اثنان من واحد كلّ منهما دينا، ثمّ رهنا عنده مالا مشتركا بينهما و لو بعقد واحد، ثمّ قضى أحدهما دينه انفكّت حصّته عن الرهانة. و لو كان الراهن واحدا و المرتهن متعدّدا؛ بأن كان عليه دين لاثنين فرهن

______________________________

للدّين الثابت على ذمّة الراهن، فلا مانع من الانضمام، و عليه: فيكونان جميعا رهنا على الدّين الواحد مترتّبا على كلّ واحد منهما أحكام العين المرهونة التي سيأتي التعرّض لها إن شاء اللّه تعالى، و على ما ذكرنا يجوز ضمّ شي ء ثالث أو رابع و هكذا؛ لعدم الفرق و وحدة الملاك كما لا يخفى، و لأجل ما ذكر يجوز للمرتهن بعد تحقّق الارتهان بشرائطه فسخ الرهن و ردّ العين المرهونة إلى الراهن مع كون الدّين باقيا ثابتا في الذمّة، و عليه فلا حقّ للمرتهن بعد ذلك، بل له أداء دينه في ظرفه.

(1) لو رهن شيئا عند زيد مثلا ثمّ رهنه عند عمرو كذلك باتّفاق من المرتهنين، فتارة يكون المقصود فسخ الرهن الأوّل و كونه رهنا على خصوص الثاني، فلا مانع من ذلك و إن كان الرهن لازما من ناحية الراهن و جائزا من ناحية المرتهن كما سيأتي «1»، و إن كان المقصود ثبوته رهنا على الحقّين و على الدّين الثاني كالدّين الأوّل، فلا مانع من ذلك بعد ما عرفت من أنّ الحقّ لا يعدوهما، و جواز كون شي ء واحد رهنا على الحقّين و إن كانا مترتّبين كما تقدّم في المسألة السابقة.

______________________________

(1) في ص 255.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 252

شيئا عندهما بعقد واحد،

فكلّ منهما مرتهن للنصف مع تساوي الدّين، و مع التفاوت فالظاهر التقسيط و التوزيع بنسبة حقّهما، فإن قضى دين أحدهما انفكّ عن الرهانة ما يقابل حقّه. هذا كلّه في التعدّد ابتداء، و أمّا التعدّد الطارئ فالظاهر أنّه لا عبرة به، فلو مات الراهن عن ولدين لم ينفكّ نصيب أحدهما بأداء حصّته من الدّين، كما أنّه لو مات المرتهن عن ولدين فاعطي أحدهما نصيبه من الدّين لم ينفكّ بمقداره من الرّهن (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروض:

الأوّل: لو استدان اثنان من واحد كلّ منهما دينا مستقلّا غير مرتبط أحدهما بالآخر، ثمّ رهنا عنده مالا مشتركا بينهما، كما إذا اشتراه بالشركة ثمّ قضى أحدهما دينه أو فكّ المرتهن الرهن بالإضافة إلى حصّته، انفكّت حصّته فقط عن الرهانة و يصير ملكا طلقا له.

الثاني: لو كان الراهن واحدا و المرتهن متعدّدا، كما عرفت فرضه في المسألة السابقة، و ذكر فرضا آخر له في المتن؛ و هو أنّه كان عليه دين لاثنين فرهن شيئا عندهما بعقد واحد، فإن كان الدينان متساويين يكون كلّ منهما مرتهنا بالإضافة إلى النصف، و إن لم يكن الدينان متساويين فاستظهر في المتن التقسيط و التوزيع بنسبة حقّهما و هو كذلك؛ فإنّه لا مجال لتوهّم كون دين أحدهما عشرة أضعاف الدّين الآخر، و يكون بالإضافة إلى الرهن متساويين، فإنّه و إن كان لا تعتبر المماثلة بين الدّين و الرهن من جهة المالية، إلّا أنّ المنساق إلى الذهن في الفرض المزبور التقسيط و التوزيع بالنسبة، و إن لم يقع التصريح بذلك لا من الراهن و لا من المرتهنين، و فرّع عليه في المتن أنّه إن قضى دين أحدهما انفكّ عن الرهانة ما يقابل حقّه نصفا كان أو غيره.

تفصيل

الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 253

[مسألة 17: لا يدخل الحمل الموجود في رهن الحامل]

مسألة 17: لا يدخل الحمل الموجود في رهن الحامل، و لا الثمر في رهن الشجر إلّا إذا كان تعارف يوجب الدخول أو اشترط ذلك، و كذا لا يدخل ما يتجدّد إلّا مع الشرط. نعم، الظاهر دخول الصوف و الشعر و الوبر في رهن الحيوان، و كذا الأوراق و الأغصان حتّى اليابسة في رهن الشجر. و أمّا اللبن في

______________________________

الثالث: ما ذكر من التقسيط و التوزيع بالنسبة في الفرض الثاني إنّما هو فيما إذا كان التعدّد من حيث الابتداء، و أمّا فيما إذا كان التعدّد طارئا فاستظهر في المتن أنّه لا عبرة بتساوي الدينين و اختلافهما، و يمكن أن يقال: إنّه حيث يكون الرهن الثاني بإذن المرتهن الأوّل لا محالة، فلا مانع من أن يكون مرجع إذنه إلى التوزيع بالنسبة، كصورة التعدّد من الابتداء من دون فرق بين الصورتين، و فرّع في المتن على ما أفاده أنّه لو مات الراهن عن ولدين لم ينفكّ نصيب أحدهما بأداء حصّته من الدّين، كما أنّه لو مات المرتهن عن ولدين فاعطي أحدهما نصيبه من الدّين لم ينفكّ بمقداره من الرّهن.

و الوجه في الأوّل: أنّ الرهن كان في مقابل مجموع الدّين من حيث المجموع، فما دام لم يتحقّق أداؤه بأجمعه لا ينفكّ شي ء من الرهن، و إلّا لكان اللازم الالتزام بأنّه لو أدّى الراهن، بنفسه بعض الدّين انفكّ بعض الرهن، و الظاهر أنّه لا يلتزم بذلك أحد، ففي الفرض مع موت الراهن عن ولدين لو أدّى أحدهما حصّته من الدّين لا ينفكّ شي ء من الرهن، خصوصا مع لزومه من طرف الراهن كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى، و الوجه في

الثاني ما ذكرنا أيضا من كون الرهن في مقابل مجموع الدّين من حيث المجموع، فلا يكفي في فكّ بعض الرهن أداء مقدار الدّين و لو كان الديّان متعدّدين بقاء، و يمكن أن يقال: إنّ المراد بالتعدّد الطارئ الذي استظهر أنّه لا عبرة به، هو مثل الفرعين الأخيرين، و إلّا فالإشكال الذي ذكرناه يبقى بحاله.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 254

الضرع و مغرس الشجر و أسّ الجدار- أعني موضع الأساس من الأرض- ففي دخولها تأمّل و إشكال، و لا يبعد عدم الدخول و إن كان الأحوط التصالح و التراضي (1).

[مسألة 18: الرهن لازم من جهة الراهن، و جائز من طرف المرتهن]

مسألة 18: الرهن لازم من جهة الراهن، و جائز من طرف المرتهن، فليس للرّاهن انتزاعه منه بدون رضاه إلّا أن يسقط حقّه من الارتهان، أو ينفكّ الرهن بفراغ ذمّة الراهن من الدّين. و لو برئت ذمّته من بعضه فالظاهر بقاء الجميع رهنا على ما بقي، إلّا إذا اشترط التوزيع فينفكّ منه على مقدار ما برئ منه، و يبقى

______________________________

(1) لا يدخل الحمل الموجود حال الرهن في رهن الحامل، و لا الثمرة المتحقّقة في رهن أصل الشجر إلّا في صورة التعارف أو الاشتراط؛ لأنّه في غير الصورتين لا تكون ملازمة و لا تبعيّة، فإنّ العين المرهونة إنّما هي ذات الحامل لا مع الحمل، و الشجرة لا مع الثمرة عليها. و منه يظهر عدم دخول الحمل المتجدّد، و كذا الثمرة المتجدّدة في الرهن في غير الصورتين. نعم، يدخل في رهن الحيوان الصوف و الشعر و الوبر، و كذا الأغصان و الأوراق حتّى اليابسة في رهن الشجر؛ لكونها جزءا منهما لا مغايرا لهما، و قد تأمّل و استشكل في دخول اللبن في الضرع و مغرس

الأشجار و أسّ الجدار؛ أعني موضع الأساس من الأرض، و نفى البعد عن عدم الدخول و إن احتاط استحبابا بالتصالح و التراضي.

و الوجه في نفي البعد عن عدم الدخول مغايرة العين المرهونة مع هذه الامور؛ لأنّ الجدار مغاير لأساسه من الأرض، و كذا مغرس الشجر مع الشجر، و كذا اللبن مع الحيوان، لكن حيث إنّ الجدار لا يقوم بدون الأساس، و كذا الشجر بدون المغرس، و كذا اللبن الموجود في الضرع تابع للحيوان، يمكن أن يقال بالدخول، و مع ذلك فمقتضى الاحتياط التصالح كما أفاد قدّس سرّه.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 255

رهنا على مقدار ما بقي، أو شرطا كونه رهنا على المجموع من حيث المجموع، فينفكّ الجميع بالبراءة من بعضه (1).

______________________________

(1) لا ينبغي الإشكال في لزوم الرهن من طرف الراهن، و إلّا فلا يجتمع مع كونه وثيقة للدّين و موجبا لاطمئنان المرتهن، و يترتّب على ذلك أنّه لا يجوز للراهن الانتزاع منه بدون رضاه و إسقاط حقّه، أو إفراغ ذمّة الراهن من جميع الدّين؛ لأنّ له إسقاط حقّه في الصورة الاولى، و لا يبقى مجال لعنوان الوثيقة بعد أداء الدّين بأجمعه و فراغ ذمّة الراهن كذلك، و لا يكون الرهن لازما من جهة المرتهن؛ لأنّه أيضا مقتضى كونه وثيقة عنده، ففي الحقيقة يكون له هذا الحقّ؛ و هو ثبوت الرهن عنده مع الأحكام الخاصّة المترتّبة عليه، و يمكن له إسقاط هذا الحقّ؛ لأنّ أقلّ آثار الحقّ جواز الإسقاط، فلا يبقى موضوع للرهن مع إسقاطه و هو واضح.

ثمّ إنّه تعرّض في الذيل بما إذا برئت ذمّة الراهن من بعض الدّين بأداء أو إبراء أو نحوهما، و استظهر بقاء الجميع رهنا

على ما بقي، إلّا إذا اشترط التوزيع فينفكّ منه على مقدار ما برئ منه، و يبقى رهنا على مقدار ما بقي، أو شرطا كونه رهنا على المجموع من حيث المجموع، فينفكّ الجميع بالبراءة من بعضه، و في صورة عدم الاشتراط بأحد النحوين المذكورين لا تكفي البراءة من البعض في انفكاك الرهن بالإضافة، بل مجموع العين باق على الرهنيّة و إن تحقّقت البراءة بالإضافة إلى البعض، لأنّ ظاهر الرهن كونه وثيقة على الدّين ما دام كونه باقيا و لو ببعضه.

نعم، إذا أسقط المرتهن حقّه من الرهن في مقابل أداء البعض مطلقا أو بالنسبة، فالظاهر صحّة الإسقاط؛ لأنّ ذلك مقتضى عدم اللزوم من ناحيته، و لا يترتّب على التبعيض في مثل المقام من ناحية المرتهن أثر من ثبوت خيار و نحوه، بل كما عرفت أنّ للمرتهن إسقاط حقّه من الكلّ أو البعض، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 256

[مسألة 19: لا يجوز للرّاهن التصرّف في الرهن إلّا بإذن المرتهن]

مسألة 19: لا يجوز للرّاهن التصرّف في الرهن إلّا بإذن المرتهن؛ سواء كان ناقلا للعين كالبيع، أو المنفعة كالإجارة، أو مجرّد الانتفاع به و إن لم يضرّ به، كالركوب و السكنى و نحوها. نعم، لا يبعد الجواز فيما هو بنفع الرهن إذا لم يخرج من يد المرتهن بمثله، كسقي الأشجار و علف الدابّة و مداواتها و نحو ذلك، فإن تصرّف فيما لا يجوز بغير الناقل أثم، و لم يترتّب عليه شي ء إلّا إذا كان بالإتلاف، فيلزم قيمته و تكون رهنا. و إن كان بالبيع أو الإجارة أو غيرهما من النواقل وقف على إجازة المرتهن، ففي مثل الإجارة تصحّ بالإجازة و بقيت الرهانة على حالها، بخلافها في البيع، فإنّه يصحّ بها و تبطل الرهانة،

كما أنّها تبطل بالبيع إذا كان عن إذن سابق من المرتهن (1).

______________________________

(1) أمّا عدم جواز التصرّف في الرهن للراهن، فلما عرفت من لزوم عقد الرهن من ناحيته و التصرّف ينافي ذلك؛ سواء كان ناقلا للعين كالبيع، أو المنفعة كالإجارة، أو مجرّد الانتفاع بها كالعارية، كلّ ذلك لأجل منافاته للزوم من قبله و إن لم يكن التصرّف موجبا للإضرار بالرهن، كالركوب و السكنى و نحوهما. نعم، حيث تكون العين المرهونة متعلّقة لحقّ المرتهن- من دون أن تكون مملوكة له- تصحّ التصرّفات المذكورة مع إذن المرتهن، و قد وقع البحث عن هذه المسألة في متاجر الشيخ الأعظم قدّس سرّه و غيره «1».

هذا كلّه في التصرّف بغير الإتلاف. و أمّا التصرّف به فهو و إن لم يكن إتلافا مشمولا لقاعدة الإتلاف الجارية في إتلاف مال الغير، إلّا أنّه حيث يكون موجبا

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم): 4/ 153- 166، النهاية في مجرّد الفقه و الفتاوى: 433، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 266، شرائع الإسلام: 2/ 81- 82، الجامع للشرائع: 288، قواعد الأحكام: 2/ 114، تحرير الأحكام: 2/ 488- 491.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 257

[مسألة 20: لا يجوز للمرتهن التصرّف في الرهن بدون إذن الراهن]

مسألة 20: لا يجوز للمرتهن التصرّف في الرهن بدون إذن الراهن، فلو تصرّف فيه بركوب أو سكنى و نحوهما ضمن العين لو تلفت تحت يده للتعدّي، و لزمه اجرة المثل لما استوفاه من المنفعة، و لو كان ببيع و نحوه أو بإجارة و نحوها وقع فضوليّا، فإن أجازه الراهن صحّ و كان الثمن و الاجرة المسمّاة له، و كان الثمن رهنا في البيع، لم يجز لكلّ منهما التصرّف فيه إلّا بإذن الآخر، و بقى العين رهنا في الإجارة، و

إن لم يجز كان فاسدا (1).

______________________________

لانتفاء موضوع الرهن مع لزوم الرهن من قبل الراهن يكون ذلك موجبا للإثم، و اللازم أداء قيمته لأن تكون رهنا.

ثمّ إنّه نفى البعد عن جواز التصرّف مع اجتماع أمرين: أحدهما أن يكون التصرّف بنفع الرهن، ثانيهما عدم كونه موجبا للخروج عن يد المرتهن، كسقي الأشجار و علف الدواب و مداواتها و نحو ذلك، و الوجه في عدم البعد- مضافا إلى عدم منافاة هذا النحو من التصرّف لحقّ المرتهن- يكون ذلك موجبا لبقاء العين المرهونة سالمة.

ثمّ إنّه قدّس سرّه فصّل في الذيل بين البيع و الإجارة؛ بأنّ الإجازة اللّاحقة أو الإذن السابق في البيع يوجب بطلان الرهانة لانتفاء موضوعها، و الفرض تحقّقه بالإذن أو الإجازة، و أمّا الإجارة فالإذن السابق أو الإجازة اللاحقة يوجب صحّة الإجارة، و لا يوجب بطلان الرهانة بل هي باقية بحالها، خصوصا إذا انقضت مدّة الإجارة قبل حلول أجل الدّين الثابت على الذمّة، الذي لا بدّ في تحقّق الرهن من ثبوته كما عرفت «1».

(1) أمّا عدم جواز تصرّف المرتهن في الرهن بشي ء من التصرّفات، فلأنّه

______________________________

(1) في ص 246- 247.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 258

[مسألة 21: منافع الرهن كالسكنى و الركوب]

مسألة 21: منافع الرهن كالسكنى و الركوب، و كذا نماءاته المنفصلة كالنتاج و الثمر و الصوف و الشعر و الوبر، و المتّصلة كالسمن و الزيادة في الطول و العرض، كلّها للراهن؛ سواء كانت موجودة حال الارتهان أو وجدت بعده، و لا يتبعه في الرّهانة إلّا نماءاته المتّصلة، و كذا ما تعارف دخوله فيه بنحو يوجب التقييد (1).

______________________________

لا يكون مالكا له، بل إنّما هي وثيقة للدّين يتبعها الأحكام الآتية إن شاء اللّه تعالى.

نعم، لا مانع من التصرّف

إذا كان مسبوقا بإذن الراهن، فلو تصرّف فيه بأيّ نحو من التصرّف و لو بمثل الركوب يصير متعدّيا و عليه الضمان لو تلفت العين المرهونة بسببه، كما أنّ عليه اجرة المثل لما استوفاه من المنفعة بدون الإذن، و لو كان تصرّف المرتهن بمثل البيع و الإجارة تكون المعاملة فضولية تحتاج إلى إجازة الراهن؛ لأنّه المالك، فإن كان التصرّف المذكور بيعا أو إجارة أو نحوهما يكون الثمن و الاجرة المسمّاة للراهن المالك، و الفرق بين البيع و الإجارة أنّه في البيع يصير الثمن رهنا فلا يجوز لكلّ منهما التصرّف فيه كما في أصل الرّهن، و في الإجارة تبقى العين بعنوان الرهن و إن كان مال الإجارة للراهن، و المفروض عروض الإجازة لها، و ممّا ذكرنا ظهر أنّه مع عدم تحقّق الإجازة من الراهن المالك يكون البيع أو الإجارة فاسدا.

(1) منافع الرهن إنّما هي مثل الرهن في كونه ملكا للراهن، من دون فرق بين مثل السكنى و الركوب، و بين نماءاته المنفصلة كالنتاج و الثمر و الصوف و الشعر و الوبر، و بين نماءاته المتّصلة كالسمن في الحيوان و الزيادة في الطول و العرض في مثل الشجر، و كذا لا فرق بين المنافع الموجودة حال الارتهان و المتجدّدة بعده،

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 259

[مسألة 22: لو رهن الأصل و الثمرة أو الثمرة منفردة صحّ]

مسألة 22: لو رهن الأصل و الثمرة أو الثمرة منفردة صحّ، فلو كان الدّين مؤجّلا و أدركت الثمرة قبل حلول الأجل، فإن كانت تجفّف و يمكن إبقاؤها بالتجفيف جفّفت و بقيت على الرهن، و إلّا بيعت و كان الثمن رهنا إذا استفيد من شرط أو قرينة أنّها رهن بماليّتها (1).

[مسألة 23: لو كان الدّين حالّا، أو حلّ و أراد المرتهن استيفاء حقّه]

مسألة 23: لو كان الدّين حالّا، أو حلّ و أراد المرتهن استيفاء حقّه، فإن

______________________________

ضرورة أنّ كلّها تابع لملكيّة العين الثابتة للراهن، و أمّا التبعيّة في الرهن فتختصّ بالنماءات المتّصلة غير المنفصلة عنها، و كذا بما تعارف دخوله فيه بنحو يكون مثل الاشتراط، كالحمل على ما عرفت في بعض المسائل السابقة «1»، فراجع.

(1) يجوز رهن الثمرة على الشجرة؛ سواء كانت مستقلّة أو مع أصلها منضمّة، و حينئذ فلو كان الدّين مؤجّلا و لكن أدركت الثمرة قبل حلول الأجل، و لا محالة تفسد مع البقاء إلى حلول الأجل، فإن أمكن إبقاء الثمرة بالتجفيف جفّفت و بقيت الثمرة مجفّفة على الرهن، و يمكن الاستشكال في إطلاق الحكم بالإضافة إلى صورة قلّة القيمة بالتجفيف، إلّا أن يقال: إنّ علم الراهن بإدراك الثمرة قبل حلول الأجل، و بناءه على عدم الأداء قبله لازم للإذن بالبيع مع الجفاف و لو مع قلّة القيمة، و إن لم يمكن الإبقاء مع التجفيف تباع الثمرة و يكون الثمن رهنا، لكن قيّده في المتن بما إذا استفيد من شرط أو قرينة أنّ الثمرة رهن بماليّتها، و لعلّ مفهومه بطلان الرهن مع العلم بحصول الجفاف قبل حلول الأجل و عدم إمكان التجفيف و عدم كون الثمرة رهنا بماليّتها.

______________________________

(1) في ص 253- 254 مسألة 17.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 260

كان وكيلا

عن الراهن في بيع الرهن و استيفاء دينه منه، فله ذلك من دون مراجعة إليه، و إلّا ليس له أن يبيعه، بل يراجعه و يطالبه بالوفاء و لو ببيع الرهن أو توكيله فيه، فإن امتنع رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه بالوفاء أو البيع، فإن امتنع على الحاكم إلزامه باعه عليه بنفسه أو بتوكيل الغير، و إن لم يمكن ذلك لعدم بسط يده استأذن المرتهن منه للبيع. و مع فقد الحاكم أو عدم إمكان الإذن منه باعه المرتهن و استوفى حقّه من ثمنه إن ساواه، أو بعضه إن كان أقلّ، و إن كان أزيد فهو أمانة شرعيّة يوصله إلى صاحبه (1).

[مسألة 24: لو لم يكن عند المرتهن بيّنة مقبولة لإثبات دينه]

مسألة 24: لو لم يكن عند المرتهن بيّنة مقبولة لإثبات دينه، و خاف من أنّه

______________________________

(1) لو كان الدّين حالّا، أو حلّ و لم يؤدّ الراهن الدّين و أراد المرتهن استيفاء حقّه، فإن كان وكيلا عن الراهن في بيع الرهن و استيفاء دينه عنه؛ بمعنى كونه وكيلا عنه في صورة عدم الأداء من دون مراجعة إلى الراهن، فللمرتهن ذلك بمقتضى الوكالة، و إن لم يكن وكيلا عنه كذلك لا يكون له حقّ البيع لأنّه بيع مال الغير، بل يراجع الراهن و يطالبه بالوفاء، و لو بأن يبيع بنفسه الرهن أو يوكّل غيره في ذلك، فإن امتنع الراهن من ذلك يرفع لا محالة أمره إلى الحاكم، و هو يلزمه بالوفاء أو البيع ثمّ الأداء، فإن امتنع على الحاكم الإلزام به باعه الحاكم بنفسه أو بتوكيل الغير و لو كان هو المرتهن، و إن لم يمكن للحاكم ذلك لعدم بسط يده استأذن المرتهن منه البيع، و في صورة فقد الحاكم أو عدم إمكان الإذن منه باعه المرتهن و

استوفى حقّه من الثمن لو كان مساويا للدّين أو أقلّ، و لو كان الدّين أقلّ من الثمن يبقى الزائد عن الدّين في يده أمانة من طرف الشارع يجب عليه الإيصال إلى صاحبه الذي هو الراهن، و الوجه في جميع ذلك واضح.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 261

لو اعترف عند الحاكم بالرهن جحد الراهن الدّين فأخذ منه الرهن بموجب اعترافه و طولب منه البيّنة على حقّه، جاز له بيع الرهن من دون مراجعة إلى الحاكم. و كذا لو مات الراهن و خاف المرتهن جحود الوارث (1).

______________________________

(1) لو لم يكن عند المرتهن بيّنة مقبولة لإثبات الدّين و كون ما عنده رهنا عليه مع رضا المالك، و خاف من أنّه لو اعترف عند الحاكم بالرهن جحد الراهن أصل الدّين الذي يكون مقتضى الأصل عدمه، و في هذه الصورة يثبت الحكم بنفعه؛ لعدم وجود البيّنة المقبولة للمرتهن الذي هو المدّعي؛ لأنّ مرجع الاعتراف بالرهن إلى كونه ملكا للراهن دونه، و مع هذا الاعتراف لا مجال لليد التي هي أمارة على الملكيّة، فيكون قوله مخالفا للأصل، و العنوان المنطبق عليه عنوان المدّعي الذي عليه إقامة البيّنة و المفروض عدمها، و حينئذ يجوز للمرتهن بيع الرهن من دون مراجعة إلى الحاكم فيما إذا كان معتقدا في مقام الثبوت بثبوت الدين، و كون ملك الغير عنده رهنا في مقابل الدين، ضرورة أنّ البحث إنّما هو في صورة تماميّة الأمر من جهة مقام الثبوت. غاية الأمر عدم القدرة على الإثبات عند الحاكم؛ لعدم البيّنة المقبولة على الدعوى كما هو المفروض.

و كذا لو لم يكن الراهن منكرا للدّين و الرهن، و لكنّه عرض له الموت و خاف المرتهن جحود

الوارث، فيجوز له بيع الرهن من دون مراجعة الحاكم؛ لأنّه لا دليل له على إثبات دعواه.

و ممّا ذكرنا ظهر الحكم فيما إذا لم يكن الراهن منكرا للدّين، بل منكرا لكون المال عنده رهنا و لا يكون للمرتهن دليل على ذلك، فإنّه في هذه الصورة يجوز له مراجعة الحاكم حتّى يلزمه بالوفاء و لو بأن يبيع مال الراهن الذي ينكر كونه رهنا، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 262

[مسألة 25: لو و فى بيع بعض الرهن بالدّين اقتصر عليه على الأحوط]

مسألة 25: لو و فى بيع بعض الرهن بالدّين اقتصر عليه على الأحوط لو لم يكن الأقوى، و بقي الباقي أمانة عنده، إلّا إذا لم يمكن التبعيض و لو من جهة عدم الراغب، أو كان فيه ضرر على المالك فيباع الكلّ (1).

[مسألة 26: لو كان الرهن من مستثنيات الدّين]

مسألة 26: لو كان الرهن من مستثنيات الدّين- كدار سكناه و دابّة ركوبه- جاز للمرتهن بيعه و استيفاء طلبه منه كسائر الرهون، لكن الأولى الأحوط عدم إخراجه من ظلّ رأسه (2).

______________________________

(1) لو فرض أنّ بيع بعض الرهن يفي بالدّين و يساويه، ففي المتن أنّ الأحوط لو لم يكن الأقوى الاقتصار على بيع البعض؛ لأنّ الغرض من الرهن هو وفاء الدّين منه لئلّا يذهب دين المرتهن بحيث لا يكون في مقابله شي ء، فإذا كان بيع البعض وافيا بهذا الغرض فلا مجال لبيع الجميع مع كونه ملكا للغير الرّاهن، لكن هذا فيما إذا أمكن التبعيض في البيع من جهة الراغب و عدم توجّه ضرر على المالك، كما إذا كان عنده رهن صبرة من حنطة مثلا، و يفي بيع النصف بالدّين و يساويه، و أمّا إذا لم يمكن التبعيض إمّا من جهة عدم الراغب، أو من جهة توجّه ضرر على المالك مع بيع البعض، كما لو فرض أنّ عنده رهن دار محقّرة تكون قيمتها ضعف الدّين، لكن التبعيض في بيع الدار الكذائيّة إمّا لا راغب فيها، و إمّا أن يكون موجبا لضرر المالك، فإنّه يجوز في هذه الصورة أداء الزائد عن الدّين إلى الراهن، و الوجه فيه واضح.

(2) لو كان الرهن من مستثنيات الدّين؛ كدار سكناه أو دابّة ركوبه أو مثل ذلك، فهل يجوز للمرتهن بيعه و استيفاء دينه منه كسائر الرهون غير المستثناة من الدّين،

أم لا يجوز؟ ربما يتوهّم عدم الجواز؛ لأنّ المفروض كونه من المستثنيات، فلا يجوز

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 263

[مسألة 27: لو كان الراهن مفلّسا، أو مات و عليه ديون للناس]

مسألة 27: لو كان الراهن مفلّسا، أو مات و عليه ديون للناس، كان المرتهن أحقّ من باقي الغرماء باستيفاء حقّه من الرهن، فإن فضل شي ء يوزّع على الباقين بالحصص، و لو نقص الرهن عن حقّه استوفى ما يمكن منه، و يضرب بما بقي مع الغرماء في سائر أموال الراهن (1).

[مسألة 28: الرهن أمانة في يد المرتهن لا يضمنه لو تلف أو تعيّب من دون تعدّ و تفريط.]

مسألة 28: الرهن أمانة في يد المرتهن لا يضمنه لو تلف أو تعيّب من دون تعدّ و تفريط. نعم، لو كان في يده مضمونا لكونه مغصوبا أو عارية مضمونة مثلا، ثمّ ارتهن عنده لم يزل الضمان إلّا إذا أذن له المالك في بقائه تحت يده، فيرتفع الضمان على الأقوى. و كذا لو استفيد الإذن في بقائه في المورد من

______________________________

بيعه في الدّين، لكنّ الظاهر هو الجواز كما في المتن؛ لأنّ رضا الراهن في رهنه و إذنه في ذلك مستلزم للرضا بالبيع. و بعبارة اخرى: عدم الجواز لا يلائم الرهنية و كونه وثيقة للدّين، فجواز رهنه كاشف عن جواز بيعه مع عدم الأداء.

و بعبارة ثالثة: ظاهر أدلّة الاستثناء المنع من البيع رغما للمالك و على خلاف نظره و رضاه، و إلّا فلا مجال للحكم بعدم الجواز مع رضاه بذلك كاملا، و في المقام جعل مثل ذلك رهنا دليل على موافقته مع البيع في صورة عدم الأداء، و لكن مع ذلك الأحوط الأولى عدم الإخراج من ظلّ رأسه كما في المتن، و الوجه فيه واضح.

(1) لو كان الراهن مفلّسا؛ أي عرض له الفلس بعد الرهن، أو مات و عليه ديون للناس مستغرقة لجميع أمواله، أو فاقدا للمال رأسا، يكون المرتهن أحقّ من باقي الغرماء لسبق حقّه بالرّهن، فله استيفاء حقّه أوّلا، فإن فضل شي ء يوزّع على الباقين بالحصص،

و لو نقص الرهن عن دين المرتهن استوفى ما يمكن عن الرهن، و يشترك مع الغرماء في سائر أموال الراهن لو كانت.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 264

ارتهانه، كما لا يبعد مع علم الراهن بالحال، و إذا انفكّ الرهن بسبب الأداء، أو الإبراء أو نحو ذلك يبقى أمانة مالكيّة في يده؛ لا يجب تسليمه إلى المالك إلّا مع المطالبة (1).

[مسألة 29: لا تبطل الرهانة بموت الراهن و لا بموت المرتهن]

مسألة 29: لا تبطل الرهانة بموت الراهن و لا بموت المرتهن، فينتقل الرهن إلى ورثة الراهن مرهونا على دين مورّثهم، و ينتقل إلى ورثة المرتهن حقّ الرهانة، فإن امتنع الراهن من استئمانهم كان له ذلك، فإن اتّفقوا على أمين، و إلّا سلّمه الحاكم إلى من يرتضيه، و إن فقد الحاكم فعدول المؤمنين (2).

______________________________

(1) المرتهن أمين لا يكون ضامنا في صورة التلف أو التعيّب إلّا مع التعدّي أو التفريط كسائر موارد الأمانات. نعم، لو كان في يد الراهن مضمونا لكونه مغصوبا، أو عارية مضمونة لا يكون الارتهان عنده موجبا لزوال الضمان إلّا إذا أذن له المالك في بقائه تحت يده، فيوجب ذلك ارتفاع الضمان؛ لأنّه إنّما هو لرعاية حقّ المالك، و مع الإذن من شخصه لا يبقى مجال للضمان، من دون فرق بين ما إذا صرّح بالإذن، و بين ما لو استفيد الإذن في بقائه في المورد من ارتهانه، كما لا يبعد مع علم الراهن بالحال، نظرا إلى أنّه مع عدم الإذن لا يجوز التصدّي لارتهانه؛ لعدم تحقّق الرهن مع عدم الإذن.

ثمّ إنّه إذا انفكّ الرهن بسبب أداء الدّين أو إبرائه أو نحو ذلك يبقى الرهن في يده أمانة مالكيّة، و لا يكون متعلّقا لحقّ المرتهن، و لازم الأمانة المالكيّة وجوب

التسليم إلى المالك في خصوص صورة المطالبة، و في صورة العدم لا يجب التسليم، و لا يتفرّع عليه ضمان إلّا مع التعدّي أو التفريط كما في سائر الموارد، فتدبّر.

(2) أمّا عدم البطلان بموت الراهن- فمضافا إلى لزوم الرهن من ناحيته

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 265

[مسألة 30: لو ظهر للمرتهن أمارات الموت]

مسألة 30: لو ظهر للمرتهن أمارات الموت يجب عليه الوصيّة بالرهن و تعيين المرهون و الراهن و الإشهاد كسائر الودائع، و لو لم يفعل كان مفرّطا و عليه ضمانه (1).

______________________________

كما عرفت «1»- أنّ البطلان بموته ينافي الاستيثاق المأخوذ في حقيقة الرهن، مع أنّ الراهن ربما يكون في فناء الموت، فالبطلان به ينافي الحقيقة. و أمّا عدم البطلان بموت المرتهن، فلأنّ العقد و إن كان جائزا من قبله، إلّا أنّ الجواز لا ينافي عدم البطلان، خصوصا مع عدم اطمئنان الوارث بوفاء الدّين من قبله، و في الصورة الاولى ينتقل الرهن إلى ورثة الراهن لكونه ملكا له، لكن اللازم البقاء على الرهنيّة في مقابل دين المورّث الذي انتقل إلى الورثة.

و في الصورة الثانية ينتقل إلى ورثة المرتهن حقّ الرهانة، فتارة يرضى الراهن بكونه رهنا عند ورثة المرتهن؛ لعدم الاطمئنان بهم مثلا، و اخرى لا يرضى بذلك، فإن رضى بذلك فلا مانع منه، و إن امتنع منه كان له ذلك؛ لأنّ المال متعلّق به، فإن اتّفقوا على أمين يكون المال عنده، و إلّا سلّمه الحاكم إلى من يكون مرضيّا له، و إن فقد الحاكم تصل النوبة إلى عدول المؤمنين.

(1) لو ظهر للمرتهن الذي يكون عنده الرهن أمارات الموت يجب عليه الوصية بالرهن و تعيين المرهون و الراهن و الإشهاد لو احتمل عدم العمل بالوصيّة أو مطلقا

و لو مع الاطمئنان به، كسائر الودائع الموجودة عند المستودع، و الوجه في ذلك أنّ عدم الوصية يجعل الرهن في معرض التلف و يقع في عداد أمواله، خصوصا مع اقتضاء قاعدة اليد الملكيّة، و الأصل عدم الرهانة، و لو لم يتحقّق الوصيّة من قبله

______________________________

(1) في ص 255.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 266

[مسألة 31: لو كان عنده رهن قبل موته، ثمّ مات و لم يعلم بوجوده في تركته- لا تفصيلا و لا إجمالا]

مسألة 31: لو كان عنده رهن قبل موته، ثمّ مات و لم يعلم بوجوده في تركته- لا تفصيلا و لا إجمالا- و لم يعلم كونه تالفا بتفريط منه، لم يحكم به في ذمّته و لا بكونه موجودا في تركته، بل يحكم بكونها لورثته، بل و كذلك على الأقوى لو علم أنّه قد كان موجودا في أمواله الباقية إلى بعد موته، و لم يعلم أنّه باق فيها أم لا، كما إذا كان سابقا في صندوقه داخلا في الأموال التي كانت فيه، و بقيت إلى زمان موته، و لم يعلم أنّه قد أخرجه و أوصله إلى مالكه، أو باعه و استوفى ثمنه، أو تلف بغير تفريط منه، أم لا (1).

______________________________

يكون مفرّطا، خصوصا في صورة عدم الاطمئنان، و يترتّب على التفريط الضمان لضمان الأمين مع التعدّي أو التفريط، كما هو المقرّر في القاعدة الفقهيّة العامّة «1».

(1) في هذه المسألة فروض:

الأوّل: لو كان عنده رهن قبل موته، ثمّ مات و لم يعلم بوجوده في تركته- لا تفصيلا و لا إجمالا- و لم يعلم كونه تالفا بتعدّ أو تفريط منه، لم يحكم بثبوت الرهن في ذمّته و لا بكونه موجودا في تركته، بل يحكم بكون جميع التركة لورثة المرتهن؛ لقاعدة اليد التي هي أمارة على الملكية، و لا يعارضها استصحاب بقاء

الرهن عنده؛ لأنّ الأصل لا يترتّب عليه أثر في مقابل الأمارة، كما هو المحقّق في محلّه «2».

الثاني: ما لو علم أنّه قد كان موجودا في أمواله الباقية إلى بعد موته، و لم يعلم أنّه باق فيها أم لا، كالمثال المفروض في المتن؛ و هو أنّه كان سابقا في صندوقه داخلا في الأموال التي كانت فيه، و بقيت إلى زمان موته، و لكنّه لم يعلم أنّه قد أخرجه عن

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه: 1/ 27- 43.

(2) معتمد الاصول: 1/ 491- 493.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 267

[مسألة 32: لو اقترض من شخص دينارا مثلا برهن، و دينارا آخر منه بلا رهن، ثمّ دفع إليه دينارا بنيّة الوفاء]

مسألة 32: لو اقترض من شخص دينارا مثلا برهن، و دينارا آخر منه بلا رهن، ثمّ دفع إليه دينارا بنيّة الوفاء، فإن نوى كونه عن ذي الرهن سقط و انفكّ رهنه، و إن نوى كونه عن الآخر لم ينفكّ و بقي دينه، و إن لم يقصد إلّا أداء دينار من الدينارين، من دون تعيين كونه عن ذي الرهن أو غيره، فهل يحسب ما دفعه لغير ذي الرهن فيبقى الرهن، أو لذي الرهن فينفكّ، أو يوزّع عليهما فيبقى الرهن أو ينفكّ بمقداره؟ وجوه، أوجهها بقاء الرهن إلى الفكّ اليقيني (1).

______________________________

الصندوق و أوصله إلى مالكه، أو باعه و استوفى ثمنه، أو تلف بغير تفريط منه، و قد قوّى في المتن جريان حكم الفرض الأوّل فيه أيضا، و السرّ فيه ما عرفت من جريان قاعدة اليد المقتضية للملكيّة.

الثالث: ما لم يقع التعرّض له في المتن و إن وقع التعرّض لمثله في موارد مختلفة؛ و هو العلم الإجمالي بوجوده في أمواله إلى ما بعد الموت، كوجوده في صندوقه مثلا، غاية الأمر عدم العلم به تفصيلا، و

الظاهر أنّه إن وقع توافق بين ورثة المرتهن، و بين الراهن على كون عين مخصوصة رهنا فلا مانع من ذلك، و إن لم يقع بينهما توافق من هذه الجهة، بل يدّعي كلّ غير ما يدّعي الآخر، فاللازم الرجوع إلى القرعة التي هي لكلّ أمر مشكل في حقوق الناس. نعم، إذا كان للراهن بيّنة على ارتهان شي ء مخصوص، أو للمرتهن بيّنة على عدمه، فاللازم الأخذ بالبيّنة التي هي رأس الأمارات في الموضوعات، فتدبّر.

و هنا فرض رابع؛ و هو العلم بوجود التلف في يد المرتهن، غاية الأمر أنّه لا يعلم كون تلفه بتعدّ أو تفريط أو بدونهما، فالحقّ مع من يدّعي عدم الضمان؛ لأنّ الأصل البراءة منه كما لا يخفى.

(1) لو اقترض من شخص دينارا مثلا برهن، و دينارا آخر منه بعد ذلك

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 268

..........

______________________________

بلا رهن، ثمّ دفع إلى المرتهن دينارا بنيّة الوفاء و أداء الدّين، ففيه صور:

الاولى: أن ينوي في مقام الأداء كونه عن ذي الرهن، كما لعلّه المتعارف، و المرتهن يعلم بذلك، ففي هذه الصورة سقط رهنه و انفكّ؛ لأنّ المفروض الوفاء بدينه.

الثانية: أن ينوي في ذلك المقام كونه عن الآخر، و المرتهن أيضا يعلم بذلك، ففي هذه الصورة لا يتغيّر الرهن عمّا هو عليه و لم ينفكّ، و بقي الدّين في مقابل الرهن.

الثالثة: أن ينوي دينارا من مجموع الدينارين، من دون تعيين و لو في النيّة كونه من ذي الرهن أو غيره، فقد احتمل فيها في المتن وجوها:

الأوّل: أنّه يحسب ما دفعه لغير ذي الرهن و إن كان بنيّة أداء الدّين، فيبقى الرهن على حاله من البقاء و عدم الفكّ؛ لأنّ الأداء الموجب للفكّ

يقينا هو الأداء في مقابل الرهن، و المفروض عدم تحقّقه.

الثاني: أنّه يقع لذي الرهن و يوجب سقوط الرهن و فكّه، و لعلّ وجهه هي الغلبة التي اشير إليها.

الثالث: التوزيع عليهما؛ لأنّ المفروض عدم تعيين أحدهما، فلا ترجيح في البين، فاللازم التوزيع عليهما، و في هذا الفرض إن كان الرهن في مقابل مجموع الدينار فحيث لم يتحقّق أداء المجموع يكون الرهن باقيا بحاله بأجمعه، أو ينفكّ الرهن بالمقدار الواقع من الدينار في مقابله، و قد أفاد في المتن أنّ في هذا الفرض وجوها، أوجهها بقاء الرهن إلى الفكّ اليقيني، و هو يتحقّق بنيّة كون الأداء في مقابل الرهن، و في غير هذا الفرض لا يتحقّق الفكّ اليقيني بالإضافة إلى المجموع، و مقتضى الاستصحاب أيضا ذلك، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 269

[كتاب الحجر]

اشارة

كتاب الحجر

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 271

[تعريف الحجر]

و هو في الأصل: بمعنى المنع، و شرعا: كون الشخص ممنوعا في الشرع عن التصرّف في ماله بسبب من الأسباب، و هي كثيرة نذكر منها ما هو العمدة؛ و هي الصغر، و السفه، و الفلس، و مرض الموت (1).

______________________________

(1) الحجر لغة بمعنى المنع، و الظاهر أنّ إطلاق الحجر و الحجارة على الحجر من هذا القبيل؛ لأنّ صلابته تمنع عن النفوذ فيه، و شرعا عبارة عن كون إنسان ممنوعا عن التصرّف في ماله أو ما يتعلّق به، كالذمّة و الشراء نسيئة بسبب من الأسباب، و هي كثيرة قد تعرّض الماتن قدّس سرّه لأربعة منها لكونها العمدة؛ و هي الصغر و السفه، و الفلس، و مرض الموت.

ثمّ إنّ المحقّق في الشرائع ذكر بعد كتاب الرهن كتاب المفلّس ثمّ اتبعه بكتاب الحجر «1»، مع أنّ الفلس كما عرفت أحد أسباب الحجر في عرض الأسباب الاخر، و لعلّ جعله كتابا مستقلّا إنّما هو لأجل كثرة مسائله و فروعه دون الأسباب الاخر.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 2/ 89- 97.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 272

[القول في الصغر]

اشارة

القول في الصغر

[مسألة 1: الصغير- و هو الذي لم يبلغ حدّ البلوغ- محجور عليه شرعا لا تنفذ تصرّفاته في أمواله]

مسألة 1: الصغير- و هو الذي لم يبلغ حدّ البلوغ- محجور عليه شرعا لا تنفذ تصرّفاته في أمواله- ببيع و صلح و هبة و إقراض و إجارة و إيداع و إعارة و غيرها- إلّا ما استثني؛ كالوصيّة على ما سيأتي إن شاء اللّه تعالى، و كالبيع في الأشياء غير الخطيرة كما مرّ و إن كان في كمال التميّز و الرشد و كان التصرّف في غاية الغبطة و الصلاح، بل لا يجدي في الصحّة إذن الولي سابقا و لا إجازته لاحقا عند المشهور، و هو الأقوى (1).

______________________________

(1) الصغير- و هو غير البالغ حدّ البلوغ، و سيأتي علائمه إن شاء اللّه تعالى- محجور عليه شرعا في التصرّف في أمواله و لا تنفذ تصرّفاته فيها؛ سواء كانت معاوضة كالبيع و الإجارة و الصلح، أم غير معاوضة كالإقراض و الإعارة و نحوهما، و سواء كانت مشتملة على الغبطة و المصلحة أم لا، و سواء كانت مسبوقة بإذن الولي أو ملحوقة بإجازته أم لا. نعم، قد استثنى بعض الموارد كالوصيّة، و سيأتي إن شاء اللّه في كتابها «1»، و كالبيع في الأشياء الحقيرة غير الخطيرة على ما هو مذكور في كتاب البيع «2».

نعم، المحجوريّة لا تستلزم مسلوبيّة العبارة و كون لفظه كلا لفظ، كما أنّه لا ملازمة بين عدم ثبوت الحكم التكليفي الإلزامي عليه، و بين عدم ثبوت الأحكام الوضعيّة كالضمان إذا أتلف مال الغير مثلا، كما أثبتنا ذلك في كتابنا في القواعد الفقهيّة «3»، و ذلك لأنّ مسلوبيّة العبارة لم يقم عليها دليل من إجماع أو غيره، فلو

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الوصيّة: 144- 148.

(2) تحرير الوسيلة، كتاب البيع، القول في شروط

البيع.

(3) القواعد الفقهيّة: 1/ 331- 338.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 273

[مسألة 2: كما أنّ الصبي محجور عليه بالنسبة إلى ماله، كذلك محجور عليه بالنسبة إلى ذمّته]

مسألة 2: كما أنّ الصبي محجور عليه بالنسبة إلى ماله، كذلك محجور عليه بالنسبة إلى ذمّته، فلا يصحّ منه الاقتراض و لا البيع و الشراء في الذمّة بالسلم و النسيئة و إن كانت مدّة الأداء مصادفة لزمان بلوغه. و كذلك بالنسبة إلى نفسه، فلا ينفذ منه التزويج، و لا الطلاق على الأقوى فيمن لم يبلغ عشرا، و على الأحوط فيمن بلغه، و لو طلّق يتخلّص بالاحتياط. و كذا لا يجوز إجارة نفسه، و لا جعل نفسه عاملا في المضاربة و غير ذلك. نعم، لو حاز المباحات بالاحتطاب و الاحتشاش و نحوها يملكها بالنيّة، بل و كذا يملك الجعل في الجعالة بعمله و إن لم يأذن وليّه فيهما (1).

______________________________

صار وكيلا عن الغير في إجراء مجرّد صيغة عقد النكاح مثلا، و كان مميّزا عارفا بالشرائط المعتبرة فيه، فلا دليل على بطلان إنشائه و عدم الترتّب على عبارته، بل لو فرض كونه ابنا كبيرا لأبيه، و أتى بما فات منه من الصلاة مثلا جامعة لجميع الشرائط، لا يمكن الالتزام ببطلان عبادته، و عدم السقوط عنه بعد صيرورته بالغا مكلّفا بقضاء الولي على تقدير عدم الإتيان، كما أنّه لو فرض أنّه أتى بشي ء من الصلوات المستحبّة لا وجه للالتزام ببطلانها، كما ذكرناه في الكتاب المذكور «1» و أنّ عبادات الصبي شرعيّة لا تمرينيّة.

(1) لا شبهة في أنّ الصبي كما أنّه محجور عليه بالإضافة إلى أمواله، كذلك محجور عليه بالإضافة إلى الذمّة المرتبطة بالأموال، فلا يصحّ منه الاقتراض و لا البيع و الشراء في الذمّة كالسلم و النسيئة، من دون فرق بين أن

يكون زمان الأداء مصادفا لزمان قبل بلوغه، أو لزمان بلوغه، فإنّ الملاك حال تحقّق المعاملة المستلزم

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة: 1/ 341- 356.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 274

..........

______________________________

لاشتغال الذمّة. و أمّا بالنسبة إلى نفسه، فإن كان مثل التزويج فلا ينفذ لارتباطه بالمال؛ سواء سمّى أم لم يسمّ؛ لثبوت المهر في المتعة و مهر المثل في الدائم مع عدم مهر المسمّى، و أمّا الطلاق ففيه قولان بعد الاتّفاق على البطلان فيمن لم يبلغ عشرا:

أحدهما: الصحّة فيمن بلغ عشرا، كالوصيّة على ما سيأتي «1» البحث فيها إن شاء اللّه تعالى.

ثانيهما: البطلان و لو بلغ عشرا، و جعله في المتن مقتضى الاحتياط الوجوبي، لكن لو لم تتحقّق رعاية هذا الاحتياط من الصبي، و طلّق قبل البلوغ بعد العشر فاللازم التخلّص بالاحتياط؛ بأن يطلّقها الوليّ أو الصبيّ بعد البلوغ؛ لأنّ مقتضى استصحاب عدم صحّة طلاقه قبل بلوغ العشر ذلك، و لا مجال لقياس الطلاق على الوصيّة و إن قلنا بعدم الفرق بينهما ظاهرا.

و أمّا إجارة النفس التي يعبّر عنها بالإجارة على الأعمال فلا تجوز؛ إمّا لأنّه لا معنى للزوم الوفاء بعقد الإجارة عليه بعد رفع قلم التكليف عنه، و إمّا لأنّه لا فرق بين النفس و المال لو لم يكن الأوّل أقوى، فإذا كان تصرّفه في ماله غير جائز و لو كان مشتملا على الغبطة و بإذن الولي، فالتصرّف في النفس أيضا كذلك. و من ذلك يظهر أنّه لا يجوز له أن يصير عاملا في المضاربة و نظير ذلك. نعم، لو تحقّق عمل حيازة المباحات كالاحتطاب و الاحتشاش و نحوهما، فالظاهر حصول الملكيّة له بالحيازة إذا كانت مقرونة بنيّة التملّك كغير الصبي، و كذا

يملك الجعل في الجعالة إذا كان على عمله، و ذلك لعدم لزوم العمل عليه في الجعالة، و في هاتين الصورتين لا فرق بين صورة إذن الولي و عدمه.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الوصيّة: 144- 148.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 275

[مسألة 3: يعرف البلوغ في الذكر و الانثى بأحد امور ثلاثة]

مسألة 3: يعرف البلوغ في الذكر و الانثى بأحد امور ثلاثة: الأوّل: نبات الشعر الخشن على العانة، و لا اعتبار بالزّغب و الشعر الضعيف، الثاني: خروج المني يقظة أو نوما بجماع أو احتلام أو غيرهما، الثالث: السنّ؛ و هو في الذكر إكمال خمس عشرة سنة، و في الانثى إكمال تسع سنين (1).

______________________________

(1) يعرف البلوغ في الذكر و الانثى بأحد امور ثلاثة:

الأوّل: نبات الشعر الخشن على العانة، و ظاهر إطلاق الماتن كصريح المحقّق في الشرائع «1» أنّه لا فرق في علاميّة هذه العلامة بين المسلم و الكافر، خلافا للمحكي عن الشافعي في أحد قوليه، حيث إنّه قال بالثبوت في حقّ الكفار خاصّة «2»؛ لكونه علامة مكتسبة تستعجل بالمعالجة، و إنّما اعتبرت في الكفّار لانتفاء التهمة بالاستعجال في حقّهم، و لأنّه لا طريق إلى معرفة بلوغهم سوى ذلك، بخلاف المسلمين؛ لجواز الرجوع إليهم في معرفة البلوغ.

و لكن ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه: أنّ الجميع كما ترى؛ إذ الاستعجال قائم في الفريقين، و كذا الحاجة إلى هذه العلامة، فإنّ الاحتلام و السنّ كثيرا ما يشتبه الأمر فيهما بخلافها، مضافا إلى ما ستعرفه من إطلاق الأدلّة، و لذا اتّفاق أصحابنا ظاهرا على خلافه. نعم، ربما نسب ذلك إلى الشيخ و لم نتحقّقه، بل قال في الخلاف:

الإنبات دليل على بلوغ المسلمين و المشركين بإجماع الفرقة «3» «4».

و يدلّ عليه الأخبار المرويّة

عن الفريقين، فعن طريق العامّة ما روي أنّ سعد بن

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 2/ 99.

(2) الخلاف: 3/ 281 مسألة 1، المجموع: 14/ 148، المغني لابن قدامة: 4/ 513، الشرح الكبير: 4/ 513.

(3) الخلاف: 3/ 281 مسألة 1.

(4) جواهر الكلام: 26/ 5.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 276

..........

______________________________

معاذ لمّا حكم على بني قريضة كان يكشف عن عورات المراهقين و من أنبت منهم قتل، و من لم ينبت جعل في الذراري «1».

و كذا ما روي عن عطية القرضي قال: عرضنا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم قريضة و كان من أنبت قتل و من لم ينبت خلّى سبيله، فكنت فيمن لم ينبت فخلّى سبيلي «2».

و أمّا ما عن طريق الأصحاب.

فمنها: رواية أبي البختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عرضهم يومئذ على العانات، فمن وجده أنبت قتله، و من لم يجده أنبت ألحقه بالذراري «3».

و منها: رواية حمزة بن حمران، عن حمران، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع، و لا يخرج من اليتم حتّى يبلغ خمس عشرة سنة، أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك «4».

و منها: رواية يزيد الكناسي، عن أبي جعفر عليه السّلام قال في حديث: إنّ الغلام إذا زوّجه أبوه و لم يدرك كان بالخيار إذا أدرك و بلغ خمس عشرة سنة، أو يشعر في

______________________________

(1) صحيح البخاري: 4/ 35 ح 3043 و ج 5/ 60 ح 4121 و ج 7/ 174 ح 6262، السنن الكبرى للبيهقي:

13/ 326- 327 ح 18525- 18526، عوالي اللئالي: 1/

221 ح 97، و عنه مستدرك الوسائل: 1/ 86، أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 45.

(2) السنن الكبرى للبيهقي: 8/ 411 ح 11500- 11502 و ج 13/ 327 ح 18527.

(3) قرب الإسناد: 133 ح 467، و عنه الوسائل: 1/ 44، أبواب مقدّمة العبادات: ب 4 ح 8 و البحار: 100/ 31 ح 5.

(4) الكافي: 7/ 197 ذح 1، مستطرفات السرائر: 86 ذح 34، و عنهما الوسائل: 1/ 43، أبواب مقدّمة العبادات ب 4 ح 2.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 277

..........

______________________________

وجهه، أو ينبت في عانته قبل ذلك «1».

و منها: ما في المحكي عن تفسير عليّ بن إبراهيم في قوله تعالى: وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ «2» إلى آخره، قال: قال: من كان في يده مال بعض اليتامى، فلا يجوز له أن يعطيه حتّى يبلغ النكاح و يحتلم- إلى أن قال:- و إن كانوا لا يعلمون أنّه قد بلغ، فإنّه يمتحن بريح إبطه أو نبت عانته، فإذا كان ذلك فقد بلغ «3»، بناء على أنّ الضمير في قوله: قال: راجع إلى الصادق عليه السّلام المذكور في الآية السابقة، كما عن الصافي في روايته عنه مسندا إليه «4». قال في الجواهر: و لعلّه وجده كذلك فيما وصل إليه من النسخ، و إلّا كان من كلامه على عادة القدماء، و هو و إن لم يكن حجّة لكنّه لا يخلو من تأييد «5».

و كيف كان، فلا ينبغي الإشكال في أصل الحكم في الجملة، لكن الإشكال في عموميّة الحكم للذكر و الانثى، كما هو صريح المتن و معقد إجماعي الخلاف «6» و التذكرة «7»، أو الاختصاص بالذكر كما هو مورد النصوص، و حكي عن بعض الأصحاب بنحو

الإجمال «8»، و الظاهر هو الأوّل، و أنّه لا اختصاص للذكر بذلك

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 7/ 382 ح 1544، الاستبصار: 3/ 237 ح 855، و عنهما الوسائل: 20/ 287، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 6 ح 9.

(2) سورة النساء: 4/ 6.

(3) تفسير القمّي: 1/ 131، و عنه مستدرك الوسائل: 13/ 428، كتاب الحجر ب 2 ح 1.

(4) تفسير الصافي: 1/ 332.

(5) جواهر الكلام: 26/ 7.

(6) الخلاف: 3/ 281 مسألة 1.

(7) تذكرة الفقهاء: 2/ 73 (ط الحجري).

(8) الحاكي هو صاحب الجواهر: 26/ 7.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 278

..........

______________________________

و إن كان شعر الوجه لا يكون في النساء غالبا، و يدلّ عليه أنّ الإنبات أمارة طبيعيّة اعتبرها الشارع؛ لكشفه عن تحقّق الإدراك فلا يختلف الأمر، مضافا إلى أنّ العادة تقتضي بتأخّر إنبات الشعر في الانثى عن تسع سنين، و لعلّ التأخّر كان كثيرا.

ثمّ إنّ تقييد الشعر بالخشونة كما في المتن و غيره «1»، و نفي اعتبار الزغب و الشعر الخفيف مع خلوّ الروايات كما عرفت عن هذا التقييد، أنّ المعهود في اعتبار البلوغ الذي لا يوجد في حال الصغر هو الشعر المذكور، فلا يقدح خلوّ الروايات عنه كما لا يخفى، كما أنّ الإضافة إلى العانة مشعر بل دالّ على أنّ شعر سائر الموارد لا يكون دليلا على البلوغ، و لكن يوجد في عبارات ما لعلّه يدلّ على الخلاف «2»، بل لم يقع التقييد بالعانة في بعضها «3»، و لكن في بعض روايات العامّة المتقدّمة و بعض روايات الخاصّة أيضا الإضافة إلى العانة أو العورة، و عن بعضهم كالعلّامة في التحرير أنّ الأقرب أنّ إنبات اللحية دليل على البلوغ،

أمّا باقي الشعور فلا «4»، و حكى في التذكرة عن الشافعيّة وجهين في إلحاق اللحية و الشارب بالعانة: أحدهما الإلحاق «5» ثمّ قال: و لا بأس به عندي بناء على العادة القاضية بتأخّر ذلك عن البلوغ «6»، بل هو لا يخلو عن قوّة للعادة، و يدلّ عليه بعض الأخبار السابقة التي لم يقع التقييد فيها بالعانة و العورة.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 2/ 99، تذكرة الفقهاء: 2/ 73 (ط الحجري).

(2) الحدائق الناضرة: 20/ 347.

(3) كرواية حمران المتقدّمة.

(4) تحرير الأحكام: 2/ 535.

(5) المجموع: 14/ 150، روضة الطالبين: 3/ 467.

(6) تذكرة الفقهاء: 2/ 74 (ط الحجري).

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 279

..........

______________________________

و ربما يقال: إنّه لو كان علامة لاستغني بها عن اختبار شعر العانة، بل لم يجز الكشف عنها لكونها عورة، و فيه المنع موضوعا و حكما لعدم الاستغناء عنها؛ لتقدّم نباتها على اللحية و الشارب، بل في الجواهر يقوى إلحاق العذار و العارض و العنفقة و نحوها بهما لعموم المستند «1»، إلّا أنّه مع ذلك يظهر من باقي الأصحاب الاختصاص بالعانة، بل هو صريح بعضهم «2»، و لذا اقتصروا عليها في العلامات إلّا أن يكون ذلك منهم، نظرا إلى تأخّر نباتهما عن البلوغ عادة بكثير، و مدارهم على ذكر العلامات النافعة عند الاشتباه، لا حال معلومية البلوغ الحاصلة غالبا بنباتهما بحيث لا يحتاج إلى استناد العلامات.

نعم، لا ينبغي الإشكال في أنّه لا عبرة بشعور سائر الأعضاء، كشعر الصدر و اليدين و ساقي الرجلين، و في محكيّ التذكرة: و لا اعتبار بشعر الإبط عندنا «3»، و للشافعي فيه وجهان «4»، و منه يعلم شذوذ ما في بعض الأخبار من عدّ شعر الإبط من العلامات،

و نصوص الأشعار محمولة على الإنبات خاصّة أو مع غيره، مثل اللحية و الشارب كما لا يخفى.

ثمّ إنّ هنا بحثا مهمّا؛ و هو أنّ الإنبات المعتبر هل يكون بنفسه بلوغا، أو دليلا على سبقه كالحمل، فالمحكي في مفتاح الكرامة عن جملة كثيرة من كتب الأصحاب الأوّل «5»، لكن ذكر صاحب الجواهر الذي هو تلميذه: أنّي لم أتحقّق ذلك من كثير

______________________________

(1) جواهر الكلام: 26/ 8.

(2) كالشيخ في المبسوط: 2/ 283 و الشهيد الثاني في المسالك: 4/ 141.

(3) تذكرة الفقهاء: 2/ 74 (ط الحجري).

(4) المجموع: 14/ 149، روضة الطالبين: 3/ 467.

(5) مفتاح الكرامة: 5/ 235.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 280

..........

______________________________

ممّن نسب إليه، بل ليسوا بصدد بيان هذا الأمر، مع أنّه قد صرّحت في جملة كثيرة اخرى بأنّه دليل لا بلوغ، و قد ادّعيت الشهرة على كلا القولين «1» «2» و تظهر ثمرة الخلاف في قضاء ما يجب قضاؤه من العبادات، و في نفوذ إقراره و تصرّفاته المتقدّمة على الاعتبار بزمان يعلم بعدم تأخّر بلوغه عنه، و الأقوى كما في الجواهر هو كونه دليلا لا بلوغا 3، و يؤيّده بل يدلّ عليه تعليق الأحكام في الكتاب و السنّة على الاحتلام، مع أنّه كاشف عن سبق البلوغ بلا ريب، و كذا يدلّ عليه أنّ الإنبات المذكور تدريجي الحصول، و البلوغ لا يكون كذلك، و عدم معلوميّة أوّل آنات تحقّق الشعر الخشن و قضاء العادة بتأخّره عنه.

الأمر الثاني: من الامور التي يعرف البلوغ بها خروج المني يقظة أو نوما، بالجماع أو الاحتلام أو غيرهما، و قد نفي فيه الخلاف بين المسلمين فضلا عن المؤمنين «4»، و الأصل في ذلك قوله تعالى في سورة

النور: وَ إِذٰا بَلَغَ الْأَطْفٰالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا «5» الآية. و في سورة النساء: وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ «6» الآية. و في سورة الإسراء: وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّٰى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ «7» الآية، و يدلّ عليه أيضا روايات كثيرة:

منها: رواية هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: انقطاع يتم اليتيم

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 4/ 141.

(2) 2، 3 جواهر الكلام: 26/ 9.

(4) جواهر الكلام: 26/ 10.

(5) سورة النور: 24/ 59.

(6) سورة النساء: 4/ 6.

(7) سورة الإسراء: 17/ 34.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 281

..........

______________________________

بالاحتلام؛ و هو أشدّه «1».

و منها: رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سأله أبي و أنا حاضر عن قول اللّه تعالى: حَتّٰى إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ «2» قال: الاحتلام «3».

و منها: الرواية النبويّة التي رواها الفريقان، بل عن ابن إدريس أنّه مجمع على روايته «4»: رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتّى يحتلم، و عن المجنون حتّى يفيق، و عن النائم حتّى ينتبه «5».

و منها: رواية ابن ظبيان المروية في الخصال قال: اتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت، فأمر برجمها، فقال عليّ عليه السّلام: أ ما علمت أنّ القلم رفع عن ثلاثة: عن الصبي حتّى يحتلم، و عن المجنون حتّى يفيق، و عن النائم حتّى يستيقظ «6».

و منها: الرواية المرويّة في الفقيه عن حمّاد بن عمرو و أنس بن محمّد، عن أبيه جميعا، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السّلام- في وصيّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام- قال: يا عليّ لا يتم بعد احتلام «7».

قال

في الجواهر: و هو أيضا من الأحاديث المشهورة المتلقّاة بالقبول «8».

______________________________

(1) الكافي: 7/ 68 ح 2، الفقيه: 4/ 163 ح 569، تهذيب الأحكام: 9/ 183 ح 737، و عنها الوسائل: 18/ 409، كتاب الحجر ب 1 ح 1 و ج 19/ 363، كتاب الوصايا ب 44 ح 9.

(2) سورة الأحقاف: 46/ 15.

(3) تهذيب الأحكام: 9/ 182 ح 731، و عنه الوسائل: 19/ 363، كتاب الوصايا ب 44 ح 8.

(4) السرائر: 3/ 18.

(5) السنن الكبرى للبيهقي: 8/ 409 ح 11493 و ص 471 ح 11644 و ج 9/ 234 ح 12400.

(6) الخصال: 93 ح 40 و ص 175 ح 233، و عنه الوسائل: 1/ 45، أبواب مقدّمة العبادات ب 4 ح 11.

(7) الفقيه: 4/ 260 ح 1، و عنه الوسائل: 1/ 45، أبواب مقدّمة العبادات ب 4 ح 9.

(8) جواهر الكلام: 26/ 11.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 282

..........

______________________________

و منها: مرسلة الفقيه أيضا: على الصبي إذا احتلم الصيام، و على المرأة إذا حاضت الصيام «1».

و منها: رواية طلحة بن يزيد، عن الصادق عليه السّلام قال: إنّ أولاد المسلمين موسومون عند اللّه- عزّ و جلّ- شافع و مشفّع، فإذا بلغوا اثنتي عشرة سنة كتبت لهم الحسنات، فإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيّئات «2».

و منها: غير ذلك من النصوص.

و لا يقدح تعبير بعضها بالاحتلام الذي يكون معناه هو الرؤية في المنام؛ سواء خرج المني أم لا، بل المراد هو خروج المني؛ سواء كان في اليقظة أو النوم، بالجماع أو بغيره، و لعلّه لذا جعل الحمل دليلا على سبق الحمل في الانثى؛ لكونه مسبوقا بخروج المني، و قد عرفت أنّه قد عبّر عن البلوغ

في قوله تعالى: حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ، مع أنّه لو كان المراد الاحتلام لزم أن لا يتحقّق البلوغ في الرجال ما لم يتحقّق الاحتلام و إن نكحوا و صاروا ذا ولد، و هو واضح البطلان، بل في الجواهر أنّه قد يقوى كون العلامة الاستعداد لخروج المني بالقوّة القريبة من الفعل، و ذلك بتحريك الطبيعة و الإحساس بالشهوة؛ سواء انفصل المني منه من الموضع المعتاد أم لم ينفصل، لكن بحيث لو أراد ذلك بالوطء أو الاستمناء تيسّر له ذلك «3».

و يؤيّده أنّه قد يصل إلى حدّ الخروج في النوم و لكن يمنع عن خروجه بعد اليقظة، و كون الفعليّة شرطا لوجوب الغسل لا يستلزم كونه في البلوغ كذلك، و عن المفسّرين أنّ المراد بقوله تعالى: بَلَغُوا النِّكٰاحَ شهوة الوطء و القدرة على

______________________________

(1) الفقيه: 2/ 76 ح 333، و عنه الوسائل: 1/ 45، أبواب مقدّمة العبادات ب 4 ح 10.

(2) الكافي: 6/ 3 ح 8، التوحيد: 392 ح 3، و عنهما الوسائل: 1/ 42، أبواب مقدّمة العبادات ب 4 ح 1.

(3) جواهر الكلام: 26/ 11.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 283

..........

______________________________

الإنزال «1»، بل تكوّن الولد في الانثى لا يكاد يتحقّق معه الخروج إلى الخارج نوعا.

هذا، و لكن ربما يشعر بعض العبارات بأنّ المعتبر هو الخروج الفعلي؛ لتقييده الخروج بكونه من الموضع المعتاد، و لكن الظاهر أنّ المراد نفي اعتبار الخروج عن غير الموضع المعتاد بجرح أو مثله، لا اعتبار الخروج الفعلي عنه، و يؤيّده العبارة المحكيّة عن ثاني الشهيدين، حيث قال: و إنّما اعتبر ذلك مع إطلاق الأدلّة؛ لوجوب حمل كلام الشارع على ما هو المعهود المتعارف، خصوصا و في بعضها

بلوغ النكاح «2»، و إنّما يكون من المعتاد، فلو خرج عن جرح و نحوه لم يعتدّ به «3».

و الجميع موهم اعتبار ذلك فيه كالغسل.

ثمّ إنّه ذكر في الجواهر أنّه يشترط في خروج المني كونه في الوقت المحتمل للبلوغ فلا عبرة بما ينفصل بصفته قبل ذلك كما صرّح بعض الأساطين 4، بل في التذكرة البلوغ منوط بخروج المني مع إمكانه باستكمال تسع سنين مطلقا عند الشافعي «5» و عندنا في المرأة خاصّة، و أمّا في جانب الذكر فما وقفت له على حدّ لأصحابنا- إلى أن قال:- لأنّ في النساء حدّة في الطبيعة و تسارعا إلى الإدراك «6» «7»، و نظيره ما حكي عن مسالك ثاني الشهيدين مع إضافة قوله: و لا يبعد أن يكون- أي في الذكر- ما بعد العشرة محتملا «8»، و يؤيّده مثل: خبر ابن القداح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1) مجمع البيان: 3/ 19.

(2) سورة النساء: 4/ 6.

(3) 3، 4 مسالك الأفهام: 4/ 143.

(5) روضة الطالبين: 3/ 466، المجموع: 14/ 148.

(6) تذكرة الفقهاء: 2/ 74 (ط الحجري).

(7) جواهر الكلام: 26/ 13.

(8) مسالك الأفهام: 4/ 143.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 284

..........

______________________________

قال: يفرّق بين الغلمان و النساء في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين «1».

و خبره الآخر عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الصبي و الصبي، و الصبي و الصبيّة، و الصبيّة و الصبيّة يفرّق بينهم في المضاجع لعشر سنين «2»، و الظاهر عدم كونها رواية اخرى، بل هي الرواية الاولى و إن كان بينهما الاختلاف في بعض الجهات.

و يؤيّد ما ذكر ما عن الفاضل

الآبي من قوله: كلّ رواية دلّت على البلوغ فيما بين الخمسة عشر و العشر محمولة على ما إذا كان الغلام قد احتلم أو أنبت شعر العانة توفيقا بين الروايات، و لأنّ الاحتلام في تلك السنين قد يقع كثيرا، و لقد شاهدنا من احتلم في ثلاث عشر سنة و اثنى عشرة سنة «3» انتهى. و المحكي عن بعض الأفاضل «4»: أنّه ينبغي القطع بالإمكان في الثلاثة عشر فما فوقها؛ لقضاء العادة بالاحتلام في ذلك غالبا؛ و لما رواه المشايخ عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا بلغ أشدّه ثلاث عشرة سنة و دخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين، احتلم أو لم يحتلم «5».

و عن عيسى بن زيد، عنه أيضا قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: يثغر الصبي لسبع، و يؤمر بالصلاة لتسع، و يفرّق بينهم في المضاجع لعشر، و يحتلم لأربع عشرة «6».

______________________________

(1) الكافي: 6/ 47 ح 6، و عنه الوسائل: 21/ 461، كتاب النكاح، أبواب أحكام الأولاد ب 74 ح 6.

(2) الفقيه: 3/ 276 ح 1310، و عنه الوسائل: 21/ 460، كتاب النكاح، أبواب أحكام الأولاد ب 74 ح 2.

(3) كشف الرموز: 1/ 552- 553 و ج 2/ 69.

(4) الحاكي هو صاحب الجواهر في جواهر الكلام: 26/ 13.

(5) الكافي: 7/ 69 ح 7، و عنه الوسائل: 17/ 361، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه ب 14 ح 3.

(6) تهذيب الأحكام: 9/ 183 ح 738، و عنه الوسائل: 19/ 364، كتاب الوصايا ب 44 ح 10.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 285

..........

______________________________

و الوجدان شاهد على أنّ الاحتلام في السنّ المخصوص

إنّما هو بحسب الغالب، و إلّا فلا ينبغي الإشكال في إمكان تحقّقه قبل ذلك، و سيأتي مزيد التحقيق في الأمر الثالث، لكنّه ينبغي في ختام هذا الأمر الثاني من التنبيه على شيئين:

الأوّل: أنّه في صورة العلم بأنّ الخارج هو المنيّ الذي من شأنه إمكان التولّد منه، فلا إشكال في لزوم الاتّكال على العلم، و لا اعتبار بملاحظة أوصاف المني المشهورة، و أمّا في صورة عدم العلم و حصول الاشتباه خصوصا مع الوذي و المذي، فلا إشكال في لزوم الرجوع إلى تلك الأوصاف؛ لإناطة الحكم بالجنابة و لزوم الغسل بها في صورة عدم العلم، و من المعلوم أنّه لا فرق بين المقامين من هذه الجهة؛ لأنّ سبب الجنابة منحصر في الوطء و إنزال المني اتّفاقا، فإذا انتفى الأوّل تعيّن الثاني، لكن في الجواهر: و يحتمل العدم؛ لأنّ اعتبارها فيهما لا يستلزم اعتبارها في البلوغ؛ لجواز تقدّم الأسباب عليه، ثمّ قال: لكنّه مبنيّ على إمكان خروج المني قبل البلوغ، و فيه بحث بل منع؛ لأنّ الظاهر عدم تكوّنه إلّا حال وصول الطفل إلى حدّ البلوغ، كما يؤمى إليه إطلاق ما دلّ على أنّ خروجه علامة البلوغ من النصوص السابقة و غيرها «1».

الثاني: الظاهر أنّه لا فرق في كون هذا الأمر الثاني كالأمر الأوّل علامة بين الذكر و الانثى، لكن الأمر في الذكر كما عرفت من أنّ الاحتلام في الزمان الذي يمكن البلوغ فيه- و هو ما بعد العشر سنين إلى خمسة عشر- علامة على البلوغ. و أمّا المرأة فالكلام فيها يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في إمكان تحقّق الاحتلام من المرأة مطلقا.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 26/ 14.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 286

..........

______________________________

المقام الثاني:

في إمكان تحقّقه منها قبل تسع سنين بعد الفراغ عن إمكانه فيها بعد التسع، لكنّه لا يجدي؛ لأنّ التسع بلوغ المرأة من حيث السنّ، فالاحتلام بعده لا يفيد لمسبوقيّة السنّ.

أمّا الكلام في المقام الأوّل: فالمحكي عن التذكرة الاحتلام: خروج المني؛ و هو الماء الدافق الذي يخلق منه الولد، بلوغ في الرجل و المرأة عند علمائنا أجمع، و لا نعلم فيه خلافا في الذكور، و هو في النساء كذلك، و للشافعي قول: بأنّ خروج المني من النساء لا يوجب بلوغهنّ؛ لأنّه نادر فيهنّ «1» ساقط العبرة. قال: و إطباق أكثر العلماء على خلاف هذا «2»، لكن يظهر من الجواهر أنّه يلوح من جملة من الكتب الفقهية القديمة و المتوسطة «3» الموافقة للشافعي، و وجّهه بأنّ ما ذكره من الندرة فيهنّ، و أنّه لا يحصل إلّا بعد العلم ببلوغ التسع، جعل للاقتصار عليه في الرجال وجها وجيها، قال: فإجماع التذكرة ممّا يشهد التتبّع مع التأمّل بصحّته، فهو الحجّة، مضافا إلى عموم وَ ابْتَلُوا إلى آخره «4»، و «لا يتم بعد احتلام» «5» و أصالة الاشتراك في الأحكام ما لم يثبت خلافه- إلى أن قال:- و إلى ما عن الشيخ «6» و الفاضل «7» من أنّهما استدلّا عليه بما روي من أنّ أمّ سلمة سألته عن المرأة ترى في منامها ما يرى

______________________________

(1) المجموع شرح المهذّب: 14/ 148، روضة الطالبين: 3/ 466، مغني المحتاج: 2/ 166.

(2) تذكرة الفقهاء: 2/ 74 (ط الحجري).

(3) كالنهاية: 612، و المبسوط: 1/ 266، و المهذّب: 2/ 119- 1120، و الوسيلة: 137 و 301، و السرائر:

2/ 119.

(4) سورة النساء: 4/ 6.

(5) الفقيه: 4/ 260 ح 1، و عنه الوسائل: 1/ 45، أبواب مقدّمة العبادات

ب 4 ح 9.

(6) المبسوط: 2/ 282.

(7) تذكرة الفقهاء: 2/ 74 (ط الحجري).

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 287

..........

______________________________

الرجل، فقال: إذا رأت ذلك فلتغتسل «1»، بناء على استفادة الفوريّة المقتضية لثبوت التكليف المشروط بالبلوغ، لا مجرّد السببية غير المنافية لعدم حصول البلوغ «2». و قد صرّح صاحب العروة بأنّ القول بعدم احتلامهنّ ضعيف «3».

و أمّا الكلام في المقام الثاني. فظاهر الكلمات التسوية بين الرجل و المرأة في علامتيّة الأمرين المتقدّمين، و عليه فيمكن حصول الاحتلام من المرأة قبل التسع، و إطلاق رواية أمّ سلمة المتقدّمة يدلّ على ذلك. نعم، لا ينبغي الارتياب في ندرة ذلك أكثر من الندرة بعد التسع، كما عرفت في توجيه كلام الشافعي.

الأمر الثالث: من الامور التي يعرف بها البلوغ السنّ؛ و هو بلوغ خمس عشرة سنة للذكر على المشهور بين الأصحاب شهرة محقّقة كادت أن تكون إجماعا كما اعترف به في محكي المسالك «4»، بل نقلها مستفيض أو متواتر كما في الجواهر «5».

و الظاهر أنّ مراد جميع من عبّر بالبلوغ خمس عشرة سنة هو إكمال السنة المذكورة، لا مجرّد الدخول فيها و إن لم يتحقّق كمالها، و اللازم ملاحظة الروايات الواردة في هذا المجال، لكن ينبغي بل يلزم التنبيه على أمر؛ و هو أنّ كلمة البلوغ هل هي موضوع شرعيّ، أو عرفي؟ و على الأوّل؛ فهل هو من الموضوعات العرفيّة الصرفة، كالماء و التراب و الحنطة و الشعير و نحوها، أم من الموضوعات العرفيّة المستنبطة التي يكون للشارع دخل في بيانها و تعيين حقيقتها الذي يبدو في النظر أنّ

______________________________

(1) المسند لأحمد بن حنبل: 4/ 396 ح 13053 و ص 563 ح 14012 و ج 10/

200 ح 26675، و المصنّف لعبد الرزاق: 1/ 283- 284 ح 1094 و 1095.

(2) جواهر الكلام: 26/ 15.

(3) العروة الوثقى: 1/ 183 مسألة 646.

(4) مسالك الأفهام: 4/ 144.

(5) جواهر الكلام: 26/ 16.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 288

..........

______________________________

كلمة البلوغ بإطلاقها لم تكن مستعملة في كلام الشارع، و في مثل قوله تعالى:

حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ «1» أو وَ إِذٰا بَلَغَ الْأَطْفٰالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا «2»؟

لا إشكال في أنّ المراد بالبلوغ فيه هو البلوغ بمعناه اللغوي؛ لأنّ البلوغ الشرعي يستفاد من البلوغ المضاف إلى النكاح أو الحلم.

و أمّا الروايات، فالتعبير فيها بين قوله: رفع القلم عن الصبي حتّى يحتلم، أو لا يتم بعد احتلام «3»، و أمثال ذلك، و ليس فيها التعبير بالبلوغ بعنوانه، و عليه فيحتمل قويّا أن يكون البلوغ له معنى عرفيّ، و الأمارات الثلاثة المجعولة من قبل الشارع أمارات شرعية لهذا الأمر العرفي الذي يكون مختلفا حسب اختلاف المناطق أو اختلاف الأفراد، و السرّ في جعل الأمارة الشرعيّة لهذا الأمر العرفي خفاؤه على نفس العرف، و لا أقلّ بحسب الاختلاف المذكور، نظير جعل الأمارة الشرعيّة على العدالة التي هو أمر شرعي؛ لأجل خفائها و كونها من الامور الباطنية و الملكات النفسانية.

و لعلّ التعبير بالبلوغ اقتباس من الأمارة الثالثة التي هي بلوغ السنّ المذكور، أو من مثل الآيتين المذكورتين، و إلّا فقد عرفت عدم وقوع هذا العنوان بإطلاقه في شي ء من الأدلّة الشرعيّة، لكن الأمر سهل بعد عدم ترتّب ثمرة مهمّة على هذا البحث؛ لعدم ثبوت قلم التكليف مع عدم شي ء من الأمارات الثلاثة و ثبوته مع وجود واحدة منها.

و كيف كان، فالروايات الواردة في هذه العلامة كثيرة:

______________________________

(1) سورة النساء:

4/ 6.

(2) سورة النور: 24/ 59.

(3) تقدّم في ص 281.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 289

..........

______________________________

منها: صحيحة ابن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن حمزة بن حمران، عن حمران قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام قلت له: متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامّة، و تقام عليه و يؤخذ بها؟ فقال: إذا خرج عنه اليتم و أدرك، قلت: فلذلك حدّ يعرف به؟ فقال: إذا احتلم، أو بلغ خمس عشرة سنة، أو أشعر، أو أنبت قبل ذلك اقيمت عليه الحدود التامّة، و اخذ بها و اخذت له، قلت: فالجارية متى تجب عليها الحدود التامّة و تؤخذ بها و يؤخذ لها؟

قال: إنّ الجارية ليست مثل الغلام، إنّ الجارية إذا تزوّجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم، و دفع إليها مالها، و جاز أمرها في الشراء و البيع، و اقيمت عليها الحدود التامّة، و اخذ لها بها، قال: و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع، و لا يخرج من اليتم حتّى يبلغ خمس عشرة سنة، أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك «1».

و الإشكال في حمزة مندفع بكونه من آل أعين المعلوم جلالتهم و علوّ شأنهم في الشيعة كثير الرواية قدّس سرّه، مع أنّ رواية جماعة من الأجلّاء عنه تكشف عن وثاقته و إن لم يكن مصرّحا بها، و قد ذكرنا نظير ذلك في صحيحة عبد اللّه بن أبي يعفور المشهورة الواردة في تعريف العدالة و بيان الأمارة الشرعيّة عليها «2»، و بمثله يرتفع الإشكال عن عبد العزيز غير المصرّح بوثاقته.

و منها: رواية يزيد الكناسي، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: الجارية إذا بلغت تسع

سنين ذهب عنها اليتم، و زوّجت، و اقيمت عليها الحدود التامّة، لها و عليها. قال:

______________________________

(1) الكافي: 7/ 197 ح 1، مستطرفات السرائر: 86 ذح 34، و عنهما الوسائل: 1/ 43، أبواب مقدّمة العبادات ب 4 ح 2.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الاجتهاد و التقليد، أوائل مسألة 29.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 290

..........

______________________________

قلت: الغلام إذا زوّجه أبوه و دخل بأهله و هو غير مدرك أ تقام عليه الحدود و هو على تلك الحال؟ قال: فقال: أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا، و لكن يجلد في الحدود كلّها على مبلغ سنّه، فيؤخذ بذلك ما بينه و بين خمس عشرة سنة، و لا تبطل حدود اللّه في خلقه، و لا تبطل حقوق المسلمين بينهم «1». و الظاهر أنّ روايته الاخرى «2» متّحدة مع هذه الرواية، و لا تكون رواية اخرى كما أشرنا إليه مرارا.

و منها: صحيحة ابن وهب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ قال: ما بينه و بين خمس عشرة سنة و أربع عشرة سنة، فإن هو صام قبل ذلك فدعه «3».

قال في الجواهر: بناء على إرادة معنى «أو» من «الواو» فيها، بل عن النهاية روايته بها «4»، بل لا بدّ من كون المراد ذلك؛ لاستحالة الجمع هنا كما هو ظاهر، و حينئذ فمقتضى السياق و الترديد كون ما تقدّم عليهما وقتا للتمرين و الأخذ على سبيل التأديب، فيكون البلوغ حينئذ بأحدهما و يمتنع أن يكون الأقلّ، و إلّا لم يكن الزمان المتوسّط بينه و بين الأكثر تمرينيّا، فيتعيّن كونه الأكثر، و لعلّ النكتة في الترديد، التنبيه على الفرق بين

المتوسّط بينهما و المتقدّم عليهما في التضييق و عدمه

______________________________

(1) الكافي: 7/ 198 ح 2، تهذيب الأحكام: 10/ 38 ح 133، و عنهما الوسائل: 28/ 20، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود ب 6 ح 1.

(2) وسائل الشيعة: 20/ 278، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 6 ح 9.

(3) الكافي: 4/ 125 ح 2، الفقيه: 2/ 76 ح 332، تهذيب الأحكام: 4/ 326 ح 1012، و عنها الوسائل: 10/ 233، كتاب الصيام، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 29 ح 1.

(4) لم نجده في النهاية. نعم رواها في التهذيب: 2/ 331 ح 1590 و الاستبصار: 1/ 409 ح 1563 ب «أو».

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 291

..........

______________________________

بالنسبة إلى التمرين، فإنّ الصبي يضيّق عليه فيما بين الأربعة عشر، و الخمسة عشر بخلاف ما تقدّم من الزمان، فإنّه لا يضيّق عليه لبعده عن البلوغ «1».

و منها: روايته الاخرى «2» التي لا تكون رواية مستقلّة، و إن جعلتا متعدّدتين في الوسائل و تبعه غيره، بل و إن كان بينهما اختلاف زيادة و نقيصة في الجملة.

و منها: ما رواه في الخصال بإسناده عن العبّاس بن عامر، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: يؤدّب الصبيّ على الصوم ما بين خمس عشرة سنة إلى ستّ عشرة سنة «3».

و منها: مرسلة مقنع الصدوق قال: روي أنّ الغلام يؤخذ بالصيام ما بين أربع عشرة إلى ستّ عشرة سنة إلّا أن يقوى قبل ذلك «4».

و الظاهر أنّ المراد بهما هي تماميّة ما قبل ستّ عشرة و الدخول فيها الذي به تعرف التماميّة المذكورة نوعا، و إلّا لم يكن وجه لذكر ستّ عشرة

لو كان البلوغ متحقّقا قبلها، و هو الذي نسب إلى الشهرة «5»، بل إلى أصحابنا «6».

و كيف كان، لا ينبغي الارتياب في أنّ البلوغ الحاصل بالسنّ إنّما يتحقّق بإكمال عدد الخمس عشرة سنة، هذا بالنسبة إلى الغلام.

و أمّا بالإضافة إلى الجارية فمقتضى جملة من الروايات المتقدّمة تحقّق البلوغ

______________________________

(1) جواهر الكلام: 26/ 27.

(2) وسائل الشيعة: 4/ 18، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب 3 ح 1.

(3) الخصال: 501 ح 3، و عنه الوسائل: 10/ 237، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 29 ح 13.

(4) المقنع: 195، و عنه الوسائل: 10/ 237، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم ب 29 ح 14.

(5) المهذّب البارع: 2/ 512، مفاتيح الشرائع: 1/ 14، الحدائق الناضرة: 20/ 348، رياض المسائل: 8/ 552.

(6) مسالك الأفهام: 4/ 144، كفاية الأحكام: 112.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 292

..........

______________________________

فيها بإكمال التسع كما هو المشهور بين الأصحاب «1»، بل كما في الجواهر هو الذي استقرّ عليه المذهب «2» خلافا للشيخ في صوم المبسوط، و ابن حمزة في خمس الوسيلة فبالعشر «3»، إلّا أنّ الشيخ قد رجع عنه في كتاب الحجر فوافق المشهور «4»، بل و كذا الثاني في كتاب النكاح منها «5»، بل قد يرشد ذلك منهما إلى إرادة توقّف العلم بكمال التسع على الدخول في العشر، و هناك أيضا روايات اخرى دالّة على ذلك، بل يظهر من بعضها الملازمة بين جواز الدخول و البلوغ، و أنّه حيث لا يجوز الدخول بها قبل إكمال التسع كذلك لا يتحقّق البلوغ فيها قبلها.

و لكن في المقابل رواية واحدة دالّة على الخلاف؛ و هي رواية عمّار الساباطي، عن أبي عبد

اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ فقال: إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جرى عليه القلم، و الجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة، أو حاضت قبل ذلك، فقد وجبت عليها الصلاة و جرى عليها القلم «6». و لكن اورد عليها بإيرادات:

الأوّل: أنّه ذكر الشيخ في محكي التهذيب و الاستبصار أنّ جماعة من أهل النقل قد ضعّفوا عمّار الساباطي و ذكروا أنّ ما ينفرد بنقله لا يعمل به؛ لانّه كان فطحيا «7»، و العلّامة في محكي الخلاصة جعل رواياته مرجّحة

______________________________

(1) مسالك الافهام: 4/ 145، مفاتيح الشرائع: 1/ 14، الحدائق الناضرة: 20/ 348.

(2) جواهر الكلام: 26/ 38.

(3) المبسوط: 1/ 266، الوسيلة: 137.

(4) المبسوط: 2/ 282.

(5) الوسيلة: 301.

(6) تهذيب الأحكام: 2/ 380 ح 1588، و عنه الوسائل: 1/ 45، أبواب مقدّمة العبادات ب 4 ح 12.

(7) تهذيب الأحكام: 7/ 101 ذح 435، الاستبصار: 3/ 95 ذح 325.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 293

..........

______________________________

لا دليلا «1». و ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه: و الذي ينبغي أن يقال في المقام: إنّا إذا بنينا على عدم العمل بروايات عمّار لعدم الوثوق بأخباره؛ لكثرة اشتباهه بحيث قلّما يكون خبر من أخباره خاليا عن تشويش و اضطراب في اللفظ أو المعنى، كما ادّعاه صاحب الوافي «2» و شيخنا المجلسي «3»، بل قالا: إنّه لو كان الراوي غير عمّار لحكمنا بذلك «4».

الثاني: اتّفاق فقهاء الشيعة على أنّ الغلام و الجارية لا يكونان متساويين في البلوغ من حيث السنّ، في حال أنّ الرواية دالّة على ذلك.

الثالث: معارضة هذه الرواية مع الروايات الكثيرة

التي تقدّم بعضها- و فيها الصحاح المتعدّدة- الدالّة على أنّ بلوغ الجارية يتحقّق بإكمال التسع، قال في محكي مفتاح الكرامة: و ما في الموثّق أنّها «إذا أتى لها ثلاث عشرة سنة، أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة» فهو شاذ قاصر عن المكافئة «5».

و عن الشيخ الأعظم الأنصاري قدّس سرّه في كتاب الصوم المطبوع في آخر كتاب الطهارة له: و في رواية الساباطي المشتملة على اتّحاد حكم الانثى و الذكر، و لم يقل بشي ء من ذلك أحد «6».

الرابع: صراحة رواية عمّار في أنّ بلوغ الغلام ثلاث عشرة سنة إلّا إذا احتلم قبله، مع اتّفاق النصوص و الفتاوى على خلافه.

______________________________

(1) خلاصة الأقوال: 381- 382 رقم 1533.

(2) الوافي: 8/ 977 ذح 7537.

(3) بحار الأنوار: 88/ 233- 234.

(4) المستند في شرح العروة الوثقى: 18/ 154.

(5) مفتاح الكرامة: 5/ 241.

(6) كتاب الصوم (تراث الشيخ الأعظم): 210.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 294

..........

______________________________

قال في محكي الجواهر: و ما يوهمه الاستبصار من الأخذ بحديث عمّار مؤوّل بالضرورة؛ لمخالفته الإجماع بل الضرورة «1».

قلت: مع قطع النظر عن جميع ذلك و فرض المعارضة المكافئة، فلا ينبغي الارتياب في أنّ الترجيح مع غير هذه الرواية؛ لموافقته لفتوى المشهور التي هي اولى المرجّحات في باب تعارض الروايات، كما حقّقناه في محلّه و أشرنا إليه مرارا، فلا محيص عن الأخذ بمقتضى تلك الروايات و الحكم بأنّ الجارية تبلغ بعد إكمال التسع، و العجب بعد ذلك من بعض المتفقّهين الذين يسمّون فقههم بالفقه المتطوّر، و في اصطلاح الفارسي ب «فقه پويا» و ينكرون أحكام اللّه مرّة بعد اخرى؛ فتارة يقولون: بأنّ بلوغ الجارية لا يتحقّق إلّا بعد ثلاث عشرة سنة، و

اخرى ينكرون كون دية المرأة نصف الرجل، و ثالثة ينكرون لزوم شهادة المرأتين مقام رجل واحد، مع أنّه خلاف صريح القرآن حيث يقول: فَإِنْ لَمْ يَكُونٰا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتٰانِ «2»، و سمعت أنّ بعضهم قائل بتساوي الرجل و المرأة في باب الإرث، أعوذ باللّه من مخالفة أحكام اللّه المبتنية على المصالح و المفاسد الواقعية التي لا يحيط بها إلّا اللّه تبارك و تعالى، و إلّا ففي نظرنا تكون الصلاة ثلاث ركعات أحسن من الصلاة ركعتين؛ لاشتمالها على ركعة زائدة و خضوع أزيد، فهل وقع التغيّر في علم اللّه أو وقع التغيّر في تلك المصالح و المفاسد، إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّٰارَةٌ بِالسُّوءِ «3». و قد اشتهر أنّ بعض أصحاب «4» الإمام المعصوم عليه السّلام قال له: و اللّه لو فلقت رمّانة بنصفين

______________________________

(1) جواهر الكلام: 26/ 31.

(2) سورة البقرة: 2/ 282.

(3) سورة يوسف: 12/ 53.

(4) هو عبد اللّه بن أبي يعفور.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 295

[مسألة 4: لا يكفي البلوغ في زوال الحجر عن الصبي]

مسألة 4: لا يكفي البلوغ في زوال الحجر عن الصبي، بل لا بدّ معه من الرشد و عدم السفه بالمعنى الذي سنبيّنه (1).

______________________________

فقلت: هذا حرام و هذا حلال لشهدت أنّ الذي قلت: حلال حلال، و أنّ الذي قلت: حرام حرام، فقال: رحمك اللّه رحمك اللّه «1».

(1) الأصل في ذلك قوله تعالى: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ «2» الظاهر في أنّ جواز الدفع أو لزومه مشروط بإيناس الرشد أيضا، مضافا إلى نفي الخلاف، بل الإجماع بقسميه عليه كما في الجواهر «3»، و سيجي ء معنى السفيه تحت عنوان مستقلّ، و لكن قوله تعالى مسبوق بقوله: وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ، و منه ربما

يناقش في ذلك بأنّ «إذا» قد تخرج عن الظرفية فلا تكون شرطا، و منه الآية، فإنّ المراد وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ إلى وقت بلوغ النكاح، و حينئذ فلا دلالة فيها على الاشتراط المزبور.

و يدفعه- مضافا إلى أنّ البحث في هذه المسألة مدخلية الرشد في زوال الحجر، و الآية دالّة عليه لا محالة بعد تسليم خروجها عن الظرفية- أنّه نادر جدّا لا يحمل عليه التنزيل، بل يقتضي انقطاع الابتلاء بالبلوغ، و ليس كذلك؛ لاستمراره إلى ظهور الرشد أو اليأس منه، بل ذلك مع ظهور كون المراد إيناس الرشد المسبّب عن الابتلاء المأمور به السابق على البلوغ.

و مقتضى ذلك الحجر على البالغ الرشيد إذا لم يؤنس منه رشد قبل البلوغ، و ارتفاعه عمّن لم يبلغ إذا أونس منه الرشد؛ لانتفاء الشرط في الأوّل و وجوده في

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال، المعروف ب «رجال الكشي»: 249 ح 462.

(2) سورة النساء: 4/ 6.

(3) جواهر الكلام: 26/ 48.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 296

..........

______________________________

الثاني، إذ المراد بالأمر بالابتلاء إلى بلوغ النكاح حصوله قبله لا استمراره إليه؛ لأنّ الابتلاء متى وجد و تبيّن به الحال لم يتكرّر، فالمرّة تكفي في هذا الأمر، و لو بني الكلام في الشرط على خلاف الظاهر، فإمّا أن يراد به إيناس الرشد مطلقا، أو إيناسه بعد البلوغ، و يلزم على الأوّل جواز دفع المال إلى غير البالغ إذا ابتلي و أونس منه الرشد، و إهماله بدونه إلى أن يظهر الرشد بنفسه و إن طال الزمان و سهل الاختبار، و أمّا الثاني فمع حصول المطلوب يلزمه جواز الإهمال كما في الأوّل.

قال في الجواهر: فبان من ذلك كلّه أنّ «إذا» في الآية ظرف على

الأصل فيه، و أنّ الكلام لا ينظم إلّا به و المعنى لا يستقيم بدونه، فسقط احتمال خروجه عن الظرفية.

نعم، على الظرفية يحتمل الخروج عن الشرطية بتقدير العامل وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ نظرتم، أو ابتلوهم حتّى تنظروا في وقت بلوغهم النكاح فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ.

و هذا و إن صحّ و صحّ الاستدلال به غير أنّه يستدعي تقديرا في الكلام و خروجا عن الظاهر في «إذا» من تضمّنها معنى الشرط في الغالب.

و حكى عن الفاضل الطباطبائي: الأصوب أن تكون «إذا» للشرط كما هو الأصل فيها، و جوابها مجموع الشرط و الجزاء؛ و هو قوله: فَإِنْ آنَسْتُمْ و «حتّى» حرف ابتداء، و غايتها مضمون الجملة التي بعدها؛ و هو دفع المال عقيب إيناس الرشد الواقع عقيب بلوغ النكاح، و إنّما كان كذلك؛ لأنّ دفع المال في الآية مشروط بإيناس الرشد، فيكون مؤخّرا عنه، و هذا الدفع المشروط بالإيناس مشروط بالبلوغ، فيكون المشروط بشرطه المتقدّم عليه متأخّرا عن البلوغ الذي هو شرط فيه، و ترتّب الشروط بحسب الوقوع، ترتيبها في الذكر، فإنّها في الآية قد وقعت على التوالي، و لو تعاكست كان الشرط المتقدّم في الذكر مؤخّرا في الوجود،

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 297

..........

______________________________

و المؤخّر في الذكر مقدّما في الوجود، فلو أردت نقل المضمون إليه قلت: «ادفعوا إليهم أموالهم إن رشدوا إن بلغوا» و لا يصحّ «إن بلغوا إن رشدوا» لأنّه يقتضي أن يكون الرشد شرطا في البلوغ، و الأمر بالعكس، و من ثمّ لو قال قائل: «للّه عليّ نذر إن شربت إن أكلت»، فأكل ثمّ شرب التزم، بخلاف ما لو شرب ثمّ أكل، و لو عكس

انعكس.

و أورد عليه في الجواهر بأنّه جيّد، لكن قد يقال: المنساق من الآية أنّهما معا شرطان مستقلّان في الدفع، لا أنّ أحدهما شرط في الآخر كالمثال الذي ضربه «1».

قلت: لا شبهة في دخالة الشرطين في وجوب دفع الأموال إليهم، لكنّهما ليسا في عرض واحد، بل شرطيّتهما طوليّة، بمعنى أنّ الشرط الأوّل هو بلوغ النكاح، و قد عرفت أنّ التعبير بالبلوغ قد وقع في هذه الآية، و الشرط الثاني هو إيناس الرشد بعد تحقّق البلوغ، فإيناسه قبله لا يؤثّر في وجوب الدفع، و خلاصة المعنى ترجع إلى أنّه بعد إحراز البلوغ إن تحقّق إيناس الرشد فالواجب الدفع إليهم، و إلّا فلا، و لا يكون الاستدلال بالآية مبتنيا على مفهوم الشرط الذي أنكرناه في الاصول مطلقا، حتّى بالإضافة إلى مفهوم الشرط الذي هو في رأس القضايا المفهومية، بل الآية واقعة في مقام شبه التحديد، و الأمر دائر بين حرمة الإيتاء و وجوب الدفع، و ليس لهما ثالث، و المثال المنطبق على المقام ما لو قال القائل: «للّه عليّ نذر إن أكلت فشربت»، فأكل ثمّ شرب التزم، بخلاف ما لو شرب فأكل، فكلا الأمرين شرطان لكن لا في عرض واحد، بل الثاني في طول الأوّل، و هكذا في المقام، فتأمّل، فإنّ الآية تحتاج إلى تأمّل أزيد و تدبّر أكثر، كما لا يخفى.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 26/ 18- 19.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 298

[مسألة 5: ولاية التصرّف في مال الطفل و النظر في مصالحه و شئونه لأبيه و جدّه لأبيه]

مسألة 5: ولاية التصرّف في مال الطفل و النظر في مصالحه و شئونه لأبيه و جدّه لأبيه، و مع فقدهما للقيّم من أحدهما؛ و هو الذي أوصى أحدهما بأن يكون ناظرا في أمره، و مع فقده للحاكم الشرعي. و أمّا

الامّ و الجدّ للامّ و الأخ فضلا عن سائر الأقارب فلا ولاية لهم عليه. نعم، الظاهر ثبوتها مع فقد الحاكم للمؤمنين مع وصف العدالة على الأحوط (1).

______________________________

(1) قد حكى في المسالك «1» و الكفاية «2» نفي الخلاف فيه، أي في ثبوت الولاية في مال الطفل للأب و الجدّ للأب، بل في محكي التذكرة «3» و مجمع البرهان «4» الإجماع عليه و النصوص الواردة بين ما ورد في باب النكاح «5» الجاري في المال بالأولوية، و بين ما ورد في بحث أموال اليتامى 6 و الوصيّة 7 و غيرهما من المباحث الكثيرة، كما هو المحكيّ عن الرياض «8»، فلا إشكال في أصل الحكم في الجملة، و قد يتوقّف في خصوص من تجدّد جنونه بعد بلوغه و رشده، نظرا إلى انقطاع ولايتهما حينئذ عنه، فيندرج تحت عموم ولاية الحاكم الذي هو نائب الأصل، و جزم به في المحكي عن جامع المقاصد «9» و مجمع الفائدة و البرهان للمقدس الأردبيلي «10»، بل عن

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 4/ 161.

(2) كفاية الأحكام: 113.

(3) تذكرة الفقهاء: 2/ 80 (طبع الحجري).

(4) مجمع الفائدة و البرهان: 9/ 231.

(5) 5- 7 وسائل الشيعة: 20/ 275 ب 6 و ج 17/ 361 ب 15، و ج 19/ 366- 371 ب 45- 47.

(8) رياض المسائل: 8/ 566.

(9) جامع المقاصد: 5/ 194.

(10) مجمع الفائدة و البرهان: 9/ 231.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 299

..........

______________________________

ظاهر الأخير «1» و نكاح المسالك «2» أنّه لا خلاف فيه، بل ربما استظهر من بعض مواضع التذكرة الإجماع عليه «3» و إن كان المحكي عنها فيه أيضا عكس ذلك «4».

و كيف كان، ففي أصل المسألة إذا لم يكن

الأب و كذا الجدّ للأب بموجودين فيكون المرجع هو القيّم من أحدهما؛ و هو الذي أوصى أحدهما بالنظارة في أمره و اختيار مصالحه، و مع انتفاء القيّم و الوصي تصل النوبة إلى الحاكم الشرعي، و أمّا الامّ و الجدّ للامّ و الأخ و العمّ و الخال و سائر الأقارب فلا تكون ولاية لهم على الطفل و ماله بوجه، بل إنّما هي للحاكم الشرعي، و على تقدير عدمه تكون الولاية لعدول المؤمنين على ما قرّر من ثبوت ولايتهم في الامور الحسبيّة، و من المستبعد جدّا أن يكون المؤمن من دون وصف العدالة المانعة عن الاجتراء على ماله من دون رعاية المصلحة ذا ولاية و له حقّ التصرّف، بل ربما يرشد إلى اعتبار العدالة صحيحة ابن بزيع:

قال: إنّ رجلا من أصحابنا مات و لم يوص، فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصيّر عبد الحميد بن سالم القيّم بماله، و كان رجلا خلّف ورثة صغارا و متاعا و جواري، فباع عبد الحميد المتاع، فلمّا أراد بيع الجواري ضعف قلبه في بيعهنّ و لم يكن الميّت صيّر إليه وصيّته، و كان قيامه بها بأمر القاضي لأنّهنّ فروج.

قال محمد: فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه السّلام فقلت: جعلت فداك يموت الرجل من أصحابنا فلا يوصي إلى أحد، و خلّف جواري فيقيّم القاضي رجلا منّا لبيعهنّ أو

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان: 9/ 231.

(2) مسالك الأفهام: 7/ 144 و 146- 147.

(3) تذكرة الفقهاء: 2/ 592 (ط الحجري).

(4) انظر تذكرة الفقهاء: 2/ 586 (ط الحجري) و الحاكي هو صاحب الرياض في ج 10/ 94.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 300

..........

______________________________

قال: يقوم بذلك رجل منّا فيضعف قلبه لأنّهنّ فروج، فما

ترى في ذلك؟ فقال: إذا كان القيّم مثلك و مثل عبد الحميد فلا بأس «1».

و احتمال كون المراد هي المماثلة في جهة التشيّع و القول بإمامة الإمام لا العدالة، يدفعه مضمرة سماعة قال: سألته عن رجل مات و له بنون و بنات صغار و كبار، من غير وصيّة، و له خدم و مماليك و عقد كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث؟ قال:

إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كلّه فلا بأس «2».

قيل: و مثله صحيحة ابن رئاب «3».

قال في الجواهر: و المناقشة فيه باحتمال كون ذلك إذنا خاصّا من إمام الوقت، كما ترى «4». نعم، ذكر فيها قبل ذلك «لعلّ التحقيق عدم اشتراط العدالة؛ للأصل و الإطلاق، و لكن متى ظهر للحاكم و لو بقرائن الأحوال الضرر منهما عليهما عزلهما و منعهما من التصرّف حسبة، و إن علم عدمه أقرّهما، و إن لم يعلم حالهما فربما قيل بالاجتهاد في حالهما، فيتبع سلوكهما و شواهد أحوالهما، و يمكن عدم اعتبار ذلك عملا بالإطلاق، بل لعلّه الأقوى» «5»، لكن هذا بالإضافة إلى الأب و الجدّ، و سيأتي حكمهما من جهة الإطلاق و التقييد، و البحث إنّما هو في المؤمنين، و مقتضى

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 9/ 240 ح 932، الكافي: 5/ 209 ح 2، و عنهما الوسائل: 17/ 363، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه ب 16 ح 2.

(2) الكافي: 7/ 67 ح 3، الفقيه: 4/ 161 ح 563، تهذيب الأحكام: 9/ 240 ح 929، و عنها الوسائل: 19/ 422، كتاب الوصايا ب 88 ح 2.

(3) الكافي: 7/ 67 ح 2، الفقيه: 4/ 161 ح 564، تهذيب الأحكام: 9/ 239 ح 928، و عنها الوسائل: 19/ 422، كتاب

الوصايا 89 ح 1.

(4) جواهر الكلام: 26/ 103- 104.

(5) جواهر الكلام: 26/ 102.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 301

[مسألة 6: الظاهر أنّه لا يشترط العدالة في ولاية الأب و الجدّ]

مسألة 6: الظاهر أنّه لا يشترط العدالة في ولاية الأب و الجدّ، فلا ولاية للحاكم مع فسقهما، لكن متى ظهر له و لو بقرائن الأحوال الضرر منهما على المولّى عليه عزلهما و منعهما من التصرّف في أمواله، و لا يجب عليه الفحص عن عملهما و تتبّع سلوكهما (1).

______________________________

الاحتياط كما في المتن رعاية العدالة، خصوصا مع أنّ الولاية على خلاف الأصل، و روايات الفوق لا صراحة بل لا ظهور فيها في اعتبار العدالة الاصطلاحية و إن كان المعروف أنّ المذكور في عداد الولاة و في آخرهم عدول المؤمنين، فلا يجوز ترك الاحتياط كما لا يخفى.

(1) قد وقع التعرّض في هذه المسألة لامور:

الأوّل: أنّ مقتضى إطلاق أدلّة ولاية الأب و الجدّ له ثبوت الولاية لهما من غير التقييد بالعدالة، كما عرفت أنّه الأحوط في المؤمنين، فثبوت فسقهما أو عروضه لا يوجب بنفسه الخروج عن الولاية، بحيث لو راعيا المصلحة الكاملة في التصرّف في أموال الطفل لكان التصرّف بلا وجه و صادرا من غير الولي الشرعي، بل تصرّفهما صحيح و صادر عمّن له الولاية.

الثاني: أنّه حيث إنّ الحكمة بل العلّة في ثبوت الولاية للأب و الجدّ رعاية الغبطة و المصلحة للأطفال، بحيث لم يقع منهما تضرّر على المولّى عليه لعدم قدرته خصوصا في بعض المراحل على هذه الرعاية بوجه، فلو ظهر للحاكم و لو بقرائن الأحوال ثبوت الضرر منهما على الطفل المولّى عليه يجب على الحاكم في هذه الصورة- و هي صورة الظهور- عزلهما و منعهما من التصرّف في أمواله؛ لاستلزامه خلاف علّة ثبوت

الولاية لهما. غاية الأمر أنّ عدم اعتبار العدالة فيهما إنّما هو لأجل

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 302

[مسألة 7: الأب و الجدّ مستقلّان في الولاية]

مسألة 7: الأب و الجدّ مستقلّان في الولاية، فينفذ تصرّف السابق منهما و لغا اللّاحق، و لو اقترنا ففي تقديم الجدّ، أو الأب، أو عدم الترجيح و بطلان تصرّف كليهما وجوه، بل أقوال، فلا يترك الاحتياط (1).

______________________________

كون القرابة النسبية بهذا المقدار يوجب عادة رعاية المصلحة للمولّى عليه، فالأب لا يقدم غالبا على ابنه أو بنته و كذلك الجدّ، لكن لو شوهد الخلاف و لو بقرائن الأحوال تصل النوبة إلى الحاكم الذي تمنع عدالته عن ذلك و يجب عليه العزل و المنع.

الثالث: أنّه لا يجب على الحاكم الذي يحتمل ذلك- و لكن لم يظهر له- الفحص عن عملهما و تتبّع سلوكهما ليظهر له كيفيّة عملهما؛ و ذلك لحمل فعل المسلم على الصحّة، و في المقام هي عبارة عن عدم كون تصرّفهما بنحو يكون فيه ضرر على الطفل المولّى عليه، فإنّ الصحّة في المقامات يختلف معناها و يتفاوت مصاديقها، فإنّ الصحّة في المعاملات في مقابل فسادها الشرعي، و في التصرّفات غير المعامليّة في المقام بمعنى عدم اشتمالها على الضرر، فتدبّر.

(1) قد نفى وجدان الخلاف في اشتراكهما في الولاية- على معنى نفوذ تصرّف السابق- في الجواهر «1»، بل حكي عن ظاهر نكاح المسالك الإجماع عليه «2»؛ لأنّه مقتضى ثبوت الولاية لكلّ منهما. نعم، في صورة الاقتران و انعدام السابق و اللاحق ربما يقال بترجيح الجدّ لثبوت ولايته على الأب في بعض الأحوال، و للنصوص المستفيضة في باب النكاح «3» الثابتة في المقام بالأولوية، و ربما يقال بتقديم ولاية

______________________________

(1) جواهر الكلام: 26/ 102.

(2) مسالك

الأفهام: 7/ 117- 119، و الحاكي هو صاحب مفتاح الكرامة: 5/ 256.

(3) وسائل الشيعة: 20/ 289- 291، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح و أولياء العقد ب 11.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 303

[مسألة 8: الظاهر أنّه لا فرق بين الجدّ القريب و البعيد]

مسألة 8: الظاهر أنّه لا فرق بين الجدّ القريب و البعيد، فلو كان له أب و جدّ و أب الجدّ و جدّ الجدّ فلكلّ منهم الولاية (1).

[مسألة 9: يجوز للوليّ بيع عقار الصبي مع الحاجة و اقتضاء المصلحة]

مسألة 9: يجوز للوليّ بيع عقار الصبي مع الحاجة و اقتضاء المصلحة، فإن كان البائع هو الأب و الجدّ جاز للحاكم تسجيله و إن لم يثبت عنده أنّه مصلحة.

و أمّا غيرهما كالوصي فلا يسجّله إلّا بعد ثبوتها عنده على الأحوط و إن كان الأقرب جواز تسجيله مع وثاقته عنده (2).

______________________________

الأب لشدّة اتّصاله و كون ولاية الجدّ بواسطته، كما أنّ الوجه في بطلان تصرّف كليهما الاقتران و عدم الترجيح و عدم إمكان الجمع.

و لكن في المتن نهى عن ترك الاحتياط لعدم تماميّة شي ء من الأدلّة المتقدّمة حتّى الأولويّة المذكورة؛ لعدم قطعيّتها و عدم حجّية الظنّية و هو الظاهر، لكن الاحتياط يحصل بما فيه النفع الأكثر و الغبطة الكاملة، كما لا يخفى.

(1) إذا اجتمع الأب مع الجدّ الأعلى أي أب الجدّ أو جدّه فالظاهر ثبوت الولاية لهما؛ لصدق الأبوّة الحقيقيّة التي كانت له شدّة الاتّصال و صدق الجدّ معا. و أمّا لو لم يكن هناك أب، بل كان جدّ و أب الجدّ مثلا، ففي ثبوت الولاية لهما إشكال؛ لأنّ الجدّ و إن كان موجودا إلّا أنّ أب الجدّ لا يصدق عليه الأب عرفا، فلا دليل على ثبوت الولاية له، خصوصا في فرض كون الجدّ قد تصرّف لاحقا، فإنّ إبطال تصرّفه لأجل لحوقه بتصرّف أبيه مشكل بل ممنوع، كما لا يخفى، فالظاهر خلاف ما استظهره في المتن.

(2) لا إشكال في أنّه يجوز للولي أن يبيع عقار الصبي كلّا أو بعضا مع الحاجة و اقتضاء المصلحة ذلك، غاية الأمر أنّه إن كان

الوليّ البائع هو الأب أو الجدّ،

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 304

[مسألة 10: يجوز للوليّ المضاربة بمال الطفل و إبضاعه بشرط وثاقة العامل و أمانته]

مسألة 10: يجوز للوليّ المضاربة بمال الطفل و إبضاعه بشرط وثاقة العامل و أمانته، فإن دفعه إلى غيره ضمن (1).

______________________________

فحيث إنّ ولايتهما تكون في الدرجة الاولى من الأولياء و لا يعتبر فيهما العدالة، بل و لا الوثاقة كما تقدّم، يجوز للحاكم الشرعي تسجيل هذا البيع و إن لم يثبت عنده أنّه مصلحة. و إن كان غيرهما، فإن كان حاكما آخر فمقتضى اعتبار العدالة في الحاكم رعاية المصلحة، فيجوز بل يجب لحاكم آخر التسجيل، و إن كان وصيّا من ناحية الأب أو الجدّ فقد استقرب في المتن جواز التسجيل مع الوثاقة عنده و إن احتاط بعدم التسجيل إلّا بعد ثبوتها.

و لعلّ السرّ فيه أنّ رعاية مصلحة الطفل سيّما إذا كان صغيرا جدّا مع الالتفات إلى عدم تشخيص مصالحه و مفاسده حينئذ غالبا لا بدّ و أن تكون منظورة، غاية الأمر أنّ الأب و الجدّ للأب لشدّة اتّصالهما بالطفل و شدّة علاقتهما به يراعيان المصلحة نوعا، و لذا لا يعتبر فيهما العدالة، بل و لا الوثاقة، و مع ذلك فقد مرّ أنّه لو ظهر للحاكم عدم رعايتهما ذلك و لو بقرائن الأحوال عزلهما و منعهما من التصرّف، و أمّا غير الأب و الجدّ فقد عرفت أنّه إن وصلت النوبة مستقيما إلى الحاكم فلا مانع منه؛ لاتّصافه بالعدالة، كما أنّه إذا بلغت إلى عدول المؤمنين فكذلك، و أمّا الوصي من الأب أو الجدّ فمع عدم ثبوت وثاقته عند الحاكم فلا يجوز له تسجيله مع عدم العلم بالحال. نعم، في صورة ثبوت الوثاقة لا مانع من التسجيل.

(1) يجوز للوليّ الشرعي المضاربة بمال

الطفل و إبضاعه بشرط ترتّب الربح على المضاربة نوعا، أو محفوظيّة المال عنده لأجل بعض الخصوصيّات الثابتة له بحيث لو لم يجعل مضاربة يكون في معرض السرقة و نحوها، كلّ ذلك إذا كان العامل أمينا

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 305

[مسألة 11: يجوز للوليّ تسليم الصبي إلى أمين يعلّمه الصنعة]

مسألة 11: يجوز للوليّ تسليم الصبي إلى أمين يعلّمه الصنعة، أو إلى من يعلّمه القراءة و الخطّ و الحساب و العلوم العربية و غيرها من العلوم النافعة لدينه و دنياه، و يلزم عليه أن يصونه عمّا يفسد أخلاقه، فضلا عمّا يضرّ بعقائده (1).

[مسألة 12: يجوز لوليّ اليتيم إفراده بالمأكول و الملبوس من ماله]

مسألة 12: يجوز لوليّ اليتيم إفراده بالمأكول و الملبوس من ماله، و أن يخلطه بعائلته و يحسبه كأحدهم، فيوزّع المصارف عليهم على الرءوس في المأكول و المشروب. و أمّا الكسوة فيحسب على كلّ على حدة. و كذا الحال في اليتامى المتعدّدين، فيجوز لمن يتولّى الإنفاق عليهم إفراد كلّ، و اختلاطهم

______________________________

و محلّ وثوق يؤمن معه من أكل مال اليتيم، أو الصرف في التجارات غير العقلائيّة، و مع عدم الوثاقة و الأمانة يتحقّق الضمان؛ لأنّه لم يكن للولي الدفع إليه و الحال هذه، فمع الدفع المقرون بعدم الجواز يتحقّق الضمان لا محالة، كما هو غير خفيّ.

(1) يجوز للوليّ مطلقا أن يسلّم الطفل الصغير و يجعله تحت اختيار أمين يعلّمه الصنعة، أو معلّم أمين يعلّمه القراءة و الخطّ و الحساب و العلوم العربية و غيرها من العلوم النافعة لدينه و دنياه، التي يكون المعمول تعلّمها في حال الطفولية، و في زماننا هذا يرسله إلى المدارس التي لها مراتب مختلفة، أو إلى إحدى الحوزات العلمية مع رعاية ما هو أنفع له، و يكون طبعه ملائما له بحيث يسهل عليه الوصول إليه و الرشد و التكامل فيه، و يلزم على الوليّ أن يصونه عمّا يفسد أخلاقه، فضلا عمّا يضرّ بعقائده و يوجب الانحراف له من هذه الجهة.

و بالجملة: حيث إنّ بنيان الامور إنّما يتحقّق في حالة الطفوليّة، فاللازم على الولي تهيئة مقدّمات الرشد و التكامل، و ملاحظة

حفظه عن فساد الأخلاق فضلا عن العقيدة؛ لعدم قدرته على تشخيص هذه الامور بنفسه.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 306

في المأكول و المشروب و التوزيع عليهم دون الملبوس. (1)

[مسألة 13: لو كان للصغير مال على غيره جاز للوليّ أن يصالحه عنه ببعضه مع المصلحة]

مسألة 13: لو كان للصغير مال على غيره جاز للوليّ أن يصالحه عنه ببعضه مع المصلحة، لكن لا يحلّ على المتصالح باقي المال، و ليس للوليّ إسقاطه بحال (2).

______________________________

(1) يجوز لوليّ الطفل الذي لا يكون له أب لمخالطته معه في هذه الحالة نوعا إفراده بالمأكول و الملبوس من مال الطفل بالكيفيّة التي هي من شئونه، و لا يكون زائدا عليها أو ناقصا عنها، كما أنّه في خصوص المأكول و المشروب يجوز له أن يخلطه بعائلته و اسرته و يحسبه كأحدهم، فيوزّع المصارف عليهم بنسبة الرءوس و يأخذ سهم اليتيم من ماله، بل لعلّ هذا يكون أنفع بحاله من الإفراد و الاستقلال؛ لأنّ التوزيع موجب لقلّة مصارف اليتيم نوعا، و كذا الحال في اليتامى المتعدّدين، هذا بالإضافة إلى المأكول و المشروب.

و أمّا الملبوس، فحيث إنّه لا معنى للتوزيع فيه غالبا فالحساب على كلّ على حدة. و أمّا المسكن لو لم يكن اليتيم واجدا له بالإرث و نحوه، فاللازم فيه أيضا رعاية ما هو صلاح له من الاشتراء و الاستئجار و الإفراد و المخالطة، حتّى يمكن أن يكون الأصلح له ما هو المسمّى في زماننا هذا ب «الرهن و الإجارة» التي تكون صحّتها باستئجار الدار مثلا بأقلّ من مال الإجارة، و يشترط المؤجر على المستأجر أن يقرضه مالا؛ بشرط أن يكون المؤجر أمينا في أداء القرض و ردّه في زمانه، كما لا يخفى.

(2) المفروض وجود مال للصغير على غيره، يجب عليه فيما بينه

و بين اللّه إيصال الجميع إلى وليّه، لكن يرى الوصيّ امتناع ذلك الغير عن الإيصال لإنكاره إيّاه مثلا، لكن لو صالحه عنه ببعضه يمكن له الوصول إلى ذلك البعض، ففي هذه

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 307

[مسألة 14: المجنون كالصغير في جميع ما ذكر. نعم، لو تجدّد جنونه بعد بلوغه و رشده]

مسألة 14: المجنون كالصغير في جميع ما ذكر. نعم، لو تجدّد جنونه بعد بلوغه و رشده فالأقرب أنّ الولاية عليه للحاكم دون الأب و الجدّ و وصيّهما، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بتوافقهما معا (1).

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، در يك جلد، مركز فقه ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1425 ه ق

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...؛ ص: 307

______________________________

الصورة المشتملة على المصلحة يصالحه ببعضه لئلّا يذهب جميع المال؛ لعدم ثبوت بيّنة له مثلا على الإثبات، فيجوز له ذلك، و لكن هذا العمل لا يؤثّر في حلّية الباقي للمتصالح مع علمه بثبوته عنده، كما أنّه ليس للوليّ إسقاطه بحال؛ لأنّ المال لا يكون مالا له بل للمولّى عليه الصغير، و لا يكون له حقّ الإسقاط، و مجرّد جواز المصالحة بالبعض- لوجود المصلحة في ذلك نظرا إلى أنّه بدونها يذهب جميع المال- لا يوجب الخروج عن حقّ الصبي الثابت بينه و بين اللّه، و هل الحكم كذلك بالنسبة إلى مال النفس أيضا؟ الظاهر نعم؛ لأنّ المصالحة على الأقلّ إنّما هي لأجل عدم ذهاب الجميع، لا لأجل التراضي عن جميع ماله بذلك، كما هو غير خفيّ.

(1) المجنون الذي اتّصل جنونه بصغره بحيث لم يتحقّق بينهما فصل الرشد بوجه، يكون كالصغير في جميع ما ذكر من شئون الولاية. و أمّا لو

تحقّق بينهما الفصل بالبلوغ و الرشد؛ بأن بلغ رشيدا مدّة ثمّ عرض له الجنون، و قد تقدّم في المسألة الرابعة أنّ زوال الصغر بالبلوغ لا يوجب زوال الحجر عنه، بل لا بدّ معه من الرشد بالمعنى الذي سنبيّنه إن شاء اللّه تعالى «1».

فاعلم أنّ الولاية عليه في هذه الصورة التي تجدّد جنونه بعد بلوغه و رشده للحاكم لا للأب و الجدّ و وصيّهما؛ لعدم الدليل على ولاية الأب و الجدّ في هذه الصورة، بل المرجع هو الحاكم الذي هو الوليّ في مثله، لكن في المتن لا ينبغي

______________________________

(1) في ص 317- 318.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 308

[مسألة 15: ينفق الوليّ على الصبي بالاقتصاد لا بالإسراف و لا بالتقتير]

مسألة 15: ينفق الوليّ على الصبي بالاقتصاد لا بالإسراف و لا بالتقتير ملاحظا له عادته و نظراءه، فيطعمه و يكسوه ما يليق بشأنه (1).

[مسألة 16: لو ادّعى الوليّ الإنفاق على الصبيّ أو على ماله أو دوابّه بالمقدار اللائق]

مسألة 16: لو ادّعى الوليّ الإنفاق على الصبيّ أو على ماله أو دوابّه بالمقدار اللائق، و أنكر بعد البلوغ أصل الإنفاق أو كيفيّته، فالقول قول الوليّ مع اليمين، و على الصبيّ البيّنة (2).

______________________________

ترك الاحتياط بتوافقهما معا؛ لأنّ الأمر يدور بين الأب و الجدّ و بين الحاكم، فالاحتياط في رعاية توافق كليهما كما لا يخفى.

(1) قد مرّت الإشارة إلى أنّ إنفاق الولي على الصبي لا بدّ أن يكون خاليا عن الإسراف و التقتير، بل يراعي فيه ما يناسب شأنه و يليق به من حيث المطعم و الكسوة و المسكن و سائر الجهات، فلو أسرف في ذلك يكون ضامنا للزيادة، كما أنّه لو قتّر يكون معاقبا عليه، بل لو صار التقتير سببا للمرض و الكسالة المستلزمة صحّتها للمخارج لا يبعد أن يقال بضمان تلك المخارج حتّى تتحقّق الصحّة.

(2) لو وقع الاختلاف بين الوليّ و بين الصبيّ بعد بلوغه و رشده، فادّعى الوليّ الإنفاق على الصبي أو على ماله و دوابّه بالمقدار اللائق المناسب لحاله و شأنه، و أنكر الصبي بعد البلوغ أصل الإنفاق أو كيفيّته، كما إذا ادّعى أنّه أنفق غيره عليه تبرّعا، أو ادّعى عدم كون الإنفاق الصادر من الولي مناسبا لحاله و ملائما لشأنه من جهة الإسراف و التبذير، فظاهر المتن أنّ الصبيّ هو المدّعي و عليه البيّنة، و الوليّ هو المنكر و عليه اليمين مع عدم البيّنة للمدّعي، كما هو الشأن في الموارد الاخرى التي تكون البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة،

الدين و...، ص: 309

[القول في السفه]

اشارة

القول في السفه السفيه: هو الذي ليس له حالة باعثة على حفظ ماله و الاعتناء بحاله، يصرفه في غير موقعه و يتلفه بغير محلّه، و ليست معاملاته مبنيّة على المكايسة و التحفّظ عن المغابنة، لا يبالي بالانخداع فيها، يعرفه أهل العرف و العقلاء بوجدانهم إذا وجدوه خارجا عن طورهم و مسلكهم بالنسبة إلى أمواله تحصيلا و صرفا، و هو محجور عليه شرعا لا ينفذ تصرّفاته في ماله ببيع و صلح و إجارة و هبة و إيداع و عارية و غيرها، من غير توقّف على حجر الحاكم إذا كان سفهه متّصلا بزمان صغره، و أمّا لو تجدّد بعد البلوغ و الرّشد فيتوقّف على حجر الحاكم، فلو حصل له الرشد ارتفع حجره، و لو عاد فله أن يحجره (1).

______________________________

و لعلّ السرّ فيه إمّا ما اخترناه في كتاب القضاء من أنّ المرجع في تشخيص المدّعي و المنكر هو العرف «1»، و من الواضح أنّ المدّعي بناء عليه هو الصبيّ الذي يدّعي عدم الإنفاق أو الكيفيّة، و إمّا مطابقة قول الولي للأصل أو الظاهر، فإنّ أصالة الصحّة في عمله و هو الإنفاق تقتضي كون الإنفاق على الصبي أو على ماله أو دوابّه بالمقدار اللائق، و كذا الظاهر يقتضي ذلك بعد كون الإنفاق من مال الطفل، و ليس هناك داع للزيادة أو النقيصة، مضافا إلى أنّ الإنفاق من المتبرّع خصوصا في طول المدّة خلاف الظاهر، فالحكم كما أفاده في المتن من أنّه مع عدم البيّنة للصبي المدّعي يكون قول الولي المنكر مع اليمين.

(1) قد فسّر المحقّق في الشرائع بأنّ الرشد هو أن يكون مصلحا لماله «2»، و الظاهر

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة،

كتاب القضاء و الشهادات: 75- 77.

(2) شرائع الإسلام: 2/ 100.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 310

[مسألة 1: الولاية على السفيه للأب و الجدّ و وصيّهما إذا بلغ سفيها]

مسألة 1: الولاية على السفيه للأب و الجدّ و وصيّهما إذا بلغ سفيها، و فيمن طرأ عليه السفه بعد البلوغ للحاكم الشرعي (1).

______________________________

أنّ السفيه لا يكون له معنى شرعي، بل استعماله في الكتاب و السنّة إنّما هو بالمعنى الذي يقول به العرف و العقلاء، و خلاصته ما أفاده في المتن من أنّ السفيه هو الذي ليس له حالة باعثة و ملكة راسخة على حفظ المال، و لا تكون معاملاته بنحو يجريها العقلاء من المكايسة و التحفّظ عن المغابنة و عدم الانخداع في المعاملة، و مصاديقه واضحة عند العرف ظاهرة لديهم، و بعد ذلك لا يحتاج إلى تعريف كامل جامع للجنس و الفصل. نعم، الظاهر اختصاص ذلك بالامور المالية، فلا ينافي الدقّة الكاملة و التحقيق الوسيع في مثل اختيار الزوجة و نحوه.

و قد فصّل في المتن بين ما إذا كان السفه متّصلا بزمان صغره، فيكون محجورا عليه بنفسه و لا ينفذ تصرّفاته في ماله ببيع و صلح و إجارة وهبة و إيداع و شبهها من دون توقّف على حجر الحاكم، ففي الحقيقة تكون المحجوريّة ثابتة عليه من زمان الصغر إلى بعد البلوغ من دون فصل، و بين ما لو تجدّد بعد البلوغ و الرشد و تحقّق الفصل بين الصغر و بين الرشد بعد البلوغ السفاهة، فالمحجورية متوقّفة على حجر الحاكم، و لا يتحقّق الحجر بنفسه؛ لأنّ السفيه لا يرى نفسه سفيها، فلا بدّ أن يبيّنه الحاكم و يحكم بحجره، فلو حصل له الرشد ارتفع حجره لانتفاء موضوعه، كما أنّه لو عاد فللحاكم أن يحجره ثانيا

لتجدّد موضوعه، و هكذا.

و كيف كان، فالسفاهة إحدى موجبات الحجر، و الوجه فيه واضح.

(1) قد مرّت الإشارة آنفا إلى التفصيل في السفيه بين من بلغ سفيها، فالولاية للأب و الجدّ و وصيّهما باقية، و بين من طرأ عليه السفه بعد البلوغ، فالولاية للحاكم

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 311

[مسألة 2: كما أنّ السفيه محجور عليه في أمواله كذلك في ذمّته]

مسألة 2: كما أنّ السفيه محجور عليه في أمواله كذلك في ذمّته؛ بأن يتعهّد مالا أو عملا، فلا يصحّ اقتراضه و ضمانه و لا بيعه و شرائه بالذمّة، و لا إجارة نفسه و لا جعل نفسه عاملا للمضاربة و نحوها (1).

______________________________

الشرعي، و لعلّ الصورة الاولى مستفادة من قوله تعالى: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ «1» حيث إنّ المخاطب هو الأب و الجدّ، و مقتضاها أنّه إذا لم يظهر لهما رشدهم فحرمة دفع الأموال إليهم باقية كما قبل البلوغ، و الثانية على القاعدة الجارية في جميع موارد الاحتياج إلى الولي إلّا في صورة قيام الدليل؛ و هي ولاية الحاكم.

(1) لاشتراك ما في الذمّة من التعهّد المالي أو العملي مع الأموال الخارجيّة في ثبوت الحجر، و عدم ترتيب الأثر على عمله بعد عدم ثبوت الملكة الباعثة على الانحفاظ و عدم التعرّض للتلف، فكما أنّه محجور عليه في أن يشتري شيئا بثمن شخصي موجود للوجه المذكور، كذلك هو محجور عليه في أن يشتري نسيئة مثلا بحيث كان الثمن في ذمّته؛ لعدم الفرق بين الصورتين في ملاك المحجورية و مناطها، و كما أنّه لا يجوز أن يستأجر شيئا باجرة معيّنة لعدم ثبوت تلك الملكة، كذلك لا يجوز له أن يؤجر نفسه في باب الإجارة على الأعمال؛ مثل أن يصير أجيرا لخياطة ثوب

و نحوها و إن كان أصل الاجرة ثابتا، بل لو فرض جعل الاجرة عليه أزيد من المقدار المتعارف؛ لأنّ البحث ليس في كثرة الاجرة و قلّتها، بل الملاك هو ما ذكرنا من عدم ثبوت الملكة الباعثة على الانحفاظ، و إلّا ففي مثل البيع إذا اشترى المبيع بنصف القيمة العادلة الواقعيّة لا يمكن الحكم بالصحّة من دون موافقة الولي و إذنه،

______________________________

(1) سورة النساء: 4/ 6.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 312

[مسألة 3: معنى عدم نفوذ تصرّفات السفيه عدم استقلاله]

مسألة 3: معنى عدم نفوذ تصرّفات السفيه عدم استقلاله، فلو كان بإذن الولي أو إجازته صحّ و نفذ. نعم، فيما لا يجري فيه الفضوليّة يشكل صحّته بالإجازة اللاحقة من الوليّ. و لو أوقع معاملة في حال سفهه، ثمّ حصل له الرشد فأجازها كانت كإجازة الوليّ (1).

[مسألة 4: لا يصحّ زواج السفيه بدون إذن الوليّ أو إجازته]

مسألة 4: لا يصحّ زواج السفيه بدون إذن الوليّ أو إجازته، لكن يصحّ طلاقه و ظهاره و خلعه، و يقبل إقراره إن لم يتعلّق بالمال حتّى بما يوجب القصاص

______________________________

و كذلك لا يجوز جعل نفسه عاملا للمضاربة، بل و لا الجعالة مثلا، و إن كان عدم القبول مستلزما لتعطّله و عدم اشتغاله بوجه؛ لوجود الملاك المذكور في الجميع، كما هو غير خفيّ.

و بالجملة: السفاهة مانعة عن نفوذ مطلق تصرّفاته المالية عينا كانت أو ذمّة، و لا فرق بين الموارد المذكورة و شبهها أصلا.

(1) قد عرفت أنّ احتياج السفيه إلى الوليّ ليس لأجل كون عبارته كلا عبارة مثلا، بل لأجل حصول الانخداع له في المعاملة نوعا، و ذلك لأجل عدم ثبوت الملكة الباعثة له على الانحفاظ و عدم الانخداع و إن لم يتحقّق ذلك في شخص معاملة، و عليه فلو كان تصرّفه مسبوقا بإذن الولي أو ملحوقا له لا يبقى مجال للترديد في الصحّة بعد عدم كونه مسلوب العبارة. نعم، في المعاملات التي لا تجري فيها الفضولية يشكل صحّتها بالإجازة اللاحقة من الولي، لأنّه ليس بأولى من نفسه في صورة الرشد و عدم السفاهة، و لو أوقع معاملة في حال سفهه جارية فيها الفضولية، فكما أنّ الإجازة اللاحقة من الولي مؤثّرة في صحّتها لو بقي على حالة السفاهة و عدم الرشد، كذلك إجازة نفسه إذا حصل له الرشد في حال الإجازة.

تفصيل

الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 313

و نحو ذلك، و لو أقرّ بالنسب يقبل في غير لوازمه الماليّة كالنفقة، و أمّا فيها فلا يخلو من إشكال و إن كان الثبوت لا يخلو من قرب. و لو أقرّ بالسرقة يقبل في القطع دون المال (1).

[مسألة 5: لو وكّله غيره في بيع أو هبة أو إجارة مثلا جاز]

مسألة 5: لو وكّله غيره في بيع أو هبة أو إجارة مثلا جاز و لو كان وكيلا في أصل المعاملة لا مجرّد إجراء الصيغة (2).

______________________________

(1) لا يصحّ زواج السفيه بدون إذن الولي أو إجازته؛ لأنّ النكاح المنقطع لا بدّ فيه من المهر و هو تصرّف ماليّ، و النكاح الدائم و إن كان لا يلزم فيه ذكر المهر و تسميته، إلّا أنّ لزوم مهر المثل باق على حاله، و هو أيضا تصرّف ماليّ، و في المتن: «لكن يصحّ طلاقه و ظهاره و خلعه»، و يمكن الاستشكال في الأخير من جهة الاحتياج إلى قبول المال المبذول من الزوجة عوضا عن الطلاق، و هو تصرّف ماليّ يمكن أن يقع فيه الانخداع.

و أمّا الإقرار، ففي المتن أنّه يقبل إن لم يتعلّق بالمال حتّى بما يوجب القصاص، و لو أقرّ بالنسب فلا إشكال في قبول إقراره بالإضافة إلى غير لوازمه المالية، كحرمة الزواج و جواز النظر و مثلهما. و أمّا بالنسبة إليها، فقد نفى الخلوّ عن الإشكال، و إن نفى الخلوّ عن القرب في الثبوت، و لعلّ الوجه فيه أنّ اللوازم الماليّة من الامور التبعيّة في باب النسب و إن كانت لازمة له، و لكن الظاهر بقاء الإشكال بحاله.

و لو أقرّ بالسرقة فبالإضافة إلى حقّ اللّه الذي هو القطع يقبل، و بالإضافة إلى حقّ الناس الذي هو المال المسروق منه لا يقبل.

(2)

لو صار السفيه وكيلا عن الغير في بيع أو هبة أو إجارة مثلا جاز مطلقا؛ لعدم استلزام ذلك للتصرّف المالي، من دون فرق بين أن يكون وكيلا في مجرّد

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 314

[مسألة 6: لو حلف السفيه أو نذر على فعل شي ء أو تركه ممّا لا يتعلّق بماله انعقد]

مسألة 6: لو حلف السفيه أو نذر على فعل شي ء أو تركه ممّا لا يتعلّق بماله انعقد، و لو حنث كفّر كسائر ما يوجب الكفّارة؛ كقتل الخطأ و الإفطار في شهر رمضان. و هل يتعيّن عليه الصوم لو تمكّن منه، أو يتخيّر بينه و بين الكفّارة الماليّة كغيره؟ وجهان، أحوطهما الأوّل. نعم، لو لم يتمكّن من الصوم تعيّن غيره، كما إذا فعل ما يوجب الكفّارة الماليّة على التعيين، كما في كفّارات الإحرام كلّها أو جلّها (1).

______________________________

إجراء الصيغة أو وكيلا في أصل المعاملة، و لو استؤجر على ذلك يقع الإشكال فيه؛ لأنّه من مصاديق الإجارة على الأعمال، و قد عرفت محجوريّة السفيه بالإضافة إليها، و من هنا يمكن الاستشكال فيه من حيث إنّ الوكالة المجّانية فاقدة للإشكال و متّصفة بالجواز، و الاستئجار على الوكالة غير جائز.

(1) لو حلف السفيه أو نذر على فعل شي ء راجح أو تركه كذلك ممّا لا يتعلّق بماله انعقد، إنّما الكلام في وجوب الكفّارة في صورة الحنث، فإن كان مثل قتل الخطأ ممّا لا تأثير للإرادة في ذلك فلا شبهة في الوجوب، و إن كان مثل الإفطار في شهر رمضان من الكفّارة المخيّر فيها بين الأمر المالي و الأمر غير المالي كالصوم و إطعام الستّين مسكينا، فإن لم يتمكّن من الصوم فالظاهر تعيّن غيره، كما أنّه في صورة الإفطار عمدا بالمحرّم يجب عليه الجمع، و في الكفّارة المالية على التعيين، كما

في كفّارات الإحرام كلّها أو جلّها، كما إذا لبس الرجل المخيط في إحرام الحجّ و لو مع الاضطرار يوجب الثبوت على السفيه، و هكذا في الامور الاختيارية الموجبة للكفّارة، و لكنّه ربما يختلج بالبال أنّ الأمر الاختياري الموجب للكفّارة تصرّف مالي اختياري، فاللازم القول بعدم إيجابه الكفّارة بوجه، و لكن الظاهر عدمه؛

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 315

[مسألة 7: لو كان للسفيه حقّ القصاص جاز أن يعفو عنه]

مسألة 7: لو كان للسفيه حقّ القصاص جاز أن يعفو عنه، بخلاف الدية و أرش الجناية (1).

[مسألة 8: لو اطّلع الولي على بيع أو شراء مثلا من السفيه و لم ير المصلحة في إجازته]

مسألة 8: لو اطّلع الولي على بيع أو شراء مثلا من السفيه و لم ير المصلحة في إجازته، فإن لم يقع إلّا مجرّد العقد ألغاه. و إن وقع تسليم و تسلّم للعوضين، فما سلّمه إلى الطرف الآخر يستردّه و يحفظه، و ما تسلّمه و كان موجودا يردّه إلى مالكه، و إن كان تالفا ضمنه السفيه، فعليه مثله أو قيمته لو قبضه بغير إذن من مالكه، و إن كان بإذن منه لم يضمنه إلّا في صورة الإتلاف منه، فإنّه لا يبعد فيها الضمان. كما أنّ الأقوى الضمان لو كان المالك الذي سلّمه الثمن أو المبيع جاهلا بحاله أو بحكم الواقعة، خصوصا إذا كان التلف بإتلاف منه. و كذا الحال لو

______________________________

لأنّ الكفّارة تخفيف للعذاب الاخروي و لا يكون تصرّفا ماليّا، كما لو لم يتمكّن من الصوم في كفّارة الإفطار في شهر رمضان، فإنّ الالتزام بعدم الكفّارة المالية يوجب التجرّي على الإفطار الموجب للعذاب، فالإنصاف عدم كون الكفّارة من مصاديق التصرّف المالي، كوجوب الخمس و الزكاة عليه مع تحقّق موجبهما عنده، فإذا اتّجر بإذن الولي و فضل من مئونة السنة شي ء يجب عليه خمس الأرباح، و هكذا بالنسبة إلى الزكاة كما لا يخفى.

(1) أمّا العفو عن حقّ القصاص فلعدم كونه تصرّفا ماليّا محتاجا إلى موافقة الوليّ، و هذا بخلاف العفو عن الدية و أرش الجناية، فهو تصرّف مالي و عفو عن المال، و هو محجور عليه بالإضافة إليه كما مرّ «1».

______________________________

(1) في ص 310.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 316

اقترض السفيه و أتلف المال (1).

[مسألة 9: لو أودع شخص وديعة عند السفيه فأتلفها ضمنها على الأقوى]

مسألة 9: لو أودع شخص وديعة عند السفيه فأتلفها ضمنها على الأقوى؛ سواء علم المودع بحاله أو لا،

و لو تلفت عنده لم يضمنها إلّا مع تفريطه في

______________________________

(1) لو تحقّق البيع أو الشراء من السفيه و اطّلع الولي عليه و لم يكن موافقا لمصلحة السفيه و لأجله لم يجزه، فإن لم يقع إلّا مجرّد العقد ففي المتن أنّه ألغاه، و مراده منه إعلام اللغوية، و إلّا فهو ملغى بنفسه في هذه الصورة، و إن وقع بعد العقد التسليم من الطرفين فسلّم السفيه المبيع مثلا إلى المشتري و تسلّم الثمن منه فالسفيه يستردّ المبيع و يحفظه؛ لعدم وقوع تسليمه على النحو المجاز، و ما تسلّمه من الثمن إن كان موجودا عنده يردّه إلى المشتري المالك إيّاه كما هو المفروض. و إن كان تالفا، فإن قبضه بغير إذن من مالكه فمقتضى قاعدة الإتلاف ضمان السفيه له مثلا أو قيمة، و الضمان في هذه الصورة كالكفّارة في المسألة السابقة، و لا يكون السفيه بمستثنى و إن كان الإتلاف اختياريا.

و إن كان قبضه بإذن من مالكه، فقد نفى البعد عن الضمان فيه إذا كان التلف مستندا إلى الإتلاف، كما أنّه قد قوّى فيه الضمان لو كان المالك جاهلا بحاله من حيث السفاهة، أو جاهلا بحكم الواقعة من عدم تحقّق المعاملة الصحيحة غير المتوقّفة على إذن الولي أو إجازته، خصوصا إذا كان التلف مستندا إلى إتلافه؛ لما عرفت من عدم كونه مستثنى من تلك القاعدة بوجه، ضرورة أنّ لازم الاستثناء التجرّي على إتلاف مال الغير لعدم ترتّب الضمان عليه. و في المتن: «و كذا الحال لو اقترض السفيه و أتلف المال»، فإنّ الأقوى فيه الضمان لو كان المقرض جاهلا بحاله، أو بحكم الواقعة من عدم صحّة اقتراضه بنفسه بوجه، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...،

ص: 317

حفظها على الأشبه (1).

[مسألة 10: لا يسلّم إلى السفيه ماله ما لم يحرز رشده]

مسألة 10: لا يسلّم إلى السفيه ماله ما لم يحرز رشده، و إذا اشتبه حاله يختبر؛ بأن يفوّض إليه مدّة معتدّا بها بعض الامور ممّا يناسب شأنه؛ كالبيع و الشراء و الإجارة و الاستئجار لمن يناسبه مثل هذه الامور، و الرتق و الفتق في بعض الامور؛ مثل مباشرة الإنفاق في مصالحه و مصالح الوليّ و نحو ذلك فيمن يناسبه ذلك. و في السفيهة يفوّض إليها ما يناسب النساء؛ من إدارة بعض مصالح البيت، و المعاملة مع النساء؛ من الإجارة و الاستئجار للخياطة أو الغزل أو النساجة و أمثال ذلك، فإن آنس منه الرشد؛ بأن رأى منه المداقّة و المكايسة، و التحفّظ عن المغابنة في معاملاته، و صيانة المال من التضييع و صرفه في موضعه و جريه مجرى العقلاء، دفع إليه ماله، و إلّا فلا (2).

______________________________

(1) لو أتلف السفيه ما أودع عنده يكون ضامنا له على الأقوى؛ سواء علم المودع بحاله أو لا؛ لما عرفت من عدم استثنائه عن قاعدة ضمان الإتلاف، و إلّا يلزم تجرّيه على إتلاف أموال الناس؛ للعلم بعدم ترتّب الضمان عليه، و لا يكفي في ذلك مجرّد ثبوت الحكم التكليفي، و سواء كان الإتلاف عن عمد و اختيار أو عن جهل و اشتباه، كسائر الموارد التي لا فرق فيها بين هذه الصور. و أمّا إذا تلفت عنده من غير تعدّ و تفريط فحكمه حكم سائر الامناء في ذلك؛ لعدم اقتضاء السفاهة عقوبة زائدة من هذه الجهة. نعم، في صورة التفريط في الحفظ يجري حكم الإتلاف لما مرّ.

(2) إذا كان حال الشخص معلوما من حيث السفاهة فلا يدفع إليه ماله قبل إيناس الرشد بعد البلوغ، و إذا

كان حاله مشتبها و تردّد أمره بين السفاهة و عدمها فاللازم الاختبار؛ بأن يفوّض إليه مدّة معتدّا بها بعض الامور المناسبة لشأنه،

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 318

[مسألة 11: لو احتمل حصول الرشد للصبي قبل بلوغه يجب اختباره قبله ليسلّم إليه ماله بمجرّد بلوغه لو آنس منه الرشد]

مسألة 11: لو احتمل حصول الرشد للصبي قبل بلوغه يجب اختباره قبله ليسلّم إليه ماله بمجرّد بلوغه لو آنس منه الرشد، و إلّا ففي كلّ زمان احتمل فيه ذلك عند البلوغ أو بعده. و أمّا غيره فإن ادّعى حصول الرشد له و احتمله الوليّ يجب اختباره، و إن لم يدّع حصوله ففي وجوب الاختبار بمجرّد الاحتمال إشكال، لا يخلو عدمه من قوّة (1).

______________________________

كالمعاملات اللائقة بحاله، و يحوّل إليه مباشرة الإنفاق في مصالحه و مصالح الولي فيمن يناسبه ذلك، فإن آنس منه الرشد؛ بأن رأى منه المداقّة و المكايسة، و التحفّظ عن المغابنة في المعاملة، و ملاحظة عدم تحقّق الإسراف في الإنفاق، و على الجملة جريه مجرى العقلاء و سيره في مسيرهم في هذه الامور، دفع إليه ماله و إلّا فلا.

و هكذا في السفيهة بالإضافة إلى ما يرتبط بالنساء العاقلات من إدارة بعض مصالح البيت، و المعاملة مع النساء من الإجارة و الاستئجار للخياطة أو الغزل و النساجة، و معاملة الحليّ المعمولة عندهم، فإن آنس منها الرشد في ذلك بعدم خروجها عن مجرى العقلاء دفع إليها مالها لتفعل فيه ما تشاء، و إلّا فلا.

(1) لو احتمل حصول الرشد للصبي قبل بلوغه يجب عليه اختباره قبله، فإن آنس منه الرشد دفع إليه ماله بمجرّد البلوغ؛ لئلّا يلزم الفصل بين دفع المال و بين البلوغ مع إيناس الرشد، و ظاهر الآية الشريفة «1» الملازمة بين الأمرين، و إن لم يحتمل الرشد قبل البلوغ ففي كلّ

زمان احتمل فيه ذلك عند البلوغ أو بعده يجب عليه الاختبار ليدفع المال إليه في صورة إيناس الرشد، هذا بالإضافة إلى الصبيّ.

و أمّا بالإضافة إلى السفيه، فإن ادّعى حصول الرشد له و احتمل الوليّ صدقه

______________________________

(1) سورة النساء: 4/ 6.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 319

[القول في الفلس]

اشارة

القول في الفلس المفلّس من حجر عليه عن ماله لقصوره عن ديونه.

[مسألة 1: من كثرت عليه الديون و لو كانت أضعاف أمواله يجوز له التصرّف فيها بأنواعه]

مسألة 1: من كثرت عليه الديون و لو كانت أضعاف أمواله يجوز له التصرّف فيها بأنواعه، و نفذ أمره فيها بأصنافه و لو بإخراجها جميعا عن ملكه مجّانا أو بعوض ما لم يحجر عليه الحاكم الشرعي. نعم، لو كان صلحه عنها أو هبتها مثلا لأجل الفرار من أداء الديون يشكل الصحّة، خصوصا فيما إذا لم يرج حصول مال آخر له باكتساب و نحوه (1).

______________________________

يجب عليه اختباره؛ لاحتمال زوال وصف السفاهة كما يدّعيه، و أمّا إذا لم يدّع بنفسه حصول صفة الرشد، و لكن الولي في نفسه يحتمل الزوال، ففي المتن: «ففي وجوب الاختبار بمجرّد الاحتمال إشكال لا يخلو عدمه من قوّة»، و لعلّ الوجه فيه جريان استصحاب السفاهة و عدم زوالها بعروض الرشد، و مجرّد الاحتمال مع جريان استصحاب العدم لا يكفي في لزوم الاختبار. نعم، لا مانع منه و لكن البحث في لزومه و عدمه، كما هو واضح.

(1) قد عرفت في أوّل كتاب الحجر أنّ المحقّق في الشرائع جعل كتاب المفلّس كتابا مستقلّا في عرض كتاب الحجر، مع أنّ الفلس أحد الأسباب الموجبة للحكم بحجره، و عرّف المفلس بالفقير الذي ذهب خيار ماله و بقي فلوسه.

قال في الجواهر: و لعلّ العرف الآن على كون المفلس بالكسر أعمّ من الذاهب خيار ماله، بل هو شامل لمن لم يكن له مال من أوّل أمره إلّا الفلوس- إلى أن قال:- و الأصل أنّ المفلس في عرف اللغة هو الذي لا مال له، و لا ما يدفع به حاجته، و لهذا لمّا قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: أ تدرون ما المفلس؟ قالوا: يا رسول

اللّه صلّى اللّه عليه و آله المفلس فينا من

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 320

..........

______________________________

لا درهم له و لا متاع، قال: ليس ذلك المفلس، و لكن المفلس من يأتي يوم القيامة حسناته أمثال الجبال، و يأتي و قد ظلم هذا و أخذ من عرض هذا، فيأخذ هذا من حسناته و هذا من حسناته، فإن بقي عليه شي ء أخذ من سيئاتهم فيردّ عليه ثمّ صار إلى النار «1» «2»، و لكن تفسيره بما في المتن تفسير له بما هو المقصود عند المتشرّعة و الفقهاء؛ من أنّ المفلّس من حجر عليه عن ماله لقصوره عن ديونه، و لازمه عدم صدقه قبل أن يحجر عليه الحاكم، مع أنّ مقتضى ما ذكرنا أنّ الفلس يوجب الحكم بالحجر، لا أنّه غير متحقّق قبل الحكم، إلّا أن يقال بالفرق بين المفلس بالكسر و عدم التشديد و المفلّس بالفتح و التشديد، نظرا إلى أنّ الثاني لا يمكن أن يتحقّق قبل الحجر.

و كيف كان، فقد ذكر في المسألة الاولى أنّ من كثرت عليه الديون و لو كانت أضعاف أمواله يجوز له التصرّف فيها بأنواعه، و نفذ أمره فيها بأصنافه كما هو مقتضى القاعدة؛ لأنّ الدّين أمر و المال أمر آخر، فيجوز له إخراج الأموال جميعا عن ملكه و لو مجّانا. نعم، حيث إنّ المقصود للشارع عدم تضييع أموال الناس و ذهابها جعل للحاكم الشرعي أن يحجره عن التصرّف في أمواله، كما أنّه لو كان صلحه عن أمواله التي تكون الدّيون أكثر منها أو هبتها لأجل الفرار من أداء الديون تشكل الصحّة و لو قبل حجر الحاكم، خصوصا فيما إذا لم يرج حصول مال آخر له بإرث أو

اكتساب أو نحوهما؛ لأنّ مرجع ذلك إلى الإخلال بالديون التي

______________________________

(1) انظر المسند لاحمد بن حنبل: 3/ 169 ح 8035، صحيح مسلم: 4/ 1585 ح 2581، سنن الترمذي: 4/ 613 ح 2423، مسند أبي يعلى: 5/ 478 ح 6468، السنن الكبرى للبيهقي: 8/ 490 ح 11698، شرح السنّة:

14/ 360 ح 4164، كنز العمال: 4/ 236 ح 10327.

(2) جواهر الكلام: 25/ 277.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 321

[مسألة 2: لا يجوز الحجر على المفلّس إلّا بشروط أربعة]

مسألة 2: لا يجوز الحجر على المفلّس إلّا بشروط أربعة:

الأوّل: أن تكون ديونه ثابتة شرعا.

الثاني: أن تكون أمواله- من عروض و نقود و منافع و ديون على الناس ما عدا مستثنيات الدّين- قاصرة عن ديونه.

الثالث: أن تكون الديون حالّة، فلا يحجر عليه لأجل الديون المؤجّلة و إن لم يف ماله بها لو حلّت. و لو كان بعضها حالّا و بعضها حالّا و بعضها مؤجّلا فإن قصر ماله عن الحالّة يحجر عليه، و إلّا فلا.

الرابع: أن يرجع الغرماء كلّهم أو بعضهم- إذا لم يف ماله بدين ذلك البعض- إلى الحاكم و يلتمسوا منه الحجر عليه، إلّا أن يكون الدّين لمن كان الحاكم وليّه كالمجنون و اليتيم (1).

______________________________

هي مال الغير، و هو غير مرضيّ للشارع.

(1) يشترط في الحجر على المفلّس شروط أربعة:

الأوّل: أن تكون ديونه ثابتة شرعا بإقرار أو بيّنة، ضرورة أنّ الحجر إنّما يكون لأجل الديون، فمع عدم ثبوتها شرعا لا يبقى مجال للحجر.

الثاني: أن تكون أمواله قاصرة عن ديونه، و في غير هذه الصورة؛ سواء كانتا متساويتين، أو كانت الأموال أكثر، ضرورة أنّه مع عدم القصور لا وجه للحجر، غاية الأمر أنّ أمواله أعمّ من أن تكون نقدا أو عروضا أو منافع، أو

ديونا على الناس ما عدا مستثنيات الدين.

الثالث: أن تكون الديون حالّة يجب أداؤها فعلا، فلا يحجر عليه لأجل الديون المؤجّلة و إن لم يف ماله بها لو حلّت؛ لأنّ الديون المؤجّلة لا يجب أداؤها فعلا، و لو

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 322

[مسألة 3: بعد ما تمّت الشرائط و حجر عليه الحاكم و حكم به، تعلّق حقّ الغرماء بأمواله]

مسألة 3: بعد ما تمّت الشرائط و حجر عليه الحاكم و حكم به، تعلّق حقّ الغرماء بأمواله، و لا يجوز له التصرّف فيها- بعوض كالبيع و الإجارة، و بغيره كالوقف و الهبة- إلّا بإذنهم أو إجازتهم. و إنّما يمنع عن التصرّفات الابتدائية، فلو اشترى شيئا سابقا بخيار ثمّ حجر عليه فالخيار باق، و له فسخ البيع و إجازته.

نعم، لو كان له حقّ ماليّ سابقا على الغير ليس له إسقاطه و إبراؤه كلّا أو بعضا (1).

______________________________

مع العلم بعدم الوفاء في صورة الحلول، و يتفرّع على هذا الشرط أنّه لو كان بعضها حالّا و بعضها مؤجّلا يكون الملاك في القصور و عدمه هو الدّين الحالّ الذي يجب أداؤه فعلا، فإن كان ماله قاصرا عن دينه الحالّ يحجر عليه و إلّا فلا، و لا ارتباط بالدّين المؤجّل في ذلك.

الرابع: أن يرجع الغرماء كلّهم أو بعضهم- الذي لا يفي المال بدينه، و يكون قاصرا عنه- إلى الحاكم و يلتمسوا منه الحجر عليه، ضرورة أنّ الحجر إنّما هو لرعاية حقّهم، فإذا لم يراجعوا إلى الحاكم و لم يطلبوا منه الحجر عليه فهو كاشف عن رضاهم بذلك، و أن لا يتحقّق الحجر حفظا لماء وجه المديون، أو لأجل عدم اهتمامهم بالدّين الذي لهم على غيره، أو لغير ذلك من الوجوه. و قد استثنى في المتن عن هذا الشرط الرابع ما إذا كان

الدّين لمن كان الحاكم وليّه؛ كالمجنون و اليتيم الذي لا يكون له جدّ للأب أيضا، و السرّ في الاستثناء أنّ حجر الحاكم في هذه الصورة بمنزلة رجوع الغرماء في سائر الموارد و التماس الحجر من الحاكم، كما لا يخفى.

(1) في هذه المسألة امور:

الأوّل: أنّه بعد تماميّة الشرائط الأربعة و حجر الحاكم عليه و حكمه به، تصير أمواله متعلّقة لحقّ الغرماء الذي يكون أكثر من أمواله، كتعلّق حقّ المرتهن بالعين

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 323

[مسألة 4: إنّما يمنع عن التصرّف في أمواله الموجودة في زمان الحجر عليه]

مسألة 4: إنّما يمنع عن التصرّف في أمواله الموجودة في زمان الحجر عليه، و أمّا الأموال المتجدّدة الحاصلة له بغير اختياره كالإرث، أو باختياره كالاحتطاب و الاصطياد و قبول الوصية و الهبة و نحو ذلك، ففي شمول الحجر لها، بل في نفوذه- على فرض شموله- إشكال. نعم، لا إشكال في جواز الحجر عليها أيضا (1).

______________________________

المرهونة التي هي باقية على ملك الراهن، فلا يجوز له التصرّف في الأموال المعاوضي و غيره بدون إذنهم و إجازتهم.

الثاني: الممنوع بسبب حجر الحاكم إنّما هو التصرّف الابتدائي مطلقا. و أمّا التصرّف الذي هو من شئون التصرّف السابق على الحجر، كما إذا اشترى شيئا سابقا بخيار ثمّ حجره الحاكم فلا مانع من جواز إعمال الخيار فسخا أو إجازة؛ لأنّ الحجر لا يؤثّر فيما هو من شئون التصرّف السابق، و لا دليل على تأثير الحجر بالإضافة إليه أيضا و إن كان التصرّف فعليّا كما هو ظاهر.

الثالث: لو كان له حقّ ماليّ سابقا على الغير ليس له إسقاطه بعد الحجر عليه و إبراؤه كلّا أو بعضا؛ لأنّ هذا الحقّ من جملة أمواله المحجور عنها؛ لما عرفت من عدم الفرق بين الأموال بوجه.

(1)

لا شبهة في شمول دائرة الحجر للأموال الموجودة في زمان الحجر عليه، بل هي الملاك في ثبوت الحجر لقصورها عن الديون. و أمّا الأموال المتجدّدة الحاصلة له بغير اختياره كالإرث، أو باختياره كالاحتطاب و الاصطياد و قبول الوصيّة و نحو ذلك ممّا لا يكون تصرّفا في ماله، بل يوجب الزيادة عليه، فقد استشكل في المتن في شمول الحجر لها، بل في نفوذه على فرض الشمول؛ لأنّ الثابت من الحجر

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 324

[مسألة 5: لو أقرّ بعد الحجر بدين صحّ و نفذ، لكن لا يشارك المقرّ له مع الغرماء على الأقوى]

مسألة 5: لو أقرّ بعد الحجر بدين صحّ و نفذ، لكن لا يشارك المقرّ له مع الغرماء على الأقوى؛ سواء كان الإقرار بدين سابق أو بدين لاحق، و سواء أسنده إلى سبب لا يحتاج إلى رضا الطرفين؛ مثل الإتلاف و الجناية و نحوهما، أو أسنده إلى سبب يحتاج إلى ذلك؛ كالاقتراض و الشراء بما في الذمّة و نحو ذلك (1).

[مسألة 6: لو أقرّ بعين من الأعيان التي تحت يده لشخص لا إشكال في نفوذ إقراره في حقّه]

مسألة 6: لو أقرّ بعين من الأعيان التي تحت يده لشخص لا إشكال في نفوذ إقراره في حقّه، فلو سقط حقّ الغرماء و انفكّ الحجر لزمه تسليمها إلى المقرّ له أخذا بإقراره. و أمّا نفوذه في حقّ الغرماء بحيث تدفع إلى المقرّ له في الحال ففيه إشكال، و الأقوى عدمه (2).

______________________________

هو تعلّقه بالأموال القاصرة حال الحجر لا غيرها. نعم، نفى الإشكال عن جواز الحجر بالإضافة إليها أيضا، مع أنّه أيضا مشكل.

(1) لو أقرّ بعد الحجر عليه بدين صحّ و نفذ بمقتضى قاعدة الإقرار، لكن لا يشارك المقرّ له مع الغرماء؛ سواء كان الإقرار بدين سابق على الحجر أو لاحق عليه- أمّا بالإضافة إلى الدّين اللاحق فالأمر واضح؛ لأنّ نفوذه يوجب نقص سهم الغرماء. و أمّا بالإضافة إلى الدّين السابق فربما يشكل فيما إذا لم يكن للمقرّ له طريق إلى إثبات الدّين غير الإقرار، فإن قلنا بعدم نفوذه يلزم تضييع حقّ الغير، و المفروض أنّ زمانه كان سابقا على الحجر- و سواء أسنده إلى سبب لا يحتاج إلى رضا الطرفين مثل الإتلاف و الجناية و نحوهما، أو أسنده إلى سبب يحتاج إلى ذلك كالاقتراض و الشراء نسيئة.

(2) لو أقرّ بعين من الأعيان التي تحت يده لشخص خاصّ، فمقتضى قاعدة الإقرار المشار إليها صحّة الإقرار و نفوذه،

لكن بمعنى أنّه لو سقط حقّ الغرماء

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 325

[مسألة 7: بعد ما حكم الحاكم بحجر المفلّس و منعه عن التصرّف في أمواله يشرع في بيعها و قسمتها بين الغرماء بالحصص و على نسبة ديونهم]

مسألة 7: بعد ما حكم الحاكم بحجر المفلّس و منعه عن التصرّف في أمواله يشرع في بيعها و قسمتها بين الغرماء بالحصص و على نسبة ديونهم، مستثنيا منها مستثنيات الدّين، و قد مرّت في كتاب الدّين. و كذا أمواله المرهونة عند الديّان، فإنّ المرتهن أحقّ باستيفاء حقّه من الرهن الذي عنده، و لا يحاصّه فيه سائر الغرماء، كما مرّ في كتاب الرهن (1).

______________________________

و انفكّ الرهن- كما إذا أبرءوا جميعا مثلا- لزمه تسليم العين المقرّ بها إلى المقرّ له، أخذا بإقراره الذي يكون قوام نفوذه كون المقرّ من العقلاء. و أمّا نفوذه في حقّ الغرماء بحيث تدفع العين المقرّ بها إلى المقرّ له في الحال مع قطع النظر عن الحجر المحكوم عليه، فقد استشكل فيه في المتن أوّلا ثمّ قوّى العدم، و الظاهر أنّ منشأ الإشكال ما أشرنا إليه من أنّه يمكن أن تكون العين للشخص المقرّ له، غاية الأمر أنّه لا طريق له إلى إثباته غير إقرار من هي في يده، و من أنّ ترتيب الأثر على هذا الإقرار يوجب خسران الغرماء، فهو في الحقيقة تصرّف ماليّ غير مأذون فيه من ناحية الغرماء كما لا يخفى، و هذا هو الأقوى، و إلّا يمكن عدم وصول شي ء من الغرماء إلى طلبه و لو بعضا بهذه الطريقة، فتدبّر.

(1) بعد حكم الحاكم بالحجر و منع المفلّس عن التصرّف في أمواله بالنحو المذكور سابقا يشرع الحاكم في بيع أمواله القاصرة عن الديون، ثمّ يقسم ثمنها بين الغرماء بالحصص و بنسبة ديونهم مع رعاية مستثنيات الدّين المذكورة في كتاب الدّين و

قد تقدّمت «1». نعم، لو كانت له أموال مرهونة عند بعض الديّان، فالظاهر أولويّة المرتهن بذلك المال المرهون عنده، و لا حصّة لسائر الغرماء بالإضافة إلى

______________________________

(1) في ص 204- 207.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 326

[مسألة 8: إن كان من جملة مال المفلّس عين اشتراها و كان ثمنها في ذمّته]

مسألة 8: إن كان من جملة مال المفلّس عين اشتراها و كان ثمنها في ذمّته كان البائع بالخيار بين أن يفسخ البيع و يأخذ عين ماله، و بين الضرب مع الغرماء بالثمن و لو لم يكن له مال سواها (1).

[مسألة 9: الظاهر أنّ هذا الخيار ليس على الفور]

مسألة 9: الظاهر أنّ هذا الخيار ليس على الفور، فله أن لا يبادر بالفسخ و الرجوع بالعين. نعم، ليس له الإفراط في تأخير الاختيار بحيث تعطّل أمر التقسيم على الغرماء، و لو وقع منه ذلك خيّره الحاكم بين الأمرين، فإن امتنع ضربه مع الغرماء بالثمن (2).

______________________________

هذا المال إلّا بالنسبة إلى الزيادة على الدّين الذي للمرتهن، و قد مرّت هذه الجهة في كتاب الرهن «1».

(1) لو كان من جملة مال المفلّس عين اشتراها نسيئة و كان ثمنها في ذمّته و قد حلّ وقت أدائه في حال كونه محجورا بحكم الحاكم، فالبائع بالخيار بين أن يفسخ البيع و يأخذ عين ماله، و بين الضرب مع الغرماء بالثمن، و ذلك لأجل تعذّر تسليم الثمن، من دون فرق بين أن يكون له مال سواها، و بين أن لم يكن.

(2) الظاهر أنّ الخيار المذكور في المسألة السابقة لا يكون على الفور و لو عرفا؛ لعدم الدليل على الفورية، فله أن لا يبادر بالفسخ و الرجوع بالعين التي باعها منه.

نعم، لا يجوز له الإفراط في تأخير الاختيار بحيث صار موجبا لتعطّل أمر التقسيم على الغرماء حتّى يتوجّه إليهم ضرر من هذه الحيثيّة أيضا، بل لو وقع منه التأخير الكذائي خيّره الحاكم بين الأمرين في الفور؛ فإن لم يختر الفسخ ضربه مع الغرماء

______________________________

(1) في ص 263.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 327

[مسألة 10: يعتبر في جواز رجوع البائع بالعين حلول الدّين]

مسألة 10: يعتبر في جواز رجوع البائع بالعين حلول الدّين، فلا رجوع مع تأجيله. نعم، لو حلّ المؤجّل قبل فكّ الحجر فالأصحّ الرجوع فيها (1).

[مسألة 11: لو كانت العين من مستثنيات الدّين ليس للبائع أن يرجع إليها على الأظهر]

مسألة 11: لو كانت العين من مستثنيات الدّين ليس للبائع أن يرجع إليها على الأظهر (2).

______________________________

بالثمن؛ لأنّ عدم اختياره للفسخ كاشف عن رضاه بالمعاملة و لو مع هذه الخصوصيّة، كما لا يخفى.

(1) قد مرّت الإشارة إلى أنّه يعتبر في جواز رجوع البائع بالمبيع حلول وقت أداء الثمن؛ لأنّه مع عدم حلوله لا وجه لرجوعه، خصوصا بعد ما ذكرنا من أنّه يعتبر في الفلس قصور مال المديون عن الديون الحالّة. نعم، جعل في المتن أنّه لو حلّ المؤجّل قبل فكّ الحجر فالأصحّ جواز الرجوع فيها؛ لاشتراكه حينئذ مع الديون الحالّة، و قد عرفت جواز الرجوع فيها بعد الحكم بالحجر.

(2) قد عرفت أنّه لو كانت العين من مستثنيات الدّين لا يكون للبائع الرجوع فيها كما في غير صورة عروض الفلس، فإنّ كونه من مستثنيات الدّين يرجع إلى أنّ وجوده كالعدم، و اللازم بقاؤه في ملك المديون و عدم صرفه في الدّين، فلا وجه للرجوع إليها.

إن قلت: إنّ لازم ذلك عدم جواز الرجوع في سائر الموارد و لو لم يكن ماله قاصرا عن ديونه و لم يتحقّق هناك فلس حتّى يتحقّق موضوع الحجر.

قلت: لا بأس من الالتزام بهذا اللازم و الحكم بعدم جواز الرجوع في سائر الموارد أيضا، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 328

[مسألة 12: المقرض كالبائع في أنّ له الرجوع في العين المقترضة لو وجدها عند المقترض]

مسألة 12: المقرض كالبائع في أنّ له الرجوع في العين المقترضة لو وجدها عند المقترض، فهل للمؤجر فسخ الإجارة إذا حجر على المستأجر قبل استيفاء المنفعة كلّا أو بعضا بالنسبة إلى ما بقي من المدّة؟ فيه إشكال، و الأحوط التخلّص بالصلح (1).

______________________________

(1) المقرض كالبائع في أنّ له الرجوع في العين المقترضة لو وجدها عند المقترض؛ لعدم لزوم القرض

من ناحية، و جواز مطالبة المقرض العين المقترضة في صورة وجودها بدلا عن المثل أو القيمة من ناحية اخرى، مضافا إلى دلالة روايات كثيرة عليه؛ كالنبوي المروي في كتب فروع الأصحاب: «إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته بعينها فهو أحقّ بها» «1».

و إطلاق صحيح عمر بن يزيد، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن الرجل تركبه الديون فيوجد متاع رجل آخر عنده بعينه؟ قال: لا يحاصه الغرماء «2». و مرسلة جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل باع متاعا من رجل فقبض المشتري المتاع و لم يقبض الثمن، ثمّ مات المشتري و المتاع قائم بعينه، فقال: إذا كان المتاع قائما بعينه ردّ إلى صاحب المتاع، و قال: ليس للغرماء أن يحاصوه «3».

ثمّ إنّه استشكل في فسخ المؤجر الإجارة إذا حجر على المستأجر قبل استيفاء

______________________________

(1) المصنّف لعبد الرزاق: 8/ 265 ح 15162، المصنّف في الأحاديث و الآثار: 5/ 18، كتاب البيوع ب 15 ح 1، صحيح مسلم: 3/ 967، كتاب المساقات ب 5 ح 25، سنن الدار قطني: 3/ 28 ح 2883 و ج 4/ 147 ح 4500، السنن الكبرى للبيهقي: 8/ 386 ح 11431، التمهيد: 4/ 38، كنز العمال: 4/ 277 ح 10472.

(2) تهذيب الأحكام: 6/ 193 ح 420، الاستبصار: 3/ 8 ح 19، و عنهما الوسائل: 18/ 415، كتاب الحجر ب 5 ح 2.

(3) الكافي: 7/ 24 ح 4، الفقيه: 4/ 167 ح 583، تهذيب الأحكام: 9/ 166 ح 677، الاستبصار: 4/ 116 ح 442، و عنها الوسائل: 18/ 414، كتاب الحجر ب 5 ح 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 329

[مسألة 13: لو وجد البائع أو المقرض بعض العين المبيعة أو المقترضة]

مسألة 13: لو

وجد البائع أو المقرض بعض العين المبيعة أو المقترضة، كان لهما الرجوع إلى الموجود بحصّة من الدّين و الضرب بالباقي مع الغرماء، كما أنّ لهما الضرب بتمام الدّين معهم (1).

[مسألة 14: لو زادت في العين المبيعة أو المقترضة زيادة متّصلة كالسمن تتبع الأصل]

مسألة 14: لو زادت في العين المبيعة أو المقترضة زيادة متّصلة كالسمن تتبع الأصل، فيرجع البائع أو المقرض إلى العين كما هي. و أمّا الزيادة المنفصلة كالحمل و الولد و اللبن و الثمر على الشجر فهي للمشتري و المقترض. (2)

______________________________

المنفعة كلّا أو بعضا بالنسبة إلى ما بقي من المدّة، ثمّ احتاط وجوبا بالتخلّص بالصلح، و وجه الإشكال عدم ظهور دلالة الروايات المتقدّمة على ثبوت حقّ الفسخ بالإضافة إلى المنفعة التي ليس لها ما بحذاء خارجي من ناحيته، و الشمول للمقام للاشتراك في الملاك و عدم الفرق، و لأجله احتاط بالصلح.

(1) لو وجد البائع أو المقرض بعض العين المبيعة أو المقترضة لتلف البعض الآخر عند المشتري أو المقترض أو إتلافه، ففي المتن ثبوت التخيير بين الفسخ و الرجوع إلى الموجود بحصّة من الدّين و الضرب بالباقي مع الغرماء، و بين الضرب بتمام الدّين معهم، و الوجه فيه دلالة الروايات المتقدّمة على حكم المقام بل بطريق أولى، كما لا يخفى.

(2) لو حصلت زيادة في العين المبيعة أو المقترضة، فإن كانت الزيادة متّصلة كالسمن فهي تابعة للأصل، فيرجع البائع أو المقرض إلى العين كما هي؛ لأنّ الزيادة و إن كانت حاصلة في ملك المشتري أو المقترض و بإنفاقهما من مالهما، إلّا أنّه حيث لا يمكن التفكيك بل لا يعلم مقدار الزيادة يكون الرجوع إلى العين كما هي،

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 330

[مسألة 15: لو تعيّبت العين عند المشتري مثلا، فإن كان بآفة سماوية أو بفعل المشتري فللبائع أن يأخذها]

مسألة 15: لو تعيّبت العين عند المشتري مثلا، فإن كان بآفة سماوية أو بفعل المشتري فللبائع أن يأخذها كما هي بدل الثمن، و أن يضرب بالثمن مع الغرماء.

و إن كان بفعل الأجنبي فهو بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء بتمام

الثمن، و بين أن يأخذ العين معيبا، و حينئذ يحتمل أن يضارب الغرماء في جزء من الثمن، نسبته إليه كنسبة الأرش إلى قيمة العين، و يحتمل أن يضاربهم في تمام الأرش، فإذا كان الثمن عشرة و قيمة العين عشرين و أرش النقصان أربعة خمس القيمة، فعلى الأوّل يضاربهم في اثنين، و على الثاني في أربعة.

و لو فرض العكس؛ بأن كان الثمن عشرين، و القيمة عشرة و كان الأرش اثنين خمس العشرة، فالأمر بالعكس، يضاربهم في أربعة على الأوّل، و في اثنين على الثاني. و يحتمل أن يكون له أخذها كما هي، و الضرب بالثمن كالتلف السماوي. و لو كان التلف بفعل البائع فالظاهر أنّه كفعل الأجنبي، و يكون ما في عهدته من ضمان المبيع المعيب جزء أموال المفلّس، و المسألة مشكلة، فالأحوط التخلّص بالصلح (1).

______________________________

و مقتضى إطلاق الروايات أيضا ذلك؛ لأنّ وجدان المتاع عند المفلّس أعمّ من وجدانه بدون التفاوت، أو مع حصوله بمثل هذه الزيادة. و إن كانت منفصلة كالأمثلة المذكورة في المتن، فحيث إنّها وجدت في ملك المشتري أو المقترض، و يمكن التفكيك حتّى بالإضافة إلى الحمل فهي لهما، و ليس للبائع و المقرض سهم فيهما أصلا، كما لا يخفى.

(1) في تعيّب العين المبيعة عند المشتري، أو المقترضة عند المقترض صور و أحكام:

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 331

..........

______________________________

الاولى: أن يكون بآفة سماوية أو بفعل المشتري مثلا، و قد ذكر فيها أنّ للبائع أن يأخذها كما هي معيبة بدل الثمن، و أن يضرب بمجموع الثمن مع الغرماء، و السرّ فيه عدم كون العيب مضمونا لأحد؛ لأنّ المفروض كونه بآفة سماوية أو بفعل المشتري الذي يكون المبيع ملكا له.

الثانية:

أن يكون بفعل الأجنبي الذي هو ضامن للعيب لا محالة، و في هذه الصورة هو مخيّر بين أن لا يفسخ المعاملة و يضرب مع الغرماء بتمام الثمن، أو يفسخ و يأخذ العين مع عيبها، و في هذه الصورة يحتمل أن يضارب الغرماء في جزء من الثمن تكون نسبته إليه كنسبة الأرش إلى القيمة، و يحتمل أن يضاربهم في تمام الأرش، فإذا كان الثمن في أصل المعاملة عشرة، و قيمة العين عشرين، و أرش النقصان أربعة، فحيث إنّ نسبة الأرش إلى القيمة الخمس؛ لأنّ أرش النقصان أربعة و نسبتها إلى العشرين الخمس، فعلى الاحتمال الأوّل يضاربهم في اثنين؛ لأنّه خمس العشرة التي تكون هي الثمن، و على الثاني يضاربهم في الأربعة التي هي خمس القيمة الواقعية، و لو فرض العكس؛ بأن كان الثمن عشرين و القيمة عشرة و الأرش اثنين، فعلى الأوّل يضاربهم في أربعة؛ لأنّ الأرش خمس القيمة الواقعية، و على الثاني في اثنين الذي هو خمس القيمة الواقعة ثمنا، و قد احتمل فيه أن يكون له أخذ العين كما هي معيبة، و الضرب بتمام الثمن مع الغرماء، كما في التلف السماوي.

الثالثة: أن يكون التلف بفعل البائع، و قد استظهر في المتن أنّه كفعل الأجنبي، و يكون ما في عهدته من ضمان عيب المبيع جزءا من أموال المفلّس معدودا في عداد سائر أمواله؛ لأنّ العيب إنّما أوقعه في ملك الغير و إن حجر عليه لأجل الفلس، و في الذيل جعل المسألة مشكلة و احتاط وجوبا بالتخلّص فيها بالصلح، و لكن الظاهر أنّ التعبير بضمان المبيع المعيب في الصورة الثالثة إنّما هو على سبيل المسامحة؛ لأنّ

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص:

332

[مسألة 16: لو اشترى أرضا فأحدث فيها بناء أو غرسا ثمّ فلّس، كان للبائع الرجوع إلى أرضه]

مسألة 16: لو اشترى أرضا فأحدث فيها بناء أو غرسا ثمّ فلّس، كان للبائع الرجوع إلى أرضه، لكن البناء و الغرس للمشتري، و ليس له حقّ البقاء و لو بالاجرة، فإن تراضيا مجّانا أو بالاجرة، و إلّا فللبائع إلزامه بالقلع لكن مع دفع الأرش، كما أنّ للمشتري القلع لكن مع طمّ الحفر، و الأحوط للبائع عدم إلزامه بالقلع و الرضا ببقائه و لو بالاجرة إذا أراده المشتري، و أحوط منه الرضا بالبقاء بغير اجرة (1).

______________________________

المضمون عليه هو عيب المبيع لا المبيع المعيوب، و الفرق بينهما غير خفيّ، كما أنّ الظاهر عدم الإشكال في المسألة؛ لأنّ الخصوصية الموجودة فيها هو التعيّب بعد الحجر، و لا فرق في هذه الجهة من حيث ثبوت الضمان و عدمه، غاية الأمر أنّه على تقدير الفسخ يرجع إلى من هو ضامن للعيب الذي أوجده في المبيع إن كان هناك ضمان، و على تقدير العدم يرجع بتمام الثمن و يضرب مع سائر الغرماء، كما لا يخفى، و لكن مع ذلك الاحتياط المذكور أولى.

(1) لو أحدث المشتري في الأرض التي اشتراها بناء أو غرسا ثمّ صار محجورا عليه لأجل الفلس، لا يمنع ذلك من جواز رجوع البائع إلى أرضه بعد بقائها و عدم تلفها، لكن لا منافاة بين ذلك، و بين بقاء البناء و الغرس على ملك المشتري، لكن ليس له حقّ البقاء و لو بالاجرة، كما في إرث الزوجة بالإضافة إلى بناء الدار مثلا، حيث إنّ لها حقّ البقاء مجّانا.

و كيف كان، فإن وقع التراضي بين البائع و المشتري بالبقاء مجّانا أو بالاجرة فبها، و إلّا فللبائع إلزامه بالقلع لكن مع دفع الأرش، كما أنّ للمشتري القلع مع طمّ الحضر

الناشئة عن القلع، و لكن جعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي أنّه إذا أراد

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 333

[مسألة 17: لو خلط المشتري مثلا ما اشتراه بماله خلطا رافعا للتميّز فالأقرب بطلان حقّ البائع]

مسألة 17: لو خلط المشتري مثلا ما اشتراه بماله خلطا رافعا للتميّز فالأقرب بطلان حقّ البائع، فليس له الرجوع إليه؛ سواء اختلط بغير جنسه أو بجنسه، و سواء خلط بالمساوي، أو الأردإ، أو الأجود (1).

[مسألة 18: لو اشترى غزلا فنسجه، أو دقيقا فخبزه، أو ثوبا فقصّره أو صبغه لم يبطل حقّ البائع من العين]

مسألة 18: لو اشترى غزلا فنسجه، أو دقيقا فخبزه، أو ثوبا فقصّره أو صبغه لم يبطل حقّ البائع من العين، على إشكال في الأوّلين (2).

______________________________

المشتري أن لا يلزمه بالقلع، بل يرضى البائع بالبقاء و لو مع الاجرة، و جعل الاحتياط الكامل في الصورة في أن يرضى البائع بالبقاء من دون اجرة، و الوجه في كلا الاحتياطين واضح.

(1) لو خلط المشتري أو المقترض ما اشتراه أو ما اقترضه بماله خلطا موجبا لرفع التميّز، فالأقرب بطلان حقّ البائع أو المقرض و ليس له الرجوع إليه؛ لأنّ هذا النوع من الاختلاط بمنزلة الانعدام و انتفاء الموضوع، من دون فرق بين أن يكون الاختلاط بغير جنسه، كما إذا خلط الدهن الحيواني مع الدهن النباتي، أو بجنسه كما إذا خلط البرّ المبيع ببرّ آخر، و كذا من دون فرق بين صورة الخلط بالمساوي أو الخلط بالأجود أو الأردإ، كما لا يخفى.

(2) لو نسج المشتري مثلا الغزل الذي اشتراه أو اشترى دقيقا فخبزه، فقد استشكل فيهما في المتن في عدم بطلان حقّ البائع من العين؛ و ذلك لعدم بقاء المبيع لتعدّد العنوانين و اختلاف الموضوعين، بخلاف ما إذا اشترى ثوبا فقصّره أو صبغه، فإنّه لا يبطل حقّ البائع من العين لبقاء الموضوع و إن حصل له التغيّر الكمّي أو الكيفي، فتدبّر.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 334

[مسألة 19: غريم الميّت كغريم المفلّس]

مسألة 19: غريم الميّت كغريم المفلّس، فإذا وجد عين ماله في تركته كان له الرجوع إليه، لكن بشرط أن يكون ما تركه وافيا بدين الغرماء، و إلّا فليس له ذلك، بل هو كسائر الغرماء يضرب بدينه معهم و إن كان الميّت قد مات محجورا عليه (1).

[مسألة 20: يجري على المفلّس إلى يوم قسمة ماله نفقته و كسوته و نفقة من يجب عليه نفقته و كسوته على ما جرت عليه عادته]

مسألة 20: يجري على المفلّس إلى يوم قسمة ماله نفقته و كسوته و نفقة من يجب عليه نفقته و كسوته على ما جرت عليه عادته، و لو مات قدّم كفنه، بل و سائر مؤن تجهيزه من السدر و الكافور و ماء الغسل و نحو ذلك على حقوق

______________________________

(1) الدليل في هذه المسألة صحيحة أبي ولّاد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل باع من رجل متاعا إلى سنة فمات المشتري قبل أن يحلّ ماله، و أصاب البائع متاعه بعينه، أله أن يأخذه إذا حقّق له؟ قال: فقال: إن كان عليه دين و ترك نحوا ممّا عليه فليأخذ إن حقّق له، فإنّ ذلك حلال له، و لو لم يترك نحوا من دينه، فإنّ صاحب المتاع كواحد ممّن له عليه شي ء يأخذ بحصّته و لا سبيل له على المتاع «1».

و بها يقيّد إطلاق مرسلة جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل باع متاعا من رجل فقبض المشتري المتاع و لم يدفع الثمن، ثمّ مات المشتري و المتاع قائم بعينه، فقال: إذا كان المتاع قائما بعينه ردّ إلى صاحب المتاع، و قال: ليس للغرماء أن يخاصموه «2».

إلّا أن يقال: إنّ الذيل قرينة على عدم وفاء التركة بالديون، فتدبّر.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 6/ 193 ح 421، الاستبصار: 3/ 8 ح 20، و عنهما الوسائل: 18/ 415، كتاب الحجر ب 5 ح

3.

(2) الكافي: 7/ 24 ح 4، الفقيه: 4/ 167 ح 583، تهذيب الأحكام: 9/ 166 ح 677، الاستبصار: 4/ 116 ح 442، و عنها الوسائل: 18/ 414، كتاب الحجر ب 5 ح 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 335

الغرماء، و يقتصر على الواجب على الأحوط، و إن كان القول باعتبار المتعارف بالنسبة إلى أمثاله لا يخلو من قوّة، خصوصا في الكفن (1).

[مسألة 21: لو قسّم الحاكم مال المفلّس بين الغرماء ثمّ ظهر غريم آخر]

مسألة 21: لو قسّم الحاكم مال المفلّس بين الغرماء ثمّ ظهر غريم آخر فالأقوى انكشاف بطلان القسمة من رأس، فيصير المال للغرماء أجمع بالنسبة (2).

______________________________

(1) يجري على المفلّس إلى يوم قسمة ماله نفقة شخصه و كسوته و نفقة من يجب عليه نفقته و كسوته على ما جرت عليه عادته؛ لأنّه من الضرورة عدم المحجورية بالإضافة إلى مثل هذه التصرّفات التي يكون بقاء حياته متوقّفا عليه، كما أنّه لو مات قدّم كفنه بل و سائر مؤن تجهيزه من السدر و الكافور و ماء الغسل و نحو ذلك على حقوق الغرماء، غاية الأمر أنّ مقتضى الاحتياط الاقتصار على الواجب لئلّا يضرّ بدين الغرماء، و قد ذكر في المتن أنّ القول باعتبار المتعارف بالنسبة أمثاله لا يخلو من قوّة، خصوصا في الكفن، و لعلّ السرّ في خصوصيّة الكفن هو بقاؤه إلى مدّة بخلاف سائر التجهيزات، و ربما يكون الاقتصار على أقلّ الواجب بالنسبة إلى الكفن موجبا لوهنه و الإهانة بمقامه، كما لا يخفى.

(2) لو قسّم الحاكم مال المفلّس بين الغرماء ثمّ ظهر غريم آخر فقد قوّى في المتن انكشاف بطلان القسمة من رأس، فيصير المال للغرماء أجمع بالنسبة، و الوجه فيه أنّه لا خصوصيّة لهذا الغريم بالإضافة إلى سائر الغرماء، و

مجرّد عدم ظهوره عند التقسيم الأوّل لا يوجب ارتفاع حقّه و بطلانه، فبطلانه لا محالة يوجب صيرورته في رديف سائر الغرماء، و لا مجال لدعوى ضياع حقّه بمجرّد عدم ظهوره أوّلا.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 336

..........

______________________________

تنبيه مهمّ حكي عن صاحب الحدائق قدّس سرّه التوقّف في أصل مسألة الحجر بالفلس و لو مع الشرائط الأربعة المتقدّمة، محتجّا بأنّه ليس في النصوص ما يدلّ عليه «1»، و نزيد عليه أنّه مخالف لقاعدة السلطنة المعروفة، فلا بدّ من نهوض دليل قويّ على هذا الأمر المخالف للقاعدة، و ردّه صاحب الجواهر: بأنّ الإجماع بقسميه عليه، مع أنّ الموجود من النصوص غير خال عن الإشعار بل الظهور «2»؛ ففي موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه، ثمّ يأمر فيقسّم ماله بينهم بالحصص، فإن أبى باعه فيقسّمه بينهم؛ يعني ماله «3». فإنّ الظاهر أنّ المراد من الحبس هو المنع من التصرّف، و إلّا لا يجتمع مع الأمر بقسمة ماله.

و مثلها خبر الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قضى: أنّ الحجر على الغلام حتّى يعقل، و قضى عليه السّلام في الدّين: أنّه يحبس صاحبه، فإن تبيّن إفلاسه و الحاجة فيخلّى سبيله حتّى يستفيد مالا، و قضى عليه السّلام في الرجل يلتوي على غرمائه: أنّه يحبس ثمّ يأمر به فيقسّم ماله بين غرمائه بالحصص، فإن أبى، باعه فقسّمه بينهم «4»، و غير ذلك من الروايات المشعرة أو الدالّة بالظهور على ذلك، و لأجله لا ينبغي الخدشة فيه بوجه.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة: 20/ 383.

(2) جواهر الكلام: 25/ 281.

(3) تهذيب الأحكام: 6/ 191 ح

412، الاستبصار: 3/ 7 ح 15، الكافي: 5/ 102 ح 1، الفقيه: 3/ 19 ذح 43، و عنها الوسائل: 18/ 416، كتاب الحجر ب 6 ح 1.

(4) تهذيب الأحكام: 6/ 232 ح 568، الفقيه: 3/ 19 ح 43، و عنهما الوسائل: 27/ 247، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى ب 11 ح 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 337

[القول في المرض]

اشارة

القول في المرض المريض إن لم يتّصل مرضه بموته فهو كالصحيح، يتصرّف في ماله بما شاء و كيف شاء، و ينفذ جميع تصرّفاته في جميع ما يملكه، إلّا إذا أوصى بشي ء من ماله بعد موته، فإنّه لا ينفذ فيما زاد على ثلث تركته، كما أنّ الصحيح أيضا كذلك، و يأتي تفصيله في محلّه إن شاء اللّه تعالى. و أمّا إذا اتّصل مرضه بموته فلا إشكال في عدم نفوذ وصيّته بما زاد على الثلث كغيره، كما أنّه لا إشكال في نفوذ عقوده المعاوضية المتعلّقة بماله؛ كالبيع بثمن المثل و الإجارة باجرة المثل و نحو ذلك، و كذا لا إشكال في جواز انتفاعه بماله؛ كالأكل و الشرب و الإنفاق على نفسه و من يعوله و الصرف على أضيافه، و في مورد يحفظ شأنه و اعتباره و غير ذلك.

و بالجملة: كلّ صرف فيه غرض عقلائي ممّا لا يعدّ سرفا و لا تبذيرا أيّ مقدار كان، و إنّما الإشكال و الخلاف في مثل الهبة و الوقف و الصدقة و الإبراء و الصلح بغير عوض، و نحو ذلك من التصرّفات التبرّعية في ماله ممّا لا يقابل بالعوض، و يكون فيه إضرار بالورثة، و هي المعبّر عنها بالمنجّزات، و أنّها هل هي نافذة من الأصل،

بمعنى نفوذها و صحّتها مطلقا و إن زادت على ثلث ماله، بل و إن تعلّقت بجميعه بحيث لم يبق شي ء للورثة، أو هي نافذة بمقدار الثلث، فإن زادت تتوقّف صحّتها و نفوذها في الزائد على إمضاء الورثة؟ و الأقوى هو الأوّل (1).

______________________________

(1) المريض إن لم يتّصل مرضه بموته فهو كالصحيح غير المريض يتصرّف في ماله بما شاء و كيف شاء، و ينفذ جميع تصرّفاته المعاوضيّة و غيرها إلّا بالإضافة إلى الوصيّة ممّا زاد على ثلث أمواله، كما أنّ الصحيح أيضا كذلك، و يأتي التفصيل في

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 338

..........

______________________________

محلّه إن شاء اللّه تعالى «1».

و أمّا إذا اتّصل مرضه بموته فلا شبهة في جانب النفي في أنّه لا ينفذ وصيّته بما زاد على الثلث كغيره من الصحيح و المريض غير المتّصل.

كما أنّه لا شبهة في جانب الإثبات في صحّة تصرّفاته المعاوضيّة غير المشتملة على الإضرار بالورثة؛ كالبيع بثمن المثل أو الإجارة باجرة المثل و أشباههما، و في صحّة ما يتوقّف عليه الإنفاق على نفسه أو على من يعوله، و كذا فيما يرتبط بحفظ شئونه و اعتباره من ضيافة أضيافه و نحو ذلك، إنّما الشبهة في تصرّفاته غير المعاوضية المشتملة على الإضرار بالورثة و التبذير و الإسراف؛ كالهبة و الصدقة و الصلح غير المعاوضي، أو المعاوضي المشتمل على الأمر المذكور؛ و هو المعبّر عنه بمنجّزات المريض، و أنّها هل تنفذ من الأصل كالصحيح أو المريض غير المتّصل، أو من الثلث بحيث يكون الزائد متوقّفا على إجازة الورثة، فيه قولان، و قد كتب في خصوص هذه المسألة رسائل متعدّدة من أجلّة الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين، و اللازم ملاحظة

الروايات الواردة في هذا المجال ليظهر الحال، و الصحيح عن سقيم المقال، فنقول و على اللّه الاتّكال:

قال صاحب الشرائع: و في منعه من التبرّعات المنجّزة الزائدة على الثلث خلاف بيننا، و الوجه المنع «2»، و اختار صاحب الجواهر بعد نقل عدم المنع من جملة كثيرة من القدماء «3» عدم المنع، بل عن كشف الرموز نسبته إلى الأكثر «4»، و في

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الوصية: مسألة 158- 173.

(2) شرائع الإسلام: 2/ 102.

(3) الكافي: 7/ 7، الفقيه: 4/ 149، المقنعة: 671، النهاية: 620، الانتصار: 465، غنية النزوع: 301، السرائر: 14- 15.

(4) كشف الرموز: 2/ 91- 92.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 339

..........

______________________________

الرياض أنّه المشهور بين القدماء ظاهرا، بل لعلّه لا شبهة فيه، بل في هبة الغنية و الانتصار الإجماع عليه «1» «2».

و كيف كان، فالدليل على الجواز روايات:

منها: صحيحة أبي شعيب المحاملي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: الإنسان أحقّ بماله ما دامت الروح في بدنه «3»، و مثلها روايات متعدّدة لعمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام على ما في كتاب الوسائل «4»، و تبعه جملة من الكتب الفقهيّة، لكنّ الظاهر أنّها بأجمعها رواية واحدة كما نبّهنا عليه مرارا، لكن لا بدّ من بيان أنّ المراد هي الأحقّية بالإضافة إلى التصرّفات المنجّزة، و أمّا بالنسبة إلى الوصيّة فقد قام الدليل على أنّها تنفذ من الثلث.

و منها: رواية سماعة، قال له أيضا: الرجل يكون له الولد أ يسعه أن يجعل ماله لقرابته؟ قال: هو ماله يصنع به ما شاء إلى أن يأتيه الموت «5». و نحوه رواية أبي بصير، و زاد أنّ لصاحب المال أن يعمل

بماله ما شاء ما دام حيّا، إن شاء وهبه، و إن شاء تصدّق به، و إن شاء تركه إلى أن يأتيه الموت، فإن أوصى به فليس له إلّا الثلث، إلّا أنّ الفضل في أن لا يضيّع من يعوله و لا يضرّ بورثته «6».

و منها: مرسلة مرازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يعطي الشي ء من ماله في

______________________________

(1) رياض المسائل: 9/ 545.

(2) جواهر الكلام: 26/ 63.

(3) تهذيب الأحكام: 9/ 187 ح 751، و عنه الوسائل: 19/ 299، كتاب الوصايا ب 17 ذح 8.

(4) وسائل الشيعة: 19/ 298- 299 ح 4، 5 و 7.

(5) الكافي: 7/ 8 ح 5، تهذيب الأحكام: 9/ 186 ح 749، و عنهما الوسائل: 19/ 296، كتاب الوصايا ب 17 ح 1.

(6) الكافي: 7/ 8 ح 10، تهذيب الأحكام: 9/ 188 ح 755، الاستبصار: 4/ 121 ح 462، الفقيه: 4/ 149 ح 518، و عنها الوسائل: 19/ 297، كتاب الوصايا ب 17 ح 2.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 340

..........

______________________________

مرضه، فقال: إذا أبان به فهو جائز، و إن أوصى به فهو من الثلث «1».

و منها: مرسلة الكليني، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه عاب رجلا من الأنصار أعتق مماليكه لم يكن له غيرهم، فقال: ترك صبية صغارا يتكفّفون الناس. بل في الوسائل، بل رواه الصدوق مسندا إلى جعفر بن محمّد عليهما السّلام، و فيه: فأعتقهم عند موته «2».

قال صاحب الجواهر قدّس سرّه: و الضعف فيه سندا أو دلالة منجبر بما عرفت «3».

هذا كلّه مضافا إلى موافقتها لقاعدة السلطنة و للأصل.

و أمّا الدليل على المنع فهي أيضا روايات كثيرة:

منها: صحيحة شعيب بن يعقوب قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن الرجل يموت ما له من ماله؟ فقال: له ثلث ماله «4». و يحتمل قويّا أن يكون مراد السائل الوصية بالنسبة إلى ما بعد الموت، و يؤيّده عدم إشعاره بمرضه فضلا عن المتّصل بالموت.

و مثلها: صحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام: ما للرجل من ماله عند موته؟ قال: الثلث، و الثلث «5» كثير.

و يؤيّده رواية أبي بصير «6»، و رواية عبد اللّه بن سنان، عن الصادق عليه السّلام قال:

للرجل عند موته ثلث ماله، و إن لم يوص فليس على الورثة إمضاؤه «7».

______________________________

(1) الكافي: 7/ 8 ح 6، الفقيه: 4/ 138 ح 481 و ص 149 ح 519، و عنهما الوسائل: 19/ 298 كتاب الوصايا ب 17 ح 6.

(2) الكافي: 7/ 8 ح 10، الفقيه: 4/ 137 ح 478، علل الشرائع: 566 ح 2، و عنها الوسائل: 19/ 299، كتاب الوصايا ب 17 ح 9.

(3) جواهر الكلام: 26/ 64.

(4) الكافي: 7/ 11 ح 3، تهذيب الأحكام: 9/ 191 ح 770، و عنهما الوسائل: 19/ 272، كتاب الوصايا ب 10 ذح 2.

(5) تهذيب الأحكام: 9/ 242 ح 940، و عنه الوسائل: 19/ 274، كتاب الوصايا ب 10 ح 8.

(6) الفقيه: 4/ 136 ح 473، و عنه الوسائل: 19/ 272، كتاب الوصايا ب 10 ح 2.

(7) تهذيب الأحكام: 9/ 242 ح 939، و عنه الوسائل: 19/ 273، كتاب الوصايا ب 10 ح 7.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 341

..........

______________________________

و منها: رواية أبي بصير، عن الصادق عليه السّلام قال: إن أعتق رجل عند موته خادما له ثمّ أوصى بوصيّة اخرى الغيت الوصيّة و اعتقت

الجارية من ثلثه، إلّا أن يفضل من ثلثه ما يبلغ الوصيّة «1».

و منها: رواية أبي حمزة، عن أحدهما عليهما السّلام قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول: يا ابن آدم تطوّلت عليك بثلاثة: سترت عليك ما لو علم به أهلك ما واروك، و أوسعت عليك فاستقرضت منك لك فلم تقدّم خيرا، و جعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدّم خيرا «2». و يجري فيها الاحتمال الذي أشرنا إليه.

و منها: رواية أبي ولّاد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون لامرأته عليه الدّين فتبرئه منه في مرضها؟ قال: بل تهبه له فتجوز هبتها له، و يحسب ذلك من ثلثها إن كانت تركت شيئا «3».

و منها: رواية علي بن عقبة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له غيره، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك كيف القضاء منه؟ قال: ما يعتق منه إلّا ثلثه، و سائر ذلك الورثة أحقّ بذلك، و لهم ما بقي «4».

و منها: رواية سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن عطية الوالد لولده؟ فقال:

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 9/ 197 ح 786، و عنه الوسائل: 19/ 276، كتاب الوصايا ب 11 ح 6.

(2) تهذيب الأحكام: 9/ 175 ح 712، الخصال: 136 ح 150، الفقيه: 4/ 133 ح 461، و عنها الوسائل:

19/ 263، كتاب الوصايا ب 4 ح 4.

(3) تهذيب الأحكام: 9/ 195 ح 783، الاستبصار: 4/ 120 ح 457، و عنهما الوسائل: 19/ 278، كتاب الوصايا ب 11 ح 11.

(4) تهذيب الأحكام: 9/ 194 ح 781، الاستبصار: 4/ 120 ح 455، و عنهما الوسائل: 19/ 276، كتاب الوصايا ب 11 ح 4.

تفصيل

الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 342

..........

______________________________

أمّا إذا كان صحيحا فهو ماله يصنع به ما شاء، و أمّا في مرضه فلا يصلح «1».

و منها: صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون لامرأته عليه الصداق أو بعضه فتبرئه منه في مرضها؟ فقال: لا «2».

و منها: رواية السكوني عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السّلام قال: إنّ رجلا أعتق عبدا له عند موته لم يكن له مال غيره، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: يستسعى في ثلثي قيمته للورثة «3».

و منها: رواية إسماعيل بن همام، عن أبي الحسن عليه السّلام في رجل أوصى عند موته بمال لذوي قرابته و أعتق مملوكا، و كان جميع ما أوصى به يزيد على الثلث، كيف يصنع به في وصيّته؟ قال: يبدأ بالعتق فينفذه «4»؛ لأنّ الظاهر أنّ قوله: «يبدأ» في إرادة الإنفاق من الثلث، كما أنّ منه يعلم إرادة ما يشمل المنجّز من الوصية، و إلّا فلا وجه لتقديم العتق لو فرض كونه وصيّة، بل ينبغي تقديم المقدّم منهما.

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه و أوصى بوصيّة فكان أكثر من الثلث؟ قال: يمضى عتق الغلام و يكون النقصان في ما بقي «5»، بناء على أنّ الظاهر إرادة كون مجموع التنجيز

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 9/ 156 ح 642، الاستبصار: 4/ 127 ح 481، و عنهما الوسائل: 19/ 300، كتاب الوصايا ب 17 ح 11.

(2) تهذيب الأحكام: 9/ 201 ح 802، و عنه الوسائل: 19/ 301، كتاب الوصايا ب 17 ح 15.

(3) تهذيب الأحكام: 8/ 229

ح 828، الاستبصار: 4/ 7 ح 22، و عنهما الوسائل: 23/ 101، كتاب العتق ب 64 ح 5.

(4) الكافي: 7/ 17 ح 3، الفقيه: 4/ 158 ح 547، تهذيب الأحكام: 9/ 219 ح 861، الاستبصار: 4/ 135 ح 510، و عنها الوسائل: 19/ 400، كتاب الوصايا ب 67 ح 2.

(5) الفقيه: 4/ 157 ح 546، الكافي: 7/ 17 ح 4، تهذيب الأحكام: 9/ 194 ح 780، و عنها الوسائل: 19/ 399، كتاب الوصايا ب 67 ح 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 343

..........

______________________________

و الوصية أكثر من الثلث، فالجواب يرجع إلى مضيّ العتق و أنّ النقصان الذي في الثلث يكون في الوصيّة.

و منها: رواية الحسن بن الجهم- التي وصفها في الجواهر بالموثّقة «1»- قال:

سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول في رجل أعتق مملوكا و قد حضره الموت و أشهد له بذلك و قيمته ستّمائة درهم، و عليه دين ثلاثمائة درهم و لم يترك شيئا غيره، قال:

يعتق منه سدسه؛ لأنّه إنّما له منه ثلاثمائة درهم، و يقضي عنه ثلاثمائة درهم و له من الثلاثمائة ثلثها، و له السدس من الجميع «2».

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج الطويلة قال: سألني أبو عبد اللّه عليه السّلام هل يختلف ابن أبي ليلى و ابن شبرمة؟ فقلت: بلغني أنّه مات مولى لعيسى بن موسى فترك عليه دينا كثيرا، و ترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم، فأعتقهم عند الموت، فسألهما عيسى بن موسى عن ذلك، فقال ابن شبرمة: أرى أن تستسعيهم في قيمتهم فتدفعها إلى الغرماء، فإنّه قد أعتقهم عند موته، و قال ابن أبي ليلى: أرى أن أبيعهم و أدفع أثمانهم إلى الغرماء، فإنّه ليس له

أن يعتقهم عند موته، و عليه دين يحيط بهم، و هذا أهل الحجاز اليوم يعتق الرجل عبده و عليه دين كثير، فلا يجيزون عتقه إذا كان عليه دين كثير، فرفع ابن شبرمة يده إلى السماء و قال:

سبحان اللّه يا ابن أبي ليلى متى قلت بهذا القول؟ و اللّه ما قلته إلّا طلب خلافي.

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: فعن رأي أيّهما صدر؟ قال: قلت: بلغني أنّه أخذ برأي ابن أبي ليلى، و كان له في ذلك هوى فباعهم و قضى دينه، فقال: فمع أيّهما من قبلكم؟

______________________________

(1) جواهر الكلام: 26/ 67.

(2) تهذيب الأحكام: 9/ 169 ح 690 و ص 218 ح 855، الكافي: 7/ 27 ح 3، و عنهما الوسائل: 19/ 354، كتاب الوصايا ب 39 ح 4.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 344

..........

______________________________

قلت له: مع ابن شبرمة، و قد رجع ابن أبي ليلى إلى رأي ابن شبرمة بعد ذلك.

فقال: أما و اللّه إنّ الحقّ لفي الّذي قال ابن أبي ليلى، و إن كان قد رجع عنه، فقلت له: هذا ينكسر عندهم في القياس، فقال: هات قايسني، قلت: أنا أقايسك! فقال:

لتقولنّ بأشدّ ما تدخل فيه من القياس، فقلت له: رجل ترك عبدا لم يترك مالا غيره، و قيمة العبد ستّمائة درهم و دينه خمسمائة درهم، فأعتقه عند الموت، كيف يصنع؟ قال: يباع العبد فيأخذ الغرماء خمسمائة درهم، و يأخذ الورثة مائة درهم، فقلت: أ ليس قد بقي من قيمة العبد مائة درهم عن دينه؟ فقال: بلى، قلت: أ ليس للرجل ثلثه يصنع به ما شاء؟ قال: بلى، قلت: أ ليس قد أوصى للعبد بالثلث من المائة حين أعتقه؟ قال: إنّ العبد

لا وصيّة له إنّما ماله لمواليه.

فقلت له: فإن كان قيمة العبد ستّمائة درهم و دينه أربعمائة؟ فقال:

كذلك يباع العبد فيأخذ الغرماء أربعمائة درهم، و يأخذ الورثة مائتين و لا يكون للعبد شي ء، قلت: فإنّ قيمة العبد ستّمائة درهم و دينه ثلاثمائة درهم، فضحك عليه السّلام فقال: من هاهنا أتي أصحابك جعلوا الأشياء شيئا واحدا و لم يعلموا السنّة، إذا استوى مال الغرماء و مال الورثة، أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء لم يتّهم الرجل على وصيّته، و اجيزت وصيّته على وجهها فالآن يوقف هذا، فيكون نصفه للغرماء و يكون ثلثه للورثة و يكون له السدس «1»، فإنّ ذيلها صريح في نفوذ العتق المنجّز في الثلث لا الأصل، و إلّا كان نصفه حرّا، و احتمال أنّه في الوصية لا المنجّز مقطوع بفساده أو كالمقطوع، كما اعترف به

______________________________

(1) الكافي: 7/ 26 ح 1، تهذيب الأحكام: 9/ 217 ح 854 و ج 8/ 232 ح 841، و عنهما الوسائل: 19/ 354، كتاب الوصايا ب 39 ح 5.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 345

..........

______________________________

في الرياض «1»، بل في الجواهر «2»، خصوصا بعد ملاحظة كلام الأصحاب في حكم مضمونه.

و منها: صحيحة جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أعتق مملوكه عند موته و عليه دين، فقال: إن كان قيمته مثل الذي عليه و مثله جاز عتقه، و إلّا لم يجز «3».

قال في الجواهر: و يحتمل تثنية مثل الثانية كما عن نسخة من الفقيه «4»، و حينئذ يكون الواو فيه بمعنى أو، فيوافق الصحيح السابق «5».

و منها: غير ذلك من الروايات.

و الإنصاف أنّ الروايات من الطرفين الدالّة على كلا القولين قويّة

جدّا و إن كان بعضها بل كثيرها غير خال عن النقاش من حيث السند أو الدلالة، و لكن حيث إنّ الشهرة المحقّقة خصوصا بين القدماء على عدم المنع «6»، فاللازم الأخذ به كما في المتن، بل قد عرفت دعوى الإجماع عليه «7». و قد ذكرنا مرارا أنّ أوّل المرجّحات على ما يستفاد من مقبولة ابن حنظلة المعروفة «8» الواردة في باب تعارض الروايتين هي الشهرة من حيث الفتوى «9» و إن كان يظهر من صاحب الجواهر- الذي تكلّم في

______________________________

(1) رياض المسائل: 9/ 461- 464 و 546- 547.

(2) جواهر الكلام: 26/ 69.

(3) الفقيه: 4/ 166 ح 580، الكافي: 7/ 27 ح 2، تهذيب الأحكام: 9/ 218 ح 856، و عنها الوسائل: 19/ 356، كتاب الوصايا ب 39 ح 6.

(4) الفقيه: 3/ 70 ح 239.

(5) جواهر الكلام: 26/ 70.

(6) رياض المسائل: 9/ 545.

(7) في ص 339.

(8) وسائل الشيعة: 27/ 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.

(9) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 225 و 296.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 346

[مسألة 1: لا إشكال و لا خلاف في أنّ الواجبات المالية التي يؤدّيها المريض في مرض موته كالخمس و الزكاة و الكفّارات تخرج من الأصل]

مسألة 1: لا إشكال و لا خلاف في أنّ الواجبات المالية التي يؤدّيها المريض في مرض موته كالخمس و الزكاة و الكفّارات تخرج من الأصل (1).

______________________________

المسألة مفصّلا كمال التفصيل بحيث لم يظهر منه مثله في سائر المسائل الفقهيّة- أنّ في المسألة أقوالا سبعة، و إن قال: إنّه ربما عدّت عشرة «1»، و لكن الظاهر أنّ المهمّ هو القولان المتقدّمان، و أنّ الحقّ مع ما في المتن من الخروج من الأصل لا الثلث؛ لما عرفت، و لكن الرجوع إليهما فيه فوائد شتّى و منافع كثيرة، خصوصا

بعد إرجاع بعض الأقوال إلى بعض و اختيار الخروج من الأصل، فتدبّر جيّدا.

(1) قد مرّ في كتاب الخمس «2» أنّه كما يظهر من عنوانه المذكور في الكتاب و السنّة أنّه ثابت بنحو الإشاعة للأصناف الستّة المذكورين في آية الخمس «3»، و أمّا الزكاة، فالتعبيرات بالإضافة إلى الامور المتعلّقة للزكاة مختلفة، فمن بعضها يستفاد الإشاعة كما في زكاة الغلّات، و من بعضها يستفاد الكلّي في المعيّن، و من ثالث يستفاد الشركة في المالية. و على أيّ حال فكلّ منهما دين يجب أداؤه فورا، و لا مدخلية للثلث في ذلك، بل الدّين مقدّم على الإرث كما في أكثر آياته.

و بالجملة: فأداؤه تكليف إلهيّ لا فرق فيه بين المريض و غيره، و لا لنقصان حقّ الورثة و عدمه، و لذا نفى الإشكال و الخلاف في المتن عن الخروج عن الأصل، و هكذا الكفّارات الواجبة.

______________________________

(1) جواهر الكلام: 26/ 81- 82.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الخمس: 251- 252.

(3) سورة الأنفال: 8/ 41.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 347

[مسألة 2: لو أقرّ بدين أو عين من ماله في مرض موته لوارث أو أجنبيّ]

مسألة 2: لو أقرّ بدين أو عين من ماله في مرض موته لوارث أو أجنبيّ، فإن كان مأمونا غير متّهم نفذ إقراره في جميع ما أقرّ به و إن كان زائدا على ثلث ماله، بل و إن استوعبه، و إلّا فلا ينفذ فيما زاد على ثلثه. و المراد بكونه متّهما وجود أمارات يظنّ معها بكذبه؛ كأن يكون بينه و بين الورثة معاداة يظنّ معها بأنّه يريد بذلك إضرارهم، أو كان له حبّ شديد بالنسبة إلى المقرّ له يظنّ معه بأنّه يريد بذلك نفعه (1).

______________________________

(1) قد فصّل في المتن في صورة الإقرار بدين أو عين

في مرض موته لوارث أو أجنبيّ بين صورة عدم الاتّهام و كونه مأمونا، فإقراره نافذ في جميع ما أقرّ به و إن كان زائدا على ثلث ماله، بل و إن استوعبه، و بين صورة الاتّهام فلا ينفذ فيما زاد على ثلثه، و يدلّ عليه روايات:

منها: صحيحة الحلبي- التي جعلها في الوسائل روايتين، مع أنّ الظاهر اتّحادهما- قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يقرّ لوارث بدين، فقال: يجوز إذا كان مليّا «1».

و الظاهر أنّ المراد هو الإقرار به له في مرضه، كما وقع التصريح به في النقل الآخر «2». و حكي عن الصحاح أنّه ملؤ الرجل: صار مليئا أي ثقة «3». و في الجواهر احتمال أن تكون الملاءة طريقا لرفع التهمة، خصوصا إذا رجع الضمير في كان إلى الوارث. ثمّ قال: و لعلّ الأوّل أولى «4».

______________________________

(1) الكافي: 7/ 41 ح 1، الفقيه: 4/ 170 ح 593، تهذيب الأحكام: 9/ 159 ح 655، الاستبصار: 4/ 111، ح 425، و عنها الوسائل: 292، كتاب الوصايا ب 16 ح 5.

(2) تهذيب الأحكام: 6/ 190 ح 405، و عنه الوسائل: 19/ 293، كتاب الوصايا ب 16 ح 7.

(3) الصحاح: 1/ 110.

(4) جواهر الكلام: 26/ 79.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 348

..........

______________________________

و منها: رواية منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أوصى لبعض ورثته أنّ له عليه دينا؟ فقال: إن كان الميّت مرضيّا فأعطه الذي أوصى له «1».

و منها: رواية العلاء بيّاع السابري قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة استودعت رجلا مالا، فلمّا حضرها الموت قالت له: إنّ المال الذي دفعته إليك لفلانة، و ماتت المرأة

فأتى أولياؤها الرجل، فقالوا له: إنّه كان لصاحبتنا مال و لا نراه إلّا عندك، فاحلف لنا ما لها قبلك شي ء، أ فيحلف لهم؟ فقال: إن كانت مأمونة عنده فليحلف لهم، و إن كانت متّهمة فلا يحلف، و يضع الأمر على ما كان، فإنّما لها من مالها ثلثه «2».

و منها: رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل معه مال مضاربة فمات و عليه دين، و أوصى أنّ هذا الذي ترك لأهل المضاربة، أ يجوز ذلك؟ قال:

نعم، إذا كان مصدّقا «3».

و منها: مكاتبة محمّد بن عبد الجبّار إلى العسكري عليه السّلام: عن امرأة أوصت إلى رجل و أقرّت له بدين ثمانية آلاف درهم، و كذلك ما كان لها من متاع البيت من صوف و شعر و شبه و صفر و نحاس، و كلّ مالها أقرّت به للموصى إليه، و أشهدت على وصيّتها، و أوصت أن يحجّ عنها من هذه التركة حجّتان، و تعطى مولاة لها

______________________________

(1) الكافي: 7/ 41 ح 2، الفقيه: 4/ 170 ح 594، تهذيب الأحكام: 9/ 159 ح 656، الاستبصار: 4/ 111 ح 426، و عنها الوسائل: 19/ 291، كتاب الوصايا ب 16 ح 1.

(2) الكافي: 7/ 42 ح 3، الفقيه: 4/ 170 ح 595، تهذيب الأحكام: 9/ 160 ح 661، الاستبصار: 4/ 112 ح 431، و عنها الوسائل: 19/ 291، كتاب الوصايا ب 16 ح 2.

(3) تهذيب الأحكام: 9/ 167 ح 679، و عنه الوسائل: 19/ 296، كتاب الوصايا ب 16 ح 14.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 349

..........

______________________________

أربعمائة درهم، و ماتت المرأة و تركت زوجا، فلم ندر كيف الخروج من هذا و

اشتبه علينا الأمر، و ذكر كاتب أنّ المرأة استشارته فسألته أن يكتب لها ما يصحّ لهذا الوصي، فقال لها: لا تصحّ تركتك لهذا الوصي إلّا بإقرارك له بدين يحيط بتركتك بشهادة الشهود، و تأمريه بعد أن ينفذ ما توصيه به، فكتبت له بالوصية على هذا، و أقرّت للوصي بهذا الدّين، فرأيك أدام اللّه عزّك في مسألة الفقهاء قبلك عن هذا، و تعريفنا ذلك لنعمل به إن شاء اللّه.

فكتب عليه السّلام بخطّه: إن كان الدّين صحيحا معروفا مفهوما فيخرج الدّين من رأس المال إن شاء اللّه، و إن لم يكن الدّين حقّا أنفذ لها ما أوصت به من ثلثها، كفى أو لم يكف «1»، فإنّ الظاهر كما في الجواهر رجوع ذلك إلى الاتّهام بأخبار الكاتب و غيره «2».

و هنا نصوص مطلقة في جانبي النفي و الإثبات يجب تقييدها بالروايات المتقدّمة، مثل:

رواية إسماعيل بن جابر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أقرّ لوارث له و هو مريض بدين له عليه؟ قال: يجوز عليه إذا أقرّ به دون الثلث «3».

و رواية أبي ولّاد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مريض أقرّ عند الموت لوارث بدين له عليه؟ قال: يجوز ذلك، قلت: فإن أوصى لوارث

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 9/ 161 ح 664، الاستبصار: 4/ 113 ح 433، و عنهما الوسائل: 19/ 294، كتاب الوصايا ب 16 ح 10.

(2) جواهر الكلام: 26/ 80.

(3) الكافي: 7/ 42 ح 4، الفقيه: 4/ 170 ح 592، تهذيب الأحكام: 9/ 160 ح 659، الاستبصار: 4/ 112 ح 429، و عنها الوسائل: 19/ 292، كتاب الوصايا ب 16 ح 3.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص:

350

[مسألة 3: لو لم يعلم حال المقرّ، و أنّه كان متّهما أو مأمونا]

مسألة 3: لو لم يعلم حال المقرّ، و أنّه كان متّهما أو مأمونا، فالأقوى عدم نفوذ إقراره في الزائد على الثلث و إن كان الأحوط التصالح بين الورثة و المقرّ له (1).

[مسألة 4: إنّما يحسب الثلث في الإقرار و نحوه بالنسبة إلى مجموع ما يتركه في زمان موته من الأموال]

مسألة 4: إنّما يحسب الثلث في الإقرار و نحوه بالنسبة إلى مجموع ما يتركه

______________________________

بشي ء، قال: جائز «1».

و رواية القاسم بن سليمان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اعترف لوارث بدين في مرضه؟ فقال: لا تجوز وصيّته لوارث و لا اعتراف له بدين «2».

و غير ذلك من الروايات.

ثمّ إنّه قد فسّر التهمة في المتن بوجود أمارات يظنّ معها ذلك و أنّ منشأ الإقرار إمّا إرادة الإضرار ببعض الورثة، أو الحبّ الشديد بالإضافة إلى المقرّ له، و الظاهر اعتبار الظنّ الشخصي من أيّ طريق حصل، كما أنّ الظاهر عدم اعتبار حجّية المظنّة و اعتبارها.

(1) لو لم يكن حال المقرّ معلوما، و أنّه هل يكون متّهما أو مأمونا، فقد قوىّ في المتن عدم نفوذ إقراره في الزائد على الثلث، و لعلّ وجهه لزوم إحراز المأمونية و الوثاقة في نفوذ الإقرار مطلقا على ما يستفاد من الروايات المتقدّمة، لكن الأحوط استحبابا التصالح بين الورثة و المقرّ له.

______________________________

(1) الكافي: 7/ 42 ح 5، تهذيب الأحكام: 9/ 160 ح 660، الاستبصار: 4/ 112 ح 430، و عنها الوسائل:

19/ 292، كتاب الوصايا ب 16 ح 4.

(2) تهذيب الأحكام: 9/ 200 ح 799، الاستبصار: 4/ 127 ح 479، و عنها الوسائل: 19/ 289، كتاب الوصايا ب 15 ح 12.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 351

في زمان موته من الأموال؛ عينا أو دينا أو منفعة، أو حقّا ماليّا يبذل بإزائه المال كحقّ التحجير، و

هل تحسب الدية من التركة و تضمّ إليها، و يحسب الثلث بالنسبة إلى المجموع أم لا؟ وجهان بل قولان، لا يخلو أوّلهما من رجحان (1).

______________________________

(1) في المسألة أمران:

الأوّل: أنّه إنّما يحسب الثلث في الإقرار و نحوه بالنسبة إلى مجموع تركته في زمان موته من الأموال؛ عينا كانت أو دينا أو منفعة، كما في باب الإجارة الذي يتملّكها المستأجر من حين عقد الإجارة، أو حقّا بشرط أن يكون ماليّا يبذل بإزائه المال؛ كحقّ التحجير و حقّ الاختصاص و نحوهما، و السرّ فيه أنّه من جانب الإثبات لا فرق بين ما ذكرنا من الأموال؛ لأنّ كلّها مرتبطة به من دون فرق. و أمّا من جانب النفي فلأنّه يمكن عروض التلف السماوي للمجموع أو للبعض من دون تحقّق ضمان، و لا مجال حينئذ لثبوت حكم بالإضافة إلى التالف، فإذا قلنا: بأنّ إقراره إنّما يحسب من الثلث كما إذا كان متّهما على ما عرفت، فهل يمكن أن يقال بنفوذ إقراره بالنسبة إلى الثلث حال الإقرار، و لو كان مستوعبا للجميع حال الموت، أو أزيد منه؟ فلا إشكال في أنّ الملاك هي التركة حال الموت.

الثاني: أنّه لو فرض أنّ سبب الموت هو القتل الخطائي، أو ما يشبه العمد أو العمدي، و اختار الورثة الدية بدلا عن القصاص و رضي بها القاتل، فهل تحسب الدية من التركة و تضمّ إليها و يحسب الثلث بالنسبة إلى المجموع، أم لا؟

و في المتن وجهان بل قولان، لا يخلو أوّلهما من رجحان، و لعلّ السرّ في الرجحان أنّ الدية عوض عن الدم و بدل له، ففي الحقيقة يكون صاحبها هو المقتول، غاية الأمر أنّه حيث لا يمكن أن يصير المقتول مالكا له لفرض موته ينتقل

إلى

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 352

[مسألة 5: ما ذكر من عدم النفوذ فيما زاد على الثلث في الوصيّة و نحوها]

مسألة 5: ما ذكر من عدم النفوذ فيما زاد على الثلث في الوصيّة و نحوها، إنّما هو مع عدم إجازة الورثة، و إلّا نفذت بلا إشكال، و لو أجاز بعضهم نفذت بمقدار حصّته، و لو أجازوا بعضا من الزائد على الثلث نفذت بمقداره (1).

[مسألة 6: لا إشكال في صحّة إجازة الوارث بعد موت المورّث.]

مسألة 6: لا إشكال في صحّة إجازة الوارث بعد موت المورّث. و هل تصحّ منه في حال حياته بحيث تلزم عليه و لا يجوز له الردّ بعد ذلك، أم لا؟ قولان،

______________________________

ورثته، ففي الحقيقة كأنّ الدية تنتقل إلى الميّت أوّلا، و منه إلى ورثته ثانيا، و إلّا فليست هي مالا منتقلا إلى الوارث من دون واسطة، فلا محالة تضمّ إلى سائر التركة و يحسب الثلث بالنسبة إلى المجموع، و هذا هو الظاهر و إن كان الانتقال إلى الورثة في بعض الصور منوطا باختياره، كما في صورة ثبوت حقّ القصاص أوّلا، فتدبّر.

(1) ما تقدّم من عدم النفوذ فيما زاد على الثلث في الوصيّة مطلقا «1»، و الإقرار مع كون المقرّ متّهما على ما عرفت «2» إنّما هو بلحاظ حال الورثة و عدم تحقّق الإضرار بهم، فلو اتّفقوا على إجازة ما زاد على الثلث طبقا للوصيّة أو الإقرار بأجمعهما يتحقّق النفوذ بلا إشكال؛ لأنّ الحقّ لا يعدوهم، و منه يظهر أنّه لو أجاز بعضهم دون بعض نفذت بمقدار حصّة المجيز، و لا يكون الأمر دائرا بين إجازة الجميع أو ردّهم، كما يظهر أنّه لو اتّفقوا على إجازة بعض الزائد دون الجميع يتحقّق النفوذ بذلك المقدار، كما لا يخفى.

______________________________

(1) في ص 337- 338.

(2) في ص 347- 350.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 353

أقواهما الأوّل، خصوصا في الوصيّة. و لو ردّ

في حال الحياة يمكن أن تلحقها الإجازة بعد ذلك على الأقوى (1).

______________________________

(1) في المسألة صور:

الاولى: إجازة الوارث بعد موت المورّث لما زاد على الثلث من دون أن تكون مسبوقة بالردّ أصلا، بل ربما لم تكن الوصيّة بما زاد معلومة لهم في حال الحياة، و نفى الإشكال عن الصحّة- أي صحّة إجازة الوارث- في المتن، و الوجه فيه ما عرفت من أنّ تعليق النفوذ على الإجازة إنّما هو لرعاية حقّ الوارث، فإذا فرض صدور الإجازة من الجميع بعد الموت فلا يبقى مجال للإشكال، كما هو ظاهر.

الثانية: إجازة الوارث في حال حياة المورّث؛ سواء كانت متّصلة بالوصيّة، أم ملحوقة بها، و البحث حينئذ في أنّ هذه الإجازة هل تكون لازمة على الوارث و لا يجوز له الردّ بعد الإجازة في حال الحياة أو بعد موته، أم لا؟ قوّى في المتن عدم جواز الردّ بعد أن حكى أنّ في المسألة قولين، و خصّ الوصيّة بهذه الجهة في مقابل الإقرار و نحوه، و لعلّ الوجه فيه أنّه لو لم تكن الإجازة لازمة، و كان له الردّ بعد الإجازة، يلزم أن يكون نفوذ الإجازة متوقّفا على عدم الردّ و لو للتالي، و هو غير معلوم، مع أنّ الغالب تحقّق الردّ و لو بعد سنين، فيلزم أن يكون اعتبار الإجازة بلا أثر نوعا. و أمّا خصوصيّة الوصيّة، فلعلّها عبارة عن ظهور أدلّة توقّف الزائد على الثلث على الإجازة في أنّ الإجازة لازمة توجب صيرورة الوصيّة نافذة مطلقا.

الثالثة: لو ردّ الزائد على الثلث في حال الحياة، فهل يمكن أن تلحقه الإجازة بعد الموت؟ فقد قوّاه في المتن، و منشؤه أنّ التوقّف على الإجازة إنّما هو بلحاظ حال

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة،

المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 354

..........

______________________________

الوارث و رعاية حقّه، فإذا أجاز و لو بعد الردّ لا يلزم تضييع حقّه بوجه، اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ مع الردّ ينتفى موضوع الوصيّة بما زاد، فكأنّه لم يوص به أصلا، فلا موضوع للإجازة، و إن كان أصل التوقّف إنّما هو لرعاية حقّه، فإجازته بعد الموت بمنزلة الإجازة مع عدم الوصيّة، كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام في شرح كتاب الحجر.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 355

[كتاب الضمان]

اشارة

كتاب الضمان

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 357

[مسائل الضمان]

اشارة

و هو التعهّد بمال ثابت في ذمّة شخص لآخر. و هو عقد يحتاج إلى إيجاب من الضامن بكلّ لفظ دالّ عرفا- و لو بقرينة- على التعهّد المزبور، مثل:

«ضمنت» أو «تعهّدت لك الدّين الذي لك على فلان» و نحو ذلك، و قبول من المضمون له بما دلّ على الرضا بذلك، و لا يعتبر فيه رضا المضمون عنه (1).

______________________________

(1) قال في الجواهر: الضمان الذي هو عندنا على ما اعترف به غير واحد منّا مشتقّ من الضمن «1»؛ لأنّه ينقل ما كان في ذمّته من المال، و يجعله في ضمن ذمّة اخرى، أو لأنّ ذمّة الضامن تتضمّن الحقّ، فالنون فيه أصليّة، خلافا لما عن أكثر العامّة «2» من أنّه غير ناقل، و إنّما يفيد اشتراك الذمّتين، فاشتقاقه من الضمّ، و النون فيه زائدة؛ لأنّه حينئذ ضمّ ذمّة إلى ذمّة، فيتخيّر المضمون له في المطالبة، قال: و فيه ما لا يخفى؛ من منافاة وجود النون في جميع تصاريفه، إلّا بدعوى اشتقاق ما فيه النون من الخالي عنها، و هو كما ترى. و من صعوبة تحقّقه في ضمان النفس و ظهور

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 4/ 171، غاية المراد: 2/ 219، تذكرة الفقهاء: 2/ 85 (ط الحجري)، مفتاح الكرامة:

5/ 348.

(2) المغني لابن قدامة: 5/ 70، الشرح الكبير: 5/ 70، المجموع شرح المهذّب: 14/ 252.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 358

..........

______________________________

قوله عليه السّلام: الزعيم غارم «1» في اختصاص الغرم به، و لغير ذلك ممّا هو في مذهب الخصم، بعد الغضّ عن عدم تصوّر شغل ذمّتين فصاعدا بمال واحد، و قد بيّنا أنّ المشغول به

في تعاقب الأيدي على المغصوب ذمّة واحدة، و هو من تلف في يده المال مثلا، و إن جاز له الرجوع على كلّ واحد، و إلّا فهو مناف للمقطوع به من مذهبنا «2»، انتهى موضع الحاجة.

و كيف كان، لا ينبغي الارتياب في أنّ النون أصليّة غير زائدة، و هو لا ينطبق إلّا على ما يقول به فقهائنا (رضي اللّه تعالى عنهم). و ما أفاده في الجواهر من عدم تصوّر شغل ذمّتين أو أزيد بمال واحد ممنوع جدّا؛ لأنّ دليل ضمان اليد بالنسبة إلى الأيدي المتعاقبة متساوية النسبة من حيث الضمان، و جواز الرجوع إلى كلّ واحدة فرع ثبوت هذا الضمان، و إلّا لا دليل عليه. نعم، بعد أداء واحد منهم لا يبقى موضوع للضمان؛ لفرض تحقّق التأدية التي هي الغاية للثبوت على العهدة. نعم، الأمر غير المتصوّر هو اشتغال ذمم متعدّدة بمال واحد بنحو يكون كلّ منها ضامنا و لو مع أداء الآخر، ضرورة أنّ المال الواحد لا يتدارك إلّا بمثل واحد أو قيمة واحدة.

كما أنّه لا شبهة في أنّه عقد يحتاج إلى إيجاب من الضامن و قبول من المضمون له، أمّا احتياجه إلى الإيجاب من الضامن فواضح، و أمّا احتياجه إلى قبول من المضمون له، فلأنّه حيث يكون موجبا لانتقال الحقّ إلى غير من هو الطرف الأصلي للمضمون له؛ لأنّ المفروض أنّه على مذهبنا عبارة عن انتقال مال من ذمّة

______________________________

(1) المنصف لعبد الرزاق: 8/ 181 ح 14796 و ج 9/ 49 ذح 16308، المسند لابن حنبل: 8/ 304 ذح 22357 و ح 22358، سنن ابن ماجة: 3/ 150 ح 25405، سنن أبي داود: 549 ذح 3565، سنن الترمذي: 3/ 565 ح 1268، معرفة السنن

و الآثار: 4/ 472 ح 3664، شرح السنة: 8/ 225 ح 2162.

(2) جواهر الكلام: 26/ 113.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 359

[مسألة 1: يشترط في كلّ من الضامن و المضمون له أن يكون بالغا عاقلا رشيدا مختارا]

مسألة 1: يشترط في كلّ من الضامن و المضمون له أن يكون بالغا عاقلا رشيدا مختارا، و في خصوص المضمون له أن يكون غير محجور عليه لفلس (1).

[مسألة 2: يشترط في صحّة الضمان امور]

مسألة 2: يشترط في صحّة الضمان امور:

منها: التنجيز على الأحوط، فلو علّق على أمر- كأن يقول: أنا ضامن إن أذن أبي، أو أنا ضامن إن لم يف المديون إلى زمان كذا، أو إن لم يف أصلا- بطل (2).

______________________________

المضمون عنه إلى الضامن، فمن الممكن أن لا تكون ذمّة الضامن معتبرة عند المضمون له بوجه، و عدم الاعتبار و إن كان قد يفرض بالإضافة إلى ذمّة المضمون عنه أيضا، إلّا أنّ الفرق أنّ الدّين الثابت قد يكون بسبب غير اختياري كالإتلاف، و الضمان أمر اختياري متقوّم بالعقد.

(1) أمّا اعتبار البلوغ و العقل و الرشد و الاختيار في كلّ من الضامن و المضمون له، فلأنّ الضمان من التصرّفات الماليّة، و الفاقد لبعض هذه الأوصاف إمّا أن يكون ممنوعا من تلك التصرّفات مطلقا، أو مع عدم إذن الوليّ و إجازته، و أمّا اعتبار أن لا يكون المضمون له محجورا عليه لفلس، فلأنّه حيث يكون الضمان عندنا كما عرفت نقل ذمّة إلى ذمّة اخرى، و انتقال الدّين عن عهدة المضمون عنه إلى الضامن، فإذا كان المضمون له محجورا عليه لأجل الفلس، يكون ذلك بمنزلة التصرّف في حقّ الغرماء، و من الممكن عدم رضا بعضهم بكون الضامن هو المديون؛ لأجل عدم اعتبار ذمّته، أو لبعض الجهات الاخر.

(2) يشترط في صحّة الضمان امور:

منها: التنجيز على الأحوط الوجوبي، و الدليل على اعتباره- مضافا إلى أدلّة

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 360

و منها: كون الدّين الذي يضمنه ثابتا في ذمّة

المضمون عنه؛ سواء كان مستقرّا كالقرض و الثمن و المثمن في البيع الذي لا خيار فيه، أو متزلزلا كأحد العوضين في البيع الخياري، و المهر قبل الدخول و نحو ذلك، فلو قال: أقرض فلانا أو بعه نسيئة و أنا ضامن لم يصحّ (1).

______________________________

اعتبار التنجيز في العقود، كالبيع و نحوه على ما هو مذكور في متاجر الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سرّه «1»- أنّ التعليق بمثل إذن الأب، أو عدم وفاء المديون مطلقا، أو إلى زمان كذا يوجب التزلزل في الانتقال و عدمه. نعم، مقتضى ما ذكر عدم بطلان التعليق إذا كان المعلّق عليه معلوم الحصول خصوصا في الحال، كما إذا قال: أنا ضامن إن كان اليوم يوم الجمعة، مع العلم بذلك و أنّ اليوم يوم الجمعة. و التحقيق في بيان حكم الصور في محلّه.

(1) من الامور المعتبرة في الضمان ثبوت الدّين في ذمّة المضمون عنه؛ سواء كان مستقرّا كالأمثلة المذكورة في المتن، أو متزلزلا كالأمثلة المذكورة فيه أيضا، و فرّع على اعتبار هذا الأمر أنّه لو قال: أقرض فلانا و أنا ضامن، أو بعه نسيئة كذلك لم يصحّ، و الدليل على اعتبار هذا الأمر الإجماع صريحا في محكي الغنية «2» و غيرها «3»، بل عن التذكرة أنّه لو قال لغيره: مهما أعطيت فلانا فهو عليّ لم يصحّ إجماعا «4»؛ لأنّ حقيقة الضمان ترجع إلى انتقال ذمّة إلى ذمّة اخرى،

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم): 3/ 163- 164.

(2) غنية النزوع: 260.

(3) المبسوط: 2/ 324- 325، التنقيح الرائع: 2/ 186.

(4) تذكرة الفقهاء: 2/ 89 (ط الحجري).

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 361

..........

______________________________

و مع عدم الأوّل لا يبقى مجال للانتقال. نعم، في الشرائع: و كذا-

أي يصحّ ضمان- ما ليس بلازم، و لكن يؤول إلى اللزوم كمال الجعالة قبل فعل ما شرط عليه، و كمال السبق و الرماية على تردّد «1»، و الظاهر أنّ قوله تعالى حكاية عن المنادي من قبل يوسف: وَ لِمَنْ جٰاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ «2» لا دليل على جواز الضمان في الجعالة قبل تحقّق العمل؛ لأنّ هذا الأمر كان أمرا صوريّا، و المنادي عالم بثبوت صواع الملك عند أحدهم؛ لأنّه بنفسه وضعه فيه، فلا يمكن أن يستفاد منه الجواز في مطلق مال الجعالة قبل تحقّق العمل، و لعلّ هذا هو منشأ ترديد المحقّق؛ لأنّ مرجعه في الحقيقة إلى ضمان ما لم يجب؛ لفرض عدم تحقّق العمل بعد.

و لكن يمكن أن يقال بأنّه لو لم يكن ضمان مال الجعالة مشروعا قبل تحقّق العمل لما وقع في الكتاب؛ لعدم علم العامل بذلك أصلا، فيكشف ذلك عن الصحّة قبله، و لعلّه هو المنشأ للطرف الآخر لترديد المحقّق، و لم يقم دليل على بطلان ضمان ما لم يجب بهذا العنوان حتّى يستفاد منه البطلان في الموارد المذكورة و أشباهها، و السرّ فيه ما اشير إليه من أنّه و إن كان غير لازم بالفعل، لكن يؤول و يرجع إلى اللزوم، و لو قلنا: إنّ عقد الجعالة سبب تامّ في الثبوت على العهدة و في الذمّة، و إن عرض له البطلان بعدم إتمام العمل أو بالفسخ أو نحو ذلك، اتّجه حينئذ ضمانه؛ للثبوت في الذمّة حينئذ فعلا و إن كان معرضا للبطلان؛ لأنّه لا ينافي صحّة الضمان، كما في البيع الخياري الذي هو معرض للفسخ بالخيار، و المهر قبل الدخول على ما في المتن.

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 2/ 109.

(2)

سورة يوسف: 12/ 72.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 362

و منها: تميّز الدّين و المضمون له و المضمون عنه؛ بمعنى عدم الإبهام و الترديد، فلا يصحّ ضمان أحد الدينين و لو لشخص معيّن على شخص معيّن، و لا ضمان دين أحد الشخصين و لو لواحد معيّن أو على واحد معيّن. نعم، لو كان الدّين معيّنا في الواقع و لم يعلم جنسه أو مقداره، أو كان المضمون له أو المضمون عنه متعيّنا في الواقع و لم يعلم شخصه، صحّ على الأقوى، خصوصا في الأخيرين. فلو قال: ضمنت ما لفلان على فلان و لم يعلم أنّه درهم أو دينار، أو أنّه دينار أو ديناران صحّ على الأصحّ. و كذا لو قال: ضمنت الدّين الذي على فلان لمن يطلبه من هؤلاء العشرة، و يعلم بأنّ واحدا منهم يطلبه و لم يعلم شخصه، ثمّ قبل المطالب، أو قال: ضمنت ما كان لفلان على المديون من هؤلاء و لم يعلم شخصه، صحّ الضمان على الأقوى (1).

______________________________

(1) من الامور المعتبرة في الضمان تميّز الدّين و المضمون له و المضمون عنه، و قد فسّر التميّز في المتن بعدم الإبهام و الترديد، و السرّ في الاعتبار بهذا المعنى أنّه مع الترديد و الإبهام لا يتحقّق الانتقال ثبوتا و ينجرّ إلى النزاع إثباتا، و قد فرّع عليه عدم صحّة ضمان أحد الدينين و لو لشخص معيّن على شخص معيّن، و لا ضمان دين أحد الشخصين و لو لواحد معيّن أو على واحد معيّن. نعم، لو كان الدّين معيّنا في الواقع و في مقام الثبوت، و لكن لم يعلم جنسه أو مقداره لا يقدح ذلك في صحّة الضمان. و كذا

لو كان المضمون له أو المضمون عنه متعيّنا في الواقع و لكن لم يعلم شخصه، ففي المتن أنّه صحّ على الأقوى، و أولى من ذلك ما إذا علم شخصه و لكن لم يعلم اسمه أو نسبه، أو سائر خصوصيّاته من شغله و حرفته، و كونه من العلماء و عدم كونه منهم، و لعلّه لأجل ذلك جعل للأخيرين خصوصيّة كما في البيع، فإنّه مع كونه في رأس العقود اللازمة لا يلزم العلم بشخص البائع

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 363

[مسألة 3: إذا تحقّق الضمان الجامع للشرائط انتقل الحقّ من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن]

مسألة 3: إذا تحقّق الضمان الجامع للشرائط انتقل الحقّ من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن، و برئت ذمّته، فإذا أبرأ المضمون له ذمّة الضامن برئت الذمّتان: إحداهما بالضمان، و الاخرى بالإبراء. و لو أبرأ ذمّة المضمون عنه كان لغوا (1).

______________________________

و المشتري و خصوصيّاتهما.

نعم، لا يجوز البيع في مثل الثمن المردّد بين الدرهم و الدينار، أو الدينار و الدينارين، و أمّا في الضمان فلا دليل على لزوم ارتفاع الغرر بهذا المقدار أيضا. و كذا بالإضافة إلى الدائن و المديون بخلاف البائع و المشتري، فلو قال: ضمنت الدّين الذي على فلان لمن يطلبه من هؤلاء العشرة، و يعلم بأنّ واحدا منهم يطلبه و لم يعلم شخصه، ثمّ قبل المطالب، أو قال: ضمنت ما كان لفلان على المديون من هؤلاء و لم يعلم شخصه، يصحّ الضمان على الأقوى. و هكذا لو جمع بين الأمرين فقال: ضمنت ما لأحد من هذين الشخصين على أحد من الآخرين، فتدبّر جيّدا.

(1) مع تحقّق الضمان الجامع للامور المعتبرة المتقدّمة، ينتقل الحقّ بناء على ما يقول به فقهاؤنا في معنى الضمان على ما عرفت «1» من ذمّة المضمون

عنه إلى ذمّة الضامن؛ لأنّه بهذا المعنى نقل ذمّة إلى ذمّة اخرى لا ضمّها إليها، و يترتّب عليه براءة ذمّة المضمون عنه بمجرّد الضمان، فإذا أبرأ المضمون له ذمّة الضامن برئت الذمّتان معا: إحداهما بالضمان، و الاخرى بالإبراء. و منه يظهر أنّه لا أثر لإبراء ذمّة المضمون عنه بعد برائتها في نفسها بمجرّد الضمان، كما لا يخفى.

______________________________

(1) في ص 357- 359.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 364

[مسألة 4: الضمان لازم من طرف الضامن، فليس له فسخه بعد وقوعه مطلقا.]

مسألة 4: الضمان لازم من طرف الضامن، فليس له فسخه بعد وقوعه مطلقا. و كذا من طرف المضمون له، إلّا إذا كان الضامن معسرا و هو جاهل بإعساره، فله فسخه و الرجوع بحقّه على المضمون عنه، و المدار إعساره حال الضمان، فلو أعسر بعده فلا خيار، كما أنّه لو كان معسرا حاله ثمّ أيسر لم يزل الخيار (1).

[مسألة 5: يجوز اشتراط الخيار لكلّ من الضامن و المضمون له على الأقوى]

مسألة 5: يجوز اشتراط الخيار لكلّ من الضامن و المضمون له على الأقوى (2).

______________________________

(1) الضمان لازم من طرف الضامن فليس له فسخه، كما هو الأصل الأوّلى في كلّ عقد شكّ في لزومه و عدمه؛ و هو المعبّر عنه بأصالة اللزوم، و هكذا من طرف المضمون له إلّا في صورة واحدة؛ و هي كون الضامن معسرا حال الضمان و المضمون له جاهلا بإعساره، و الوجه في استثناء هذه الصورة كون اللزوم منافيا لغرض الضمان؛ لأنّ الظاهر أنّ الوجه في تشريعه هي سكونة المضمون له و اعتماده بانتقال حقّه إلى ذمّة الضامن، و مع إعساره و جهل المضمون له بالإعسار لا يتحقّق هذا الوجه، فلا محيص عن الالتزام بالخيار و جواز الفسخ و الرجوع إلى المضمون عنه.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّ المدار في الإعسار و عدمه هو حال الضمان، فلو أعسر بعد الضمان فلا خيار، كما أنّه لو كان معسرا حاله ثمّ أيسر يكون الخيار باقيا؛ لجريان الاستصحاب في كلتا الصورتين، كما لا يخفى.

(2) الدليل على جواز اشتراط الخيار لكلّ من الضامن و المضمون له- بعد كون مقتضى الأصل مع عدم الاشتراط هو اللزوم- هو عموم «المؤمنون عند

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 365

[مسألة 6: يجوز ضمان الدّين الحالّ حالّا و مؤجّلا]

مسألة 6: يجوز ضمان الدّين الحالّ حالّا و مؤجّلا، و كذا ضمان المؤجّل مؤجّلا و حالّا. و كذا يجوز ضمان المؤجّل بأزيد أو أنقص من أجله (1).

[مسألة 7: لو ضمن من دون إذن المضمون عنه ليس له الرجوع عليه]

مسألة 7: لو ضمن من دون إذن المضمون عنه ليس له الرجوع عليه، و إن كان بإذنه فله ذلك، لكن بعد أداء الدّين لا بمجرّد الضمان، و إنّما يرجع إليه بمقدار ما أدّاه، فلو صالح المضمون له مع الضامن الدين ببعضه، أو أبرأه من بعضه لم يرجع بالمقدار الذي سقط عن ذمّته بهما (2).

______________________________

شروطهم» «1» كما في البيع و نحوه، فإنّه مع كون مقتضى أصالة اللزوم هو اللزوم، إلّا أنّه مع الإطلاق و عدم اشتراط الخيار، و معه يجوز إعمال الفسخ لكلّ من جعل له الخيار، و في المدّة المجعول فيها الخيار لو فرضت له مدّة، كما لا يخفى.

(1) و الدليل على الجواز في جميع صور المسألة الثلاثة، أنّ كون الدّين مؤجّلا لا يقتضي عدم الثبوت في الذمّة، و ما ذكرناه سابقا «2» من عدم الجواز فيما لو قال:

أقرض فلانا درهما مثلا، أو بعه نسيئة و أنا ضامن، فإنّما هو صرف استدعاء لا ثبوت في الذمّة، و إلّا فمع الثبوت فيها لا وجه لعدم الصحّة، فالجواز في جميع صور المسألة ثابت.

(2) أمّا عدم جواز رجوع الضامن إلى المضمون عنه لأخذ ما أدّاه إلى المضمون له، أو يريد الأداء إليه، أو لا يريد أصلا، فالوجه فيه واضح في صورة عدم كون الضمان واقعا بإذن المضمون عنه، بل ربما كان واقعا بدون علمه و اطّلاعه، ضرورة

______________________________

(1) تقدّم في ص 36.

(2) في ص 360.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 366

[مسألة 8: لو كان الضمان بإذن المضمون عنه]

مسألة 8: لو كان الضمان بإذن المضمون عنه، فإنّما يرجع عليه بالأداء فيما إذا حلّ أجل الدّين الذي كان على المضمون عنه، و إلّا فليس له الرجوع عليه إلّا بعد حلول أجله،

فلو ضمن الدّين المؤجّل حالّا، أو المؤجّل بأقلّ من أجله فأدّاه، ليس له الرجوع عليه إلّا بعد حلول الأجل. نعم، لو أذن له صريحا بضمانه حالّا، أو بأقلّ من الأجل، فالأقرب جواز الرجوع عليه مع أدائه. و أمّا لو كان بالعكس؛ بأن ضمن الحالّ مؤجّلا، أو المؤجّل بأكثر من أجله برضا المضمون عنه قبل حلول أجله، جاز له الرجوع عليه بمجرّد الأداء في الحالّ، و بحلول الأجل فيما ضمن بالأكثر بشرط الأداء. و كذا لو مات قبل انقضاء الأجل، فحلّ الدّين بموته و أدّاه الورثة من تركته، كان لهم الرجوع على المضمون عنه (1).

______________________________

أنّه مع عدم الإذن لا يبقى وجه للانتقال، و من الممكن أن يكون هذا النحو من الضمان منافيا لشأن المضمون عنه و شخصيّته. و أمّا الجواز في صورة الإذن فيتوقّف على الأداء و يثبت بمقدار الأداء؛ لأنّه لا يكون تشريع الضمان على نقل الذمّة تبرّعا و مجّانا، بل لأجل حصول الطمأنينة للمضمون له للوصول إلى دينه و ماله، و مع عدم أداء الضامن لا يبقى مجال للرجوع إلى المضمون عنه، و منه يظهر أنّ جواز الرجوع إنّما هو بمقدار ما أدّاه، فلو صالح المضمون له مع الضامن بالبعض، أو أبرأه كذلك لا يجوز له الرجوع إلى الجميع.

(1) قد عرفت جواز ضمان الدّين الحالّ مؤجّلا و كذا العكس، و عليه فلو كان الضمان بإذن المضمون عنه الذي قد مرّ انحصار جواز الرجوع له عليه بهذه الصورة، فينحصر جواز الرجوع عليه بما إذا حلّ أجل الدّين الذي كان على المضمون عنه، و إلّا فليس له الرجوع عليه إلّا بعد حلول أجله؛ لعدم وجوب

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 367

[مسألة 9: لو ضمن بالإذن الدّين المؤجّل مؤجّلا]

مسألة 9: لو ضمن بالإذن الدّين المؤجّل مؤجّلا، فمات قبل انقضاء الأجلين و حلّ ما عليه فأخذ من تركته، ليس لورثته الرجوع على المضمون عنه إلّا بعد حلول أجل الدّين الذي كان عليه، و لا يحلّ الدّين بالنسبة إلى المضمون عنه بموت الضامن، و إنّما يحلّ بالنسبة إليه (1).

______________________________

الدفع على المضمون عنه قبل حلول الأجل، فلا يجب عليه الدفع إلى الضامن مع ضمانه حالّا، و هكذا مع ضمانه مؤجّلا و لكن بأقلّ من أجله.

و بالجملة: الضمان لا يؤثّر في لزوم الأداء على المضمون عنه قبل حلول الأجل، و استدرك في المتن ما إذا أذن المضمون عنه للضامن صريحا بضمانه الدّين المؤجّل حالّا، أو بأقلّ من الأجل، فإنّه يجوز حينئذ للضامن الرجوع عليه قبل حلول أجل الدّين الأصلي، لكن لا بمجرّد الضمان بل بعد الأداء إلى المضمون له و حصول براءة ذمّة المضمون عنه. و أمّا لو كان الأمر بالعكس؛ بأن ضمن الحالّ مؤجّلا أو المؤجّل بأكثر من أجله مع رضا المضمون عنه بذلك، جاز للضامن الرجوع إلى المضمون عنه بمجرّد الأداء في ظرفه الضماني، و هكذا الحال فيما لو مات الضامن في هذه الصورة قبل انقضاء الأجل الذي ضمن الدّين عند حلوله، و بعد موت الضامن يحلّ الدّين بموته كسائر الموارد، و أدّاه الورثة من تركة الضامن، فإنّ لهم حينئذ الرجوع إلى المضمون عنه لفرض تحقّق الأداء، كما لا يخفى.

(1) المفروض في هذه المسألة ضمان الدّين المؤجّل مؤجّلا؛ سواء كان الأجلان متّحدين أم كان أجل الدّين الذي ضمنه أكثر من أجل الدّين الأصلي، لكن عرض للضامن الموت قبل انقضاء الأجلين، فإنّه لا خفاء حينئذ في حلول ديون الضامن التي منها الدّين الذي ضمنه بمجرّد

موت الضامن، و عليه: فالواجب على الورثة

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 368

[مسألة 10: لو دفع المضمون عنه الدّين إلى المضمون له من دون إذن الضامن برئت ذمّته]

مسألة 10: لو دفع المضمون عنه الدّين إلى المضمون له من دون إذن الضامن برئت ذمّته، و ليس له الرجوع عليه (1).

______________________________

أخذ هذا الدّين أيضا من تركته، و لكن ليس لهم الرجوع إلى المضمون عنه إلّا بعد حلول أجل الدّين الأصلي؛ لأنّ حلول الدّين لأجل الموت إنّما هو بالإضافة إلى الضامن الذي عرض عليه الموت، لا بالنسبة إلى المضمون عنه الذي لم يتحقّق له الموت بعد، كلّ ذلك إنّما هو في الضمان الواقع بإذن المضمون عنه، و إلّا ففي صورة العدم لا يجوز لنفس الضامن الرجوع، فضلا عن ورثته بعد موته، و إن كان المفروض الأداء إلى المضمون له كما هو ظاهر.

(1) لو دفع المضمون عنه الدّين إلى المضمون له و لو من دون إذن الضامن برئت ذمّة الضامن و ليس له الرجوع على المضمون عنه، أمّا حصول البراءة فلأنّ ذمّة المضمون عنه و إن لم تكن مشغولة بعد تحقّق الضمان؛ لأنّ المفروض أنّه عبارة عن نقل ذمّة إلى ذمّة اخرى، إلّا أنّه يجوز التبرّع بأداء الدّين و لو مع عدم رضا المديون بذلك، فضلا عن لزوم الاستئذان منه.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّه لو تحقّق الإبراء مكان الدفع، فإنّه و إن كان الإبراء متوجّها إلى ذمّة الضامن لفرض اشتغالها به، إلّا أنّه حيث كان جواز رجوعه إلى المضمون عنه متفرّعا على الأداء، و المفروض تحقّق الإبراء فلا مجال للرجوع، و لا وجه لتوهّم أنّ إبراء الضامن و إخراج ذمّته عن العهدة إنّما هو بمنزلة الأداء، فيجوز له الرجوع إلى المضمون عنه؛ لأنّ الإبراء و لو فرض

أنّه يكون لمصلحته؛ بمعنى أنّه لا يريد المضمون له اشتغال ذمّة الضامن بالإضافة إليه، و لكنّه ليس بمنزلة الأداء حتّى يجوز له الرجوع إلى المضمون عنه، فتدبّر جيّدا.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 369

[مسألة 11: يجوز الترامي في الضمان]

مسألة 11: يجوز الترامي في الضمان؛ بأن يضمن مثلا زيد عن عمرو، ثمّ يضمن بكر عن زيد، ثمّ يضمن خالد عن بكر و هكذا، فتبرأ ذمّة الجميع و يستقرّ الدّين على الضامن الأخير، فإن كان جميع الضمانات بغير إذن من المضمون عنه، لم يرجع واحد منهم على سابقه لو أدّى الدّين الضامن الأخير. و إن كان جميعها بالإذن يرجع الأخير على سابقه، و هو على سابقه إلى أن ينتهي إلى المديون الأصلي. و إن كان بعضها بالإذن دون بعض، فإن كان الأخير بدونه كان كالأوّل، لم يرجع واحد منهم على سابقه، و إن كان بالإذن رجع هو على سابقه، و هو على سابقه لو ضمن بالإذن، و إلّا لم يرجع و انقطع الرجوع عليه. و بالجملة كلّ ضامن كان ضمانه بإذن من ضمن عنه يرجع عليه بما أدّاه (1).

______________________________

(1) أمّا أصل جواز ترامي الضمان بالنحو المذكور في المتن، فالدليل عليه أنّه بعد ما كان الضمان عبارة عن نقل ذمّة إلى اخرى، فما المانع من نقل ذمّة عمرو إلى زيد و ثبوت الدّين على عهدته، ثمّ النقل من ذمّة زيد إلى بكر و ثبوت الدّين على عهدته و هكذا، فبالنتيجة تبرأ ذمّة الجميع و يستقرّ الدّين على الضامن الأخير كاستقراره على الأوّل مع الانحصار به، و بملاحظة ما تقدّم من أنّ جواز رجوع الضامن إلى المضمون عنه يتوقّف على إذنه في الضمان و رضاه ذلك، يتصوّر للمسألة

صور تالية:

الاولى: أن يكون جميع الضمانات بغير إذن من المضمون عنه، و المذكور في المتن أنّه في هذه الصورة لم يرجع واحد منهم على سابقه لو أدّى الدّين الضامن الأخير؛ لفرض عدم الإذن المعتبر في جواز الرجوع، كما مرّ «1».

______________________________

(1) في ص 365- 366.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 370

[مسألة 12: لا إشكال في جواز ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك]

مسألة 12: لا إشكال في جواز ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك؛ بأن يكون على كلّ منهما بعض الدّين، فتشتغل ذمّة كلّ بمقدار ما عيّناه و لو بالتفاوت، و لو اطلق يقسّط عليهما بالتساوي، فبالنصف لو كانا اثنين و بالثلث لو كانوا ثلاثة و هكذا، و لكلّ منهما أداء ما عليه، و تبرأ ذمّته، و لا يتوقّف على أداء الآخر ما عليه، و للمضمون له مطالبة كلّ منهما بحصّته أو أحدهما، أو إبراؤه دون الآخر.

و لو كان ضمان أحدهما بالإذن دون الآخر، رجع المأذون إلى المضمون عنه دون الآخر. و الظاهر أنّه لا فرق في جميع ما ذكر بين أن يكون ضمانهما بعقدين؛ بأن ضمن أحدهما عن نصفه ثمّ ضمن الآخر عن نصفه الآخر، أو بعقد واحد؛ كما إذا ضمن عنهما و كيلهما في ذلك فقبل المضمون له. هذا كلّه في

______________________________

الثانية: عكس الصورة الاولى؛ و هو أن يكون الجميع بالإذن، و في هذه الصورة يرجع الأخير على سابقه و هو على سابقه إلى أن ينتهي إلى المديون الأصلي؛ لأنّ المفروض كون الجميع مع الإذن، و قد تقدّم جواز الرجوع في صورة الإذن «1».

الثالثة: أن يكون بعض الضمانات بالإذن دون البعض الآخر، و قد فصّل فيه في المتن بأنّه إن كان الضمان غير المأذون فيه هو الأخير، يكون حكمه حكم الصورة الاولى

في أنّه لا يرجع واحد منهم على سابقه، و إن كان الضمان الأخير مأذونا فيه رجع هو على سابقه و هو على سابقه في صورة الضمان بالإذن، و إلّا لم يرجع و انقطع الرجوع عليه، و الضابطة أنّ كلّ ضامن كان ضمانه بإذن المضمون عنه، بالإضافة إلى هذا الضمان يجوز لضامنه الرجوع إلى المضمون عنه فيه، و إلّا فلا، و الوجه فيه واضح.

______________________________

(1) في ص 366.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 371

ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك.

و أمّا ضمانهما عنه بالاستقلال فلا إشكال في عدم وقوعه لكلّ منهما كذلك على ما يقتضي مذهبنا في الضمان، فهل يقع باطلا أو يقسّط عليهما بالاشتراك؟

وجهان، أقربهما الأوّل (1).

______________________________

(1) قد نفى الإشكال عن جواز ضمان اثنين أو أزيد عن واحد بالاشتراك؛ بأن يكون على كلّ منهما أو منهم بعض الدّين، فتشتغل ذمّة كلّ بمقدار ما عيّناه و لو بالتفاوت. و أمّا ضمانهما عنه بالاستقلال، فقد نفى في ذيل كلامه الإشكال عن عدم وقوعه لكلّ منهما كذلك، بناء على مقتضى مذهبنا كما عرفت، و إلّا لكان اللازم الالتزام بوقوع ضمان الواحد هكذا أيضا؛ لعدم الفرق، و حينئذ فهل يقع ضمان اثنين عن واحد بالاستقلال باطلا من رأسه، أو يقسّط عليهما بالاشتراك، الظاهر هو الأوّل، و إلّا لكان اللازم الالتزام بالاشتراك في ضمان الواحد بناء على ما يقول به غيرنا لينطبق على مذهبنا، فتدبّر.

ثمّ إنّه على تقدير الضمان بالاشتراك لو أطلق ضامنان المقدار و لم يعيّناه، فالظاهر التقسيط بالنصف كما في ضامنين، أو بالثلث كما إذا كانوا ثلاثة، و يجري على الضمان المذكور ما تقدّم من الأحكام؛ من أنّ الواجب على كلّ إنّما هو مقدار سهمه، و

من عدم توقّف براءة واحد منهما بالأداء على أداء الآخر، و من أنّ للمضمون عنه جواز الرجوع إليه بحصّته، و من أنّ جواز رجوع الضامن إلى المضمون عنه إنّما يتوقّف على الإذن و الأداء، و قد صرّح في المتن بأنّه لا فرق بين أن يكون ضمانهما بعقدين أو بعقد واحد، كما إذا ضمن عنهما وكيلهما في ذلك فقبل المضمون له، و الوجه فيه واضح.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 372

[مسألة 13: لو تمّ عقد الضمان على تمام الدّين]

مسألة 13: لو تمّ عقد الضمان على تمام الدّين، فلا يمكن أن يتعقّبه آخر و لو ببعضه، و لو تمّ على بعضه لا يمكن أن يتعقّبه على التمام، أو على ذلك المضمون (1).

[مسألة 14: يجوز الضمان بغير جنس الدّين]

مسألة 14: يجوز الضمان بغير جنس الدّين، لكن إذا كان الضمان بإذن المضمون عنه ليس له الرجوع عليه إلّا بجنسه (2).

[مسألة 15: كما يجوز الضمان عن الأعيان الثابتة في الذمم]

مسألة 15: كما يجوز الضمان عن الأعيان الثابتة في الذمم، يجوز على المنافع و الأعمال المستقرّة عليها، فكما يجوز أن يضمن عن المستأجر ما عليه من الاجرة، كذلك يجوز أن يضمن عن الأجير ما عليه من العمل. نعم، لو كان ما عليه اعتبر فيه المباشرة لم يصحّ ضمانه (3).

______________________________

(1) ظهر حكم هذه المسألة بجميع صورها ممّا تقدّم من المباحث و لا طائل للإعادة و التكرار، فتدبّر.

(2) يجوز الضمان بغير جنس الدّين، فإذا كان الثابت على عهدة المديون الأصلي مقدار من الحنطة مثلا، يجوز أن يضمن الضامن عنه مقدارا من الشعير بما يساوي ذلك المقدار من حيث القيمة مثلا؛ لأنّ مرجع الضمان المذكور بعد اعتبار رضا المضمون له إلى تبديل الحنطة بالشعير و تحقّق المعاوضة بينهما. نعم، إذا كان أصل الضمان بإذن المضمون عنه يجوز الرجوع للضامن عليه. غاية الأمر بخصوص جنسه، إلّا أن يقال بجواز الرجوع بما يضمنه مع توافق الثلاثة على ذلك و علمهم به، و المفروض ثبوت الإذن من المضمون عليه للضامن.

(3) كما يجوز الضمان عن الأعيان الثابتة في الذمم في مقابل المنافع و الأعمال،

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 373

[مسألة 16: لو ادّعى شخص على آخر دينا]

مسألة 16: لو ادّعى شخص على آخر دينا، فقال ثالث للمدّعي: «عليّ ما عليه» فرضي صحّ الضمان؛ بمعنى ثبوت الدّين في ذمّته على تقدير ثبوته، فتسقط الدعوى عن المضمون عنه، و يصير الضامن طرفها، فلو أقام المدّعي البيّنة على ثبوته يجب على الضامن أداؤه، و كذا لو ثبت إقرار المضمون عنه قبل الضمان بالدّين. و أمّا إقراره بعد الضمان فلا يثبت به شي ء، لا على المقرّ و لا على الضامن (1).

______________________________

كذلك يجوز الضمان عليهما إذا كانا على

العهدة، فيجوز أن يضمن عن الأجير ما عليه من العمل في الإجارة على الأعمال، كما أنّه يجوز أن يضمن عن المستأجر ما عليه من الاجرة مطلقا في تلك الإجارة و غيرها، و قد استثنى من ذلك صورة واحدة؛ و هو ما لو كان العمل المستأجر عليه مشروطا فيه مباشرة الأجير، بحيث لا يجوز أن يقوم مقامه شخص آخر حتّى الوارث في صورة الموت، ففي هذه الصورة لا يتمّ الضمان؛ لأنّه ينافي قيد المباشرة المأخوذ في الإجارة، أو الانصراف إلى صورة المباشرة و لو كانت الإجارة مطلقة لم يقع فيها التصريح بهذا القيد.

و بالجملة: لا بدّ و أن يكون الضامن صالحا لأن يقوم مقام المضمون عنه، و في صورة التصريح بقيد المباشرة، أو انصراف الإطلاق إليه لا يمكن أن يتحقّق ذلك، فلا يصحّ الضمان بوجه، فتدبّر جيّدا.

(1) لو ادّعى شخص على آخر دينا، فقال ثالث للمدّعي: «عليّ ما عليه» فرضي المدّعي بذلك صحّ الضمان، بمعنى ثبوت الدّين على تقديره في ذمّته، و خروج المضمون عنه عن الطرفية للدعوى، و صيرورة الضامن طرفا لها. و عليه فلو أقام المدّعي البيّنة على ثبوته يجب على الضامن أداؤه، و ليس هذا من التعليق في الضمان

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 374

[مسألة 17: الأقوى عدم جواز ضمان الأعيان المضمونة كالغصب]

مسألة 17: الأقوى عدم جواز ضمان الأعيان المضمونة كالغصب و المقبوض بالعقد الفاسد لمالكها عمّن كانت هي بيده (1).

______________________________

الذي يعتبر فيه التنجيز على ما عرفت «1»؛ لأنّه قيد في أصل تحقّق الضمان؛ لعدم صحّته بدون اشتغال ذمّة المضمون عنه و ثبوت الدّين على عهدته؛ لما مرّ من أنّه نقل ذمّة إلى اخرى عند علمائنا «2»، مثل ما إذا كان في يد المشتري

شي ء يشكّ في ملكيّة البائع له، فقال البائع: إن كان هذا ملكي فقد بعتك إيّاه.

نعم، حيث إنّ البيّنة يثبت الدّين و على الضامن أداؤه، يجوز له الرجوع إلى المضمون عنه بشرطين: الأداء و الرضا. و لو فرض إقرار المضمون عنه بثبوت الدّين على عهدته، فإن كان إقراره قبل الضمان فهو نافذ، و إن كان إقراره بعد الضمان فغير نافذ؛ لأنّه إقرار في حقّ الغير و عليه.

(1) في جواز ضمان الأعيان المغصوبة كالغصب و المقبوض بالعقد الفاسد لمالكها عمّن كانت هي بيده، و عدم جوازه وجهان؛ من أنّ مرجع الضمان المذكور إلى اشتغال الذمّة بالمثل أو القيمة، و تعلّق أحدهما بالعهدة و لو لم يتحقّق التلف بعد، و من أنّه ما دام لم يتحقّق التلف لا يكون على العهدة شي ء، و وجب عليه ردّ المال إلى صاحبه و حفظه لذلك. و إن قلنا بأنّ مقتضى التحقيق في قاعدة ضمان اليد ثبوت نفس العين على العهدة و إن كانت شخصية و لم يتحقّق التلف أصلا، فالظاهر أنّه لا مانع من ضمانها لثبوتها على العهدة، و إن كان الواجب في صورة البقاء تأديتها بنفسها و في صورة التلف المثل أو القيمة، و لا يبعد أن يقال بأنّه الظاهر بعد ظهور

______________________________

(1) في ص 359- 360.

(2) في ص 357- 358.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 375

[مسألة 18: لا إشكال في جواز ضمان عهدة الثمن للمشتري عن البائع لو ظهر المبيع مستحقّا للغير]

مسألة 18: لا إشكال في جواز ضمان عهدة الثمن للمشتري عن البائع لو ظهر المبيع مستحقّا للغير، أو ظهر بطلان البيع- لفقد شرط من شروط صحّته- إذا كان بعد قبض البائع الثمن و تلفه عنده، و أمّا مع بقائه في يده فمحلّ تردّد.

و الأقوى عدم صحّة ضمان درك

ما يحدثه المشتري- من بناء أو غرس في الأرض المشتراة إن ظهرت مستحقّة للغير، و قلعه المالك- للمشتري عن البائع (1).

______________________________

دليل القاعدة في كون المضمون هو المأخوذ باليد، فتدبّر جيّدا.

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: إذا قبض البائع الثمن و أتلفه أو صار تالفا عنده، يجوز ضمانه للمشتري عن البائع في صورة ظهور المبيع مستحقّا للغير، أو ظهور بطلان البيع لفقد شرط من شروط صحّته؛ لأنّ الثمن في هاتين الصورتين على عهدة البائع و في ذمّته مثلا أو قيمة، و قد عرفت أنّ هذا النحو من الضمان لا ينافي التنجيز المعتبر فيه، و الفرق بينه و بين ما تقدّم «1» من عدم الصحّة فيما لو قال: أقرض فلانا أو بعه نسيئة و أنا ضامن إنّما هو ثبوت الإجماع على البطلان هناك، و عدم ثبوته هنا، و إلّا فلا فرق بينهما كما لا يخفى.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ ظهور المبيع مستحقّا للغير، أو ظهور بطلان البيع يكشف عن اشتغال ذمّة البائع بالثمن؛ لأنّ الفرض حصول التلف عنده. و أمّا في المثالين فلم يتحقّق الاشتغال بوجه حين الضمان؛ لعدم حصول الاقتراض و البيع بعد.

الثاني: الصورة مع بقاء الثمن في يد البائع، و قد تردّد في صحّة الضمان في هذه الصورة في المتن، و الظاهر أنّ الترديد و احتمال الوجهين ينشأ ممّا قوّاه سابقا من عدم

______________________________

(1) في ص 360.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 376

[مسألة 19: لو كان على الدّين الذي على المضمون عنه رهن ينفكّ بالضمان]

مسألة 19: لو كان على الدّين الذي على المضمون عنه رهن ينفكّ بالضمان، شرط الضامن انفكاكه أم لا (1).

[مسألة 20: لو كان على أحد دين فالتمس من غيره أداءه، فأدّاه بلا ضمان عنه للدائن]

مسألة 20: لو كان على أحد دين فالتمس من غيره أداءه، فأدّاه بلا ضمان

______________________________

صحّة الضمان في الأعيان المضمونة كالمغصوب و نحوه، ضرورة ضمان نفس الثمن مع البقاء في يد البائع لو ظهر المبيع مستحقّا للغير، أو ظهر بطلان البيع، و من أنّ كونه مضمونا على البائع بالفعل غير معلوم، و لذا يجوز له إتلافه مع عدم علمه بالحال، فالضمان يرجع إلى اشتغال الذمّة بالمثل أو القيمة، فلا مانع من ضمان العهدة فتدبّر.

الثالث: صحّة ضمان درك ما يحدثه المشتري- من بناء أو غرس في الأرض المشتراة إن ظهرت مستحقّة للغير، و قلعه المالك- للمشتري عن البائع، و عدم صحّته، و قد قوّى في المتن العدم، و الظاهر أنّ الوجه فيه أنّ الظهورين المزبورين و إن كانا كاشفين عن بطلان المعاملة، الذي لازمه عدم كون المبيع للبائع، إلّا أنّ قلع المالك للبناء أو الغرس الذي أحدثه المشتري- بتخيّل كون الأرض مملوكة له- غير معلوم. و من المحتمل أن لا يتحقّق القلع من المالك، و يرضى ببقاء البناء أو الغرس مجّانا أو مع الاجرة، و المفروض رجوع الثمن إلى المشتري، فإذا رضي بالبقاء مع الاجرة لا يكون هناك مانع منه.

(1) و الوجه فيه أنّ الرهن كان وثيقة بالإضافة إلى المديون الأوّلي، و المفروض انتقال ذمّته إلى ذمّة الضامن و رضا المضمون له بذلك، فمن كان الرهن عنده لا تكون ذمّته مشغولة، و من كانت ذمّته مشغولة لا يكون في مقابلها رهن، فالرهن ينفكّ بنفس الضمان؛ سواء شرط انفكاكه أم لا.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص:

377

عنه للدائن، جاز له الرجوع على الملتمس مع عدم قصد التبرّع (1).

______________________________

(1) هذه المسألة لا تكون من مسائل كتاب الضمان؛ لأنّه لا يكون فيها ضمان، بل هي من مسائل كتاب القرض و الدّين، و النظر فيها إلى أنّ المديون لو التمس من شخص أن يؤدّي دينه من غير ضمان، فأدّاه إجابة لالتماسه، فإن كان الأداء بقصد التبرّع فلا يجوز له الرجوع إلى المديون، و إن لم يكن بقصد التبرّع فله الرجوع كما في الضمان على ما تقدّم «1».

______________________________

(1) في ص 366.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 379

[كتاب الحوالة و الكفالة]

اشارة

كتاب الحوالة و الكفالة

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 381

[القول في الحوالة]

اشارة

أمّا الحوالة، فحقيقتها: تحويل المديون ما في ذمّته إلى ذمّة غيره؛ و هي متقوّمة بأشخاص ثلاثة: المحيل و هو المديون، و المحتال و هو الدائن، و المحال عليه. و يعتبر فيهم البلوغ و العقل و الرشد و الاختيار، و في المحتال عدم الحجر للفلس، و كذا في المحيل إلّا على البري. و هي عقد يحتاج إلى إيجاب من المحيل و قبول من المحتال، و أمّا المحال عليه فليس طرفا للعقد و إن قلنا باعتبار قبوله، و يكفي في الإيجاب كلّ لفظ يدلّ على التحويل المزبور، مثل: «أحلتك بما في ذمّتي من الدّين على فلان» و ما يفيد معناه، و في القبول ما يدلّ على الرضا بذلك، و يعتبر في عقدها ما يعتبر في سائر العقود، و منها التنجيز على الأحوط (1).

______________________________

(1) حقيقة الحوالة عبارة عن تحويل المديون ما في ذمّته إلى ذمّة غيره، و منه يظهر أنّها متقوّمة بأشخاص ثلاثة: المحيل و المحتال و المحال عليه؛ لأنّ الدّين متقوّم بشخصين، و إحالته إلى الغير توجب الافتقار إلى الغير، فهنا أشخاص ثلاثة، و يعتبر في الجميع ما مرّ اعتباره في الضمان من البلوغ و العقل و الرشد و الاختيار، و يعتبر في خصوص المحتال عدم الحجر لأجل الفلس؛ لأنّ الصغر و السفاهة داخلان في البلوغ و الرشد، فلا يبقى إلّا الحجر لأجل المرض أو الفلس، و لا خفاء

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 382

[مسألة 1: يشترط في صحّة الحوالة- مضافا إلى ما تقدّم- امور]

مسألة 1: يشترط في صحّة الحوالة- مضافا إلى ما تقدّم- امور:

منها: أن يكون المال المحال به ثابتا في ذمّة المحيل، فلا تصحّ في غيره و إن وجد سببه، كمال الجعالة قبل العمل، فضلا عمّا لا يوجد،

كالحوالة بما سيستقرضه فيما بعد.

و منها: تعيين المال المحال به؛ بمعنى عدم الإبهام و الترديد. و أمّا معلوميّة مقداره أو جنسه عند المحيل أو المحتال فالظاهر عدم اعتبارها، فلو كان مجهولا عندهما و معلوما معيّنا واقعا لا بأس به، خصوصا مع فرض إمكان ارتفاع الجهالة.

______________________________

في أنّ الحوالة لا تكون تصرّفا من المريض، بل طريق إلى وصول ماله الذي ينتقل إلى الورثة بعدا؛ لأنّ المفروض مرض الموت كما مرّ في كتاب الحجر «1».

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، در يك جلد، مركز فقه ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1425 ه ق

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...؛ ص: 382

و أمّا المفلّس المحجور عليه لأجل ذلك، فإحالته توجب تضييع حقّ الغرماء؛ لأنّ المديون الأوّل ربما يكون أقرب إلى وصول المال و أداء الدّين من المحال عليه، كما أنّه يعتبر ذلك في المحيل إلّا على فرض صحّة الحوالة على البري، كما سيأتي.

ثمّ إنّه أفاد أنّ الحوالة عقد يحتاج إلى الإيجاب و القبول، فالأوّل من المحيل المديون و الثاني من المحتال الدائن، و أمّا المحال عليه فهو و إن كانت الحوالة متقوّمة به أيضا، إلّا أنّه لا يكون طرفا للعقد؛ سواء قلنا بعدم اعتبار قبوله أو باعتباره، و لا يعتبر في إيجابها لفظ خاصّ، بل يكفي كلّ لفظ يدلّ على الإحالة المذكورة، كما أنّ الأمر في القبول أيضا كذلك، فإنّه يكفي فيه كلّ لفظ يدلّ على الرضا بذلك.

ثمّ إنّه يعتبر في عقد الحوالة ما يعتبر في سائر العقود، و منها التنجيز على الأحوط كما في الضمان على ما تقدّم.

______________________________

(1) في ص 338.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة،

المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 383

و منها: رضا المحال عليه و قبوله على الأحوط فيما إذا اشتغلت ذمّته للمحيل بمثل ما أحال عليه، و على الأقوى في الحوالة على البري، أو بغير جنس ما على المحال عليه (1).

______________________________

(1) يشترط في صحّة الحوالة مضافا إلى ما مرّ امور و إن كان الاعتبار في بعضها بنحو الاحتياط الوجوبي، كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى:

الأوّل: أن يكون المال المحال به ثابتا في ذمّة المحيل و اشتغلت عهدته به، ضرورة أنّه مع عدم الاشتغال لا خصوصيّة له و لا مجال للحوالة، فإنّها ترجع حينئذ إلى استدعاء و طلب من المحتال و إجابة لالتماسه، و لو فرض اشتغال ذمّة المحال عليه للمحيل. نعم، يمكن فرض توكيله في تأدية الدّين في هذه الصورة و أخذه عن المديون وكالة عن الدائن، و قد عرفت أنّ حقيقة الحوالة تحويل المديون ما في ذمّته إلى ذمّة غيره، فالتعبير بها في العرف في موارد عدم ثبوت الدّين أيضا ليس تعبيرا حقيقيّا، بل مسامحيّا و مجازا، و لا فرق في عدم صحّة الحوالة مع عدم اشتغال ذمّة المحيل بين أن يكون السبب غير التامّ موجودا، كمال الجعالة قبل العلم و الاستحقاق، أو لم يوجد كالحوالة بما سيستقرضه فيما بعد.

الثاني: تعيين المال المحال به؛ بمعنى عدم الإبهام و الترديد بالمعنى المتقدّم في كتاب الضمان «1»، و أمّا معلوميّة المقدار أو الجنس عند المحيل أو المحتال، فقد استظهر في المتن عدم اعتبارها، خصوصا مع فرض إمكان ارتفاع الجهالة، فلو أحال الدّين الذي عليه على المحال عليه المديون بأضعاف هذا الدّين من غير علم للمحيل أو المحتال بالمقدار أو بالجنس فلا دليل على بطلان الحوالة.

______________________________

(1) في ص 362.

تفصيل

الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 384

[مسألة 2: لا يعتبر في صحّة الحوالة اشتغال ذمّة المحال عليه بالدّين للمحيل]

مسألة 2: لا يعتبر في صحّة الحوالة اشتغال ذمّة المحال عليه بالدّين للمحيل، فتصحّ الحوالة على البري على الأقوى (1).

______________________________

الثالث: رضا المحال عليه، و قد فصّل فيه في المتن بين صورة اشتغال ذمّته للمحيل بمثل ما أحال عليه، فاحتاط وجوبا اعتباره، و بين صورة الحوالة على البري بناء على صحّتها، أو بغير جنس ما أحال عليه، فقد قوّى الاعتبار، و الوجه في الصورة الثانية واضح، و أمّا الصورة الاولى، فإن قلنا بعدم الاعتبار يلزم أن لا يكون الدائن مستحقّا لاستدعاء دينه و طلبه، و لكن حيث يكون المحال عليه مديونا للمحيل فاشتغال ذمّته للمحتال- مع أنّ المحال عليه لا يكون مديونا له- إنّما هو على سبيل الاحتياط، خصوصا مع تقوّم الحوالة به، كما لا يخفى.

(1) قد قوّى في المتن صحّة الحوالة على البري، لكن قال المحقّق في الشرائع بعد الحكم بالصحّة: لكن يكون ذلك بالضمان أشبه «1»، بل عن المحدّث الكاشاني:

الأظهر أنّها ضمان «2»، و أورد عليهما في الجواهر: بأنّ فيه ما لا يخفى، ضرورة عدم حصول إنشاء ذلك من المحال عليه حتّى تكون ضمانا، بل أقصاه الرضا بما أنشأ المحيل «3».

و كيف كان، فقد وافق الماتن في الحكم بالصحّة المشهور «4»، بل الإجماع المحكي عن السرائر «5»، مضافا إلى الموافقة للسيرة العملية من المتشرّعة، و لكن حكي عن

______________________________

(1) شرائع الإسلام: 2/ 113.

(2) مفاتيح الشرائع: 3/ 149.

(3) جواهر الكلام: 26/ 165.

(4) مفتاح الكرامة: 5/ 406- 407، جواهر الكلام: 26/ 165، رياض المسائل: 8/ 588.

(5) السرائر: 3/ 79.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 385

[مسألة 3: لا فرق في المحال به بين كونه عينا ثابتا في ذمّة المحيل، و بين كونه منفعة أو عملا لا يعتبر فيه المباشرة]

مسألة 3: لا فرق في المحال به بين كونه عينا ثابتا في ذمّة المحيل، و بين

كونه منفعة أو عملا لا يعتبر فيه المباشرة، فتصحّ إحالة مشغول الذمّة- بخياطة ثوب أو زيارة أو صلاة أو حجّ أو قراءة قرآن و نحو ذلك- على بري، أو على من اشتغلت ذمّته له بمثل ذلك. و كذا لا فرق بين كونه مثليّا كالحنطة و الشعير، أو قيميّا كالغنم و الثوب بعد ما كان موصوفا بما يرفع الجهالة، فإذا اشتغلت ذمّته بشاة موصوفة مثلا بسبب كالسلم، جاز له إحالتها على من كان له عليه شاة بذلك الوصف أو كان بريئا (1).

______________________________

بعض ابتناء الخلاف على أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء، فعلى الأوّل لا تجوز و على الثاني تجوز «1»، و الظاهر أنّها عنوان برأسه و إن لحقها حكم أحد العنوانين في بعض الأحوال و الآخر في الآخر. و دعوى استبعاد اختلاف مقتضاها؛ لأنّها في بعض الصور انتقال، و في بعض الصور ضمان، ليست إلّا مجرّد الاستبعاد، و إلّا فقد عرفت أنّها عنوان مستقلّ كالصلح بناء على كونه عقدا برأسه، و إن أفاد فائدة البيع أو الإجارة أو الهبة أو نحوها، فتدبّر.

(1) عدم الفرق في المحال به بين الامور المذكورة في المتن واضح بعد أنّه لم ينهض دليل على ثبوت الفرق، و قد ثبت في المسألة السابقة صحّة الحوالة على البري.

نعم، فيما إذا كان العمل الثابت على عهدة المحيل مقيّدا بالمباشرة تصريحا أو انصرافا، لا معنى للحوالة به على الغير؛ لعدم إمكان تحقّق المباشرة حينئذ، و لا مجال لتوهّم الفرق بين المثلي و القيمي بعد ما كان القيمي المحال به موصوفا بما يرفع الجهالة، و أنّه كالثابت على ذمّة المحيل، فتأمّل.

______________________________

(1) غاية المراد: 2/ 226، جامع المقاصد: 5/ 359، مسالك الأفهام: 4/ 215.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة،

المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 386

[مسألة 4: لا إشكال في صحّة الحوالة مع اتّحاد الدّين المحال به]

مسألة 4: لا إشكال في صحّة الحوالة مع اتّحاد الدّين المحال به، مع الدّين الذي على المحال عليه جنسا و نوعا. و أمّا مع الاختلاف؛ بأن كان عليه لرجل مثلا دراهم و له على آخر دنانير، فيحيل الأوّل على الثاني، فهو على أنحاء: فتارة:

يحيل الأوّل بدراهمه على الثاني بالدنانير؛ بأن يأخذ منه و يستحقّ عليه بدل الدراهم الدنانير، و اخرى: يحيله عليه بالدراهم؛ بأن يأخذ منه الدراهم و يعطي المحال عليه بدل ما عليه من الدنانير الدراهم، و ثالثة: يحيله عليه بالدراهم؛ بأن يأخذ منه دراهمه و تبقى الدنانير على حالها، لا إشكال في صحّة النحو الأوّل، و كذا الثالث، و يكون هو كالحوالة على البري. و أمّا الثاني ففيه إشكال، فالأحوط فيما إذا أراد ذلك أن يقلب الدنانير التي على المحال عليه بدراهم بناقل شرعي أوّلا، ثمّ يحال عليه الدراهم و إن كان الأقوى صحّته مع التراضي (1).

______________________________

(1) لا ريب في صحّة الحوالة في صورة اتّحاد الدّين المحال به مع الدّين الذي للمحيل على المحال عليه، و عدم اختلافهما من حيث الجنس و النوع. و أمّا مع الاختلاف؛ بأن كان لرجل عليه دراهم و له على الآخر دنانير، فيحيل الأوّل على الثاني، فهو كما في المتن على صور:

الاولى: أن يحيل الأوّل على الثاني بالدنانير؛ بأن يأخذ منه و يستحقّ عليه بدل الدراهم الدنانير، و نفى الإشكال في المتن في أواخر المسألة في صحّة هذه الصورة، و لكن لا بدّ من أن يقال: إنّ التبديل المذكور لا بدّ و أن يكون بنحو الصلح أو مثله، و إلّا فلو كان بنحو البيع يعتبر التقابض في المجلس؛ لاعتباره في بيع

النقدين، و المفروض أنّه غير متحقّق هنا.

الثانية: أن يحيله عليه بالدراهم؛ بأن يأخذ منه الدراهم و يعطي المحال عليه بدل

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 387

[مسألة 5: إذا تحقّقت الحوالة جامعة للشروط برئت ذمّة المحيل عن الدّين]

مسألة 5: إذا تحقّقت الحوالة جامعة للشروط برئت ذمّة المحيل عن الدّين و إن لم يبرئه المحتال، و اشتغلت ذمّة المحال عليه للمحتال بما احيل عليه. هذا حال المحيل مع المحتال، و المحتال مع المحال عليه. و أمّا حال المحال عليه مع المحيل، فإن كانت الحوالة بمثل ما عليه برئت ذمّته ممّا له عليه، و كذا إن كانت بغير الجنس و وقعت على النحو الأوّل و الثاني مع التراضي. و أمّا إن وقعت على النحو الأخير، أو كانت الحوالة على البري، اشتغلت ذمّة المحيل للمحال عليه بما أحال عليه، و إن كان له عليه دين يبقى على حاله (1).

______________________________

ما عليه من الدنانير الدراهم، و قد استشكل في ذيل كلامه في صحّة هذه الصورة، و احتاط بتبديل الدنانير بالدراهم بناقل شرعي أوّلا، ثمّ يحال عليه الدراهم، و إن كان قد قوّى الصحّة مع التراضي لرجوعه إلى الصلح و مثله، و إلّا فقد عرفت أنّه لو كان بصورة البيع يعتبر التقابض في المجلس غير المتحقّق هنا.

الثالثة: الصورة المفروضة مع بقاء الدنانير على حالها، و قد نفى الإشكال في صحّته؛ لأنّه يكون كالحوالة على البري التي قد قوّى صحّتها في المسألة الثانية؛ لأنّ ما على المحال عليه لا يكون ثابتا في ذمّته، و ما على ذمّته لم تتحقّق الحوالة بالإضافة إليه، فهو كالحوالة على البري، و الظاهر أنّه أحسن الصور الثلاثة المفروضة في المقام، فتدبّر.

(1) لو فرض تحقّق الحوالة جامعة للشروط المعتبرة السابقة يترتّب عليها امور:

الأوّل:

براءة ذمّة المحيل عن الدّين و إن لم يبرئه المحتال؛ لأنّ الغرض من الحوالة ذلك؛ أي حصول البراءة للمحيل عن الدّين.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 388

[مسألة 6: لا يجب على المحتال قبول الحوالة]

مسألة 6: لا يجب على المحتال قبول الحوالة و إن كانت على غنيّ غير مماطل، و لو قبلها لزم و إن كانت على فقير معدم مع علمه بحاله، و لو كان جاهلا فبان إعساره و فقره وقت الحوالة، فله الفسخ و العود على المحيل، و لا فسخ مع الفقر الطارئ، كما لا يزول الخيار باليسار الطارئ (1).

______________________________

الثاني: اشتغال ذمّة المحال عليه للمحتال بما احيل عليه؛ لأنّه بعد قبول الحوالة و رضاه بها تصير ذمّته مشغولة له؛ سواء كانت مشغولة بالإضافة إلى المحيل، أو بريئة بناء على ما سبق من صحّة الحوالة على البري ء.

الثالث: براءة ذمّة المحال عليه بالإضافة إلى المحيل بما له عليه إن كانت الحوالة بمثل ما عليه، و كذا إن كانت بغير الجنس و وقعت على النحو الأوّل من الأنحاء الثلاثة المتقدّمة في المسألة الرابعة، أو على النحو الثاني مع التراضي بناء على ما أفاده الماتن قدّس سرّه على ما مرّ، و إن وقعت على النحو الأخير من تلك الأنحاء اشتغلت ذمّة المحيل للمحال عليه بما أحال عليه، و إن كان للأوّل على الثاني دين يبقى على حاله كالأوّل. و كذا إن كانت الحوالة على البري، فإنّه يتحقّق فيها اشتغال ذمّة المحيل للمحال عليه، و ليس الرضا و قبول الحوالة دليلا على التبرّع و المجّانية، فلعلّه يريد أداء بعض حقوق المحيل غير المالية من دون قصد المجّانية، هذه هي الامور المترتّبة على الحوالة الصحيحة و الصور المتصوّرة فيها فاعرف.

(1) قد تعرّض

في هذه المسألة لامور:

الأوّل: أنّه حيث إنّ الحوالة عقد يحتاج إلى إيجاب و قبول، فكما أنّه لا يجب على المحيل الإيجاب، كذلك لا يجب على المحتال القبول، و هذا من دون فرق بين أن

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 389

[مسألة 7: الحوالة لازمة بالنسبة إلى كلّ من الثلاثة إلّا على المحتال مع إعسار المحال عليه و جهله بالحال]

مسألة 7: الحوالة لازمة بالنسبة إلى كلّ من الثلاثة إلّا على المحتال مع إعسار المحال عليه و جهله بالحال، كما أشرنا إليه. و المراد بالإعسار أن لا يكون عنده ما يوفي به الدّين زائدا على مستثنياته، و يجوز اشتراط خيار الفسخ لكلّ منهم (1).

______________________________

يكون المحال عليه غنيّا غير مماطل، أو فقيرا معدما، أو غيرهما.

الثاني: أنّ الحوالة مع قبول المحتال لازمة، كما هو مقتضى أصالة اللزوم الجارية في كلّ عقد شكّ في لزومه و عدمه.

الثالث: لو كان المحتال جاهلا بإعسار المحال عليه- و سيأتي معنى الإعسار في المسألة اللاحقة- فبان إعساره و فقره وقت الحوالة، و أنّه لا يكون قادرا على الأداء فله الفسخ و العود على المحيل؛ لأنّه مع عدم ثبوت حقّ الفسخ لا يتحقّق الغرض من الحوالة.

الرابع: أنّه لا فسخ مع الفقر الطارئ على الحوالة لاستصحاب اللزوم، كما أنّه لا يزول الخيار باليسار الطارئ للاستصحاب أيضا.

(1) قد عرفت حكم الحوالة من حيث اللزوم و عدمه، و التفصيل بين صورة الإعسار و صورة عدمه، و الغرض من هذه المسألة بيان المراد من الإعسار، و في المتن: أنّ المراد به أن لا يكون عنده ما يوفي به الدّين زائدا على مستثنيات الدّين، كما أنّها حيث تكون لازمة في نفسها يجوز اشتراط الخيار لكلّ من الثلاثة الذين هم أركان الحوالة على ما عرفت؛ لما مرّ في كتاب الضمان من جواز اشتراط

الخيار لعموم «المؤمنون عند شروطهم» «1».

______________________________

(1) في ص 364- 365.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 390

[مسألة 8: يجوز الترامي في الحوالة بتعدّد المحال عليه و اتّحاد المحتال]

مسألة 8: يجوز الترامي في الحوالة بتعدّد المحال عليه و اتّحاد المحتال، كما لو أحال المديون زيدا على عمرو، ثمّ أحاله عمرو على بكر، و هو على خالد و هكذا، أو بتعدّد المحتال مع اتّحاد المحال عليه، كما لو أحال المحتال من له عليه دين على المحال عليه، ثمّ أحال هو من عليه دين على ذلك المحال عليه، و هكذا (1).

[مسألة 9: لو قضى المحيل الدّين بعد الحوالة برئت ذمّة المحال عليه]

مسألة 9: لو قضى المحيل الدّين بعد الحوالة برئت ذمّة المحال عليه، فإن كان ذلك بمسألته رجع المحيل عليه، و إن تبرّع لم يرجع (2).

______________________________

(1) يجوز الترامي في الحوالة بأحد وجهين:

أحدهما: تعدّد المحال عليه و اتّحاد المحتال، كما لو أحال المديون الأصلي زيدا المحتال على عمرو، ثمّ أحاله عمرو على بكر، ثمّ أحاله بكر على خالد، و السرّ في الجواز في هذا الوجه صيرورة ذمّة المحال عليه مشغولة بالدّين بسبب قبول الحوالة و إن لم تكن مشغولة بدونه، و عليه فلا يبقى فرق بينه و بين المديون الأصلي، فكما أنّه تجوز الحوالة للثاني، كذلك تجوز للأوّل؛ لعدم الفرق أصلا.

ثانيهما: تعدّد المحتال مع اتّحاد المحال عليه، كما لو أحال المحتال من له عليه دين على المحال عليه ثمّ أحال هو من عليه دين على ذلك المحال عليه و هكذا، و الوجه في الجواز في هذه الصورة أيضا اشتغال ذمّة المحيل في جميع المراحل و تحقّق القبول من المحال عليه، فلا يكون في البين فقد شرط أو وجود مانع، كما هو ظاهر.

(2) لو قضى شخص المحيل الدّين الذي كان للمحتال عليه، و أدّاه بعد تحقّق الحوالة، يصير ذلك سببا لحصول البراءة للمحال عليه؛ لأنّه كان مديونا بسبب الحوالة، و قد أدّى دينه المديون الأصلي، فتتحقّق براءة

الذمّة له و لا مجال لبقاء

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 391

[مسألة 10: لو أحال على برئ و قبل المحال عليه، هل له الرجوع على المحيل بمجرّده، أو ليس له إلّا بعد أداء الدّين للمحتال؟]

مسألة 10: لو أحال على برئ و قبل المحال عليه، هل له الرجوع على المحيل بمجرّده، أو ليس له إلّا بعد أداء الدّين للمحتال؟ الأقرب الثاني (1).

[مسألة 11: لو أحال البائع من له عليه دين على المشتري]

مسألة 11: لو أحال البائع من له عليه دين على المشتري، أو أحال المشتري

______________________________

الاشتغال، و قد فرّع عليه في المتن قوله: فإن كان ذلك بمسألته رجع المحيل عليه، و إن تبرّع لم يرجع، و الظاهر أنّ مراده أنّ قضاء المحيل و أداءه الدّين إلى المحتال إن كان إجابة لمسألة المحال عليه ذلك و قبولا لاستدعائه، يرجع المحيل إلى المحال عليه الذي صارت ذمّته مشغولة بعد تحقّق الحوالة و لو كان دينا بالذات. و إن كان المحيل متبرّعا في قضاء الدّين لا مجال له حينئذ للرجوع؛ لأنّه أبرأ ذمّة المحال عليه من دون مسألته و استدعائه. و من المعلوم عدم اعتبار قيد المباشرة في أداء الدّين، كما في سائر الموارد.

(1) إذا كان المحال عليه بريئا و قد قبل الحوالة مع هذا الوصف و اشتغلت ذمّته للمحتال لأجل قبوله، فهل له الرجوع على المحيل بمجرّد الحوالة و قبولها، أو ليس له ذلك إلّا بعد أداء الدّين للمحتال؟ قد جعل في المتن الأقرب الثاني، و الوجه فيه ما أشرنا إليه في بعض المسائل المتقدّمة «1» من أنّ قبول البري ء الحوالة لا يرجع إلى أداء دين المحيل تبرّعا و مجّانا، بل يمكن أن يكون لأجل حفظ ماء وجهه أو لبعض الجهات الاخر، و عليه فجواز رجوعه إلى المحيل يتوقّف على قضاء دينه و أدائه إلى المحتال.

______________________________

(1) في ص 388.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 392

البائع بالثمن على شخص آخر، ثمّ تبيّن بطلان البيع بطلت الحوالة، بخلاف ما

إذا انفسخ البيع بخيار أو بالإقالة، فإنّه تبقى الحوالة و لم تتبع البيع فيه (1).

[مسألة 12: إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معيّن خارجيّ، فأحال دائنه عليه ليدفع إليه و قبل المحتال]

مسألة 12: إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معيّن خارجيّ، فأحال دائنه عليه ليدفع إليه و قبل المحتال، وجب عليه دفعه إليه، و لو لم يدفع فله الرجوع على المحيل لبقاء شغل ذمّته (2).

______________________________

(1) لو أحال البائع من له عليه دين على المشتري، فقبل المشتري الحوالة بتخيّل صحّة البيع و اشتغال ذمّته للبائع بالثمن، أو أحال المشتري البائع بالثمن على شخص آخر، ثمّ تبيّن أنّ البيع كان باطلا من أصله و لم يتحقّق فيه النقل و الانتقال بالإضافة إلى المبيع و الثمن، بطلت الحوالة؛ لأنّ قبولها كان لأجل تخيّل الصحّة و تحقّق النقل و الانتقال، و قد انكشف الخلاف، و هذا بخلاف ما إذا عرض للبيع الفسخ بالخيار أو بالإقالة، فإنّه لا يكشف عن بطلان الحوالة بعد كون الفسخ من الحين لا من الأصل، و الحوالة متفرّعة على الأصل كما لا يخفى.

(2) إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معيّن خارجي، كما إذا كان ماله عنده أمانة فأحال دائنه عليه و قبل الدائن المحتال الحوالة، وجب على ذلك الشخص دفعه إليه لفرض كونه مالا له و هو أمينه، و الدائن قابل للحوالة، فلو لم يعمل الأمين ما وجب عليه، و لم يدفع المال المعيّن إلى المحتال تبقى ذمّة المحيل على حالها؛ لفرض عدم تحقّق العمل الرافع للاشتغال، و لم ينتقل الدّين حينئذ إلى المحال عليه كما في الموارد الاخر؛ لأنّ المفروض أنّ المحال عليه، أمينه و المال المحال به مال معيّن

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 393

[القول في الكفالة]

اشارة

القول في الكفالة و هي التعهّد و الالتزام لشخص بإحضار نفس له عليها حقّ؛ و هي عقد واقع بين

الكفيل و المكفول له؛ و هو صاحب الحقّ، و الإيجاب من الأوّل، و يكفي فيه كلّ لفظ دالّ على المقصود، نحو «كفلت لك نفس فلان»، أو «أنا كفيل لك بإحضاره» و نحو ذلك، و القبول من الثاني ممّا دلّ على الرضا بذلك (1).

[مسألة 1: يعتبر في الكفيل البلوغ و العقل و الاختيار و التمكّن من الإحضار]

مسألة 1: يعتبر في الكفيل البلوغ و العقل و الاختيار و التمكّن من الإحضار، و لا يشترط في المكفول له البلوغ و العقل، فيصحّ الكفالة للصبيّ و المجنون إذا قبلها الوليّ (2).

______________________________

خارجيّ، فالدّين باق على ذمّة المحيل من دون انتقال.

(1) الكفالة عبارة عن التعهّد و الالتزام للدائن بإحضار نفس له عليها حقّ حتّى يمكن له قضاء دينه منه و الوصول إلى الحقّ الذي عليه، و يعبّر عن صاحب الحقّ بالمكفول له، و عن الملتزم بالإحضار الكفيل. و هي عقد و إنشاء واقع بينهما، غاية الأمر أنّ الإيجاب من المتعهّد بالإحضار، و القبول من صاحب الحقّ، و لا مدخلية للفظ خاصّ و صيغة مخصوصة لهذا العقد، بل يكفي في الإيجاب كلّ لفظ دالّ على المقصود؛ نحو «كفلت لك نفس فلان»، أو «أنا كفيل لك بإحضاره» أو نحو ذلك، و في القبول ما يدلّ على الرضا بذلك أيّ لفظ كان، و لا مدخلية لرضا المكفول و موافقته لذلك، كما في المثال على ما مرّ من اعتبار قوله.

(2) يشترط في الكفيل ما اشترطناه في المحيل من البلوغ و العقل و الاختيار و أمر زائد على ما ذكر؛ و هو التمكّن من الإحضار و القدرة عليه؛ لأنّه الغرض من الكفالة، و أمّا المكفول له فلا يعتبر فيه البلوغ و العقل و إن كان طرفا للعقد قطعا،

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 394

[مسألة 2: لا إشكال في اعتبار رضا الكفيل و المكفول له]

مسألة 2: لا إشكال في اعتبار رضا الكفيل و المكفول له، و الأقوى عدم اعتبار رضا المكفول و عدم كونه طرفا للعقد. نعم، مع رضاه يلحق بها بعض الأحكام زائدا على المجرّدة منه. و الأحوط اعتبار رضاه و أن يكون طرفا للعقد؛ بأن يكون عقدها مركّبا من إيجاب و قبولين من المكفول له و المكفول (1).

______________________________

فتصحّ الكفالة للصبي و المجنون مع قبول الولي و إذنه في ذلك؛ لأنّه لا يبقى مع قبوله مجال للحكم بالبطلان، خصوصا مع أنّها تعهّد بالالتزام بالإحضار ليتمكّن المكفول له من الوصول إلى حقّه عليه.

(1) لا ريب في اعتبار رضا الكفيل و المكفول له؛ لتقوّم عقد الكفالة بهما كما ذكرناه في تعريف الكفالة؛ لأنّها تعهّد و التزام في مقابله. و أمّا المكفول، فقد قوّى في المتن عدم اعتبار رضاه و عدم كونه طرفا للعقد. نعم، مع رضاه يلحق بها بعض الأحكام زائدا على الخالية عن هذا القبول، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى «1». نعم، احتاط بالاحتياط الاستحبابي اعتبار رضاه و أن يكون طرفا للعقد؛ بأن يكون عقدها مركّبا من إيجاب و قبولين من المكفول له و المكفول، كما أنّه يعتبر في باب الحوالة رضا الثلاثة: المحيل و المحتال و المحال عليه.

و لكن الظاهر وجود الفرق بين الحوالة و الكفالة، أمّا اعتبار الأشخاص الثلاثة في الحوالة فالوجه فيه واضح؛ لأنّ المحيل يريد نقل ذمّته إلى المحال عليه، و المحتال لا يكون له حقّ الرجوع إلى المحيل بعد تحقّق الحوالة الجامعة، و المحال عليه يشتغل ذمّته بذلك و إن كانت بريئة، فلا محيص عن اعتبار رضاهم جميعا. و أمّا هنا فالغاية إحضار المديون للدائن و الالتزام له بذلك. و من المعلوم

أنّ

______________________________

(1) في ص 400- 403.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 395

[مسألة 3: كلّ من عليه حقّ ماليّ صحّت الكفالة ببدنه]

مسألة 3: كلّ من عليه حقّ ماليّ صحّت الكفالة ببدنه، و لا يشترط العلم بمبلغ ذلك المال. نعم، يشترط أن يكون المال ثابتا في الذمّة بحيث يصحّ ضمانه، فلو تكفّل بإحضار من لا مال عليه و إن وجد سببه- كمن جعل الجعالة قبل أن يعمل العامل- لم تصحّ. و كذا تصحّ كفالة كلّ من يستحقّ عليه الحضور إلى مجلس الشرع؛ بأن تكون عليه دعوى مسموعة و إن لم تقم البيّنة عليه بالحقّ.

و كذا تصحّ كفالة من عليه عقوبة من حقوق الخلق كعقوبة القصاص، دون من عليه عقوبة من حقوق اللّه تعالى كالحدّ و التعزير، فإنّها لا تصحّ (1).

______________________________

المديون لا يكون راضيا به نوعا، بل كان مريدا للغيبوبة و عدم الحضور عند الدائن، بل عدم التمكّن من إحضاره لذلك، فلا وجه لاعتبار رضاه و صيرورته طرفا للعقد، فتدبّر جيّدا.

لكن حيث إنّ إحضاره نوع تسلّط عليه، و هو لا يكون مرضيا له عادة، فمقتضى الاحتياط الاستحبابي اعتبار رضاه و كونه طرفا للعقد أيضا.

(1) قد عرفت أنّ حقيقة الكفالة هي التعهّد بإحضار الشخص ببدنه، و هي تصحّ في الموارد التالية:

الأوّل: أن يكون المكفول من عليه حقّ ماليّ، و لا يعتبر العلم بمقدار ذلك المال.

نعم، يعتبر أن يكون المال ثابتا في الذمّة بحيث يصحّ ضمانه، فلو تكفّل بإحضار من لا مال عليه و إن وجد سببه الناقص- كالجاعل في الجعالة قبل أن يتحقّق العمل من العامل- لم تصحّ الكفالة.

الثاني: أن يكون المكفول من يستحقّ عليه الحضور في مجلس الشرع؛ بأن تكون عليه دعوى مسموعة- و قد ذكرت شرائط سماع الدعوى في كتاب

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 396

[مسألة 4: يصحّ إيقاع الكفالة حالّة لو كان الحقّ ثابتا على المكفول كذلك و مؤجّلة]

مسألة 4: يصحّ إيقاع الكفالة حالّة لو كان الحقّ ثابتا على المكفول كذلك و مؤجّلة، و مع الإطلاق تكون حالّة مع ثبوت الحقّ كذلك، و لو كانت مؤجّلة يلزم تعيين الأجل بنحو لا يختلف زيادة و نقصا (1).

______________________________

القضاء «1»- و إن لم تقم عليه البيّنة بالحقّ.

الثالث: أن يكون المكفول من عليه عقوبة من حقوق الخلق غير ماليّ كعقوبة القصاص، فإنّه تصحّ الكفالة و التعهّد بإحضار مثله ليتمكّن من إعمال القصاص و مثله.

و استثنى في الذيل ما إذا كان المكفول من عليه عقوبة من حقوق اللّه تبارك و تعالى كالحدّ و التعزير، و الوجه فيه أنّ المستحقّ فيه هو الخالق دون الخلق حتّى الحاكم الشرعي، فلا يستحقّ أحد عليه الحضور، و لو ثبت استحقاقه للحدّ و التعزير. نعم، مع حضوره و التمكّن منه يجري عليه الحكم بأمر الحاكم.

و قد ذكر الفقهاء- رضوان اللّه تعالى عليهم- في كتاب الحدود أنّ الزاني الذي حدّه الرجم إذا فرّ من الحفيرة التي جعل فيها لإجراء حدّ الرجم لا تجب إعادته إليها، إمّا مطلقا أو في بعض الصور «2» فراجع، و منه يظهر أنّ صورة اجتماع الحقّين كما في باب السرقة يجوز الكفالة فيه بالإضافة إلى حقّ الناس، و لا تجوز بالنسبة إلى حقّ اللّه تعالى كما لا يخفى.

(1) إذا كان الحقّ الثابت على المكفول حالّا يصحّ إيقاع الكفالة كذلك

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة: كتاب القضاء و الشهادات: 75- 98.

(2) المقنعة: 780، الكافي في الفقه: 407، المراسم العلويّة في الأحكام النبويّة: 254، الجامع للشرائع: 551، الروضة البهيّة في شرح اللّمعة الدمشقيّة: 9/ 91، النهاية في مجرّد

الفقه و الفتاوى: 700، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 412.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 397

[مسألة 5: عقد الكفالة لازم لا يجوز فسخه إلّا بالإقالة]

مسألة 5: عقد الكفالة لازم لا يجوز فسخه إلّا بالإقالة، و يجوز جعل الخيار فيه لكلّ من الكفيل و المكفول له مدّة معيّنة (1).

______________________________

و مؤجّلة، و أمّا إذا كان الحقّ الثابت عليه مؤجّلا لا تصحّ الكفالة حالّة لفرض عدم ثبوت الحقّ عليه كذلك، و إذا كانت مطلقة ينصرف الإطلاق إلى الحالّ لو كان الدّين الثابت عليه كذلك، و في صورة التأجيل يلزم تعيين الأجل بنحو لا يختلف زيادة و نقصا؛ ليكون حقّ المكفول على الكفيل ظاهرا غير محتمل لذلك- أي للزيادة و النقيصة- حتّى يتحقّق موضوع للاختلاف و التشاجر، و يتعيّن وضع كلّ واحد منهما.

(1) عقد الكفالة لازم كما هو مقتضى أصالة اللزوم في كلّ عقد شكّ في لزومه و جوازه، مضافا إلى أنّ الغرض من الكفالة لا يتحقّق إلّا بذلك، و عليه فلا يجوز فسخه إلّا بالإقالة الجارية في كلّ عقد لازم، و لا يجري فيه الخيارات المختصّة بالبيع كخياري المجلس و الحيوان، أو لا يكون لها موضوع هنا كخياري الغبن و العيب.

نعم، لا مانع من ثبوت جواز اشتراط الخيار لكلّ من الكفيل و المكفول له مع تعيين المدّة؛ لعموم «المؤمنون عند شروطهم» «1».

ثمّ إنّ هنا فرعا؛ و هو أنّه لو كان الكفيل متمكّنا من الإحضار حال إيقاع عقد الكفالة- كما هو الشرط فيه على ما تقدّم- فعرض له العجز و عدم التمكّن بعد العقد، فهل ينفسخ عقد الكفالة بذلك، أم لا؟ الظاهر هو الأوّل؛ لأنّه يرجع إلى عدم إمكان الوفاء بالعقد، فهو بمنزلة تعذّر تسليم المبيع في البيع الطارئ بعد عقده الذي هو

في رأس العقود اللازمة بالأصل، كما لا يخفى.

______________________________

(1) تقدّم في ص 36 و غيره.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 398

[مسألة 6: إذا تحقّقت الكفالة جامعة للشرائط، جاز مطالبة المكفول له الكفيل بالمكفول عاجلا إذا كانت الكفالة مطلقة]

مسألة 6: إذا تحقّقت الكفالة جامعة للشرائط، جاز مطالبة المكفول له الكفيل بالمكفول عاجلا إذا كانت الكفالة مطلقة- على ما مرّ- أو معجّلة، و بعد الأجل إذا كانت مؤجّلة، فإن كان المكفول حاضرا وجب على الكفيل تسليمه إلى المكفول له، فإن سلّمه له بحيث يتمكّن منه فقد برئ ممّا عليه، و إن امتنع عن ذلك يرفع الأمر إلى الحاكم، فيحبسه حتّى يحضره أو يؤدّي ما عليه في مثل الدّين. و أمّا في مثل حقّ القصاص و الكفالة عن الزوجة فيلزم بالإحضار، و يحبس حتّى يحضره و يسلّمه. و إن كان غائبا، فإن علم موضعه و يمكن للكفيل إحضاره امهل بقدر ذهابه و مجيئه، فإذا مضى و لم يأت به من غير عذر حبس كما مرّ، و إن كان غائبا غيبة منقطعة لا يعرف موضعه و انقطع خبره، فمع رجاء الظفر به مع الفحص لا يبعد أن يكلّف بإحضاره و حبسه لذلك، خصوصا إذا كان ذلك بتفريط منه.

و أمّا إلزامه بأداء الدّين في هذه الصورة فمحلّ تأمّل. نعم، لو أدّى تخلّصا من الحبس يطلق، و مع عدم الرجاء لم يكلّف بإحضاره، و الأقرب إلزامه بأداء الدّين، خصوصا إذا كان ذلك بتفريط منه؛ بأن طالبه المكفول له و كان متمكّنا منه و لم يحضره حتّى هرب. نعم، لو كان عدم الرجاء للظفر به بحسب العادة حال عقد الكفالة يشكل صحّتها، و أمّا لو عرض ذلك فالظاهر عدم عروض البطلان، خصوصا إذا كان بتفريط من الكفيل، فلا يبعد حينئذ إلزامه بالأداء أو حبسه

حتّى يتخلّص به، خصوصا في هذه الصورة (1).

______________________________

(1) إذا تحقّقت الكفالة جامعة للشرائط فحيث إنّها عقد لازم لا تنفسخ إلّا بالإقالة أو مثلها، كالخيار المشروط فيها على ما عرفت، فإن كانت الكفالة معجّلة، أو مطلقة منصرفة إلى المعجّلة يجوز للمكفول له مطالبة الكفيل بإحضاره

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 399

..........

______________________________

عاجلا، كما أنّه إذا كانت مؤجّلة يجوز ذلك له بعد حلول الأجل، و في هذا الفرض يتصوّر للمسألة صورتان:

الصورة الاولى: ما إذا كان المكفول حاضرا، ففي هذه الصورة يجب على الكفيل بعد المطالبة المذكورة تسليم المكفول إلى المكفول له، فإن لم يمتنع عن ذلك سلّمه له بحيث يتمكّن منه، فقد برئ الكفيل ممّا عليه من لزوم الإحضار، و إن امتنع من ذلك يرفع الأمر إلى الحاكم لأنّه لا بدّ منه، فالحاكم حينئذ يحبس الكفيل حتّى يحضر المكفول له، و حينئذ فإن كان ما عليه حقّ ماليّ لا يجب إلّا أداؤه، فيكفي الأداء من غير الحضور عند المكفول له، و إن كان مثل حقّ القصاص و الكفالة عن الزوجة فالمتعيّن الحبس حتّى يرضى بالإحضار؛ لفرض تمكّن الكفيل من ذلك.

الصورة الثانية: ما إذا كان المكفول غائبا، فإن علم الكفيل موضعه و يمكن من إحضاره امهل بقدر مجيئه و ذهابه، فإذا مضت مدّة الإمهال و لم يأت به من غير عذر له في ذلك يحبس الكفيل- كما مرّ- لغرض العلم بموضعه و التمكّن من إحضاره، و إن كان غائبا غيبة منقطعة لا يعرف موضعه و انقطع خبره، فمع رجاء الظفر به مع الفحص قد نفى البعد في المتن عن تكليف الحاكم إيّاه بإحضاره و حبسه لذلك، خصوصا إذا كان ذلك بتفريط منه، و

فسّر التفريط في الفرع الآتي بأن طالبه المكفول له و كان الكفيل متمكّنا منه و لم يحضره حتّى هرب، و قد تأمّل في إلزامه بأداء الدّين في هذه الصورة.

و الوجه فيه ظاهرا أنّ الواجب عليه بمقتضى عقد الكفالة هو إحضار المكفول عند المكفول له. و أمّا الدّين فلا يرتبط به و لا يصير مديونا، و عدم الوفاء بعقد الكفالة ليس إلّا المخالفة للحكم التكليفي، و لا يوجب اشتغال الذمّة و ثبوت الحكم الوضعي. نعم، لو أدّى برضاه تخلّصا من الحبس يصير كالمتبرّع بأداء دين الغير،

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 400

[مسألة 7: لو لم يحضر الكفيل المكفول فأخذ منه المال]

مسألة 7: لو لم يحضر الكفيل المكفول فأخذ منه المال، فإن لم يأذن له المكفول لا في الكفالة و لا في الأداء ليس له الرجوع عليه بما أدّاه، و إن أذن له في الأداء كان له الرجوع؛ سواء أذن له في الكفالة أيضا أم لا. و إن أذن له في الكفالة دون الأداء، فهل يرجع عليه أم لا؟ لا يبعد أن يفصّل بين ما إذا أمكن له

______________________________

هذا مع رجاء الظفر به مع الفحص.

و أمّا مع عدم الرجاء فيسقط التكليف بإحضاره. و استقرب في المتن إلزامه بأداء الدّين، خصوصا إذا كان ذلك بتفريط منه بالمعنى الذي تقدّم، و الوجه فيه كونه سببا لضياع حقّه و عدم إمكان أداء الدّين، إمّا بأصل الكفالة، أو بالتفريط المذكور معها، ففي الحقيقة كأنّه المتلف لمال الغير و الباعث على عدم وصول حقّه إليه، فهو كما لو اكره المديون على عدم أداء الدّين، و قد استشكل في صحّة عقد الكفالة فيما لو كان عدم الرجاء للظفر به بحسب العادة ثابتا حال العقد؛ لأنّه يرجع عرفا

إلى عدم التمكّن من الإحضار الذي قد عرفت «1» أنّه من شروط صحّة عقد الكفالة.

و أمّا لو عرض ذلك فقد استظهر عدم عروض البطلان، خصوصا إذا كان بتفريط من الكفيل، و هذا هو الفرع الذي تعرّضنا له سابقا، و استظهرنا فيه بطلان عقد الكفالة و أنّه مثل الإقالة، لكن الوجه فيما أفاده الماتن هو الاستصحاب الذي هي إحدى أدلّة أصالة اللزوم على ما قرّر في محلّه، و لكن الظاهر بملاحظة حكمة تشريع الكفالة هو ما ذكرنا، و على ما في المتن فقد نفى البعد حينئذ عن إلزامه بالأداء أو حبسه حتّى يتخلّص به، خصوصا في صورة التفريط.

______________________________

(1) في ص 393.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 401

إرجاعه و إحضاره فالثاني، و ما إذا تعذّر فالأوّل (1).

[مسألة 8: لو عيّن الكفيل في الكفالة مكان التسليم تعيّن]

مسألة 8: لو عيّن الكفيل في الكفالة مكان التسليم تعيّن، فلا يجب عليه تسليمه في غيره و لو طلب ذلك المكفول له، كما أنّه لو سلّمه في غيره لم يجب على المكفول له تسلّمه. و لو أطلق و لم يعيّن مكانه، فإن أوقعا العقد في بلد المكفول له، أو بلد قراره انصرف إليه، و إن أوقعاه في برّيّة أو بلد غربة لم يكن

______________________________

(1) لو لم يحضر الكفيل المكفول فأخذ منه المال الذي للمكفول له على المكفول، فهنا صور ثلاث:

إحداها: ما إذا لم يكن للكفيل إذن من المكفول لا في الكفالة و لا في أداء الدّين، فالظاهر أنّه ليس للكفيل حينئذ الرجوع إلى المكفول بما أدّاه؛ لأنّ المفروض عدم ثبوت إذن له مطلقا.

ثانيتها: ما إذا أذن له في أداء الدّين، فإنّه حينئذ يجوز له الرجوع إليه؛ سواء كان مأذونا في الكفالة أم لا؛ لأنّ المفروض أنّه

لم يكن متبرّعا بأداء الدّين، و قبول الكفالة لا دلالة له على ذلك.

ثالثتها: ما إذا أذن له في أصل الكفالة دون الدّين، فهل يجوز له الرجوع حينئذ أم لا؟ قد نفى البعد عن التفصيل بين صورة إمكان الإرجاع و الإحضار، و مع ذلك لم يحضره و أدّى الدين فلا يجوز له الرجوع عليه، و بين صورة التعذّر فيجوز له الرجوع، و من الظاهر أنّ المراد من التعذّر ليس هو التعذّر من الأوّل؛ لاشتراط الإمكان في صحّة العقد، بل هو التعذّر الطارئ بناء على ما تقدّم منه من عدم عروض البطلان للعقد حينئذ، خلافا لما استظهرناه فراجع، و الوجه في التفصيل واضح.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 402

من قصده القرار و الاستقرار فيه، فإن كانت قرينة على التعيين فهو، و إلّا بطلت الكفالة من أصلها و إن كان في إطلاقه إشكال (1).

[مسألة 9: يجب على الكفيل التوسّل بكلّ وسيلة مشروعة لإحضار المكفول]

مسألة 9: يجب على الكفيل التوسّل بكلّ وسيلة مشروعة لإحضار المكفول، حتّى أنّه لو احتاج إلى الاستعانة بشخص قاهر- لم تكن فيها مفسدة أو مضرّة دينيّة أو دنيويّة- لم يبعد وجوبها. و لو كان غائبا و احتاج حمله إلى مئونة،

______________________________

(1) لو عيّن الكفيل في الكفالة مكان التسليم، فلا يجب عليه التسليم في غيره و لو طلب المكفول له ذلك، كما أنّه لو سلّمه الكفيل في غير ذلك المكان لا يجب على المكفول له القبول و التسلّم، و لو أطلق و لم يعيّن في الكفالة مكان التسليم، ففي المتن إن أوقعا العقد في بلد المكفول له أو بلد قراره انصرف إليه، و إن أوقعاه في برّيّة أو بلد غربة لم يكن من قصده القرار و الاستقرار فيه، فإن كانت قرينة

على التعيين فهو، و إلّا بطلت الكفالة من أصلها و إن كان في إطلاقه إشكال.

و خلاصته: أنّه إذا لم يكن هناك انصراف إلى بلد المكفول له و إن لم يكن وطنه بل محلّ قراره و استقراره، و لم يكن هناك قرينة على التعيين، تكون صحّة الكفالة مشكلة، بل باطلة و إن كان الإطلاق محلّ إشكال. أمّا أصل البطلان فلأنّ الجهالة تمنع عن صحّة العقد بنحو اللزوم؛ لأنّ الكفيل ملزم بالإحضار، و بعد عدم معلوميّة المحلّ لا مجال للزوم الإحضار، و أمّا كون الإطلاق محلّ إشكال؛ فلأنّه لا تلزم معلوميّة محلّ قراره و استقراره، بل لو فرض العلم بوجوده في محلّ يتمكّن الكفيل من إحضار المكفول إليه يتعيّن الإحضار، خصوصا إذا كانت الكفالة مؤجّلة و علم بوجود المكفول في رأس الأجل في مكان خاصّ، فأيّ مانع من لزوم الإحضار إلى ذلك المحلّ مع تمكّنه من ذلك و عدم استلزامه العسر و الحرج؟ كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 403

فإن كانت الكفالة بإذن المكفول فهي عليه، و لو صرفها الكفيل لا بعنوان التبرّع فله أن يرجع بها عليه على إشكال في بعضها، و إن لم تكن بإذنه فعلى الكفيل (1).

[مسألة 10: تبرأ ذمّة الكفيل بإحضار المكفول أو حضوره و تسليمه نفسه تامّا عن قبل الكفيل.]

مسألة 10: تبرأ ذمّة الكفيل بإحضار المكفول أو حضوره و تسليمه نفسه تامّا عن قبل الكفيل. و أمّا حضوره و تسليم نفسه لا عن قبله فالظاهر عدم براءة ذمّته. و كذا لو أخذه المكفول له طوعا أو كرها بحيث تمكّن من استيفاء حقّه، أو إحضاره مجلس الحكم. نعم، لو أبرئ المكفول عن الحقّ الذي عليه، أو الكفيل من الكفالة تبرأ ذمّته (2).

______________________________

(1) اللازم على الكفيل إحضار المكفول للمكفول له و

لو مع التوسّل بكلّ وسيلة مشروعة، و لو احتاج إلى الاستعانة بشخص قاهر قادر على ذلك- بشرط خلوّ الاستعانة المزبورة عن المفسدة و المضرّة الدينيّة قطعا و الدنيويّة احتمالا- لم يبعد وجوبها؛ لأنّ الالتزام بشي ء التزام بلوازمه و مقدّماته.

و لو كان المكفول غائبا و احتاج حمله إلى مئونة السفر و نحوها، فإن كان أصل الكفالة بإذن المكفول و استدعائه فتلك المئونة عليه، و لو دفع المئونة الكفيل لا مع قصد التبرّع فله أن يرجع بها عليه على إشكال في بعضها كما في المتن، و الظاهر أنّ المراد بذلك البعض ما إذا تمكّن الكفيل من دفع المئونة و كان موافقا له و لم يستدع من الكفيل، فإنّ صرف الكفيل و لو كان لا بعنوان التبرّع، إلّا أنّ جواز الرجوع إلى المكفول مع الأوصاف و الخصوصيّات المذكورة مشكل. هذا إذا كانت الكفالة بإذن المكفول. و أمّا إذا لم تكن بإذنه و استدعائه، بل تصدّى الكفيل لعقد الكفالة فمئونة الحمل على تقديرها على نفس الكفيل، كما هو ظاهر.

(2) تبرأ ذمّة الكفيل بإحضار المكفول على ما هو مقتضى التعهّد به في عقد الكفالة،

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 404

[مسألة 11: لو نقل المكفول له الحقّ الذي له على المكفول إلى غيره ببيع أو صلح أو حوالة بطلت الكفالة]

مسألة 11: لو نقل المكفول له الحقّ الذي له على المكفول إلى غيره ببيع أو صلح أو حوالة بطلت الكفالة (1).

______________________________

و كذا بحضور المكفول و تسليمه نفسه تامّا عن قبل الكفيل. و أمّا حضوره و تسليم نفسه لا عن قبل الكفيل، فقد استظهر في المتن عدم براءة ذمّة الكفيل، مع أنّه يمكن أن يقال بالبراءة لحصول الغرض من عقد الكفالة؛ و هو تمكّن المكفول له من المكفول، و الحضور عن قبل الكفيل لا خصوصيّة فيه

و لا دخالة له في غرض العقد.

و كذا في الفرع الآتي؛ و هو ما لو أخذه المكفول له طوعا أو كرها بحيث تمكّن من استيفاء حقّه المالي أو إحضاره مجلس الحكم، و في الذيل حكم ببراءة ذمّة الكفيل لو أبرئ المكفول عن الحقّ الذي عليه أو الكفيل من الكفالة، و وجه الثاني واضح، و أمّا وجه الأوّل، فلأنّ الغرض من الإحضار إنّما هو تمكين المكفول له من استيفاء حقّه ماليّا كان أو غيره، و مع الإبراء لا يبقى مجال للإحضار و لا يترتّب عليه أثر أصلا، و منه يظهر أنّه تتحقّق البراءة في الفرع السابق؛ لعدم الفرق كما هو ظاهر.

(1) لو نقل المكفول له الحقّ الذي كان له على المكفول إلى غيره بأيّة كيفيّة من بيع أو صلح أو حوالة، ففي المتن: بطلت الكفالة، و الوجه في البطلان أنّ الكفيل إنّما كان متعهّدا لإحضار المكفول لتمكّن المكفول له من استيفاء حقّه منه، و لم يكن متعهّدا لإحضار غيره، و لا يتجاوز الحكم بلزوم عقد الكفالة عن هذه الدائرة، خصوصا لو فرض عدم تمكّن الكفيل من إحضار من انتقل إليه الحقّ لفرض كونه قويّا، أو لأمر آخر مثل عدم مناسبة إحضاره لشأن الكفيل، و غيره من الجهات الاخر.

و كيف كان، فالنقل إلى الغير إنّما هو كإبراء ذمّة المكفول من الحقّ الذي كان عليه، فالكفالة حينئذ باطلة لا يترتّب عليها أثر؛ لأنّ من كان لازما على الكفيل

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 405

[مسألة 12: لو مات الكفيل أو المكفول بطلت الكفالة]

مسألة 12: لو مات الكفيل أو المكفول بطلت الكفالة، بخلاف ما لو مات المكفول له، فإنّ حقّه منها ينتقل إلى ورثته (1).

[مسألة 13: من خلّى غريما من يد صاحبه قهرا و إجبارا ضمن إحضاره]

مسألة 13: من خلّى غريما من يد صاحبه قهرا و إجبارا ضمن إحضاره، و لو أدّى ما عليه سقط ضمانه. هذا في مثل الدّين. و أمّا في مثل حقّ القصاص فيضمن إحضاره، و مع تعذّره فمحلّ إشكال. و لو خلّى قاتلا من يد وليّ الدم ضمن إحضاره، و مع تعذّره بموت و نحوه تؤخذ منه الدية. هذا في القتل العمدي. و أمّا ما يوجب الدية فلا يبعد جريان حكم الدّين عليه من ضمان إحضاره، و لو أدّى ما عليه سقط ضمانه (2).

______________________________

إحضاره ليس عليه حقّ، و من انتقل إليه الحقّ لم تتحقّق الكفالة من ناحية الكفيل بالنسبة إليه أصلا، كما لا يخفى.

(1) أمّا بطلان الكفالة بمجرّد موت الكفيل، فلأنّه كان متعهّدا و ملتزما بإحضار النفس، و مع انتفاء موضوعه لا يبقى مجال للبقاء، و لا ترجع الكفالة إلى ثبوت حقّ ماليّ على الكفيل حتّى يصير كالمديون في عدم انتفاء الحقّ لذيه بموته، بل كان المطلوب هو الورثة.

و أمّا البطلان بموت المكفول، فلأنّ الكفيل إنّما تعهّد و التزم بإحضاره، و مع موته لا يبقى الموضوع للإحضار، كما أنّ الوجه في عدم بطلان الكفالة بموت المكفول له، هو أنّ الكفالة بالإضافة إليه تكون حقّا ثابتا له على الكفيل، و مع موته يصير هذا الحقّ كسائر الحقوق منتقلا إلى ورثته، فيجب على الكفيل إحضار المكفول عند ورثة المكفول له ليستوفوا منه حقّه المالي مثلا، و هذا ظاهر.

(2) في المسألة صور:

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 406

..........

______________________________

الاولى: من خلّى غريما أي من

عليه حقّ- سواء كان ماليا أو غيره- من يد صاحبه قهرا و إجبارا ضمن إحضاره ليستوفي منه الصاحب حقّه؛ لأنّه صار سببا لعدم تمكّن الاستيفاء بسبب هربه أو مثله. نعم، فيما إذا كان الحقّ ماليّا كالدّين لو أدّى ما عليه يسقط عنه وجوب الإحضار؛ لأنّه كان مقدّمة للاستيفاء، و المفروض تحقّق الأداء، و فيما إذا لم يكن الحقّ ماليّا يتعيّن عليه الإحضار، و مع تعذّره فقد استشكل فيه في المتن.

و الظاهر أنّه من جهة أنّ الحكم بلزوم الإحضار غير ثابت مع فرض التعذّر، و الحقّ لا يكون ماليّا حتّى يمكن الأداء، و من جهة أنّه كان السبب في ارتفاع يد ذي الحقّ عمّن عليه قصاص، و مقتضى الاحتياط الالتزام بأنّه قد خالف الحكم التكليفي و تعزيره لأجل المخالفة، من دون ثبوت حقّ عليه، و منه يظهر أنّه في المورد الأوّل لا يبعد الحكم بضمان الحقّ الذي كان عليه، لا أنّه بالأداء يسقط لزوم إحضاره مع فرض التعذّر و عدم التمكّن من الإحضار، كما تقدّم.

الثانية: لو خلّى قاتلا من يد وليّ الدم، فإن كان القتل عمدا و فيه القصاص ضمن إحضاره، كما في أحد الفروع في الصورة الاولى، و مع تعذّره- بموت و نحوه ممّا يوجب عدم إمكان القصاص و لا أخذ الدية- تؤخذ منه الدية، من دون فرق بين ما إذا كان وليّ الدّم مريدا للقصاص على تقدير عدم الموت، و بين غيره. و إن كان القتل موجبا لثبوت الدية كما في قتل شبه العمد مثلا، فقد نفى البعد عن جريان حكم الدّين عليه من ضمان الإحضار و السقوط بأداء الدية التي كانت ثابتة في القتل، و لا يتصوّر هذا في قتل الخطأ الذي تكون

الدية فيه على العاقلة؛ لتعدّدهم غالبا و عدم ثبوت مجموع الدية على واحد منهم، كما قد قرّر في كتاب الديات «1».

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الديات: 308- 310.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 407

[مسألة 14: يجوز ترامي الكفالات؛ بأن يكفل الكفيل آخر، و يكفل هذا آخر و هكذا]

مسألة 14: يجوز ترامي الكفالات؛ بأن يكفل الكفيل آخر، و يكفل هذا آخر و هكذا، حيث إنّ الكلّ فروع الكفالة الاولى و كلّ لاحق فرع سابقه، فلو أبرأ المستحقّ الكفيل الأوّل، أو أحضر الأوّل المكفول الأوّل، أو مات أحدهما برئوا أجمع، و لو أبرأ المستحقّ بعض من توسّط برئ هو و من بعده دون من قبله، و كذا لو مات برئ من كان فرعا له (1).

[مسألة 15: يكره التعرّض للكفالات]

مسألة 15: يكره التعرّض للكفالات، فعن الصادق عليه السّلام: الكفالة خسارة غرامة ندامة (2).

______________________________

(1) يجوز ترامي الكفالات؛ بأن يكفل الكفيل آخر، و يكفل هذا الكفيل الثاني كفيل آخر و هكذا، و مرجعه إلى أنّ الكفيل الأوّل يتعهّد و يلتزم إحضار نفس من عليه الحقّ لصاحب الحقّ، و حيث إنّ عقد الكفالة الأوّل يوجب ثبوت حقّ الإحضار للمكفول له على المكفول، فيمكن أن يتحقّق عقد الكفالة الثاني؛ بأن يتعهّد ثالث للمكفول له إحضار الكفيل الأوّل؛ لثبوت الحقّ عليه بالعقد الأوّل، و عليه يكون الكلّ فروعه، و كلّ لاحق فرع سابقه.

و بالنتيجة لو أبرأ المستحقّ الكفيل الأوّل، أو أحضر الكفيل الأوّل المكفول عند المكفول له، أو عرض موت أحدهما برئ الجميع، بناء على ما تقدّم في الإبراء و الموت، و لو أبرأ صاحب الحقّ الأوّل بعض من توسّط يبرأ هو و من بعده دون من قبله؛ لما عرفت من أنّ كلّ لاحق فرع سابقه، و لا يكون السابق فرعا للّاحق. و كذا لو عرض الموت لبعض من توسّط، فإنّه يبطل بنفسه و ما كان بعده دون ما كان قبله.

(2) يكره التعرّض لأصل الكفالة، فعن الصادق عليه السّلام: الكفالة خسارة غرامة

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 408

..........

______________________________

ندامة «1»، و الظاهر أنّ الخسارة إنّما هو بلحاظ ما يترتّب عليها من تلف الوقت و الاضطراب و مثلهما، و الغرامة بلحاظ لزوم بذل المال في بعض مواردها، و الوجه في الندامة واضح.

______________________________

(1) الفقيه: 3/ 54 ح 185، و عنه الوسائل: 18/ 428، كتاب الضمان ب 7 ح 2.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 409

[كتاب الوكالة]

اشارة

كتاب الوكالة

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 411

[الوكالة]

و هي تفويض أمر إلى الغير ليعمل له حال حياته، أو إرجاع تمشية أمر من الامور إليه له حالها؛ و هي عقد يحتاج إلى إيجاب بكلّ ما دلّ على هذا المقصود؛ كقوله: «وكّلتك» أو «أنت وكيلي في كذا» أو «فوّضته إليك» و نحوها، بل الظاهر كفاية قوله: «بع داري» قاصدا به التفويض المذكور فيه، و قبول بكلّ ما دلّ على الرّضا به، بل الظاهر أنّه يكفي فيه فعل ما وكّل فيه بعد الإيجاب، بل الأقوى وقوعها بالمعاطاة؛ بأن سلّم إليه متاعا ليبيعه فتسلّمه لذلك، بل لا يبعد تحقّقها بالكتابة من طرف الموكّل، و الرضا بما فيها من طرف الوكيل و إن تأخّر وصولها إليه مدّة، فلا يعتبر فيها الموالاة بين إيجابها و قبولها.

و بالجملة: يتّسع الأمر فيها بما لا يتّسع في غيرها، حتّى أنّه لو قال الوكيل:

«أنا وكيلك في بيع دارك؟» مستفهما، فقال: «نعم» صحّ و تمّ، و إن لم نكتف بمثله في سائر العقود (1).

______________________________

(1) المغايرة بين التعبيرين التي يدلّ عليها العطف بأو، هل هي بلحاظ الاختلاف في حقيقة الوكالة و ماهيّتها، أو بلحاظ اختلاف مواردها؟ و الفرق بينهما ظاهرا يظهر في مثل ما لو استدعى منه أن يجد المشتري لاشتراء داره مثلا، فعلى الأوّل لا يتحقّق معنى الوكالة لعدم التفويض، و على الثاني تتحقّق؛ لأنّه أرجع

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 412

..........

______________________________

تمشية بيع الدار إليه مع كون المباشر للبيع هو المالك نفسه. و قوله: «ليعمل له حال حياته» إنّما هو لإخراج الوصاية، فإنّها ترتبط بما بعد الموت و تسليط للغير على العمل بعده، كما

لا يخفى.

و ممّا ذكرنا ظهر الفرق بين الوكالة و بين العارية و الوديعة، بل بينها و بين المضاربة، فتدبّر.

و هي من العقود التي لا بدّ فيها من الإنشاء الدالّ عليها، و يكفي للموكّل الإيجاب بكلّ ما دلّ على مقصوده، و للوكيل الرضا بمفاد الإيجاب و قبوله.

نعم، ربما يشكل في الفعل الصادر من الوكيل بعد الإيجاب؛ بأنّه ليس فيها عقد لفظي، و لم يتحقّق قصد معناه الذي هو الربط بين الإيجاب و القبول، بل المتحقّق في البين مجرّد رخصة و أمر و إذن و إعلام في الفعل، و يترتّب عليه صحّة الفعل المأمور به نحو الفعل الموكّل فيه. و ذكر في الجواهر أنّ بذلك يظهر التشويش في جملة من كلمات الأصحاب الذين لم يحرّروا ذلك بهذا التحرير «1»، و لكن الظاهر أنّه لا إشكال فيه بعد عدم اعتبار اللفظ مطلقا في الإيجاب و القبول و جريان المعاطاة، و المقام أولى منها؛ لأنّ الإيجاب صدر لفظا، و العمدة تعلّق القصد بعنوان الوكالة لا مجرّد الإذن و الأمر، فتدبّر.

و استظهر كفاية الأمر في الإيجاب، كما أنّه استظهر في القبول فعل ما وكّل فيه بعد الإيجاب.

و قد قوّى صاحب العروة في الملحقات عدم كونها من العقود، فلا يعتبر فيها القبول، قال: و لذا ذكروا أنّه لو قال: «وكّلتك في بيع داري» فباعه، صحّ بيعه،

______________________________

(1) جواهر الكلام: 27/ 351.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 413

..........

______________________________

و الظاهر ذلك و إن غفل عن قصد النيابة و عن كونه قبولا لإيجابه، مع أنّها لو كانت من العقود لزم عدم صحّة بيعه؛ لعدم تمامية الوكالة قبله.

و ما عن العلّامة من أنّ الرضا الباطني كاف في القبول و هو حاصل

«1»، لا وجه له، إذ هو لا يخرجه عن حدّ الفضوليّة، و في الحقيقة هذا منه التزام بعدم شرائط القبول «2».

أقول: و سيجي ء بيان الإشكال في الفعل الصادر من الوكيل بعد الإيجاب، و لكن الظاهر أنّه لو قلنا بعدم اعتبار اللفظ مطلقا في الإيجاب و القبول، و جريان المعاطاة فيها لا محيص عن الالتزام بالوكالة هنا، خصوصا مع ملاحظة أنّ الفعل الصادر من الوكيل إنّما هو عقيب الإيجاب و متفرّعا عليه، و البيع الصادر ليس بقصد غير الوكالة.

و يمكن أن يقال: إنّ البيع الصادر من الوكيل لا محالة له مقدّمة أو مقدّمات، فالتصدّي لها قبول فعلي للوكالة، فلا يقال: إنّه قبل تحقّق البيع منه لم تتمّ الوكالة فكيف يكون وكالة؟

و ليس جواز هذا العقد راجعا إلى عدم كونه عقدا، بل إنّما هو عقد خاصّ يشتمل على أحكام خاصّة.

بل قوّى فيها جريان المعاطاة كما في أكثر العقود اللازمة، بل نفى البعد عن تحقّقها بالكتابة من طرف الموكّل، و الرضا بما فيها من طرف الوكيل، و لو مع فصل مدّة بين الإيجاب و القبول، و مرجعه إلى عدم اعتبار الموالاة بين الإيجاب و القبول، و الوجه

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء: 2/ 114 (طبع الحجري).

(2) ملحقات العروة الوثقى: 2/ 119.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 414

[مسائل الوكالة]

[مسألة 1: يشترط فيها على الأحوط التنجيز؛ بمعنى عدم تعليق أصل الوكالة على شي ء]

مسألة 1: يشترط فيها على الأحوط التنجيز؛ بمعنى عدم تعليق أصل الوكالة على شي ء، كقوله مثلا: «إذا قدم زيد، أو أهلّ هلال الشهر وكّلتك في كذا».

نعم، لا بأس بتعليق متعلّقها، كقوله: «أنت وكيلي في أن تبيع داري إذا قدم زيد»، أو «وكّلتك في شراء كذا في وقت كذا» (1).

[مسألة 2: يشترط في كلّ من الوكيل و الموكّل البلوغ و العقل و القصد و الاختيار]

مسألة 2: يشترط في كلّ من الوكيل و الموكّل البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، فلا يصحّ التوكيل و لا التوكّل من الصبي و المجنون و المكره. نعم، لا يشترط البلوغ في الوكيل في مجرّد إجراء العقد على الأقرب، فيصحّ توكيله فيه إذا كان مميّزا مراعيا للشرائط. و يشترط في الموكّل كونه جائز التصرّف

______________________________

في الجميع- بل أولى من ذلك ما لو استفهم الوكيل من الموكّل، فأجاب بمثل نعم الدالّ على الموافقة لطلبه- أنّ الوكالة من العقود الجائزة التي يجوز لكلّ من الموكّل و الوكيل الفسخ في كلّ زمان، فلا تكون فيها المحذورية الثابتة في سائر العقود مثل البيع، مضافا إلى كثرة الابتلاء بها في موارد مختلفة و شدّة افتقار الناس إليها، فاتّسع الأمر فيها بما لا يتّسع في غيرها، كما لا يخفى.

(1) يشترط في الوكالة على الأحوط التنجيز مثل سائر العقود كما مرّ بعضها، لكن ينبغي التنبيه هنا على أنّ التنجيز المعتبر على الأحوط إنّما هو بالإضافة إلى أصل الوكالة كالمثالين المذكورين. و أمّا إذا كان التعليق لا في أصل الوكالة، بل في متعلّقها كالمثالين الآخرين المذكورين في المتن أيضا فلا مانع منه؛ لأنّه يصير حينئذ كالواجب المعلّق الذي يكون الوجوب فعليا و الواجب استقباليا، و قد قرّر في محلّه جوازه، بل ثبوته في الشرع كالحجّ للمستطيع الذي يكون وجوبه فعليّا و الواجب استقباليا، يقع

في ظرفه الزماني الخاصّ.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 415

فيما و كلّ فيه، فلا يصحّ توكيل المحجور عليه لسفه أو فلس فيما حجر عليهما فيه، دون غيره كالطلاق، و أن يكون إيقاعه جائزا له و لو بالتسبيب، فلا يصحّ منه التوكيل في عقد النكاح أو ابتياع الصيد إن كان محرما. و في الوكيل كونه متمكّنا عقلا و شرعا من مباشرة ما توكّل فيه، فلا تصحّ وكالة المحرم فيما لا يجوز له، كابتياع الصيد و إمساكه و إيقاع عقد النكاح (1).

______________________________

(1) يشترط في كلّ من الموكّل و الوكيل البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، كسائر العقود على ما تقدّم. نعم، استدرك في المتن ما إذا كان الوكيل وكيلا في مجرّد إجراء الصيغة، فاستقرب صحّة توكيله إذا كان مميّزا مراعيا للشرط، و قد ذكرنا في كتابنا في القواعد الفقهيّة مشروعيّة عبادات الصبي و إن لم تكن واجبة عليه «1»، و عليه فلا مانع لاستئجاره للنيابة في العبادة إذا كان مقرونا بإذن الولي، بل لا مانع لاستئجاره لمطلق الأعمال كذلك مع إحراز صدورها صحيحة.

و يشترط في الموكّل كونه جائز التصرّف فيما وكّل فيه، فلا يصحّ صدور الوكالة من المحجور عليه لسفه أو فلس فيما حجر عليهما دون غيره كالطلاق، و ثبوت المهر فيه كلّا أو بعضا كالطلاق قبل الدخول ليس لأجل الطلاق حتّى يحجر عليه، بل إنّما لأجل العقد أو مع الدخول، و إلّا فالطلاق بنفسه لا يكون تصرّفا ماليّا، كما أنّه يشترط في الموكّل أن يكون إيقاع ما وكّل فيه جائزا له شرعا و لو مع التسبيب، فلا يصحّ منه التوكيل في حال الإحرام بالإضافة إلى النكاح أو ابتياع الصيد؛ لحرمتهما

على المحرم و لو كذلك.

و يشترط في الوكيل كونه متمكّنا عقلا و شرعا من مباشرة ما توكّل فيه،

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة: 1/ 341- 356.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 416

[مسألة 3: لا يشترط في الوكيل الإسلام]

مسألة 3: لا يشترط في الوكيل الإسلام، فتصحّ وكالة الكافر- بل و المرتدّ و إن كان عن فطرة- عن المسلم و الكافر، إلّا فيما لا يصحّ وقوعه من الكافر، كابتياع المصحف لكافر، و كاستيفاء حقّ من المسلم، أو مخاصمة معه و إن كان ذلك لمسلم (1).

[مسألة 4: تصحّ وكالة المحجور عليه لسفه أو فلس عن غيرهما ممّن لا حجر عليه]

مسألة 4: تصحّ وكالة المحجور عليه لسفه أو فلس عن غيرهما ممّن لا حجر عليه (2).

______________________________

فلا يصحّ جعل المحرم وكيلا- و إن كان الموكّل غير محرم- فيما لا يجوز له، كابتياع الصيد و إمساكه و إيقاع عقد النكاح.

(1) لا يشترط في الوكيل الإسلام، فتصحّ وكالة الكافر- بل و المرتدّ و إن كان عن فطرة- عن المسلم و الكافر؛ لعدم الدليل على اعتبار الإسلام في الوكيل. نعم، فيما لا يصحّ وقوعه عن الكافر- كابتياع المصحف لكافر، و كاستيفاء حقّ من المسلم، أو مخاصمة معه و إن كان ذلك لمسلم، أو توكيله في كنس المسجد و أمثال ذلك ممّا لا يجوز للكافر شرعا- لا يصحّ التوكيل فيه على ما مرّ من اعتبار جوازه شرعا بالإضافة إليه.

(2) قد عرفت أنّه يصحّ صدور الوكالة للوكيل السفيه أو المفلّس في غير ما حجرا عليه، كالطلاق على ما تقدّم، و الغرض في هذه المسألة عكس ذلك، و هو قبول السفيه أو المفلّس الوكالة عن الغير ممّن لا حجر عليه و لو بالإضافة إلى التصرّفات المالية، كبيع دار الموكّل غير المحجور و نظيره، و الوجه فيه واضح.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 417

[مسألة 5: لو جوّزنا للصبي بعض التصرّفات في ماله- كالوصية بالمعروف لمن بلغ عشر سنين- جاز له التوكيل فيما جاز له]

مسألة 5: لو جوّزنا للصبي بعض التصرّفات في ماله- كالوصية بالمعروف لمن بلغ عشر سنين- جاز له التوكيل فيما جاز له (1).

[مسألة 6: ما كان شرطا في الموكّل و الوكيل ابتداء شرط فيهما استدامة]

مسألة 6: ما كان شرطا في الموكّل و الوكيل ابتداء شرط فيهما استدامة، فلو جنّا أو اغمي عليهما أو حجر على الموكّل فيما وكّل فيه بطلت الوكالة على الأحوط، و لو زال المانع احتاج عودها إلى توكيل جديد (2).

______________________________

(1) لو جوّز للصبي بعض التصرّفات في أموال نفسه، كالوصية بالمعروف لمن بلغ عشر سنين كما في بعض النصوص «1» و الفتاوى 2، ففي المتن: جاز له التوكيل فيما جاز له، و يمكن المناقشة بأنّ جواز التصرّف المذكور إنّما هو لقيام الدليل عليه فرضا، و هو لا يلازم جواز التوكيل مع اعتبار البلوغ في الموكّل، و مع ما يترتّب على مثل التوكيل المذكور من المفسدة أحيانا، فاللازم إذن الولي، و مع ملاحظة إذنه يجوز التوكيل المزبور، و لو كان أصل التصرّف غير جائز للصغير مباشرة، فتدبّر.

(2) الشروط المعتبرة في الموكّل و الوكيل ابتداء معتبرة فيهما استدامة بعد كون عقد الوكالة جائزا، و لازمه عدم انقطاع الارتباط بمجرّد العقد؛ لجواز الفسخ لكلّ منهما، فلو جنّا أو اغمي عليهما أو حجر على الموكّل فيما وكّل فيه، ففي المتن: بطلت الوكالة على الأحوط، و الوجه فيه أنّ ما ذكرنا إن لم يقتض الفتوى بالبطلان فلا أقلّ من الاحتياط الوجوبي، و منه يظهر أنّه لو زال المانع يحتاج عود الوكالة إلى توكيل جديد مع حفظ الشروط المعتبرة.

______________________________

(1) 1، 2 يلاحظ كتاب الوصيّة من تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة: 144- 149.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 418

[مسألة 7: يشترط فيما وكّل فيه أن يكون سائغا في نفسه، و أن يكون للموكّل سلطنة شرعا على إيقاعه]

مسألة 7: يشترط فيما وكّل فيه أن يكون سائغا في نفسه، و أن يكون للموكّل سلطنة شرعا على إيقاعه، فلا توكيل في المعاصي كالغصب و السرقة و القمار و

نحوها، و لا على بيع مال الغير من دون ولاية عليه. و لا تعتبر القدرة عليه خارجا مع كونه ممّا يصحّ وقوعه منه شرعا، فيجوز لمن لم يقدر على أخذ ماله من غاصب أن يوكّل فيه من يقدر عليه (1).

[مسألة 8: لو لم يتمكّن شرعا أو عقلا من إيقاع أمر إلّا بعد حصول أمر غير حاصل حين التوكيل]

مسألة 8: لو لم يتمكّن شرعا أو عقلا من إيقاع أمر إلّا بعد حصول أمر غير حاصل حين التوكيل- كتطليق امرأة لم تكن في حبالته، و تزويج من كانت مزوّجة أو معتدّة و نحو ذلك- فلا إشكال في جواز التوكيل فيه تبعا لما تمكّن منه؛ بأن يوكّله في إيقاع المرتّب عليه ثمّ إيقاع ما رتّب عليه؛ بأن يوكّله مثلا في تزويج امرأة له ثمّ طلاقها، أو شراء مال ثمّ بيعه و نحو ذلك. كما أنّ الظاهر جوازه لو وقعت الوكالة على كلّي يكون هو من مصاديقه؛ كما لو وكّله على جميع اموره فيكون وكيلا في المتجدّد في ملكه بهبة أو إرث بيعا و رهنا و غيرهما.

______________________________

(1) يشترط فيما وكّل فيه أن يكون سائغا شرعا في نفسه، فلا يصحّ التوكيل في المعاصي كالغصب و أمثاله؛ لأنّ عقد الوكالة و إن كان جائزا، إلّا أنّه لازم الوفاء ما لم يتحقّق الفسخ، و لا معنى للزوم الوفاء بالمعاصي. كما أنّه يشترط في الموكّل أن يكون له سلطنة شرعا و إن لم يقدر عليه خارجا لبعض الجهات، فيجوز صدور الوكالة من مالك العين المغصوبة لأخذها أو بيعها- و إن لم يكن قادرا بنفسه على ذلك- لو فرض قدرة الوكيل و تمكّنه من ذلك على خلاف المالك، و الوجه فيه واضح.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 419

و أمّا التوكيل استقلالا في خصوصه من دون التوكيل

في المرتّب عليه ففيه إشكال، بل الظاهر عدم الصحّة، من غير فرق بين ما كان المرتّب عليه غير قابل للتوكيل- كانقضاء العدّة- أو قابلا، فلا يجوز أن يوكّل في تزويج المعتدّة بعد انقضاء عدّتها، و المزوّجة بعد طلاقها، و كذا في طلاق زوجة سينكحها، أو بيع متاع سيشتريه، و نحو ذلك (1).

______________________________

(1) لو لم يتمكّن شرعا أو عقلا من إيقاع أمر إلّا بعد حصول أمر غير حاصل حين التوكيل، فقد فصّل في المسألة بين التوكيل فيه تبعا لما تمكّن منه؛ بأن يوكّله في إيقاع الأمر المرتّب عليه ثمّ إيقاع ما رتّب عليه؛ بأن يوكّله مثلا في تزويج امرأة له ثمّ تطليقها، أو شراء مال لغيره ثمّ بيعه له، و نحو ذلك من الموارد، فنفى الإشكال في جواز التوكيل فيه كذلك، و بين ما إذا كان التوكيل استقلالا في خصوص الأمر المرتّب دون ما رتّب عليه، فقد استشكل فيه في الصحّة، بل استظهر عدمها، من غير فرق بين ما كان الأمر المرتّب عليه غير قابل للتوكيل- كانقضاء العدّة- أو قابلا له، و فرّع عليه أنّه لا يجوز أن يوكل في تزويج المعتدّة بعد انقضاء عدّتها، و المزوّجة بعد طلاقها، و كذا في طلاق زوجة سينكحها، أو بيع متاع يشتريه، و نحو ذلك.

و يمكن أن يقال بالفرق بين صورة العلم بتحقّق المرتّب عليه و لو بعد مدّة، و بين صورة الشكّ في ثبوت المرتّب عليه كالأمثلة الاخرى، فإنّه في صورة العلم يكون مرجع التوكيل المزبور إلى حصول الوكالة في ظرف حصول المعلّق عليه المتحقّق قطعا. و أمّا في غير صورة العلم فلا يرجع إلى ذلك، و مرجع الفرق إلى الفرق بين الواجب المعلّق و الواجب المشروط، فتدبّر.

ثمّ

إنّه استظهر في ذيل الشقّ الأوّل من التفصيل جواز التوكيل فيما لو وقعت

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 420

[مسألة 9: يشترط في الموكّل فيه أن يكون قابلا للتفويض إلى الغير]

مسألة 9: يشترط في الموكّل فيه أن يكون قابلا للتفويض إلى الغير؛ بأن لم يعتبر فيه المباشرة من الموكّل، فلو تقبّل عملا بقيد المباشرة لا يصحّ التوكيل فيه. و أمّا العبادات البدنية- كالصلاة و الصيام و الحجّ و غيرها- فلا يصحّ فيها التوكيل و إن فرض صحّة النيابة فيها عن الحيّ كالحجّ عن العاجز، أو عن الميّت كالصلاة و غيرها، فإنّ النيابة غير الوكالة اعتبارا. نعم، تصحّ الوكالة في العبادات المالية- كالزكاة و الخمس و الكفّارات- إخراجا و إيصالا إلى المستحقّ (1).

______________________________

الوكالة على كلّي يكون هو من مصاديقه، كما لو وكّله على جميع اموره التي منها ما يتجدّد في ملكه بهبة أو إرث أو نحوهما؛ لأنّه لا مانع من إطلاق دائرة الوكالة وسعتها، كما لا يخفى.

(1) يشترط في الموكّل فيه أن يكون قابلا للتفويض إلى الغير؛ بأن لم يعتبر فيه المباشرة من الموكّل، فلو تقبّل عملا في الإجارة على الأعمال بقيد المباشرة فلا يصحّ التوكيل فيه لفرض لزوم المباشرة، كما إذا استؤجر لخياطة ثوب بنفسه، و يمكن أن يقال بأنّ البحث إنّما هو في صحّة الوكالة و عدمها، و لزوم الإتيان بالعمل بنفسه لا يرتبط بذلك، بل غايته عدم الوفاء بعقد الإجارة و هذا لا ينافي صحّة الوكالة.

نعم، تصرّف الغير في الثوب بالخياطة ربما يكون غير جائز؛ لأجل عدم إذن صاحب الثوب بذلك، فالبطلان يستند إلى هذه الجهة الراجعة إلى عدم جواز ذلك، و إلّا فلو فرض عدم الإشكال من هذه الناحية، كما إذا استؤجر لحيازة الماء من البحر كذلك،

فلا يكون التقييد بالمباشرة منافيا لصحّة التوكيل، فتدبّر.

و أمّا العبادات، فما كانت منها بدنية كالصلاة و الصيام و الحجّ، ففي المتن: لا يصحّ

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 421

[مسألة 10: يصحّ التوكيل في جميع العقود]

مسألة 10: يصحّ التوكيل في جميع العقود، كالبيع، و الصلح، و الإجارة، و الهبة، و العارية، و الوديعة، و المضاربة، و المزارعة، و المساقاة، و القرض، و الرهن، و الشركة، و الضمان، و الحوالة، و الكفالة، و الوكالة، و النكاح إيجابا و قبولا في الجميع، و كذا في الوصية و الوقف و الطلاق و الإبراء، و الأخذ بالشفعة و إسقاطها، و فسخ العقد في موارد ثبوت الخيار و إسقاطه. و الظاهر

______________________________

فيها التوكيل و إن فرض صحّة النيابة فيها عن الحيّ كالحجّ عن العاجز الذي لا يرجى زوال عذره، أو عن الميّت كالصلاة و غيرها، فإنّ النيابة غير الوكالة اعتبارا.

قلت: إنّ النيابة و إن كانت قد تتحقّق مع عدم الوكالة؛ كالنيابة التبرّعية في الموارد التي يجوز فيها ذلك، إلّا أنّ هذا الأمر لا يقتضي أن تكون الوكالة غير النيابة، خصوصا على قول من يفسّر الوكالة بأنّها استنابة في التصرّف، كالسيّد في الملحقات «1»، بل لعلّه المشهور.

و ما كانت منها ماليّة كالزكاة و الخمس و الكفّارات، فقد حكم في المتن بصحّة الوكالة فيها إخراجا و إيصالا إلى المستحقّ، و قصد القربة المعتبر في كثيرها إنّما يتحقّق من الموكّل مع حياته و التفاته، و من الوكيل بمعنى قصد قربة الموكّل كما في غير الحيّ، و قد فصّلنا القول في هذا المجال في مسألة صحّة العبادات الاستئجارية «2»، خلافا لما يظهر من بعض من صيرورة الأمر بالوفاء بعقد الإجارة حينئذ تعبّديا «3»، مع أنّه

من الواضح خلافه، كما لا يخفى.

______________________________

(1) ملحقات العروة الوثقى: 2/ 119.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 512.

(3) حاشية السيّد اليزدي على المكاسب: 23.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 422

صحّته في الرجوع إلى المطلّقة الرجعيّة إذا أوقعه على وجه لم يكن صرف التوكيل تمسّكا بالزوجيّة حتّى يرتفع به متعلّق الوكالة. و لا يبعد صحّته في النذر و العهد و الظهار، و لا يصحّ في اليمين و اللعان و الإيلاء و الشهادة و الإقرار على إشكال في الأخير (1).

______________________________

(1) يصحّ التوكيل في جميع العقود كالأمثلة المذكورة في المتن، و كذا في مثل أصل الوصية و الوقف و الطلاق و الإبراء، و الأخذ بالشفعة و إسقاطها، و الأخذ بالخيار و إسقاطه؛ لعدم وجود شي ء يمنع عن جريان الوكالة في الامور المذكورة، و استظهر صحّة التوكيل في الرجوع إلى المطلّقة الرجعيّة إذا لم يقع على وجه يكون نفس التوكيل في ذلك معدودا رجوعا شرعا، و إلّا يرتفع بنفس التوكيل متعلّق الوكالة و يتحقّق الرجوع و تصير زوجة برجوع نفسه، مثل أن تكون دائرة الوكالة عامّة شاملة للرجوع إلى المطلّقة، كقوله: «أنت وكيلي في جميع ما يتعلّق بي و يرتبط» كما مرّ في بعض المسائل المتقدّمة.

و نفى البعد عن صحّته في النذر و العهد و الظهار، و أمّا اليمين و اللعان و الإيلاء و الشهادة فحيث إنّ وجوب الوفاء، و الصيغة المخصوصة في اللعان، و كذا الإيلاء الذي هي يمين خاصّة، و الشهادة المتقوّمة بشهادة الشاهد يرتبط بمن صدر منه اليمين، و كذا اللعان المترتّب على رمي الزوجة بالزنا من غير شاهد، و الكيفيّة فيه مخصوصة، و الصدق و الكذب منسوبان إلى

الزوج الرامي، كما تقدّم في كتابه «1»، فلا يجري فيها الوكالة، و أمّا الإقرار فقد استشكل في جريان الوكالة فيه، منشؤه أنّ النافذ هو إقرار المقرّ، و أنّه بعد التوكيل يصير كإقراره.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب اللعان المطبوع مع كتاب الطلاق: 289- 291.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 423

[مسألة 11: يصحّ التوكيل في القبض و الإقباض في موارد لزومهما]

مسألة 11: يصحّ التوكيل في القبض و الإقباض في موارد لزومهما، كما في الرهن و القرض و الصرف بالنسبة إلى العوضين، و السلم بالنسبة إلى الثمن، و في إيفاء الديون و استيفائها و غيرها (1).

[مسألة 12: يجوز التوكيل في الطلاق غائبا كان الزوج أم حاضرا]

مسألة 12: يجوز التوكيل في الطلاق غائبا كان الزوج أم حاضرا، بل يجوز توكيل الزوجة في أن تطلّق نفسها بنفسها، أو بأن توكّل الغير عن الزوج أو عن نفسها (2).

______________________________

(1) يصحّ التوكيل في القبض في موارد لزومهما فضلا عن موارد عدم اللزوم، و الأوّل كالأمثلة المذكورة في المتن، و كذا يصحّ التوكيل في أداء الدّين و استيفائه؛ لما عرفت من عدم وجود ما يدلّ على المنع، فتدبّر.

(2) قد مرّ جواز التوكيل في الطلاق، و المقصود هنا عدم الفرق بين كون الزوج غائبا، أو حاضرا متمكّنا من أن يطلّق نفسه، كما أنّه يجوز توكيل الزوجة في أن تطلّق نفسها بنفسها، أو بأن توكّل الغير عن الزوج أو عن نفسها، و ينبغي أن يعلم أنّ أحد المواد المندرجة في سند الزواج الرسمي الحكومي من جواز أن تطلّق الزوجة نفسها، فإنّما هو على تقدير بعض الامور، أو حصول بعض الموانع الاحتمالية؛ كترك النفقة، أو صيرورته محبوسا، أو معتادا بالأفيون و نحوه، و هو ينافي اعتبار التنجيز في الوكالة، و لو كان اعتباره على سبيل الاحتياط الوجوبي كما مرّ «1»، إلّا أن يقال: إنّه على سبيل الواجب المعلّق، فتدبّر.

______________________________

(1) في ص 414.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 424

[مسألة 13: تجوز الوكالة في حيازة المباح، كالاستقاء و الاحتطاب و غيرهما]

مسألة 13: تجوز الوكالة في حيازة المباح، كالاستقاء و الاحتطاب و غيرهما، فإذا وكّل شخصا فيها و قد حاز بعنوان الوكالة عنه صار ملكا له (1).

[مسألة 14: يشترط في الموكّل فيه التعيين؛ بأن لا يكون مجهولا أو مبهما]

مسألة 14: يشترط في الموكّل فيه التعيين؛ بأن لا يكون مجهولا أو مبهما، فلو قال: «وكّلتك على أمر من الامور» لم يصحّ. نعم، لا بأس بالتعميم و الإطلاق كما يأتي (2).

______________________________

(1) تجوز الوكالة في حيازة المباح؛ كالاستقاء و الاحتطاب و نحوهما، و قد عرفت «1» أنّه لو استؤجر بقيد المباشرة فوكّل وكيلا في ذلك لا يمنع قيد المباشرة عن تحقّق الحيازة المذكورة؛ لعدم استلزام القيد المذكور لزوال الإباحة العامّة، بخلاف مثل خياطة الثوب، و قد فرّع على عنوان أصل المسألة بأنّه لو حاز الوكيل بعنوان الوكالة عنه صار ملكا للموكّل.

(2) يشترط في الموكّل فيه التعيين؛ بأن لا يكون مجهولا أو مبهما، فلو قال:

«وكّلتك على أمر من الامور» لم يصحّ بلا إشكال، و أمّا لو قال: «وكّلتك في تزويج إحدى هاتين المرأتين» فلا دليل على بطلانه، و قد ورد في قصّة شعيب خطابا لموسى إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هٰاتَيْنِ عَلىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمٰانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ «2». نعم، لا بأس بالتعميم و الإطلاق كما مرّ «3» و يأتي إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1) في ص 420.

(2) سورة القصص: 28/ 27.

(3) في ص 419- 420.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 425

[مسألة 15: الوكالة إمّا خاصّة، و إمّا عامّة، و إمّا مطلقة]

مسألة 15: الوكالة إمّا خاصّة، و إمّا عامّة، و إمّا مطلقة.

فالأولى: ما تعلّقت بتصرّف معيّن في شي ء معيّن، كما إذا وكّله في شراء بيت معيّن. و هذا ممّا لا إشكال في صحّته.

و الثانية: إمّا عامّة من جهة التصرّف و خاصّة من جهة المتعلّق، كما إذا وكّله في جميع التصرّفات الممكنة في داره المعيّنة. و إمّا بالعكس، كما إذا وكّله في بيع جميع ما يملكه. و إمّا عامّة

من الجهتين، كما إذا وكّله في جميع التصرّفات الممكنة في جميع ما يملكه، أو في إيقاع جميع ما كان له فيما يتعلّق به بجميع أنواعه؛ بحيث يشمل التزويج له و طلاق زوجته.

و كذا الثالثة: قد تكون مطلقة من جهة التصرّف خاصّة من جهة متعلّقه، كما لو قال: «أنت وكيلي في أمر داري» و كذا لو قال: «أنت وكيلي في بيع داري» مقابل المقيّد بثمن معيّن أو شخص معيّن. و قد يكون بالعكس، كما لو قال:

«أنت وكيلي في بيع أحد أملاكي» أو «في بيع ملكي». و قد تكون مطلقة من الجهتين، كما لو قال: «أنت وكيلي في التصرّف في مالي». و ربما يكون التوكيل بنحو التخيير بين امور: إمّا في التصرّف دون المتعلّق، كما لو قال:

«أنت وكيلي في بيع داري، أو صلحها أو هبتها أو إجارتها»، و إمّا في المتعلّق فقط، كما لو قال: «أنت وكيلي في بيع هذه الدار، أو هذه الدابّة، أو هذه الفرش» مثلا، و الظاهر صحّة الجميع (1).

______________________________

(1) هذه المسألة متعرّضة لبيان صور الوكالة الممكنة الصحيحة؛ و هي عبارة عن:

الاولى: ما إذا تعلّقت بتصرّف خاصّ في شي ء خاصّ، كما إذا وكّله في شراء بيت معيّن له، و هذا هو الفرد البارز و المصداق الظاهر من الوكالة.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 426

[مسألة 16: لا بدّ أن يقتصر الوكيل في التصرّف في الموكّل فيه على ما شمله عقد الوكالة صريحا أو ظاهرا]

مسألة 16: لا بدّ أن يقتصر الوكيل في التصرّف في الموكّل فيه على ما شمله عقد الوكالة صريحا أو ظاهرا و لو بمعونة قرائن حاليّة أو مقاليّة، و لو كانت هي العادة الجارية على أنّ التوكيل في أمر لازمه التوكيل في أمر آخر؛ كما لو سلّم إليه المبيع و وكّله في بيعه، أو سلّم إليه

الثمن و وكّله في الشراء. و بالجملة: لا بدّ في صحّة التصرّف من شمول الوكالة له (1).

______________________________

الثانية: ما إذا كانت بنحو العموم، إمّا من جهة التصرّف دون المتعلّق، أو بالعكس، أو من كلتا الجهتين، كالأمثلة المذكورة في المتن.

الثالثة: ما إذا كانت بنحو الإطلاق، تارة من جهة التصرّف دون المتعلّق، و اخرى بالعكس، و ثالثة من كلتا الجهتين كالأمثلة المذكورة في المتن، و لا إشكال في صحّة هاتين الصورتين أيضا.

الرابعة: ما إذا كان التوكيل بنحو التخيير بين امور؛ إمّا في التصرّف دون المتعلّق، و إمّا في المتعلّق فقط، و في المتن إشعار بعدم جواز التخيير من كلتا الجهتين:

التصرّف و المتعلّق، و الظاهر أنّه لا مانع من صحّته أيضا؛ لأنّه لا مانع من أن يوكّله بنحو التخيير في التصرّف في إحدى هاتين الدارين بأيّ نحو من التصرّف، أو التصرّف في الدار الاخرى كذلك، و الفرق بينه و بين صورة العموم أو الإطلاق واضح، و لأجله لا يرجع هذا الفرض إلى الصور الاخرى، فتدبّر جيّدا.

(1) لا شبهة في لزوم اقتصار الوكيل في التصرّف في الموكّل فيه على ما يشمله عقد الوكالة، إمّا بالصراحة أو بالظهور، و لو كان منشؤه القرائن؛ لأنّ أصالة الظهور المعتمد عليها عند العقلاء أعمّ من أصالة الحقيقة كما قرّر في محلّه، و هذه القرائن أعمّ من أن تكون مقالية أو حاليّة، و لو كانت هي العادة الجارية على أنّ

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 427

[مسألة 17: لو خالف الوكيل و أتى بالعمل على نحو لم يشمله عقد الوكالة]

مسألة 17: لو خالف الوكيل و أتى بالعمل على نحو لم يشمله عقد الوكالة، فإن كان ممّا يجري فيه الفضولية كالعقود توقّفت صحّته على إجازة الموكّل، و لا فرق في التخالف بين أن

يكون بالمباينة، كما إذا وكّله في بيع داره فآجرها، أو ببعض الخصوصيّات، كما إذا وكّله في بيعها نقدا فباع نسيئة، أو بخيار فباع بدونه. نعم، لو علم شموله لفاقد الخصوصيّة أيضا صحّ في الظاهر، كما إذا وكّله في أن يبيع السلعة بدينار فباع بدينارين، فإنّ الظاهر بل المعلوم من حال الموكّل أنّ تحديده من طرف النقيصة لا الزيادة. و من هذا القبيل ما إذا وكّله في البيع في سوق معيّن بثمن معيّن، فباعها في غيره بذلك الثمن، فإنّ الظاهر أنّ مراده تحصيل الثمن. هذا بحسب الظاهر.

و أمّا الصحّة الواقعيّة فتابعة للواقع، و لو فرض احتمال وجود غرض عقلائي في التحديد لم يجز التعدّي، و معه فضوليّ في الظاهر، و الواقع تابع للواقع (1).

______________________________

التوكيل في أمر لازمه التوكيل في أمر آخر، كالمثالين المذكورين في المتن، فإنّ الوكالة في البيع في الصورة المفروضة مستلزمة للوكالة في تسليم المبيع، و كذا العكس، و الدليل على هذا الأمر واضح.

(1) لو خالف الوكيل و أتى بالعمل على نحو لم يشمله عقد الوكالة بالنحو المذكور في المسألة السابقة، فإن كان ممّا يجري فيه الفضولية كالعقود، توقّفت صحّته على إجازة الموكّل كما في سائر الموارد، من دون فرق في التخالف بين أن يكون بالمباينة؛ كما إذا وكّله في البيع فتحقّق الإيجار من الوكيل، و بين أن يكون ببعض الخصوصيّات التي يتعلّق بها غرض العقلاء نوعا، كما إذا وكّله في بيع داره نقدا فباع نسيئة، أو في المبيع مع الخيار فباع بدونه.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 428

[مسألة 18: يجوز للولي كالأب و الجدّ للصغير أن يوكّل غيره فيما يتعلّق بالمولّى عليه ممّا له الولاية عليه]

مسألة 18: يجوز للولي كالأب و الجدّ للصغير أن يوكّل غيره فيما يتعلّق بالمولّى عليه ممّا له الولاية عليه (1).

[مسألة 19: لا يجوز للوكيل أن يوكّل غيره في إيقاع ما توكّل فيه]

مسألة 19: لا يجوز للوكيل أن يوكّل غيره في إيقاع ما توكّل فيه؛ لا عن نفسه و لا عن الموكّل إلّا بإذنه، و معه يجوز بكلا النحوين، فإن عيّن أحدهما فهو المتّبع و لا يجوز التعدّي عنه، و لو قال مثلا: «وكّلتك في أن توكّل غيرك» فهو إذن في توكيل الغير عن الموكّل. و الظاهر أنّه كذلك لو قال: «وكّل غيرك» و إن لا يخلو من تأمّل (2).

______________________________

و في المتن أنّه لو علم شموله لفاقد الخصوصيّة أيضا صحّ في الظاهر، و يرد عليه أنّ العلم بالشمول لفاقد الخصوصية إن كان منشؤه العلم بعدم نظر الموكّل إلى الخصوصيّة المذكورة في عقد الوكالة- كما إذا وكّله في بيع متاعه بدينار فباعه الوكيل بدينارين- فالظاهر أنّه من مصاديق ما شمله عقد الوكالة؛ لجريان الأولويّة القطعيّة في ذلك، فالصحّة حينئذ واقعيّة و إن لم يعلم بذلك، كما إذا احتمل أنّ نظر الموكّل البيع بالقيمة الناقصة لرواج سوق المسلمين، و عدم تضرّر المشتري أصلا، فالصحّة الظاهرية حينئذ ممنوعة؛ للتخلّف عمّا شمله عقد الوكالة، و ممّا ذكرنا ظهر أنّه لا مجال للتفصيل بين الظاهر و الواقع، فتأمّل.

(1) كما يجوز لوليّ الصغير كالأب و الجدّ له التصرّف في مال الصغير في صورة المصلحة، كذلك يجوز لهما التوكيل في ذلك، بل ربما يتعيّن ذلك إذا كان نفع الصغير ملحوظا عند الوكيل بنحو أولى.

(2) لا يجوز للوكيل أن يوكّل غيره في إيقاع ما توكّل فيه؛ لا عن نفسه و لا عن

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 429

[مسألة 20: لو كان الوكيل الثاني وكيلا عن الموكّل كان في عرض الأوّل]

مسألة 20: لو كان الوكيل الثاني وكيلا عن الموكّل كان في عرض الأوّل، فليس له أن يعزله، و لا ينعزل بانعزاله،

بل لو مات يبقى الثاني على وكالته، و لو كان وكيلا عنه كان له عزله، و كانت وكالته تبعا لوكالته، فينعزل بانعزاله أو موته، و لا يبعد أن يكون للموكّل عزله من دون عزل الوكيل الأوّل (1).

______________________________

الموكّل؛ لعدم اقتضاء التوكيل لذلك؛ لأنّ غايته جواز تصرّفه فيما وكّل فيه، و استثنى في المتن صورة إذن الموكّل، و معه يجوز بكلا النحوين إلّا فيما إذا عيّن أحدهما، فإنّه حينئذ يتعيّن المعيّن و لا يجوز التعدّي عنه، فإن قال مثلا: «وكّلتك في أن توكّل غيرك» فالظاهر أنّ مرجعه إلى توكيل الغير من ناحية الموكّل، لا من ناحية الوكيل أو الأعمّ منهما، و لو قال: «وكّل غيرك» فقد استظهر أوّلا أنّه كذلك، و لكن ذكر في الذيل أنّه لا يخلو عن تأمّل، ينشأ من أنّ الإذن في توكيل الغير لعلّه لما يراه الموكّل من قصور الوكيل و عدم إمكان إيقاع ما توكّل فيه، فيجوّز و يأذن له في توكيل الغير القادر على الإيقاع من دون كلفة و مشقّة من ناحية الوكيل الذي له في ذلك مشكل و كلفة، و إلّا يجعله بنفسه وكيلا، فتدبّر.

(1) لو كان الوكيل الثاني وكيلا عن خصوص الموكّل كان في عرض الأوّل، و يترتّب عليه ما يترتّب على الأوّل من توقّف انعزاله على عزل الموكّل، بل لو عرض للوكيل الأوّل الموت لا يقدح ذلك في بقاء وكالة الثاني؛ لأنّ المفروض كونه وكيلا عن الموكّل في عرض الوكيل الأوّل، و لو كان الوكيل الثاني وكيلا عن الوكيل الأوّل تكون وكالته تبعا لوكالته، و ينعزل بانعزاله أو موته الموجبة لبطلان الوكالة، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

و نفى البعد في المتن عن جواز عزل الموكّل للوكيل الثاني

في هذه الصورة من دون

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 430

[مسألة 21: يجوز أن يتوكّل اثنان فصاعدا عن واحد في أمر واحد]

مسألة 21: يجوز أن يتوكّل اثنان فصاعدا عن واحد في أمر واحد، فإن صرّح الموكّل بانفرادهما، أو كان لكلامه ظاهر متّبع في ذلك، جاز لكلّ منهما الاستقلال في التصرّف من دون مراجعة الآخر، و إلّا لم يجز الانفراد لأحدهما و لو مع غيبة صاحبه أو عجزه؛ سواء صرّح بالانضمام و الاجتماع أو أطلق؛ بأن قال مثلا: «وكّلتكما» أو «أنتما وكيلاي» و نحو ذلك، و لو مات أحدهما بطلت الوكالة رأسا مع شرط الاجتماع أو الإطلاق المنزّل منزلته، و بقيت وكالة الباقي لو وكّل بالانفراد (1).

______________________________

عزل الوكيل الأوّل له، و الظاهر أنّ الوجه اقتضاء التبعية المفروضة كذلك، فكما أنّه يجوز عزل الوكيل الأوّل، كان له عزل الوكيل الثاني الذي تكون وكالته تبعا لوكالته.

(1) لا شبهة في جواز أن يوكّل اثنين فصاعدا في أمر واحد، كبيع داره أو تزويج امرأة له، و حينئذ فللمسألة صورتان:

إحداهما: أن يصرّح الموكّل باستقلال كلّ منهما، غاية الأمر أنّه إذا باع أحدهما داره يرتفع موضوع الوكالة بالنسبة، كما لو فرض خراب الدار بسيل أو زلزلة أو نحوهما. و هكذا في التزويج مع فرض العلم بأنّه لم يرد إلّا زوجة واحدة، أو كانت الزوجة التي أوقع زوجيّتها أحد الوكيلين هي الرابعة، و مثل صورة التصريح ما لو كان لكلامه ظهور معتبر عقلائي في ذلك و لو بمعونة القرينة المقاليّة أو الحاليّة، و في هذين الفرضين يجوز لكلّ منهما الاستقلال في التصرّف من دون مراجعة الآخر، بل مع منعه.

ثانيتهما: ما لم يقع التصريح بالاستقلال و الانفراد و لم يكن لكلامه ظهور

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة،

المساقاة، الدين و...، ص: 431

[مسألة 22: الوكالة عقد جائز من الطرفين، فللوكيل أن يعزل نفسه مع حضور الموكّل و غيبته]

مسألة 22: الوكالة عقد جائز من الطرفين، فللوكيل أن يعزل نفسه مع حضور الموكّل و غيبته، و كذا للموكّل أن يعزله، لكن انعزاله بعزله مشروط ببلوغه إيّاه، فلو أنشأ عزله و لم يطّلع عليه الوكيل لم ينعزل، فلو أمضى أمرا قبل أن يبلغه و لو بإخبار ثقة كان نافذا (1).

______________________________

عقلائي في ذلك؛ سواء صرّح بالانضمام و عدم الاستقلال أو أطلق، كما في المثالين المذكورين في المتن، و في هذه الصورة لا يجوز لأحدهما الانفراد و الاستقلال حتّى مع غيبة الآخر، أو عروض عجزه.

و لو مات أحدهما يبقى الآخر على وكالته في الصورة الاولى دون الثانية، و الوجه فيه واضح.

(1) الوكالة عقد جائز من الطرفين كما عرفت «1» أنّه لعلّه المشهور، و مقتضى ذلك أن يعزل الوكيل نفسه في كلّ حين و زمان من دون فرق بين حضور الموكّل أو غيبته، و لا ينبغي ترتيب الأثر على ما ربما يتوهّم من أنّ عزل الوكيل نفسه في غيبة الموكّل ربما يكون إضرارا به، أو نقضا لبعض أغراضه؛ لأنّه مع الحضور ربما كان يوكّل وكيلا آخر لتحصيل غرضه، فإنّ هذه الجهات لا يلزم شيئا على الوكيل مع فرض جواز العقد.

و أمّا الموكّل فله أيضا عزل الوكيل على ما هو مقتضى الجواز، لكن انعزاله بعزله مشروط ببلوغه إيّاه، و إلّا لا يتحقّق الغرض من الموكّل، و فرّع عليه في المتن أنّه لو أمضى أمرا قبل أن يبلغه و لو بإخبار ثقة كان نافذا.

قلت: قد أثبتنا في موضعه أنّ خبر الواحد في الموضوعات الخارجيّة لا حجّية

______________________________

(1) في ص 414.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 432

[مسألة 23: تبطل الوكالة بموت الوكيل، و كذا بموت الموكّل و إن لم يعلم الوكيل بموته]

مسألة 23: تبطل الوكالة بموت الوكيل، و كذا بموت

الموكّل و إن لم يعلم الوكيل بموته، و بعروض الجنون على كلّ منهما على الأقوى في الإطباقي، و على الأحوط في غيره، و بإغماء كلّ منهما على الأحوط، و بتلف ما تعلّقت به الوكالة، و بفعل الموكّل- و لو بالتسبيب- ما تعلّقت به، كما لو وكّله في بيع سلعة ثمّ باعها، أو فعل ما ينافيه، كما لو وكّله في بيع شي ء ثمّ أوقفه (1).

[مسألة 24: يجوز التوكيل في الخصومة و المرافعة لكلّ من المدّعي و المدّعى عليه]

مسألة 24: يجوز التوكيل في الخصومة و المرافعة لكلّ من المدّعي و المدّعى عليه، بل يكره لذوي المروءات- من أهل الشرف و المناصب

______________________________

له و لا اعتبار به، و إلّا كان جعل الحجّية للبيّنة التي يكون اختلافها معه في العدد لغوا، كما لا يخفى.

(1) لازم جواز عقد الوكالة عروض البطلان له بموت أحد المتعاقدين، و لا فرق في صورة موت الموكّل علم الوكيل به و عدمه- بخلاف ما تقدّم من صورة العزل- و بعروض الجنون على كلّ منهما على الأقوى في الإطباقي، و على الأحوط في غيره على ما في المتن، و وجه الأوّل واضح. و أمّا وجه الثاني: فلأجل احتمال عدم كون عروض الجنون الأدواري منافيا للعقد الجائز، خصوصا مع ملاحظة أنّ صدوره لا محالة كان في حال عدم الجنون، و جريان استصحاب الصحّة بعد رعاية العقل حال الصدور، و مع ذلك يكون مقتضى الاحتياط، و لعلّه لأجل إطلاق بعض الكلمات الدالّة على البطلان بعروض الجنون، و هكذا الحال بالإضافة إلى إغماء كلّ منهما. و تبطل الوكالة قطعا بتلف ما تعلّقت به الوكالة؛ كما إذا وكّله في بيع دابّته فتلفت، و كذا لو فعل الموكّل بنفسه أو بالتسبيب، الأمر الذي وكّل الوكيل فيه، أو فعلا ينافي الوكالة، كالمثالين المذكورين في المتن.

تفصيل

الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 433

الجليلة- أن يتولّوا المنازعة و المرافعة بأنفسهم، خصوصا إذا كان الطرف بذي اللسان، و لا يعتبر رضا صاحبه، فليس له الامتناع عن خصومة الوكيل (1).

[مسألة 25: وكيل المدّعي وظيفته: بثّ الدعوى على المدّعى عليه عند الحاكم]

مسألة 25: وكيل المدّعي وظيفته: بثّ الدعوى على المدّعى عليه عند الحاكم، و إقامة البيّنة و تعديلها، و تحليف المنكر، و طلب الحكم على الخصم.

و بالجملة: كلّ ما هو وسيلة إلى الإثبات، و وكيل المدّعى عليه وظيفته: الإنكار و الطعن على الشهود، و إقامة بيّنة الجرح، و مطالبة الحاكم بسماعها و الحكم بها.

و بالجملة: عليه السعي في الدفع ما أمكن (2).

[مسألة 26: لو ادّعى منكر الدّين مثلا في أثناء مدافعة وكيله عنه، الأداء أو الإبراء]

مسألة 26: لو ادّعى منكر الدّين مثلا في أثناء مدافعة وكيله عنه، الأداء أو الإبراء، انقلب مدّعيا، و صارت وظيفة وكيله إقامة البيّنة على هذه الدعوى

______________________________

(1) يجوز التوكيل في الخصومة و المرافعة لكلّ من المدّعي و المدّعى عليه، كما هو المتعارف في زماننا هذا، بل يكره لأهل الشرف و المناصب الجليلة تولّي ذلك بالمباشرة، خصوصا إذا كان الطرف غير شريف، بل بذي ء اللسان صاحب الخلق السيّئ و اللسان السوء، و لا يعتبر في جواز التوكيل المزبور رضا صاحبه، فليس له الامتناع عن جواب وكيل المدّعي، و إجراء أحكام المدّعي و المدّعى عليه.

(2) وكيل كلّ من المدّعي و المدّعى عليه وظيفته كوظيفة نفسهما، فكلّ حكم كان ثابتا بالإضافة إلى المدّعي نفعا أو ضررا ثابت في حقّ وكيله، و كذا وكيل المدّعى عليه يجري فيه ما يجري على الموكّل من دون فرق، فكما أنّ الموكّل في صورة الادّعاء بصدد إثبات حقّه لو فرض، كذلك الوكيل لا بدّ أن يكون بهذا النحو، و هكذا في ناحية وكيل المدّعى عليه كما هو ظاهر.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 434

و غيرها ممّا هو وظيفة المدّعي، و صارت وظيفة خصمه الإنكار و غيره من وظائف المدّعى عليه (1).

[مسألة 27: لا يقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكّله]

مسألة 27: لا يقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكّله، فلو أقرّ وكيل المدّعي القبض، أو الإبراء، أو قبول الحوالة أو المصالحة، أو بأنّ الحقّ مؤجّل، أو أنّ البيّنة فسقة، أو أقرّ وكيل المدّعى عليه بالحقّ للمدّعي، لم يقبل و بقيت الخصومة على حالها؛ سواء أقرّ في مجلس الحكم أو غيره، و ينعزل

______________________________

(1) لو كان وكيل المدّعى عليه في مقام نفي أصل الحقّ، فادّعى المدّعى عليه في أثناء

مدافعة الوكيل ما يوجب انقلاب الدعوى و صيرورة المدّعي منكرا و بالعكس، كما إذا ادّعى عليه الدّين و أنكره الوكيل، فادّعى المدّعى عليه في أثناء المدافعة أداء الدّين أو تحقّق الإبراء، فكما أنّه يكون موجبا لانقلاب الدعوى فيما إذا كان المتصدّي للخصومة المدّعى عليه بنفسه، كذلك يكون موجبا للانقلاب فيما إذا كان المتصدّي الوكيل، غاية الأمر أنّ الموكّل ادّعى الإبراء أو الأداء.

و بالجملة: وكيلا المدّعى و المدّعى عليه وظيفتهما القيام مقامهما، فمع عدم الانقلاب يجري عليهما أحكامهما، و مع الانقلاب يجري حكم الانقلاب كنفسهما، و الوجه فيه واضح.

ثمّ إنّه هل يجري حكم جواز التوكيل في الخصومات الواقعة في حقوق الناس- كالدّين و نحوه- في المحاكمات الواقعة لإجراء ما يوجب الحدّ أو التعزير، فيجوز لمن كان متّهما بالزنا مثلا أن يوكّل غيره عند الحاكم للجواب عن هذا الاتّهام، أم لا؟

الظاهر أنّه لا فرق بين الصورتين، و لا تكون الصورة الثانية منافية لأداء الشهادة بعد عدم الإبهام فيه.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 435

بذلك و تبطل وكالته؛ لأنّه بعد الإقرار ظالم في الخصومة بزعمه (1).

[مسألة 28: الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح عن الحقّ أو الإبراء منه]

مسألة 28: الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح عن الحقّ أو الإبراء منه، إلّا أن يكون وكيلا في ذلك أيضا بالخصوص (2).

[مسألة 29: يجوز أن يوكّل اثنين فصاعدا بالخصومة كسائر الامور]

مسألة 29: يجوز أن يوكّل اثنين فصاعدا بالخصومة كسائر الامور، فإن لم يصرّح باستقلال كلّ منهما و لم يكن لكلامه ظهور فيه لم يستقلّ بها أحدهما، بل يتشاوران و يتباصران و يعضد كلّ منهما صاحبه و يعينه على ما فوّض إليهما (3).

______________________________

(1) الوجه في عدم قبول إقرار الوكيل في الخصومة على موكّله- سواء كان وكيلا عن المدّعي أو المدّعى عليه- عدم نفوذ إقرار العقلاء على غيرهم، مضافا إلى عدم شمول دائرة الوكالة لمثل ذلك، و ينعزل بذلك و تبطل وكالته، مستدلّا له في المتن بأنّه بعد الإقرار ظالم في الخصومة بزعمه؛ أي بزعم الموكّل، فلا يريد بقاء وكالته مع هذه الحالة قطعا.

(2) الوكيل في الخصومة فقط لا يملك الصلح عن الحقّ أو الإبراء منه، إلّا أن يكون له وكالة أيضا بالخصوص في هذه الجهة، و لا تكون الوكالة في الخصومة مستلزمة للوكالة في ذلك أيضا؛ لما عرفت من أنّ ما وكّل فيه في الخصومة عبارة عمّا يرجع إلى إثبات الحقّ وكّل ما هو وسيلة له على ما مرّ.

(3) قد عرفت جواز أن يوكّل اثنين فصاعدا في أمر من الامور «1»؛ سواء كان بنحو الاستقلال و الانفراد، أو بنحو الانضمام و الاجتماع، فاعلم أنّ الخصومة أيضا

______________________________

(1) في ص 430.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 436

[مسألة 30: لو وكّل رجل وكيلا بحضور الحاكم- في خصوماته و استيفاء حقوقه مطلقا]

مسألة 30: لو وكّل رجل وكيلا بحضور الحاكم- في خصوماته و استيفاء حقوقه مطلقا، أو في خصومة شخصية- ثمّ قدّم الوكيل خصما لموكّله و أقام الدعوى عليه يسمع الحاكم دعواه عليه. و كذا إذا ادّعى عند الحاكم وكالته في الدعوى و أقام البيّنة عنده عليها. و أمّا إذا ادّعاها من دون بيّنة، فإن لم يحضر

خصما عنده، أو أحضر و لم يصدّقه في وكالته لم يسمع دعواه، و لو صدّقه فيها فالظاهر أنّه يسمع دعواه، لكن لم تثبت بذلك وكالته عن موكّله بحيث تكون حجّة عليه، فإذا قضت موازين القضاء بحقّية المدّعي يلزم المدّعى عليه بالحقّ، و لو قضت بحقّية المدّعى عليه فالمدّعي على حجّته، فإذا أنكر الوكالة تبقى دعواه على حالها، و للمدّعى عليه أو وكيل المدّعي إقامة البيّنة على ثبوت الوكالة، و مع ثبوتها بها تثبت حقّية المدّعى عليه في ماهية الدعوى (1).

______________________________

من تلك الامور، فإن لم يصرّح بالاستقلال و لم يكن لكلامه ظهور عقلائيّ في ذلك، يتشاوران و يتباصران و يعضد كلّ منهما صاحبه و يعينه على ما فوّض إليهما، و في صورة التصريح بالاستقلال أو وجود ظهور كذلك فيه يجوز لكلّ منهما ذلك، غاية الأمر أنّه مع سبقة أحدهما لا يبقى مجال للآخر.

(1) للمسألة صور و فروض:

الاولى: ما لو وكّل وكيلا في محضر الحاكم في جميع خصوماته أو في خصومة شخصية، ثمّ قدّم الوكيل خصما من خصمائه في الأوّل، أو الخصم في تلك الخصومة الشخصية في الثاني، و أقام الدعوى عليه يسمع الحاكم دعواه عليه؛ لفرض ثبوت وكالته عنده لوقوعها بحضوره.

الثانية: ما إذا لم يكن التوكيل بحضوره، و لكن ادّعى الوكيل عند الحاكم الوكالة

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 437

[مسألة 31: لو وكّله في الدعوى و تثبيت حقّه على خصمه لم يكن له بعد الإثبات قبض الحقّ]

مسألة 31: لو وكّله في الدعوى و تثبيت حقّه على خصمه لم يكن له بعد الإثبات قبض الحقّ، فللمحكوم عليه أن يمتنع عن تسليم ما ثبت عليه إلى الوكيل (1).

[مسألة 32: لو وكّله في استيفاء حقّ له على غيره فجحده من عليه الحقّ]

مسألة 32: لو وكّله في استيفاء حقّ له على غيره فجحده من عليه الحقّ، لم يكن للوكيل مخاصمته و مرافعته و تثبيت الحقّ عليه ما لم يكن وكيلا في الخصومة (2).

______________________________

و أقام البيّنة عليها، ففي هذه الصورة أيضا يسمع دعواه.

الثالثة: الفرض مع عدم إقامة البيّنة عند الحاكم على الوكالة، و قد فصّل في هذه الصورة بين ما إذا لم يحضر خصما عنده، أو أحضره و لم يصدّقه في الوكالة، فلا يسمع دعواه، و بين ما لو صدّقه عليها فيسمع دعواه، لكن لوجود احتمال التباني و عدم ثبوت الوكالة واقعا لا تثبت حجّة على المدّعي، فإذا قضت موازين القضاء بحقّية المدّعي يلزم المدّعى عليه بالحقّ، و لو قضت بحقّية المدّعى عليه فالمدّعي على حجّته مع إنكار الوكالة و تبقى دعواه على حالها، و للمدّعى عليه أو وكيل المدّعي إقامة البيّنة على ثبوت الوكالة، و مع إقامة البيّنة فالقضاء بنفع المدّعى عليه باق على حاله و إن كان بضرر المدّعي المنكر للوكالة، و الوجه فيه واضح.

(1) لأنّ دائرة الوكالة لا تشمل قبض الحقّ الذي أثبته الوكيل؛ لأنّ موردها مجرّد التثبيت على الخصم، إلّا أن يفرض شمول الوكالة لذلك أيضا، و مع ذلك لا يجب على المحكوم عليه الدفع إليه و إن كان جائزا في هذا الفرض.

(2) الوجه فيه أنّ الموكّل فيه إنّما هو استيفاء الحقّ، و الفرض أنّ من عليه الحقّ جاحد لذلك، و ليست المخاصمة و المرافعة لتثبيت الحقّ عليه داخلة في متعلّق

تفصيل الشريعة -

المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 438

[مسألة 33: يجوز التوكيل بجعل و بغيره، و إنّما يستحقّ الجعل في الأوّل بتسليم العمل الموكّل فيه]

مسألة 33: يجوز التوكيل بجعل و بغيره، و إنّما يستحقّ الجعل في الأوّل بتسليم العمل الموكّل فيه، فلو وكّله في البيع أو الشراء و جعل له جعلا فله المطالبة به بمجرّد إتمام المعاملة و إن لم يتسلّم الموكّل الثمن أو المثمن. و كذا لو وكّله في المرافعة و تثبيت الحقّ استحقّه بمجرّد إثباته و إن لم يتسلّمه الموكّل (1).

[مسألة 34: لو وكّله في قبض دينه من شخص فمات قبل الأداء]

مسألة 34: لو وكّله في قبض دينه من شخص فمات قبل الأداء، لم يكن له مطالبة وارثه إلّا أن تشملها الوكالة (2).

______________________________

الوكالة، إلّا أن يكون المراد من الاستيفاء الأعمّ من ذلك، أو كانت المرافعة ثابتة فيها الوكالة بالخصوص أيضا. و يمكن أن يكون بنحو الطولية، و مرجعها إلى الوكالة في الاستيفاء مع عدم الجحد، و في المخاصمة معه، كما لا يخفى.

(1) التوكيل قد يكون بجعل و قد يكون بغيره، و في الفرض الأوّل لا بدّ من ملاحظة أنّ الوكيل يستحقّ الجعل في أيّ زمان، فنقول: بعد وضوح أنّ استحقاق الجعل في المقام إنّما يكون بتحقّق العمل الموكّل فيه من الوكيل، و لا يتوقّف ذلك على لوازمه و آثاره، أنّه لو وكّله في البيع أو الشراء، كذلك، فاستحقاق الجعل للوكيل إنّما يترتّب على مجرّد تماميّة البيع أو الشراء من قبله، و لا يتوقّف على تسلّم الموكّل الثمن أو المبيع؛ لأنّ التسلّم أمر آخر خارج عن دائرة الوكالة. و كذا لو وكّله في الخصومة و تثبيت الحقّ كذلك يستحقّ الجعل بمجرّد المخاصمة و تثبيت الحقّ؛ سواء تسلّمه الموكّل أم لا، و هذا ظاهر.

(2) لو مات المديون بعد صيرورة الشخص وكيلا عن الدائن في قبض دينه، فمجرّد التوكيل في القبض من المديون لا يلازم جواز القبض من ورثته بعنوان

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 439

[مسألة 35: لو وكّله في استيفاء دينه من زيد فجاء إليه للمطالبة]

مسألة 35: لو وكّله في استيفاء دينه من زيد فجاء إليه للمطالبة، فقال زيد:

خذ هذه الدراهم و اقض بها دين فلان- أي موكّله- فأخذها، صار وكيل زيد في قضاء دينه، و كانت الدراهم باقية على ملك زيد ما لم يقبضها صاحب الدّين، و للوكيل أن يقبض نفسه بعد أخذه من المديون بعنوان الوكالة عن الدائن في الاستيفاء، إلّا أن يكون توكيل المديون بنحو لا يشمل قبض الوكيل، فلزيد استردادها ما دامت في يد الوكيل و لم يتحقّق القبض من الدائن بنحو ممّا ذكر، و لو تلفت عنده بقي الدّين بحاله، و لو قال: خذها عن الدّين الذي تطالبني به لفلان، فأخذها كان قابضا للموكّل و برئت ذمّة زيد، و ليس له الاسترداد (1).

______________________________

الوكالة لعدم الملازمة، إلّا أن تكون دائرة الوكالة وسيعة شاملة للقبض من الوارث أيضا.

(1) الظاهر أنّ مفروض المسألة فيما كان له على زيد دراهم مثلا، فوكّل عمروا في استيفاء دينه من زيد، فجاء إليه للمطالبة، فقال زيد: خذ هذه الدراهم التي هي بمقدار الدّين و اقض بها دين فلان- أي موكّله في الاستيفاء- صار وكيل زيد المديون في قضاء دينه، و الدراهم باقية على ملك المديون، فإن أقبضها صاحب الدّين- يعني الموكّل- يخرج عن ملك زيد و يدخل في ملك الموكّل؛ لأنّ المفروض أنّه دائن و الوكيل ثابت له الوكالة في أداء الدّين، و قد قبضها صاحب الدّين.

نعم، يجوز للوكيل أن يقبض نفسه من المديون بعنوان الوكالة من الدائن في الاستيفاء و القبض، إلّا أن يكون توكيل المديون بنحو لا يشمل قبض الوكيل؛ بأن وكّله في إقباض شخص الدائن، فلزيد حينئذ

استردادها ما دامت في يد الوكيل و لم يتحقّق القبض من الدائن نفسه، و لازمه حينئذ أنّه مع التلف في يد الوكيل يبقى

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 440

[مسألة 36: الوكيل أمين بالنسبة إلى ما في يده لا يضمنه إلّا مع التفريط أو التعدّي]

مسألة 36: الوكيل أمين بالنسبة إلى ما في يده لا يضمنه إلّا مع التفريط أو التعدّي؛ كما إذا لبس ثوبا أو حمل على دابّة كان وكيلا في بيعهما، لكن لا تبطل بذلك وكالته، فلو باع الثوب بعد لبسه صحّ بيعه و إن كان ضامنا له لو تلف قبل أن يبيعه، و بتسليمه إلى المشتري يبرأ عن ضمانه، بل لا يبعد ارتفاع ضمانه بنفس البيع (1).

[مسألة 37: لو وكّله في إيداع مال فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعي لم يضمنه الوكيل]

مسألة 37: لو وكّله في إيداع مال فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعي لم يضمنه الوكيل، إلّا إذا وكّله في أن يودعه مع الإشهاد فخالف. و كذا الحال لو

______________________________

الدّين بحاله؛ لأنّ المفروض عدم الإقباض الذي وكّل فيه.

نعم، لو قال المديون: خذ هذه الدراهم عن الدّين الذي تطالبني به لفلان، يكون بمنزلة قبض الموكّل الدائن و برئت ذمّة زيد المديون، و ليس له الاسترداد لحصول الأداء و تحقّق القبض، كما لا يخفى.

(1) لا شبهة في أنّ الوكيل أمين، و قد تقرّر في محلّه أنّ الأمين لا يضمن إلّا مع التعدّي أو التفريط «1» كالمثالين المذكورين في المتن، لكن الضمان بذلك لا يوجب بطلان الوكالة، فلو باع الثوب بعد لبسه- غير الجائز للوكيل- صحّ بيعه و إن كان ضامنا له لو تلف قبل أن يبيعه، لكن ارتفاع الضمان هل يتحقّق بمجرّد البيع و إن لم يسلّمه إلى المشتري، أو بالتسليم إلى المشتري؟ نفى في المتن البعد عن الأوّل، و لعلّه لأجل أنّ الموكّل فيه إنّما هو البيع فقط، و أمّا التسليم فهو أمر آخر لعلّه لم يكن وكيلا فيه أصلا، كما تقدّم مثله.

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه: 1/ 27- 43.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 441

وكّله في

قضاء دينه فأدّاه بلا إشهاد و أنكر الدائن (1).

[مسألة 38: لو وكّله في بيع سلعة أو شراء متاع، فإن صرّح بكون البيع أو الشراء من غيره، أو بما يعمّ نفسه فلا إشكال]

مسألة 38: لو وكّله في بيع سلعة أو شراء متاع، فإن صرّح بكون البيع أو الشراء من غيره، أو بما يعمّ نفسه فلا إشكال، و إن أطلق و قال: «أنت وكيلي في أن تبيع هذه السلعة» أو «تشتري لي المتاع الفلاني» فهل يعمّ نفس الوكيل، فيجوز أن يبيع السلعة من نفسه، أو يشتري له المتاع من نفسه، أم لا؟ وجهان بل قولان، أقواهما الأوّل، و أحوطهما الثاني (2).

[مسألة 39: لو اختلفا في التوكيل فالقول قول منكره]

مسألة 39: لو اختلفا في التوكيل فالقول قول منكره، و لو اختلفا في التلف أو في تفريط الوكيل فالقول قول الوكيل، و لو اختلفا في دفع المال إلى الموكّل

______________________________

(1) لو وكّله في إيداع ماله، فإن قيّده بالإيداع مع الإشهاد فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعي يكون ضامنا، و إن لم يقيّده بالإيداع مع الإشهاد لا يكون جحود الودعي موجبا لضمانه؛ لعدم تحقّق التعدّي و التفريط. و هكذا الحال في الصورتين فيما لو وكّله في قضاء دينه فأدّاه فأنكر الدائن الأداء.

(2) لو وكّله في بيع سلعة أو شراء متاع، فهل يشمل البيع من الوكيل، أو شراء متاعه؟ ففي المتن أنّه إن وقع التصريح بأحد الأمرين من الغير أو التعميم فهو، و إن أطلق، فهل يجوز للوكيل ذلك البيع من نفسه، أو شرائه من ماله؟ فيه وجهان، بل قولان، قد قوّى في المتن الجواز، و احتاط استحبابا بالمنع، و الدليل على الجواز أنّه مقتضى الإطلاق المفروض، فإنّ ظاهره تحقّق البيع أو الشراء من دون خصوصيّة، و إلّا فلو أرادها كان عليه التصريح بها، و الوجه للاحتياط الاستحبابي احتمال الانصراف عن الوكيل، و تعيين البيع من الغير أو الشراء منه.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 442

فالظاهر

أنّ القول قول الموكّل، خصوصا إذا كانت الوكالة بجعل. و كذا الحال فيما إذا اختلف الوصيّ و الموصى له في دفع المال الموصى به إليه، و الأولياء- حتّى الأب و الجدّ- إذا اختلفوا مع المولّى عليه- بعد زوال الولاية عليه- في دفع ماله إليه، فإنّ القول قول المنكر في جميع ذلك. نعم، لو اختلف الأولياء مع المولّى عليهم في الإنفاق عليهم، أو على ما يتعلّق بهم في زمان ولايتهم، فالظاهر أنّ القول قول الأولياء بيمينهم (1).

______________________________

(1) هذه المسألة متعرّضة لصور الاختلاف:

إحداها: ما إذا وقع الاختلاف بينهما في أصل التوكيل و لم يكن هناك بيّنة، فالقول قول منكره لأصالة عدم التوكيل، أو لصدق عنوان المنكر عليه عند العرف و العقلاء؛ للاختلاف في معنى المدّعي و المنكر، و قد تقدّم في كتاب القضاء «1».

ثانيتها: ما إذا وقع الاختلاف بين الموكّل و الوكيل في عروض التلف للمال الذي وكّله في بيعه مثلا، أو في تحقّق تفريط الوكيل و عدمه، فالقول قول الوكيل؛ لما ذكر في الصورة الاولى.

ثالثتها: ما إذا اختلفا في دفع المال إلى الموكّل، و استظهر في المتن أنّ القول قول الموكّل، خصوصا إذا كانت الوكالة بجعل، فإنّ الأصل عدم الدفع و عدم استحقاق الجعل؛ لما عرفت من أنّ استحقاقه يتوقّف على تحقّق العمل الموكّل فيه من الوكيل، فمع الشكّ في الاستحقاق تجري أصالة العدم. و قد ذكر لهذه الصورة الأخيرة بعض النظائر، مثل ما إذا اختلف الوصيّ و الموصى له في دفع المال الموصى به إليه و عدمه، فإنّ مقتضى الأصل عدم تحقّق الدفع الذي هو مقتضى الوصيّة.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 75- 77.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...،

ص: 443

..........

______________________________

و مثل ما إذا اختلف الأولياء حتّى الأب و الجدّ له الواقعين في رأس الأولياء مع المولّى عليهم بعد خروجهم عن دائرة الوكالة؛ لأجل زوال الصغر و حصول الرشد في دفع أمواله إليه و عدمه، فإنّ القول قول منكر الدفع لأصالة عدمه. نعم، لو كان اختلافهم مع المولّى عليهم في حصول الإنفاق عليهم، أو على من يتعلّق بهم فالقول قول الأولياء مع اليمين؛ لأنّ مقتضى الأصل و إن كان هو عدم الإنفاق إلّا أنّ الظاهر تحقّقه؛ لاستدامة حياتهم و صحّة أبدانهم مثلا.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 445

[كتاب الإقرار]

اشارة

كتاب الإقرار

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 447

[الإقرار]

الذي هو الإخبار الجازم بحقّ لازم على المخبر، أو بما يستتبع حقّا أو حكما عليه، أو بنفي حقّ له أو ما يستتبعه؛ كقوله: له أو لك عليّ كذا، أو عندي أو في ذمّتي كذا، أو هذا الذي في يدي لفلان، أو إنّي جنيت على فلان بكذا، أو سرقت أو زنيت، و نحو ذلك ممّا يستتبع القصاص أو الحدّ الشرعي، أو ليس لي على فلان حقّ، أو أنّ ما أتلفه فلان ليس منّي، و ما أشبه ذلك بأيّ لغة كان، بل يصحّ إقرار العربي بالعجمي و بالعكس، و الهندي بالتركي و بالعكس إذا كان عالما بمعنى ما تلفّظ به في تلك اللغة، و المعتبر فيه الجزم؛ بمعنى عدم إظهار الترديد و عدم الجزم به، فلو قال: أظنّ أو أحتمل أنّ لك عليّ كذا، ليس إقرارا (1).

______________________________

(1) مفاد ما أفاده في المتن في تعريف الإقرار امور:

الأوّل: أنّ الإقرار ليس من مقولة الإنشاء و العقود و الإيقاعات، بل من مقولة الإخبار و الحكاية إثباتا و نفيا.

الثاني: أنّه لا بدّ أن يكون الإخبار المزبور على سبيل الجزم و عدم الترديد، فلو قال: أظنّ أو أحتمل أنّ لفلان عليّ حقّا، ليس إقرارا.

الثالث: أنّه لا يعتبر في الإقرار صيغة مخصوصة و لا لغة خاصّة، فلو أقرّ العربي بالعجمي أو بالعكس يصحّ الإقرار بشرط كونه عارفا بمعنى ما تلفّظ به و إن لم يكن

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 448

[مسائل الإقرار]

[مسألة 1: يعتبر في صحّة الإقرار- بل في حقيقته و أخذ المقرّ بإقراره- كونه دالّا على الإخبار المزبورة بالصراحة أو الظهور]

مسألة 1: يعتبر في صحّة الإقرار- بل في حقيقته و أخذ المقرّ بإقراره- كونه دالّا على الإخبار المزبورة بالصراحة أو الظهور، فإن احتمل إرادة غيره احتمالا يخلّ بظهوره عند أهل المحاورة لم يصحّ. و تشخيص ذلك

راجع إلى العرف و أهل اللسان كسائر التكلّمات العادية، فكلّ كلام و لو لخصوصيّة مقام يفهم منه أهل اللسان أنّه قد أخبر بثبوت حقّ عليه، أو سلب حقّ عن نفسه من غير ترديد، كان إقرارا، و إن لم يفهم منه ذلك- من جهة تطرّق الاحتمال الموجب للترديد و الإجمال- لم يكن إقرارا «1».

______________________________

من أهل تلك اللغة؛ لعدم الفرق في تحقّق الإقرار بين الصورتين، بل الملاك هو العلم بالمعنى و لو كان على سبيل الإجمال.

الرابع: أنّه قد يكون الإخبار المزبور مفيدا لثبوت حقّ عليه، أو ما يستتبع حقّا أو حكما عليه، كما إذا اعترف بأنّه قد اشترى هذا المال من زيد، فإنّه مستتبع لثبوت الثمن لزيد عليه، و قد يكون الإخبار المزبور راجعا إلى نفي حقّ له على الغير أو ما يستتبعه، و الأمثلة المذكورة في المتن للصورتين كثيرة.

نعم، ينبغي أن يعلم أنّ الإقرار الواحد قد لا يكون مثبتا لبعض الحدود عليه كما في باب الزنا، فإنّ الإقرار الواحد لا يثبت الزنا الذي يكون فيه الحدّ، كما هو المذكور في كتاب الحدود «1»، كما أنّ البيّنة بمعنى الشهادة من اثنين فقط لا يكفي لذلك، فتدبّر.

(1) قد عرفت أنّ الإقرار من مقولة الإخبار، فاعلم أنّ نفوذه و صحّة الأخذ به إنّما هو فيما إذا كان الكلام صريحا في ذلك، أو ظاهرا معتبرا عند العقلاء و لو بمعونة

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحدود: 83- 94.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 449

[مسألة 2: لا يعتبر في الإقرار صدوره من المقرّ ابتداء، أو كونه مقصودا بالإفادة]

مسألة 2: لا يعتبر في الإقرار صدوره من المقرّ ابتداء، أو كونه مقصودا بالإفادة، بل يكفي كونه مستفادا من تصديقه لكلام آخر، و استفادته من كلامه بنوع من

الاستفادة، كقوله: «نعم» في جواب من قال: «لي عليك كذا» أو «أنت جنيت على فلان»، و كقوله- في جواب من قال: «استقرضت منّي ألفا» أو «لي عليك ألف»-: «رددته» أو «أدّيته»، فإنّه إقرار بأصل ثبوت الحقّ عليه و دعوى منه بسقوطه، و مثل ذلك ما إذا قال- في جواب من قال: «هذه الدار التي تسكنها لي»-: «اشتريتها منك»، فإنّ الإخبار بالاشتراء اعتراف منه بثبوت الملك له و دعوى منه بانتقاله إليه.

نعم، قد توجد قرائن على أنّ تصديقه لكلام الآخر ليس حقيقيّا، فلم يتحقّق الإقرار، بل دخل في عنوان الإنكار، كما إذا قال- في جواب من قال: «لي عليك ألف دينار»-: «نعم»، أو «صدقت»، مع صدور حركات منه دلّت على أنّه في مقام الاستهزاء و التهكّم و شدّة التعجّب و الإنكار (1).

______________________________

القرائن المقاليّة أو الحاليّة؛ لما مرّ «1» من أنّ أصالة الظهور أعمّ من أصالة الحقيقة، و الملاك هو الأوّل، و عليه فلو كان كلامه فاقدا لهذه الصراحة و الظهور المزبور و جاريا فيه احتمال الخلاف لا يكون إقرارا.

(1) لا يعتبر في الإقرار صدوره من المقرّ ابتداء؛ بأن لم يكن جوابا لكلام آخر، أو كونه مقصودا بالإفادة من الإخبار و الحكاية، بل يكفي كونه مستفادا من تصديقه لكلام آخر، و استفادته من كلامه بنوع من الاستفادة، أو بنحو يكون معتبرا عند العرف و العقلاء، كالأمثلة المختلفة المذكورة في المتن، فتدبّر.

______________________________

(1) في ص 426.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 450

[مسألة 3: يشترط في المقرّ به أن يكون أمرا لو كان المقرّ صادقا في إخباره كان للمقرّ له حقّ الإلزام عليه و مطالبته به]

مسألة 3: يشترط في المقرّ به أن يكون أمرا لو كان المقرّ صادقا في إخباره كان للمقرّ له حقّ الإلزام عليه و مطالبته به؛ بأن يكون مالا في ذمّته؛ عينا أو منفعة

أو عملا، أو ملكا تحت يده، أو حقّا يجوز مطالبته، كحقّ الشفعة و الخيار و القصاص، و حقّ الاستطراق في درب مثلا، و إجراء الماء في نهر، و نصب الميزاب في ملك، و وضع الجذوع على حائط، أو يكون نسبا أوجب نقصا في الميراث، أو حرمانا في حقّ المقرّ و غير ذلك، أو كان للمقرّ به حكم و أثر؛ كالإقرار بما يوجب الحدّ (1).

[مسألة 4: إنّما ينفذ الإقرار بالنسبة إلى المقرّ و يمضي عليه فيما يكون ضررا عليه]

مسألة 4: إنّما ينفذ الإقرار بالنسبة إلى المقرّ و يمضي عليه فيما يكون ضررا عليه، لا بالنسبة إلى غيره، و لا فيما يكون فيه نفع له، فإن أقرّ بابوّة شخص له و لم يصدّقه و لم ينكره، يمضي إقراره في وجوب النفقة عليه، لا في نفقته على

______________________________

(1) يشترط في الأمر الذي أقرّ به و في نفوذه أن يكون أمرا لو كان المقرّ صادقا في إخباره و حكايته كان للمقرّ له حقّ الإلزام عليه و مطالبته به؛ بأن يكون مالا في ذمّته أعمّ من أن تكون عينا، كما إذا أقرّ بسرقة مال زيد مثلا، أو منفعة أو عملا، ككونه أجيرا له و قد بذل الاجرة، أو استؤجر لخياطة ثوبه كذلك، أو ملكا تحت يده؛ كالإقرار بأنّ الدار التي هي فيه لزيد، أو يكون حقّا يجوز للمقرّ له مطالبته؛ كحقّ الشفعة و حقّ الخيار و حقّ القصاص، حتّى حقّ الاستطراق في درب مثلا، و الأمثلة الاخرى المذكورة في المتن، أو يكون نسبا موجبا للنقص في الميراث، كما إذا كان ابنا واحدا ظاهرا و أقرّ بابن آخر له، و الثاني كما إذا أقرّ بالاخوّة مع كونه ابنا للميّت ظاهرا، أو يكون للمقرّ به أثر شرعي كالإقرار بما يوجب الحدّ.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة،

المساقاة، الدين و...، ص: 451

المقرّ أو في توريثه (1).

[مسألة 5: يصحّ الإقرار بالمجهول و المبهم، و يقبل من المقرّ و يلزم و يطالب بالتفسير و البيان و رفع الإبهام]

مسألة 5: يصحّ الإقرار بالمجهول و المبهم، و يقبل من المقرّ و يلزم و يطالب بالتفسير و البيان و رفع الإبهام، و يقبل منه ما فسّره به، و يلزم به لو طابق تفسيره مع المبهم بحسب العرف و اللغة، و أمكن بحسبهما أن يكون مرادا منه، فلو قال:

«لك عندي شي ء» الزم بالتفسير، فإن فسّره بأيّ شي ء صحّ كونه عنده، يقبل منه و إن لم يكن متموّلا، كهرّة مثلا، أو نعل خلق لا يتموّل. و أمّا لو قال: «لك عندي مال» لم يقبل منه إلّا إذا كان ما فسّره من الأموال عرفا و إن كانت ماليّته قليلة جدّا (2).

______________________________

(1) مقتضى كلمة «على» الواقعة في دليل نفوذ الإقرار و أخذ المقرّ على طبق إقراره أن يكون الإقرار النافذ و الممضى إنّما هو بالإضافة إلى ما كان ضررا عليه، فإنّه حينئذ يكون نافذا و يؤخذ المقرّ بسبب إقراره، و إلّا فلا شبهة في عدم نفوذه فيما إذا كان بنفع له، كالإقرار بثبوت مال أو حقّ له على الغير، و فيما إذا اجتمع حكمان ضرريّ و نفعيّ بالإضافة إلى المقرّ ينفذ الإقرار بالنسبة إلى الحكم الضرري، و لا ينفذ بالنسبة إلى الحكم النفعي، كما في المثال المذكور في المتن؛ و هو أنّه لو أقرّ بابوّة شخص مجهول الحال و لم يصدّقه ذلك الشخص و لم ينكره، فإنّ هذا الإقرار يوجب ثبوت نفقة ذلك الشخص عليه لفرض الإقرار بالابوّة، و لا يوجب ثبوت نفقته على ذلك الشخص و لا كونه وارثا له. و كذا لا يؤخذ بإقراره فيما لا يكون فيه ضرر عليه و لا نفع له، كما لا يخفى.

(2)

يصحّ الإقرار بالمجهول و المبهم إذا كان على المقرّ و يعدّ ضررا له، لإطلاق الدليل و القاعدة غاية الأمر أنّه يلزم بالتفسير و البيان بما يطابق المبهم عرفا

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 452

[مسألة 6: لو قال: «لك أحد هذين» ممّا كان تحت يده]

مسألة 6: لو قال: «لك أحد هذين» ممّا كان تحت يده، أو «لك عليّ إمّا وزنة من حنطة أو شعير» الزم بالتفسير و كشف الإبهام، فإن عيّن الزم به لا بغيره، فإن لم يصدّقه المقرّ له و قال: «ليس لي ما عيّنت»، فإن كان المقرّ به في الذمّة سقط حقّه بحسب الظاهر إذا كان في مقام الإخبار عن الواقع، لا إنشاء الإسقاط لو جوّزناه بمثله، و إن كان عينا كان بينهما مسلوبا- بحسب الظاهر- عن كلّ منهما، فيبقى إلى أن يتّضح الحال، و لو برجوع المقرّ عن إقراره أو المنكر عن إنكاره. و لو ادّعى عدم المعرفة حتّى يفسّره، فإن صدّقه المقرّ له و قال: أنا أيضا لا أدري، فالأقوى القرعة و إن كان الأحوط التصالح. و إن ادّعى المعرفة و عيّن أحدهما، فإن صدّقه المقرّ فذاك، و إلّا فله أن يطالبه بالبيّنة، و مع عدمها فله أن يحلّفه، و إن نكل أو لم يمكن إحلافه يكون الحال كما لو جهلا معا، فلا محيص عن التخلّص بما ذكر فيه (1).

______________________________

و لغة، و أمكن بحسبهما أن يكون مرادا له، فإن أقرّ بمطلق الشي ء يصحّ تفسيره بمطلق ما يصدق عليه الشي ء و إن لم يكن متموّلا، و إن أقرّ بمطلق المال يصحّ تفسيره بكلّ ما يصدق عليه المال و لو كان في غاية القلّة، كلّ ذلك مع رعاية الإمكان بحسب العرف و اللغة، فإذا قال شخص عظيم

الشأن و المنزلة: «لك عندي مال» مثلا، لا يصحّ تفسيره بدرهم مثلا؛ لعدم المناسبة لشأنه.

(1) لو قال: «لك أحد هذين» من الموجودين الخارجيين اللذين تحت يده و باختياره، أو «لك عليّ إمّا وزنة من حنطة أو شعير» أي على الذمّة و العهدة الزم بالتفسير و كشف الإبهام على ما مرّ في المسألة المتقدّمة، فإن عيّن الزم به لا بغيره، فإن صدّقه المقرّ له في التعيين فهو، و إن لم يصدّقه المقرّ له و قال: «ليس لي ما

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 453

[مسألة 7: كما لا يضرّ الإبهام و الجهالة في المقرّ به، لا يضرّان في المقرّ له]

مسألة 7: كما لا يضرّ الإبهام و الجهالة في المقرّ به، لا يضرّان في المقرّ له، فلو قال: «هذه الدار التي بيدي لأحد هذين» يقبل و يلزم بالتعيين، فمن عيّنه يقبل و يكون هو المقرّ له، فإن صدّقه الآخر فهو، و إلّا تقع المخاصمة بينه و بين من عيّنه المقرّ. و لو ادّعى عدم المعرفة و صدّقاه فيه سقط عنه الإلزام بالتعيين،

______________________________

عيّنت»، ففي المتن التفصيل بين ما إذا كان المقرّ به في الذمّة- كالمثال الثاني المتقدّم- و فرض أنّه قد فسّره بوزنة شعير، و لم يصدّقه المقرّ له في ذلك «ليس لي عليك وزنة شعير»، فإن كان في مقام إسقاط حقّه و جوّزنا تحقّق الإسقاط بإنشائه بمثل ذلك ممّا يرجع إلى إنكار تفسير المقرّ، و ما عيّنه في مقام رفع الإبهام، فالظاهر سقوط حقّه الثابت بالإقرار بإنشاء الإسقاط.

و إذا لم يكن بصدد إنشاء الإسقاط، أو قلنا بعدم جواز الإسقاط بمثل ذلك، ففي الحقيقة يسقط حقّه بحسب الظاهر؛ لأنّ ما عيّنه قد نفاه، و لا مجال للإلزام بالتفسير بما يصدّقه المقرّ له، فلم يتحقّق الإقرار بما يلزم

عليه.

و إن كان المقرّ به عينا خارجيّة كانت بينهما مسلوبة بحسب الظاهر عن كلّ منهما؛ لنفي كلّ عن نفسه، فيبقى إلى أن يتّضح الحال و لو برجوع المقرّ عن إقراره أو المنكر عن إنكاره.

و لو ادّعى من فرض كونه مقرّا عدم المعرفة ليلزم بالتفسير و رفع الإبهام، فإن كان المقرّ له مثله؛ بأن قال: أنا أيضا لا أدري، فهو مورد القرعة و إن كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي، التصالح. و إن ادّعى المعرفة و عيّن أحدهما، و صدّقه المقرّ له في ذلك فذاك، و إن لم يصدّقه فله أن يطالبه بالبيّنة، و مع عدمها التحليف، و مع النكول أو عدم إمكان الإحلاف يكون الحال كما لو جهلا معا، فلا محيص عن التخلّص بما ذكر من القرعة و التصالح.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 454

و لو ادّعيا أو أحدهما عليه العلم كان القول قوله بيمينه (1).

[مسألة 8: يعتبر في المقرّ البلوغ و العقل و القصد و الاختيار]

مسألة 8: يعتبر في المقرّ البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، فلا اعتبار بإقرار الصبيّ و المجنون و السكران، و كذا الهازل و الساهي و الغافل و المكره.

نعم، لا يبعد صحّة إقرار الصبي إن تعلّق بما له أن يفعله، كالوصيّة بالمعروف ممّن له عشر سنين (2).

______________________________

(1) لا يعتبر في المقرّ له كالمقرّ به التعيين، فلو قال: هذه الدار التي بيدي- و تكون ملكا لي بحسب الظاهر بمقتضى قاعدة اليد التي هي أمارة على الملكيّة- لأحد هذين الشخصين؛ من زيد و عمرو، فاللازم عليه التعيين و رفع الإبهام كما في المقرّ به، فإن عيّن أحدهما يكون هو المالك و الدار له فيما إذا كان الآخر مصدّقا إيّاه في هذا التعيين، و إن لم يكن كذلك تقع

المخاصمة بينه و بين من عيّنه المقرّ؛ لأنّه بعد عدم أماريّة اليد بالإضافة إلى الملكيّة لصاحبها، و بالنتيجة عدم ارتباطها بصاحب اليد يدور الأمر بينهما، و ظنّي أنّ هذا الفرع مذكور في كتاب القضاء «1». و لو ادّعى ذو اليد المقرّ عدم المعرفة، و صدّقه الشخصان في هذا الادّعاء سقط عنه الإلزام بالتعيين؛ لاتّفاق الجميع على عدم معرفته.

نعم، لو ادّعى كلاهما أو أحدهما عليه العلم و المعرفة، كان القول قول المنكر بيمينه؛ لأصالة عدم العلم كما هو ظاهر.

(2) لا شبهة في اعتبار الامور الأربعة؛ من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار في نفوذ الإقرار و لزوم ترتيب الأثر عليه، فلا اعتبار بإقرار الصبي في الجملة، و المجنون

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 282- 285.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 455

[مسألة 9: إن أقرّ السفيه المحجور عليه بمال في ذمّته أو تحت يده لم يقبل]

مسألة 9: إن أقرّ السفيه المحجور عليه بمال في ذمّته أو تحت يده لم يقبل، و يقبل فيما عدا المال؛ كالطلاق و الخلع بالنسبة إلى الفراق لا الفداء، و كذا في كلّ ما أقرّ به و هو يشتمل على مال و غيره لم يقبل بالنسبة إلى المال، كالسرقة فيحدّ إن أقرّ بها، و لا يلزم بأداء المال (1).

______________________________

و السكران و الهازل مع إحرازه، و الساهي و الغافل كذلك و المكره، و ذلك لخروج بعضهم من عنوان العقلاء المأخوذ في دليل قاعدة الإقرار و نفوذه، و فقد القصد إلى مفاده في البعض الثاني، و رفع ما استكرهوا عليه الشامل للإقرار في البعض الثالث.

نعم، في خصوص الصبي لو قلنا بصحّة وصيّته إذا بلغ عشر سنين، قد نفى البعد عن الصحّة في المتن في نفوذ إقراره بما يصحّ

منه، فيجوز له الإقرار إذا بلغ السنين المذكورة بأنّه أوصى ماله في الصرف في أمر معروف فلانّي مثلا؛ لأنّه بعد صحّة أصل العمل منه يكون لازمها العرفي صحّة الإقرار به، و هذا بخلاف العناوين الاخر التي لا تجتمع مع الصحّة بوجه، فتدبّر.

(1) إن أقرّ السفيه الذي حكم بحجره بمال على ذمّته أو تحت يده لم يقبل إقراره؛ لأنّه تصرّف ماليّ في هذا الفرض، و هو محجور عليه بالإضافة إليه. نعم، لو أقرّ بالأمر غير المالي المحض- كالطلاق- لا مانع من قبول إقراره، و لو اشتمل المقرّ به على الأمرين لا يقبل بالإضافة إلى الأمر المالي، و يقبل بالنسبة إلى غيره كالخلع، فيقبل من جهة الفراق لا الفداء. و كذا في السرقة الموجبة للقطع، و لزوم دفع المال المسروق إلى المسروق منه، فيقبل بالإضافة إلى حدّ القطع، و لا يقبل من جهة دفع المال الذي أقرّ بسرقته.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 456

[مسألة 10: يقبل إقرار المفلّس بالدّين سابقا و لاحقا]

مسألة 10: يقبل إقرار المفلّس بالدّين سابقا و لاحقا، لكن لم يشارك المقرّ له مع الغرماء بتفصيل مرّ في كتاب الحجر، كما مرّ الكلام في إقرار المريض بمرض الموت، و أنّه نافذ إلّا مع التهمة فينفذ بمقدار الثلث (1).

[مسألة 11: لو ادّعى الصبيّ البلوغ]

مسألة 11: لو ادّعى الصبيّ البلوغ، فإن ادّعاه بالإنبات اختبر و لا يثبت بمجرّد دعواه، و كذا إن ادّعاه بالسنّ، فإنّه يطالب بالبيّنة، و أمّا لو ادّعاه بالاحتلام في الحدّ الذي يمكن وقوعه، فثبوته بقوله بلا يمين، بل معها محلّ تأمّل و إشكال (2).

______________________________

(1) قد مرّ أمران في كتاب الحجر «1»:

أحدهما: أنّه يقبل إقرار المفلّس بالدّين سابقا على الحكم بحجره أو لاحقا له، لكن لم يشارك المقرّ له مع الغرماء؛ لأنّه تصرّف ماليّ و هو محجور بالإضافة إليه.

ثانيهما: إقرار المريض بمرض الموت و أنّه نافذ إلّا مع التهمة، فينفذ بمقدار الثلث، و التفصيل هناك فراجع.

(2) لو ادّعى الصبيّ البلوغ، فتارة يدّعي البلوغ بالإنبات، و اخرى بالسنّ، و ثالثة بالاحتلام، فعلى الأوّل: يختبر و لا يحرم و إن كان ملازما للنظر إلى العورة، فإنّ حرمته ممنوعة على كلا التقديرين: البلوغ و عدمه، أمّا على التقدير الثاني:

فواضح، و أمّا على التقدير الأوّل: فلأنّه مثل النظر إلى الدخول في باب الزنا، حيث إنّه إذا كان مقدّمة للشهادة فلا مانع منه، كما قرّر ذلك في كتاب الحدود «2». و على

______________________________

(1) في ص 352 و 375- 378.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحدود: 121- 125، و أوضح من ذلك في كتاب النكاح: 46- 47.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 457

[مسألة 12: يعتبر في المقرّ له أن يكون له أهليّة الاستحقاق]

مسألة 12: يعتبر في المقرّ له أن يكون له أهليّة الاستحقاق، فلو أقرّ لدابّة بالدّين لغا، و كذا لو أقرّ لها بملك، و أمّا لو أقرّ لها باختصاصها بجلّ و نحوه؛ كأن يقول: «هذا الجلّ مختصّ بهذا الفرس» أو لهذا مريدا به ذلك، فالظاهر أنّه يقبل و يحكم بمالكيّة مالكها، كما أنّه

يقبل لو أقرّ لمسجد أو مشهد أو مقبرة أو رباط أو مدرسة و نحوها بمال خارجي أو دين، حيث إنّ المقصود منه في التعارف اشتغال ذمّته ببعض ما يتعلّق بها؛ من غلّة موقوفاتها أو المنذور أو الموصى به لمصالحها و نحوها (1).

______________________________

الثاني: لا بدّ له من إقامة البيّنة بعد كون مقتضى الأصل عدم تحقّق السنّ المذكور.

و على الثالث: ففي الحدّ الذي لا يمكن وقوع الاحتلام من مثله فلا يقبل قوله؛ لأنّ الأصل يقتضي عدم تحقّقه، و إقامة البيّنة ممتنعة عادة، و في الحدّ الذي يمكن وقوعه منه، فهل يقبل قوله بلا يمين؛ لأنّه لا يعرف إلّا من قبله، أو مع اليمين، لأنّها تقوم مقام البيّنة مع عدم إمكانها، أو لا يقبل قوله أصلا إلّا في صورة اليقين، وجوه و احتمالات، و قد استشكل في المتن في الأوّلين، و لكن الظاهر هو الثاني؛ لأنّ أصل القبول مستند إلى ما ذكر من أنّه لا يعرف إلّا من قبله، و أمّا اليمين فلأنّها توجب كون الدعوى أبعد من الكذب بالإضافة إلى صورة عدم اليمين، كما لا يخفى.

(1) يعتبر في المقرّ له أن يكون أهلا لاستحقاق المقرّ به و صالحا له، فلو أقرّ بدين أو ملك لدابّة لغا الإقرار؛ لعدم أهلية الدابّة لثبوت الملك أو الدّين له، أمّا لو أقرّ بأنّ هذا الجلّ الذي في يدي يختصّ بهذه الدابّة مثلا، و أراد مجرّد الاختصاص، فالظاهر أنّه إقرار في الحقيقة لملك مالك الدابّة له، و يمكن الإشكال في ذلك فيما إذا كانت الدابّة باختياره و بيده، كما إذا استأجرها مدّة معيّنة، فإنّ الإقرار باختصاص

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 458

[مسألة 13: لو كذّب المقرّ له المقرّ في إقراره]

مسألة 13: لو كذّب

المقرّ له المقرّ في إقراره، فإن كان المقرّ به دينا أو حقّا لم يطالب به المقرّ، و فرغت ذمّته في الظاهر، و إن كان عينا كانت مجهولة المالك بحسب الظاهر، فتبقى في يد المقرّ أو الحاكم إلى أن يتبيّن مالكها. هذا بحسب الظاهر. و أمّا بحسب الواقع فعلى المقرّ بينه و بين اللّه تعالى تفريغ ذمّته من الدّين، و تخليص نفسه من العين بالإيصال إلى المالك و إن كان بدسّه في أمواله، و لو رجع المقرّ له عن إنكاره يلزم المقرّ بالدفع مع بقائه على إقراره، و إلّا ففيه تأمّل (1).

______________________________

الجلّ بها لا يستلزم الإقرار بملكيّة المالك لها الجلّ.

و لو أقرّ لمسجد أو مثله من الامور المذكورة في المتن بعين خارجيّة، أو دين على العهدة، فالظاهر قبول إقراره، مستدلّا له في المتن بأنّ المقصود منه في التعارف اشتغال ذمّته ببعض ما يتعلّق بها؛ من غلّة موقوفاتها أو المنذور أو الموصى به لمصالحها، و أظهر من ذلك أن يكون المراد الوقفيّة لها أو سائر الأمثلة، فلا ينحصر بالدّين على العهدة، فتدبّر.

(1) لو وقع تكذيب المقرّ له المقرّ في إقراره، ففي المتن أنّه لو كان المقرّ به دينا أو حقّا لم يطالب به المقرّ، و فرغت ذمّته في الظاهر؛ لأنّه بالإقرار يثبت الدّين أو الحقّ ظاهرا، و بالتكذيب بعد الثبوت يسقط كذلك، فإذا قال المقرّ: لزيد عليّ ألف درهم و كذّب زيد ذلك تفرغ ذمّة المقرّ بحسب الظاهر؛ لأنّ الدّين و الحقّ يسقطان بالإبراء أو ما يساوقه من التكذيب، و إن كان عينا في يد المقرّ فإقراره بأنّها لزيد يثبت ذلك ظاهرا، و بالتكذيب ينتفي كذلك فتصير مجهولة المالك بحسب الظاهر، فتبقى في يد المقرّ أو الحاكم

إلى أن يتبيّن مالكها.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 459

[مسألة 14: لو أقرّ بشي ء ثمّ عقّبه بما يضادّه و ينافيه، يؤخذ بإقراره و يلغى ما ينافيه]

مسألة 14: لو أقرّ بشي ء ثمّ عقّبه بما يضادّه و ينافيه، يؤخذ بإقراره و يلغى ما ينافيه، فلو قال: «له عليّ عشرة، لا بل تسعة» يلزم بالعشرة. و لو قال: «له عليّ كذا، و هو من ثمن الخمر أو بسبب القمار» يلزم بالمال و لا يسمع منه ما عقّبه. و كذا لو قال: «عندي وديعة و قد هلكت» فإنّ إخباره بتلفها ينافي قوله:

«عندي» الظاهر في وجودها عنده. نعم، لو قال: «كانت له عندي وديعة و قد هلكت» فلا تنافي بينهما، و هو دعوى لا بدّ من فصلها على الموازين الشرعيّة (1).

______________________________

هذا. و أمّا بحسب الواقع، فلو كان المقرّ معتقدا باشتغال ذمّته للمقرّ له، أو أنّ العين التي في يده تكون ملكا للمقرّ له يجب عليه فيما بينه و بين اللّه تفريغ ذمّته من الدّين، و تخليص نفسه من العين بالإيصال إلى المالك بأيّ نحو كان، و لو بالدسّ في أمواله أو الإلقاء في منزله بحيث يتخيّل المقرّ له أنّه ماله. و لو رجع المقرّ له عن إنكاره و تكذيبه، فإن كان المقرّ باقيا على إقراره يلزم بالدفع إلى المقرّ له؛ لأنّ تكذيبه و إن صار سببا للانتفاء عن المقرّ، إلّا أنّ بقاءه على الإقرار بمنزلة إقرار جديد غير متعقّب للإنكار. و إن لم يكن المقرّ باقيا على إقراره، فقد تأمّل فيه في المتن، و السرّ فيه أنّ الإقرار السابق صار بمنزلة العدم بسبب التكذيب، و المفروض عدم بقائه على الإقرار بعد التكذيب، فالأحوط التصالح.

(1) لو أقرّ بشي ء بحيث كان للفظه ظهور عقلائيّ في ذلك، ثمّ عقّبه بما ينافيه و يضادّه،

يؤخذ بما تلفّظ به أوّلا من الإقرار و يلغى المنافي و المضادّ، فلو قال: «له عليّ عشرة لا بل تسعة» يلزم بالعشرة، إلّا أن يكون هناك قرينة مقالية أو حالية على سبق اللسان أو الاشتباه في الحساب مثلا، فينتفي الظهور العقلائي حينئذ. و لو قال: «له عليّ كذا، و هو من ثمن الخمر أو بسبب القمار أو من باب الربا و أمثال

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 460

[مسألة 15: ليس الاستثناء من التعقيب بالمنافي]

مسألة 15: ليس الاستثناء من التعقيب بالمنافي، بل يكون المقرّ به ما بقي بعد الاستثناء إن كان من المثبت، و نفس المستثنى إن كان من المنفي، فلو قال:

«هذه الدار التي بيدي لزيد إلّا القبّة الفلانية» كان إقرارا بما عداها، و لو قال:

«ليس له من هذه الدار إلّا القبّة الفلانية» كان إقرارا بها. هذا إذا كان الإخبار متعلّقا بحقّ الغير عليه. و أمّا لو كان متعلّقا بحقّه على الغير كان الأمر بالعكس، فلو قال: «لي هذه الدار إلّا القبّة الفلانية» كان إقرارا بالنسبة إلى نفي حقّه عن القبّة، فلو ادّعى بعده استحقاق تمام الدار لم يسمع منه، و لو قال: «ليس لي من هذه الدار إلّا القبّة الفلانية» كان إقرارا بعدم استحقاق ما عدا القبّة (1).

______________________________

ذلك» يلزم بالمال و لا يسمع منه ما عقّبه.

و كذا لو قال: «عندي وديعة لزيد و قد هلكت بدون التعدّي و التفريط» يلزم بثبوت الوديعة؛ لظهور قوله: «عندي» في عدم التلف، فالتعقيب بقوله: «قد هلكت» ينافي ذلك، فلا يسمع بعد الإقرار. و هذا بخلاف قوله: «كانت عندي وديعة لزيد و قد هلكت كذلك» إذ لا منافاة بين الصدر و الذيل، غاية الأمر أنّ دعوى الهلاك كذا دعوى

لا بدّ من فصلها على الموازين الشرعيّة، فإن أقام بيّنة على ذلك فهو، و إلّا فمع إنكار زيد يكون القول قوله مع يمينه؛ لموافقته لاستصحاب عدم الهلاك، فتدبّر جيّدا.

(1) وقع التعرّض في هذه المسألة لصورتين:

إحداهما: ما إذا كان الإقرار الذي هو نوع من الإخبار متعلّقا بحقّ الغير عليه، و في هذه الصورة يكون الإقرار إقرارا عليه و نافذا مشتملا على الاستثناء، فليس ذلك من التعقيب بالمنافي، و المضادّ المذكور في المسألة السابقة و المحكوم بالإلغاء،

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 461

[مسألة 16: لو أقرّ بعين لشخص ثمّ أقرّ بها لشخص آخر]

مسألة 16: لو أقرّ بعين لشخص ثمّ أقرّ بها لشخص آخر، كما إذا قال: «هذه الدار لزيد» ثمّ قال: «لعمرو» حكم بكونها للأوّل و اعطيت له، و اغرم للثاني بقيمتها (1).

______________________________

بل يكون المقرّ به ما بقي بعد الاستثناء إن كان المستثنى منه مثبتا، فلو قال: «هذه الدار التي بيدي لزيد إلّا البيت الفلاني الواقع في الدار» يكون المقرّ به ما عدا البيت المزبور، و ينفذ في حقّ المقرّ بالإضافة إلى ما عداه، و إن كان المستثنى منه منفيا؛ كما لو قال: «ليس لزيد من هذه الدار إلّا البيت الفلاني» يكون ذلك إقرارا له بذلك البيت؛ لأنّ الاستثناء من النفي إثبات.

ثانيتهما: ما إذا كان متعلّقا بحقّه على الغير، و في المتن يكون الأمر بالعكس، فلو قال: «لي هذه الدار التي بيدي إلّا البيت الفلاني» يكون ذلك إقرارا بالنسبة إلى نفي حقّه عن البيت الفلاني من دون تعيين المقرّ له، و نتيجته أنّه لو ادّعى بعد ذلك استحقاق تمام الدار حتّى البيت الفلاني لم يسمع منه، و لو قال: «ليس لي من هذه الدار إلّا البيت الفلاني» يكون ذلك إقرارا بعدم

استحقاق ما عدا البيت المذكور و إن لم يعيّن المقرّ له أو لم يكن معلوما أصلا، و ادّعاؤه استحقاق البيت يحتاج إلى الإثبات بمثل البيّنة و اليمين، فتدبّر.

(1) لأنّ نفوذ الإقرار الأوّل على مقتضى قاعدة الإقرار يقتضي كون الدار لزيد، فتؤخذ منه و تعطى زيدا، و الإقرار الثاني يقتضي كونها لعمرو، و حيث إنّه وقع في حال عدم العين، و كأنّها تلفت، حكم بإعطاء قيمة الدار لعمرو، مثل ما إذا أقرّ يكون المال الذي بيده- و أتلفه- للمقرّ له، فإنّه حينئذ يلزم بإعطاء القيمة لفرض الإتلاف، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 462

[مسألة 17: من الأقارير النافذة الإقرار بالنسب]

مسألة 17: من الأقارير النافذة الإقرار بالنسب؛ كالبنوّة و الاخوّة و نحوهما، و المراد بنفوذه إلزام المقرّ و أخذه بإقراره بالنسبة إلى ما عليه؛ من وجوب إنفاق و حرمة نكاح أو مشاركته معه في إرث أو وقف و نحو ذلك. و أمّا ثبوت النسب بينهما بحيث يترتّب جميع آثاره ففيه تفصيل؛ و هو أنّه إن كان الإقرار بالولد و كان صغيرا غير بالغ، يثبت به ذلك إن لم يكذّبه الحسّ و العادة- كالإقرار ببنوّة من يقاربه في السنّ بما لم يجر العادة بتولّده من مثله- و لا الشرع- كإقراره ببنوّة من كان ملتحقا بغيره من جهة الفراش و نحوه- و لم ينازعه فيه منازع، فينفذ إقراره و يترتّب عليه جميع آثاره و يتعدّى إلى أنسابهما، فيثبت به كون ولد المقرّ به حفيدا للمقرّ، و ولد المقرّ أخا للمقرّ به و أبيه جدّه، و يقع التوارث بينهما، و كذا بين أنسابهما بعضهم مع بعض. و كذا الحال لو كان كبيرا و صدّق المقرّ مع الشروط المزبورة.

و

إن كان الإقرار بغير الولد و إن كان ولد الولد، فإن كان المقرّ به كبيرا و صدّقه، أو صغيرا و صدّقه بعد بلوغه، مع إمكان صدقه عقلا و شرعا، يتوارثان إن لم يكن لهما وارث معلوم محقّق، و لا يتعدّى التوارث إلى غيرهما من أنسابهما حتّى أولادهما، و مع عدم التصادق أو وجود وارث محقّق غير مصدّق له، لا يثبت بينهما النسب الموجب للتوارث إلّا بالبيّنة (1).

______________________________

(1) الدليل على عدم اختصاص نفوذ الإقرار بالإقرار بالمال، إطلاق دليل القاعدة، حيث لم يقع فيه التقييد بالمال، و عليه يكون من الأقارير النافذة الإقرار بالنسب؛ كالبنوّة و الاخوّة و مثلهما بالنسبة إلى ما يعدّ ضررا على المقرّ؛ من وجوب الإنفاق و حرمة النكاح، أو المشاركة مع المقرّ في إرث أو وقف و نحو ذلك.

و أمّا ثبوت النسب بينهما بحيث يترتّب عليه جميع آثار النسب، فقد فصّل فيه في

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 463

..........

______________________________

المتن، و ملخّصه: أنّه إن كان الإقرار بالولد و كان صغيرا غير بالغ يثبت به ذلك إن لم يكذّبه الحسّ و الوجدان، كما إذا أقرّ من له ستّة عشر سنة بولديّة من له عشر سنوات مثلا، فإنّه لا يمكن أن يتحقّق ذلك عادة و إن لم يكن ملتحقا بغيره من جهة الفراش مثلا.

و يمكن المناقشة فيه خصوصا بالإضافة إلى مثل زماننا الذي يوجد فيه الزوجان العقيمان و لو في طول سنوات متعدّدة، و يريدان أن يتّخذا ولدا من غيرهما و يربّيانه و يجعلانه ولدا لهما، كما يوجد لذلك بعض المؤسّسات الممهّدة لمثل هذه الامور، فإنّ صرف إقرار أحد بولديّة صغير- و الأمر هكذا- كيف يوجب ثبوت النسب، و من

الممكن أنّ الإقرار بذلك كان لأجل ثبوت النسب، مع أنّ الأمر لا يكون كذلك، و في الحقيقة أنّ الإقرار بالولدية بنفسها إقرار بنفع المقرّ لا بضرره، و إن أغمضنا النظر عن ترتّب الأحكام الثابتة على الولدية نفعا أو ضررا.

نعم، لو كان الولد كبيرا و صدّق المقرّ في الإقرار بولديّته له مع رعاية الأمر المذكور- و هو عدم تكذيب الحسّ و العادة- يثبت به الولدية و يترتّب عليها جميع آثارها، بشرط أن لا تعدو عنهما و ألّا يجري احتمال التباني مع عدم ثبوت النسب في الواقع، إلّا أن يكونا عادلين، حيث إنّه بذلك يثبت البيّنة على الولدية و يترتّب عليها جميع الآثار و الأحكام.

و إن كان الإقرار بغير الولد و إن كان ولد الولد، فإن كان المقرّ به كبيرا و صدّقه في ذلك، أو صغيرا و صدّقه بعد بلوغه، مع إمكان الصدق عقلا و شرعا يتوارثان، و في المتن إن لم يكن لهما وارث معلوم محقّق، و لا يتعدّى التوارث إلى غيرهما من أنسابهما حتّى أولادهما لما ذكرنا، و مع عدم التصادق أو وجود وارث محقّق معلوم غير مصدّق له، لا يثبت بينهما النسب الموجب للتوارث إلّا مع البيّنة، و الوجه فيه واضح.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، در يك جلد، مركز فقه ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1425 ه ق

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...؛ ص: 464

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 464

[مسألة 18: لو أقرّ بولد صغير فثبت نسبه، ثمّ بلغ فأنكر]

مسألة 18: لو أقرّ بولد صغير فثبت نسبه، ثمّ بلغ فأنكر لم يلتفت إلى إنكاره (1).

[مسألة 19: لو أقرّ أحد ولدي الميّت بولد آخر له و أنكر الآخر لم يثبت نسب المقرّ به]

مسألة 19: لو أقرّ أحد ولدي الميّت بولد آخر له و أنكر الآخر لم يثبت نسب المقرّ به، فيأخذ المنكر نصف التركة، و المقرّ ثلثها بمقتضى إقراره، و المقرّ به سدسها، و هو تكملة نصيب المقرّ، و قد تنقص بسبب إقراره (2).

[مسألة 20: لو كان للميّت إخوة و زوجة فأقرّت بولد له،]

مسألة 20: لو كان للميّت إخوة و زوجة فأقرّت بولد له، كان لها الثمن

______________________________

(1) قد عرفت الإشكال في ثبوت النسبية بذلك، و لو كان المقرّ به صغيرا. نعم، على تقدير الثبوت لا مجال للإنكار بعد البلوغ، كما أنّه لا يحتاج إلى التصديق بعده، فتدبّر جيّدا.

(2) لو كان للميّت ولدان مسلّمان و أقرّ أحدهما بولد ثالث و أنكر الآخر، لا يثبت نسب المقرّ به بمجرّد ذلك، فيأخذ المنكر نصف التركة و المقرّ ثلثها بمقتضى إقراره الذي يلازم عدم استحقاق الزائد على الثلث، و يبقى السدس- الذي كان سهم المقرّ أيضا على تقدير عدم الإنكار- للمقرّ به، و في الحقيقة هي تكملة نصيب المقرّ، و في المتن: و قد تنقص بسبب إقراره، و الظاهر أنّ مورد كلامه فيما إذا كانت زوجة الميّت موجودة، فإنّ لها الثمن و لو لم تكن أمّا لولديه أو أولاده، فإنّه في هذه الصورة لا بدّ من دفع الثمن إلى الزوجة، و ما يبقى للمقرّ له أنقص من السدس، من دون فرق بين ما لو كان الولدان بنتين أو ابنين أو مع الاختلاف، و كذا الولد المقرّ له، و لكن يبعّده أنّ النقصان حينئذ مستند إلى وجود الزوجة لا مسبّب عن الإقرار.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 465

و الباقي للولد إن صدّقها الإخوة، و إن أنكروا كان لهم ثلاثة أرباع، و للزوجة الثمن، و باقي حصّتها

للولد (1).

[مسألة 21: لو مات صبي مجهول النسب فأقرّ شخص ببنوّته، فمع إمكانه و عدم منازع له يثبت نسبه]

مسألة 21: لو مات صبي مجهول النسب فأقرّ شخص ببنوّته، فمع إمكانه و عدم منازع له يثبت نسبه و كان ميراثه له (2).

[مسألة 22: لو أقرّ الورثة بأسرهم بدين على الميّت أو بشي ء من ماله للغير]

مسألة 22: لو أقرّ الورثة بأسرهم بدين على الميّت أو بشي ء من ماله للغير

______________________________

(1) لو كان للميّت إخوة و زوجة، فأقرّت بولد له من نفسها أو من غيرها المتوفّاة مثلا، كان لها الثمن على أيّ تقدير، فإن صدّقها الإخوة في الإقرار بالولد يصير الوارث منحصرا بالزوجة و الولد المقرّ له، و الإخوة لا يرثون لعدم إرثهم مع وجود الولد، كما هو المقرّر في طبقات الإرث و مراتب الورّاث، و إن لم يصدّقوا الزوجة في الإقرار بالولد كان للإخوة ثلاثة أرباع، كما إذا فرض كونهم أبوينيّا أو لأب فقط، و الربع الباقي للزوجة باعتقادهم؛ لأنّها زوجة غير ذات الولد و حصّتها الربع، لكن مع إقرارها بوجود الولد للميّت لا تستحقّ أزيد من الثمن، و باقي حصّتها للولد المقرّ له، و في الحقيقة يقع النقصان في سهمها فقط على ما هو مقتضى قاعدة الإقرار و نفوذه، كما هو ظاهر.

(2) قد مرّ منّا الإشكال في ثبوت نسب الصبي بالإقرار؛ لأنّه ليس إقرارا على المقرّ، بل قد يكون بنفسه نفعا، مثل ما لو أراد المقرّ أن يكون له ولد و ليس له غير ذلك، و لا فرق في ذلك بين صورة حياة الصبي و موته؛ لأنّه يمكن أن يكون مقصوده في صورة الموت إثبات عدم كونه عقيما و يترتّب عليه بعض الآثار، و في الفرض المذكور في المتن من ثبوت ميراثه له يكون أسوأ، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 466

كان مقبولا، و لو أقرّ بعضهم و أنكر بعض،

فإن أقرّ اثنان و كانا عدلين ثبت الدّين على الميّت، و كذا العين للمقرّ له بشهادتهما. و إن لم يكونا عدلين أو كان المقرّ واحدا نفذ إقرار المقرّ في حقّ نفسه خاصّة، و يؤخذ منه من الدّين الذي أقرّ به مثلا بنسبة نصيبه من التركة، فإذا كانت التركة مائة و نصيب كلّ من الوارثين خمسين، فأقرّ أحدهما لأجنبيّ بخمسين و كذّبه الآخر، أخذ المقرّ له من نصيب المقرّ خمسة و عشرين. و كذا الحال فيما إذا أقرّ بعض الورثة بأنّ الميّت أوصى لأجنبيّ بشي ء و أنكر الآخر، فإنّه نافذ بالنسبة إليه لا غيره (1).

______________________________

(1) لو أقرّ تمام الورثة بدين على عهدة الميّت، أو بشي ء من أعيان التركة للغير يكون هذا الإقرار مقبولا، من دون فرق بين صورة عدالة الجميع أو عدم العدالة أو الاختلاف؛ لعدم مدخلية العدالة في مفاد القاعدة، و الأمر لا يعدوهم. و إن أقرّ بعض و أنكر بعض، فإن كان المقرّ اثنين عادلين يتحقّق البيّنة و يثبت الدّين عليه و العين لغيره، و إن لم يكن المقرّ كذلك؛ بأن كان واحدا، أو كانا غير عدلين أحدهما أو كلاهما، نفذ الإقرار في حقّ نفس المقرّ بالنسبة و بالإضافة، كالمثال المذكور في المتن، و هكذا الأمر بالإضافة إلى العين.

و كذا فيما إذا ورد الإقرار و الإنكار في الإيصاء للأجنبي بشي ء، فإنّه ينفذ بالنسبة إلى حقّ المقرّ إذا كانت الوصية من الثلث أو زائدا عليه، و ادّعى المقرّ إجازة الجميع و أنكر الآخر الإيصاء أو إجازة نفسه، فتدبّر جيّدا.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 467

[كتاب الهبة]

اشارة

كتاب الهبة

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 469

[الهبة]

و هي تمليك عين مجّانا و من غير عوض، و هذا هو المعنى الأعمّ منها. و أمّا المصطلح في مقابل أخواتها فيحتاج إلى قيود مخرجة، و الأمر سهل، و قد يعبّر عنها بالعطيّة و النحلة؛ و هي عقد يفتقر إلى إيجاب بكلّ لفظ دلّ على المقصود، مثل «وهبتك» أو «ملّكتك» أو «هذا لك» و نحو ذلك، و قبول بما دلّ على الرضا. و لا يعتبر فيه العربيّة، و الأقوى وقوعها بالمعاطاة بتسليم العين و تسلّمها بعنوانها (1).

______________________________

(1) الهبة التي يعبّر عنها بالعطية و النحلة عبارة عن تمليك عين مجّانا و بلا عوض، و هذا هو المعنى الأعمّ منها الشامل للصدقة التي يعتبر فيها قصد القربة، و لغيرها من أخواتها التي يعتبر في كلّ واحدة منها خصوصية زائدة. و أمّا إضافة التمليك إلى العين، فسيأتي في المسألة الثانية إن شاء اللّه تعالى أنّ تمليك المنافع لا يعدّ هبة، بل لا تصحّ بهذا العنوان، بل لا بدّ من الصلح و نحوه. و هي عقد يحتاج إلى الإيجاب و القبول، و يكفي في كلّ منهما ما يدلّ على المقصود و لو كان بغير العربية، بل لا يحتاج إلى اللفظ، و يجزئ فيها المعاطاة بتسليم العين بعنوان الهبة و تسلّمها كذلك.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 470

[مسائل الهبة]

[مسألة 1: يشترط في كلّ من الواهب و الموهوب له القابل: البلوغ و العقل و القصد و الاختيار.]

مسألة 1: يشترط في كلّ من الواهب و الموهوب له القابل: البلوغ و العقل و القصد و الاختيار. نعم، يصحّ قبول الولي عن المولّى عليه الموهوب له. و في الموهوب له أن يكون قابلا لتملّك العين الموهوبة، فلا تصحّ هبة المصحف للكافر. و في الواهب كونه مالكا لها، فلا تصحّ هبة مال الغير إلّا بإذنه أو إجازته،

و عدم الحجر عليه بسفه أو فلس، و تصحّ من المريض بمرض الموت و إن زاد على الثلث (1).

[مسألة 2: يشترط في الموهوب أن يكون عينا، فلا تصحّ هبة المنافع.]

مسألة 2: يشترط في الموهوب أن يكون عينا، فلا تصحّ هبة المنافع. و أمّا الدّين، فإن كانت لمن عليه الحقّ صحّت بلا إشكال، و يعتبر فيها القبول على الأقوى، و أفادت فائدة الإبراء و ليست به، فإنّها تمليك يحتاج إلى القبول و يترتّب عليها السقوط، و هو إسقاط لما في الذمّة. و إن كانت لغير من عليه الحقّ

______________________________

(1) يعتبر في كلّ من الواهب الموجب و الموهوب له القابل: البلوغ و العقل و القصد و الاختيار كما في سائر العقود. نعم، فيما إذا كان الموهوب له صغيرا كالولد جديد الولادة المتعارف في زماننا إهداء الهدايا إليه يصحّ قبول الولي عن المولّى عليه، خصوصا إذا كان غير قابل للقبول، كأوائل ولادته. و يعتبر في الموهوب له أن يكون قابلا لتملّك العين الموهوبة، فلا تصحّ هبة المصحف للكافر أو العبد المسلم له. و يعتبر في الواهب كونه مالكا للعين الموهوبة، فلا تصحّ هبة مال الغير إلّا مع الإذن و الإجازة. و كذا يعتبر عدم المحجوريّة لسفه أو مرض. و أمّا المريض بمرض الموت فقد تقدّم حكم منجّزاته التبرّعية في كتاب الحجر «1»، و تصحّ هبة الصغير بإذن الولي إذا كانت فيها المصلحة.

______________________________

(1) تقدّم في ص 338- 346.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 471

فالأقوى صحّتها أيضا، و يكون قبض الموهوب بقبض مصداقه (1).

______________________________

(1) يشترط في الموهوب كما في المتن أن يكون عينا، فلا تصحّ هبة المنافع، و لكن ذكر السيّد في الملحقات أنّه يمكن أن يقال بصحّة هبة المنافع و هبة الحقوق القابلة للنقل و

إن لم تكن من الهبة المصطلحة و لم تشمله أخبار الباب؛ لكفاية العمومات في صحّتها «1».

أقول: لعلّ المنافع كانت أولى من الدّين الذي على عهدة الغير؛ سواء كانت لمن عليه الحقّ أو لغير من عليه الحقّ؛ لوجودها في الخارج و إن كانت تدريجيّة، بخلاف الدّين.

و أمّا الدّين فقد حكم في المتن بصحّة هبته مطلقا، غاية الأمر الافتقار إلى القبول، و حينئذ فإن كانت لمن عليه الحقّ فبعد قبول المديون يترتّب عليها فائدة الإبراء و ليست به، فإنّها عقد يحتاج إلى الإيجاب الدالّ على التمليك، و القبول الدالّ على التملّك. و أمّا الإبراء فحقيقته إسقاط ما في الذمّة، كأنّه لم يثبت من أوّل الأمر و لا يحتاج إلى القبول؛ لأنّ أقلّ آثار الحقّ جواز إسقاطه و تحقّق السقوط بعده بلا حاجة إلى القبول.

و إن كانت هبة الدّين لغير من عليه الحقّ، كما إذا وهب دينه الذي على زيد لعمرو مثلا، فلا مانع من صحّتها، غاية الأمر أنّ القبض الذي هو شرط في صحّته على المشهور «2»- بل ادّعى الإجماع عليه كما عن التذكرة «3» و الإيضاح «4»- يتحقّق بقبض

______________________________

(1) ملحقات العروة الوثقى: 2/ 163 مسألة 12.

(2) الحدائق الناضرة: 22/ 309، جواهر الكلام: 28/ 166 نقلا من إيضاح النافع، محقات العروة الوثقى: 2/ 163 مسألة 13.

(3) تذكرة الفقهاء: 2/ 417 (طبع الحجري).

(4) إيضاح الفوائد: 2/ 412.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 472

[مسألة 3: يشترط في صحّة الهبة قبض الموهوب له و لو في غير مجلس العقد]

مسألة 3: يشترط في صحّة الهبة قبض الموهوب له و لو في غير مجلس العقد، و يشترط في صحّة القبض كونه بإذن الواهب على الأحوط. نعم، لو وهب ما كان في يد الموهوب له صحّ، و لا يحتاج إلى

قبض جديد، و لا مضيّ زمان يمكن فيه القبض. و كذا لو كان الواهب وليّا على الموهوب له- كالأب و الجدّ للولد الصغير- و قد وهبه ما في يده صحّ، و إن كان الأحوط أن يقصد القبض عنه بعد الهبة. و لو وهبه غير الوليّ فلا بدّ من القبض، و يتولّاه الوليّ (1).

______________________________

الموهوب له مصداق الموهوب، يعني بقبض الدّين ممّن الذي عليه بقصد أداء الدّين، كما لا يخفى.

فهذا القبض يترتّب عليه أثران:

أحدهما: تعيّن الدّين به.

ثانيهما: تحقّق شرط صحّة الهبة على ما ذكر.

(1) قد وقع الاختلاف في أنّ القبض شرط في صحّة الهبة كما هو المشهور، بل ادّعى الإجماع عليه كما عرفت، أو في لزومها كما عن جماعة «1»، و قد وردت في هذا المجال روايات مختلفة بحسب الظاهر.

أمّا الروايات الدالّة على المشهور فهي كثيرة:

منها: رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الهبة لا تكون أبدا هبة حتّى يقبضها، و الصدقة جائزة عليه، الحديث «2»، و دلالتها على اشتراط صحّة الهبة

______________________________

(1) المقنعة: 658، المبسوط: 3/ 303، السرائر: 3/ 173، المهذّب: 2/ 95، الوسيلة: 378.

(2) تهذيب الأحكام: 9/ 159 ح 654، الاستبصار: 4/ 107 ح 407، و عنهما الوسائل: 19/ 234، كتاب الهبات ب 4 ح 7.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 473

..........

______________________________

بالقبض ظاهرة؛ لدلالتها على كون القبض شرطا في الماهيّة، و احتمال كون المراد مدخلية القبض في أبديّة الهبة و دوامها و لزومها خلاف الظاهر.

و منها: موثّقة داود بن الحصين، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الهبة و النحلة ما لم تقبض حتّى يموت صاحبها، قال: هي ميراث، فإن كان لصبيّ في حجره فأشهد عليه فهو

جائز «1». و لعلّ دلالتها على الشرطية في الصحّة أظهر من الرواية السابقة.

و مثلها مرسلة أبان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: النحل و الهبة ما لم تقبض حتّى يموت صاحبها، قال: هي بمنزلة الميراث، و إن كان لصبيّ في حجره و أشهد عليه فهو جائز «2».

و أمّا ما يدلّ على قول الجماعة في مقابل المشهور فهي:

صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض، قسّمت أو لم تقسّم، و النحل لا يجوز حتّى تقبض، و إنّما أراد الناس ذلك فأخطئوا «3». قال في الوسائل: و لعلّ معنى آخر الحديث: أنّ الناس أحدثوا لفظ الصدقة و استعملوه في الهبة و النحلة مع عدم قصد القربة فأخطئوا.

و خبر عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا تصدّق الرجل بصدقة أو هبة قبضها صاحبها أو لم يقبضها، علمت أو لم تعلم فهي جائزة «4».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 9/ 157 ح 648، الاستبصار: 4/ 107 ح 409، و عنهما الوسائل: 19/ 235، كتاب الهبات ب 5 ح 2.

(2) تهذيب الأحكام: 9/ 155 ح 637، و عنه الوسائل: 19/ 232، كتاب الهبات ب 4 ح 1.

(3) تهذيب الأحكام: 9/ 156 ح 641، الاستبصار: 4/ 110 ح 422، معاني الأخبار: 392 ح 38، و عنها الوسائل: 19/ 233، كتاب الهبات ب 4 ح 4.

(4) تهذيب الأحكام: 9/ 156 ح 640، الاستبصار: 4/ 110 ح 421، و عنهما الوسائل: 19/ 232، كتاب الهبات ب 4 ح 3.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 474

[مسألة 4: القبض في الهبة كالقبض في البيع]

مسألة 4: القبض في الهبة كالقبض في البيع، و هو في غير

المنقول- كالدار و البستان- التخلية برفع يده عنه و رفع المنافيات بحيث يصير تحت استيلائه، و في المنقول الاستيلاء و الاستقلال عليه باليد أو ما هو بمنزلته؛ كوضعه في حجره مثلا (1).

______________________________

و اورد عليهما بأنّ مقتضاهما عدم شرطية القبض أصلا لا كونه شرطا في اللزوم، مع أنّ ظاهرهم الإجماع على الشرطية، و اختلافهم إنّما هو في أنّه شرط في الصحّة أو اللزوم، و أيضا الفرق بين الهبة و النحلة خلاف الإجماع، و قد صرّحوا بجواز الهبة بعد القبض أيضا إلّا في بعض الموارد، كالهبة إلى ذي الرحم «1».

و العمدة أنّه بعد فرض التعارض لا بدّ من العمل على طبق الطائفة الاولى لموافقتها للشهرة المحقّقة، و قد تكرّر منّا أنّها أولى المرجّحات.

ثمّ إنّه استثني صورتين من صور اشتراط القبض:

إحداهما: ما إذا كان المال الموهوب في يد الموهوب له، فإنّه لا مجال لدعوى اعتبار القبض هنا و لا مضيّ زمان يمكن فيه القبض؛ لتحقّقه على ما هو المفروض.

ثانيتهما: ما لو كان الواهب وليّا على الموهوب؛ كالأب للصغير و الجدّ له، و قد وهبه ما في يده، فإنّه لا معنى لاعتبار القبض هنا بعد كون اللازم قبض الولي و هو حاصل. و من هنا يظهر أنّه لو كان الواهب غير الوليّ يحتاج إلى قبضه، كما لا يخفى.

(1) لا اختلاف في حقيقة القبض بين المقام و بين سائر العقود، أعمّ ممّا يعتبر فيها القبض مطلقا، أو في المجلس و غيره.

______________________________

(1) انظر ملحقات العروة الوثقى: 2/ 163- 164.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 475

[مسألة 5: يجوز هبة المشاع]

مسألة 5: يجوز هبة المشاع؛ لإمكان قبضه و لو بقبض المجموع بإذن الشريك، أو بتوكيل المتّهب إيّاه في قبض الحصّة الموهوبة

عنه، بل الظاهر تحقّق القبض الذي هو شرط الصحّة في المشاع باستيلاء المتّهب عليه من دون إذن الشريك أيضا، و يترتّب عليه الأثر و إن كان تعدّيا بالنسبة إليه في بعض الصور (1).

______________________________

(1) تجوز هبة المشاع؛ لأنّ المشاعية لا تخرجه عن العينيّة المعتبرة في الهبة، فإنّ الكسور المشاعة لا تكون أمرا آخر وراء العين، فالنصف مثلا عين خارجيّة و إن كان مبهما أو كلّيا في المعيّن.

و قد استدلّ على جواز هبة المشاع- مضافا إلى الإجماع «1» و صحيحة أبي بصير المتقدّمة- بصحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن دار لم تقسّم فتصدّق بعض أهل الدار بنصيبه من الدار، فقال: يجوز، قلت: أ رأيت إن كان هبة؟

قال: يجوز «2».

و كيف كان، لا إشكال في جواز تعلّق الهبة بالمشاع، إنّما الإشكال في كيفيّة القبض المعتبر في الصحّة على ما ذكرنا. و في المتن إمكان قبض المشاع و لو بقبض المجموع بإذن الشريك، أو بتوكيل المتّهب إيّاه في قبض الهبة الموهوبة عنه، بل استظهر تحقّق القبض باستيلاء المتّهب عليه من دون إذن الشريك أيضا، كما في المنقولات، و يترتّب عليه الأثر و إن كان تعدّيا بالنسبة إليه في بعض الصور، و الظاهر أنّ المراد من بعض الصور ما لم يأذن له الشريك في القبض، و الظاهر

______________________________

(1) غنية النزوع: 301، نهج الحقّ و كشف الصدق: 510، تذكرة الفقهاء: 2/ 415- 416 (طبع الحجري)، ملحقات العروة الوثقى: 2/ 167 مسألة 21.

(2) التهذيب: 9/ 133 ح 564، و عنه الوسائل: 19/ 194، كتاب الهبات ب 9 ح 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 476

[مسألة 6: لا تعتبر الفورية في القبض و لا كونه في مجلس العقد]

مسألة 6: لا تعتبر الفورية في القبض

و لا كونه في مجلس العقد، فيجوز فيه التراخي عن العقد و لو بزمان كثير، و لو تراخى يحصل الانتقال من حينه، فالنماء السابق على القبض للواهب (1).

[مسألة 7: لو مات الواهب بعد العقد و قبل القبض بطل العقد و انتقل الموهوب إلى ورثته]

مسألة 7: لو مات الواهب بعد العقد و قبل القبض بطل العقد و انتقل الموهوب إلى ورثته، و لا يقومون مقامه في الإقباض، و كذا لو مات الموهوب له بطل، و لا يقومون ورثته مقامه في القبض (2).

______________________________

الكفاية و لو كان حراما؛ لأنّ النهي لم يتعلّق بركن المعاملة، حتّى يقال بأنّ النهي المتعلّق بالمعاملة أيضا يقتضي فسادها، بل بأمر خارج عن المعاملة؛ و هو التصرّف في مال الشريك بغير إذنه.

(1) لعدم الدليل على الفورية و لا على كونه في مجلس العقد، كما في بعض أنواع البيع، فيجوز فيه التراخي عن العقد و لو بزمان كثير، كالإجازة في عقد الفضولي، غاية الأمر أنّه مع تحقّق التراخي يحصل الانتقال بعد القبض؛ لعدم تماميّة شرط الصحّة قبلها كالإجازة بناء على النقل، و عليه فالنماء المتوسّط بين الهبة و القبض للواهب، كما لا يخفى.

(2) الوجه في البطلان بموت الواهب بعد العقد و قبل القبض ما عرفت من شرطية القبض في صحّة الهبة، فلا يمكن أن تتّصف بالصحّة قبل القبض، و قد عرفت أنّ الانتقال و التمليك إنّما يتحقّق بالقبض، كالإجازة في الفضولي بناء على النقل. و أمّا الروايتان المتقدّمتان الدالّتان على الصحّة قبل القبض فقد عرفت أنّهما غير معمول بهما؛ لمخالفتهما لفتوى المشهور، و عليه فلا يقومون مقامه في الإقباض،

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 477

[مسألة 8: إذا تمّت الهبة بالقبض]

مسألة 8: إذا تمّت الهبة بالقبض، فإن كانت لذي رحم- أبا كان أو امّا أو ولدا أو غيرهم- لم يكن للواهب الرجوع في هبته، و إن كانت لأجنبي كان له الرجوع فيها ما دامت العين باقية، فإن تلفت كلّا أو بعضا بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها

عرفا فلا رجوع. و الأقوى أنّ الزوج و الزوجة بحكم الأجنبي، و الأحوط عدم الرجوع في هبتهما للآخر. و كذا لا رجوع إن عوّض المتّهب عنها و لو كان يسيرا؛ من غير فرق بين ما كان إعطاء العوض لأجل اشتراطه في الهبة، و بين غيره؛ بأن أطلق العقد لكن المتّهب أثاب الواهب و أعطاه العوض. و كذا لا رجوع فيها لو قصد الواهب فيها القربة إلى اللّه تعالى (1).

______________________________

و يظهر ممّا ذكر أنّه لو مات الموهوب له قبل القبض تكون الهبة باطلة، و لا فرق في ذلك بين سبق الإذن في الإقباض و عدمه؛ لأنّ مجرّد الإذن لا يكفي في تحقّق القبض، و لا يقومون مقامه في القبض كما في الإقباض، فتدبّر.

هذا بناء على القول بالشرطيّة في الصحّة، و أمّا على القول بمدخلية القبض في اللزوم، فالبطلان بموت أحدهما محلّ إشكال.

(1) في هذه المسألة فروع:

الفرع الأوّل: إذا كانت الهبة المتّصفة بثبوت القبض فيها لذي رحم؛ أبا كان أو امّا أو ولدا أو غيرهم، و في المتن لم يكن للواهب الرجوع في هبته، و الأخبار الواردة في هذا المجال مختلفة، فنقول:- بعد بيان أنّ مقتضى القاعدة من العموم و الاستصحاب عدم جواز الرجوع؛ لأنّه مقتضى عموم «أوفوا بالعقود» «1» و المفروض التماميّة بالقبض، و كذا مقتضى استصحاب ملكية المتّهب بعد رجوع

______________________________

(1) سورة المائدة: 5/ 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 478

..........

______________________________

الواهب بقاء ملكيّته- يدلّ على اللزوم مثل:

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث قال: الهبة و النحلة يرجع فيها صاحبها إن شاء حيزت أو لم تحز، إلّا لذي رحم فإنّه لا يرجع فيها «1».

و رواية عبد

الرحمن بن أبي عبد اللّه و عبد اللّه بن سليمان جميعا قالا: سألنا أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يهب الهبة أ يرجع فيها إن شاء أم لا؟ فقال: تجوز الهبة لذوي القرابة، و الذي يثاب عن هبته و يرجع في غير ذلك إن شاء «2».

و من الواضح أنّ المراد بقوله عليه السّلام: «تجوز» هو اللزوم و النفوذ؛ لمقابلته مع جواز الرجوع.

و أمّا ما يدلّ على عدم اللزوم فمثل:

رواية داود بن الحصين، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته هل لأحد أن يرجع في صدقة أو هبة؟ قال: أمّا ما تصدّق به للّه فلا، و أمّا الهبة و النحلة فإنّه يرجع فيها حازها أو لم يحزها و إن كانت لذي قرابة «3».

و إطلاق صحيحة جميل و الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع، و إلّا فليس له «4». فإنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين

______________________________

(1) الكافي: 7/ 31 ح 7، تهذيب الأحكام: 9/ 156 ح 643، و ص 135 ح 569، الاستبصار: 4/ 108 ح 410، و ص 101 ح 387، و عنها الوسائل: 19/ 237، كتاب الهبات ب 6 ح 2.

(2) تهذيب الأحكام: 9/ 155 ح 636، الاستبصار: 4/ 108/ ح 414، و عنهما الوسائل: 19/ 237، كتاب الهبات ب 6 ح 1.

(3) تهذيب الأحكام: 9/ 157 ح 645 و ص 155 ح 637، الاستبصار: 4/ 106 ح 404، و عنهما الوسائل: 19/ 238، كتاب الهبات ب 6 ح 3.

(4) الكافي: 7/ 32 ح 11، تهذيب الأحكام: 9/ 153 ح 627، الاستبصار: 4/ 108 ح 412، و عنها الوسائل: 19/ 241، كتاب الهبات

ب 8 ح 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 479

..........

______________________________

الرحم و غيره.

و كذا إطلاق رواية المعلّى بن خنيس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: هل لأحد أن يرجع في صدقته أو هبته؟ قال: أمّا ما تصدّق به للّه فلا «1».

و كذا إطلاق مفهوم صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا عوّض صاحب الهبة فليس له أن يرجع «2».

و يرد على هذه الطائفة- مضافا إلى ما قرّرنا في محلّه من عدم ثبوت المفهوم رأسا، و لو في القضية الشرطية، و إلى أنّ الإطلاق صالح للتقييد و قابل له- أنّ استناد المشهور إلى الطائفة الاولى «3» يوجب ترجيحها على هذه الطائفة.

بقي في هذا الفرع أمران لا بدّ من التنبيه عليهما:

الأمر الأوّل: المراد بذي الرحم من ينسب إليه عرفا، قريبا أو بعيدا، وارثا كان أو لا، و لا يختصّ بمن يحرم نكاحه كما قيل «4»، فيشمل الأبوين و الأولاد و الإخوة، من دون فرق بين المذكّر و المؤنّث، و يدلّ عليه- مضافا إلى فهم العرف، خصوصا مع التعبير ب «ذي القرابة» كما عرفت في بعض الروايات- رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: نسخت من كتاب بخطّ أبي الحسن عليه السّلام: رجل أوصى لقرابته بألف درهم و له قرابة من قبل أبيه و أمّه ما حدّ القرابة، يعطي من كان بينه

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 9/ 158 ح 651، الاستبصار: 4/ 107 ح 406، و عنهما الوسائل: 19/ 238، كتاب الهبات ب 6 ح 4.

(2) الكافي: 7/ 33 ح 19، تهذيب الأحكام: 9/ 154 ح 632، الاستبصار: 4/ 108 ح 413، و عنها الوسائل: 19/ 242،

كتاب الهبات ب 9 ح 1.

(3) يراجع ملحقات العروة الوثقى: 2/ 171، و رياض المسائل: 9/ 388- 389.

(4) حكاه في الرياض: 9/ 391، و لعلّ مراده أبو حنيفة. الانتصار: 460، المبسوط للسرخسي: 12/ 49 و 54- 56، بدائع الصنائع: 5/ 190.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 480

..........

______________________________

و بينه قرابة، أو لها حدّ ينتهي إليه؟ فرأيك فدتك نفسي. فكتب: إن لم يسمّ أعطاها قرابته «1».

و المراد منه ظاهرا أنّه لم يعيّن حدّا و أبقى عنوان القرابة على إطلاقه؛ يعطي من كان بينه و بينه قرابة، فالمرجع هو العرف.

الأمر الثاني: أنّه لا فرق بين كبار الأولاد و صغارهم؛ لأنّ كلّهم ذوو قرابة، فما عن الشيخ في المبسوط من الفرق بين كبار الأولاد و صغارهم و تخصيص عدم جواز الرجوع بالصغار «2»، فالظاهر أنّ مراده صورة قبل القبض الذي له مدخلية في صحّة الهبة كما عرفت «3»، فالتفصيل ناظر إلى حصول القبض قهرا، كما يؤيّده التعبير في بعض الروايات المتقدّمة بأنّه «في حجره»، و عدم حصول القبض في قبض الكبير إلّا بقبض نفسه أو وكيله مثلا، و كذا لا فرق بين الولد و ولد الولد الذكور و الإناث، و خلاف المرتضى شاذ و إن حكي عنه الإجماع «4» عليه على عكس الواقع، فتدبّر.

الفرع الثاني: جواز الرجوع في هبة غير ذي الرحم مع فرض القبض إذا كانت العين باقية، فإذا تلفت كلّا أو بعضا بحيث يصدق معه عدم قيام العين عرفا فلا رجوع، و الدليل عليه صحيحة جميل و الحلبي المتقدّمة، و لا فرق بين التلف السماوي أو إتلاف المتّهب أو الأجنبي، و هذا بالنسبة إلى تلف الجميع واضح. و أمّا

______________________________

(1) تهذيب الأحكام:

9/ 215 ح 848، قرب الإسناد: 388 ح 1362، و عنه الوسائل: 19/ 401، كتاب الوصايا ب 68 ح 1.

(2) المبسوط: 3/ 309- 310.

(3) في ص 472- 473.

(4) الانتصار: 460.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 481

..........

______________________________

بالنسبة إلى تلف البعض، فالظاهر أنّ الأمر يدور مدار قيام العين عند العرف و عدمه، و لا ينحصر ظاهرا عدم قيام العين بعينها بصورة التلف، بل يشمل مثل طحن الحنطة و خياطة الثوب و صبغه.

الفرع الثالث: هبة الزوج للزوجة و بالعكس، و قد قوّى فيهما أنّهما كالأجنبي و إن احتاط استحبابا بعدم الرجوع، و لكن قوّى السيّد في الملحقات عدم جواز الرجوع، مستندا إلى صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: و لا يرجع الرجل فيما يهب لامرأته، و لا المرأة فيما تهب لزوجها، حيز أو لم يحز؛ لأنّ اللّه تعالى يقول: وَ لٰا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّٰا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً «1» و قال: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً «2»، و هذا يدخل في الصداق و الهبة «3» «4».

و لكنّ المشهور أو الأكثر على الجواز مع الكراهة «5»، و يدلّ عليه صحيحة محمّد ابن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام أنّه سئل عن رجل كانت له جارية فآذته امرأته فيها فقال: هي عليك صدقة؟ فقال: إن كان قال ذلك للّه فليمضها و إن لم يقل فله أن يرجع إن شاء فيها «6».

______________________________

(1) سورة البقرة: 2/ 229.

(2) سورة النساء: 4/ 4.

(3) تهذيب الأحكام: 9/ 152 ح 624، الاستبصار: 4/ 110 ح 423، الكافي: 7/ 30 ح 3، و عنها الوسائل: 19/ 239، كتاب الهبات ب 7 ح 1.

(4)

ملحقات العروة الوثقى: 2/ 171- 172.

(5) رياض المسائل: 9/ 392، مفاتيح الشرائع: 3/ 204، ملحقات العروة الوثقى: 2/ 172.

(6) الكافي: 7/ 32 ح 12، تهذيب الأحكام: 9/ 151 ح 617 و ص 154 ح 628، و عنهما الوسائل: 19/ 209، كتاب الوقوف و الصدقات ب 13 ح 1.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 482

..........

______________________________

و لكن ذكر السيّد قدّس سرّه أنّها لا تقاوم الصحيحة السابقة؛ لاحتمال كون المراد أنّه إذا قصد الصدقة و لم يقل للّه فله الرجوع، حيث إنّها مشروطة بقصد القربة لا أن يكون المراد الهبة «1». و أنت خبير ببعد هذا الاحتمال و ظهور الرواية في التفصيل بين الصدقة و الهبة، و عليه فالصحيحتان متعارضتان، و الشهرة مع الثانية، فيؤخذ بها و يحكم بمجرّد الكراهة.

ثمّ الظاهر أنّه لا فرق في الزوجة بين الدائمة و المنقطعة و المدخول بها و غيره، بل و المطلّقة الرجعية التي هي زوجة.

الفرع الرابع: أنّه لا يجوز الرجوع في الهبة المعوّضة، و المراد منها الأعمّ ممّا اشترط فيها العوض، أو عوّض المتّهب من دون اشتراط، بل إثابة و جزاء، و يدلّ عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا عوّض صاحب الهبة فليس له أن يرجع «2».

و كلمة «صاحب» يمكن أن تقرأ مضمومة، و عليه يرجع إلى اشتراط العوض، و أن تقرأ مفتوحة، و عليه يكون المراد الإثابة و الجزاء.

و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه و عبد اللّه بن سليمان المتقدّمة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: تجوز الهبة لذوي القرابة، و الذي يثاب عن هبته و يرجع في غير ذلك إن شاء. و المراد

بكلمة «تجوز» بقرينة المقابلة: تنفذ و تلزم.

ثمّ إنّه يمكن أن يقال بعدم جواز التصرّف في المال الموهوب قبل أن يفي بالشرط، نظرا إلى رواية قاسم بن سليمان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يهب الجارية

______________________________

(1) ملحقات العروة الوثقى: 2/ 172.

(2) تقدّمت في ص 479.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 483

[مسألة 9: يلحق بالتلف التصرّف الناقل كالبيع و الهبة]

مسألة 9: يلحق بالتلف التصرّف الناقل كالبيع و الهبة، أو المغيّر للعين بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها، كالحنطة يطحنها، و الدقيق يخبزه، و الثوب يفصّله أو يصبغه و نحوها، دون غير المغيّر، كالثوب يلبسه، و الفراش يفرشه، و الدابّة يركبها أو يعلفها أو يسقيها و نحوها. و من الأوّل على الظاهر الامتزاج الرافع للامتياز، و من الثاني قصارة الثوب (1).

______________________________

على أن يثاب فلا يثاب، أله أن يرجع فيها؟ قال: نعم إن كان شرط عليه، قلت:

أ رأيت إن وهبها له و لم يثبه أله أن يطأها أم لا؟ قال: نعم إذا كان لم يشترط عليه حين وهبها «1». و ربما احتمل أنّ المراد البناء على عدم الإثابة، لا مطلق عدم الإثابة و من المعلوم أنّه خلاف الظاهر كما لا يخفى.

الفرع الخامس: أنّه لا يجوز الرجوع فيما إذا كان الواهب قاصدا للقربة، و قد استدلّ على عدم الجواز في هذه الصورة بأنّه إمّا أن يدخل في عنوان الصدقة، و إمّا لعموم ما دلّ على أنّ من أعطى للّه أو في اللّه شيئا فليس له أن يرجع فيه، كما في جملة من الروايات التي تقدّمت بعضها، أو لأنّها مع قصد القربة يستحقّ الواهب الثواب و يصير ذلك عوضا، فيدخل في الهبة المعوّضة التي عرفت عدم جواز الرجوع

فيها.

(1) لا إشكال في عدم صدق قيام العين في صورة التلف، و يلحق بالتلف التصرّف الناقل، كالبيع و الهبة، أو المغيّر للعين بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها، كالأمثلة المذكورة في المتن، و في فرض التصرّف أقوال:

أحدها: عدم جواز الرجوع مطلقا أيّ تصرّف كان، و قد نسب ذلك إلى أكثر

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: 9/ 154 ح 633، و عنه الوسائل: 19/ 242، كتاب الهبات ب 9 ح 2.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 484

[مسألة 10: فيما جاز للواهب الرجوع في هبته لا فرق بين الكلّ و البعض]

مسألة 10: فيما جاز للواهب الرجوع في هبته لا فرق بين الكلّ و البعض، فلو وهب شيئين لأجنبيّ بعقد واحد يجوز له الرجوع في أحدهما، بل لو وهبه شيئا واحدا يجوز له الرجوع في بعضه مشاعا أو مفروزا (1).

[مسألة 11: الهبة إمّا معوّضة أو غير معوّضة]

مسألة 11: الهبة إمّا معوّضة أو غير معوّضة، فالمراد بالاولى ما شرط فيها

______________________________

المتأخّرين «1» بل المشهور «2».

ثانيها: جواز الرجوع الثابت قبل التصرّف مطلقا.

ثالثها: التفصيل بين مثل البيع و الصلح و الهبة من التصرّفات الناقلة للملك و إن كانت جائزة، و مثل الطحن و الخياطة و نحوهما ممّا يكون مغيّرا للصورة، و بين ما لا يكون كذلك كالسكنى و ركوب الدابّة.

و المستند الوحيد في المسألة هي صحيحة جميل و الحلبي المتقدّمة «3»، الدالّة على جواز الرجوع إذا كانت العين الموهوبة قائمة بعينها، و عدمه مع عدم كونها كذلك، و من الظاهر دلالتها على القول الثالث، بل احتمل إرجاع القولين الآخرين إلى هذا القول، نظرا إلى أنّه من البعيد عدم جواز الرجوع بمجرّد ركوب الدابّة، كما أنّه من المستبعد جدّا جواز الرجوع مع التصرّف الناقل، خصوصا إذا كان لازما كالبيع و نحوه. ثمّ إنّ الظاهر أنّ الامتزاج الدافع للامتياز يكون من مصاديق عدم قيام العين، كما أنّ قصارة الثوب عكس ذلك.

(1) الوجه في المسألة الاشتراك في دليل الجواز، من دون فرق بين الكلّ و البعض، و كذا بين المشاع و المفروز.

______________________________

(1) مسالك الأفهام: 6/ 33، الحدائق الناضرة: 22/ 335، رياض المسائل: 9/ 397.

(2) جواهر الكلام: 27/ 186- 187.

(3) في ص 478.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 485

الثواب و العوض و إن لم يعط العوض، أو عوّض عنها و إن لم يشترط فيها العوض

(1).

[مسألة 12: لو وهب و أطلق لم يلزم على المتّهب إعطاء الثواب و العوض]

مسألة 12: لو وهب و أطلق لم يلزم على المتّهب إعطاء الثواب و العوض؛ سواء كانت من الأدنى للأعلى أو العكس، أو من المساوي للمساوي و إن كان الأولى بل الأحوط في الصورة الاولى إعطاؤه، و لو أعطى العوض لم يجب على الواهب قبوله، و إن قبل و أخذ لزمت الهبة و لم يكن لواحد منهما الرجوع فيما أعطاه (2).

[مسألة 13: لو اشترط الواهب في هبته على المتّهب إعطاء العوض]

مسألة 13: لو اشترط الواهب في هبته على المتّهب إعطاء العوض؛ بأن يهبه شيئا مكافأتا و ثوابا لهبته، و وقع منه القبول على ما اشترط و قبض الموهوب، يتخيّر بين ردّ الهبة و دفع العوض، و الأحوط دفعه، فإن دفع لزمت الهبة الاولى

______________________________

(1) قد مرّ في بعض المسائل المتقدّمة أنّ الهبة المعوّضة أعمّ ممّا اشترط فيها العوض، أو عوّض عنها و لو مع عدم الاشتراط، و المقصود هنا أنّ القسم الأوّل أعمّ ممّا إذا أعطى المتّهب العوض المشروط، أو لم يعط.

(2) لو كانت الهبة مطلقة غير مشروط فيها العوض، لا يجب على المتّهب إعطاء الثواب و العوض؛ من دون فرق بين الأقسام المذكورة في المتن. نعم، فيما إذا كانت الهبة من الأدنى للأعلى جعل الأولى بل الأحوط إعطاء العوض نظرا إلى اقتضاء الأدنائيّة ذلك، و لو أعطى المتّهب العوض لم يجب على الواهب قبوله؛ لأنّه لا دليل على وجوب قبوله للهبة. نعم، لو فرض قبوله و أخذه تلزم الهبة من كلا الطرفين و لا يكون لواحد الرجوع. نعم، مقتضى بعض الروايات المتقدّمة أنّ مجرّد الإثابة من قبل المتّهب يوجب عدم جواز الرجوع، و لكن الظاهر أنّ المراد ما ذكرنا.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 486

على الواهب، و إلّا فله الرجوع

فيها (1).

[مسألة 14: لو عيّن العوض في الهبة المشروط فيها العوض تعيّن]

مسألة 14: لو عيّن العوض في الهبة المشروط فيها العوض تعيّن، و يلزم على المتّهب على فرض عدم ردّ أصل الهبة بذل ما عيّن. و لو أطلق؛ بأن شرط عليه أن يثيب و يعوّض و لم يعيّن العوض، فإن اتّفقا على قدر فذاك، و إلّا فالأحوط أن يعوّض مقدار الموهوب مثلا أو قيمة، و أحوط منه تعويضه بأكثر، خصوصا إذا كان الواهب أدنى من الموهوب له (2).

______________________________

(1) لو اشترط الواهب العوض و قبل المتّهب كذلك و قبض الموهوب لا يلزم عليه شي ء، بل يتخيّر بين ردّ الهبة و دفع العوض، لكن مقتضى الاحتياط الاستحبابي مع القبول كذلك دفع العوض، و مع الدفع و قبول الواهب و أخذه تلزم الهبة الاولى، و بدونه يجوز للواهب الرجوع في هبته مع الشرط المتقدّم، فتدبّر.

(2) في المسألة فرضان:

الأوّل: ما لو عيّن العوض في الهبة المشروط فيها العوض، و في هذا الفرض يتعيّن العوض، و اللازم على المتّهب على فرض قبول الهبة بذل ما عيّن لفرض التعيين.

الثاني: ما لو أطلق الهبة المشروط فيها العوض؛ بأن شرط عليه أن يثيب و يعوّض و لم يعيّن العوض، ففيما إذا اتّفقا على قدر فذاك، و إلّا فجعل مقتضى الاحتياط الوجوبي أن يعوّض مقدار الموهوب مثلا أو قيمة، و جعل الأحوط منه التعويض بالأكثر، خصوصا إذا كان الواهب أدنى من الموهوب له.

هذا، و يمكن أن يقال: إنّ المستفاد من الروايات الواردة في هذا المجال المتقدّمة كلّا أو جلّا، أنّ الملاك في عدم جواز الرجوع للواهب مطلق الثواب و لو كان قليلا،

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 487

[مسألة 15: الظاهر أنّه لا يعتبر في الهبة المشروط فيها العوض أن يكون التعويض المشروط بعنوان الهبة]

مسألة 15: الظاهر أنّه لا يعتبر في الهبة المشروط فيها العوض أن

يكون التعويض المشروط بعنوان الهبة؛ بأن يشترط على المتّهب أن يهبه شيئا، بل يجوز أن يكون بعنوان الصلح عن شي ء؛ بأن يشترط عليه أن يصالحه عن مال أو حقّ، فإذا صالحه عنه و تحقّق منه القبول فقد عوّضه و لم يكن له الرجوع في هبته. و كذا يجوز أن يكون إبراء من حقّ أو إيقاع عمل له، كخياطة ثوبه أو صياغة خاتمه و نحو ذلك، فإذا أبرأه منه أو عمل له فقد عوّضه (1).

[مسألة 16: لو رجع الواهب في هبته فيما جاز له]

مسألة 16: لو رجع الواهب في هبته فيما جاز له، و كان في الموهوب نماء منفصل حدث بعد العقد و القبض- كالثمرة و الحمل و الولد و اللبن في الضرع- كان من مال المتّهب، و لا يرجع إلى الواهب، بخلاف المتّصل كالسمن، فإنّه يرجع إليه، و يحتمل أن يكون ذلك مانعا عن الرجوع؛ لعدم كون الموهوب معه قائما بعينه، بل لا يخلو من قوّة، بل الظاهر أنّ حصول الثمرة و الحمل و الولد أيضا من ذلك، فلا يجوز معها الرجوع. نعم، اللبن في الضرع و اجرة البيت و الحمّام

______________________________

لا بمقدار الموهب، إلّا أن يقال: إنّ المنصرف بل المتبادر من كلمة الثواب هي المماثلة أو الأكثرية، فتدبّر جيّدا.

(1) استظهر في هذه المسألة أنّه لا يلزم في الهبة المشروط فيها العوض أن يكون العوض بعنوان الهبة، بل يجوز أن يكون بعنوان الصلح عن شي ء، أو بعنوان الإبراء من حقّ أو إيقاع عمل منه، كالمثالين المذكورين في المتن، غاية الأمر لزوم تحقّق القبول من الواهب إلّا في مسألة الإبراء التي لا حاجة فيها إلى القبول ظاهرا، و الدليل على أصل المطلب إطلاق التعويض الوارد في الرواية، فإنّ العوض لا ينحصر بالهبة من جانب المتّهب،

بل يشمل مثل الموارد المذكورة.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 488

سيّما اجرة المثل- لو غصبهما غاصب ليست منه، فتكون بعد الرجوع للمتّهب (1).

[مسألة 17: لو مات الواهب بعد إقباض الموهوب لزمت الهبة]

مسألة 17: لو مات الواهب بعد إقباض الموهوب لزمت الهبة و إن كانت لأجنبيّ و لم تكن معوّضة، و ليس لورثته الرجوع. و كذلك لو مات الموهوب له، فينقل الموهوب إلى ورثته انتقالا لازما (2).

______________________________

(1) لو رجع الواهب في هبته في الموارد التي يجوز له الرجوع فيها، و كان في الموهوب نماء لم يكن حال الهبة، فإن كان النماء منفصلا حادثا بعد العقد و القبض الذي هو شرط صحّته- كالأمثلة المذكورة في المتن- فكلّها من مال المتّهب- و لا ربط لها بالواهب- للحدوث في ملكه، و الفسخ إنّما يؤثّر من حينه لا من أصل العقد. و إن كان النماء متّصلا كالسمن، فإنّه يرجع إلى الواهب تبعا، و يحتمل الشركة بين الواهب و المتّهب بنسبة السمن، فتدبّر.

و احتمل في المتن بل نفى خلوّه عن القوّة أن يكون النماء المذكور مانعا عن أصل جواز الرجوع؛ لعدم كون الموهوب معه قائما بعينه، بل استظهر أنّ حصول الثمرة و الحمل و الولد أيضا من ذلك، فلا يجوز الرجوع معها للدليل المذكور، و لكنّه مشكل؛ لأنّ صيرورتها سببا لعدم قيام العين محلّ إشكال؛ لأنّه في مقابل التلف أو ما بحكمه ممّا عرفت، لا في مقابل ما ذكر، و استدرك اللبن في الضرع و اجرة البيت و الحمّام- سيّما اجرة المثل- لو غصبهما غاصب، فإنّها ليست منه، بل هي بعد الرجوع للمتّهب الذي كان مالكا.

(2) لو مات الواهب بعد تماميّة الهبة و إقباض الموهوب لزمت الهبة و إن كانت لغير ذي رحم و

لم تكن معوّضة، وفاقا لجماعة من أجلّاء الفقهاء «1»، و ليس لورثته

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 408، إيضاح الفوائد: 2/ 419، القواعد و الفوائد: 2/ 285، جامع المقاصد: 9/ 169، جامع الشتات: 4/ 169- 171.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 489

[مسألة 18: لو باع الواهب العين الموهوبة]

مسألة 18: لو باع الواهب العين الموهوبة، فإن كانت الهبة لازمة- بأن كانت لذي رحم، أو معوّضة، أو قصد بها القربة، أو خرجت العين عن كونها قائمة بعينها- يقع البيع فضوليا، فإن أجاز المتّهب صحّ. و إن كانت غير لازمة فالظاهر صحّة البيع و وقوعه من الواهب، و كان رجوعا في الهبة. هذا إذا كان ملتفتا إلى هبته، و إلّا ففي كونه رجوعا قهرا تأمّل و إشكال، فلا يترك الاحتياط (1).

______________________________

حقّ الرجوع كحقّ الخيار الذي ينتقل إلى الورثة؛ لأنّ الفرق بين المقامين هو الفرق بين الحقّ و الحكم، و كذا لو مات المتّهب كذلك تلزم الهبة و ليس للواهب الرجوع إلى ورثته؛ لأنّه- مضافا إلى إمكان أن يقال بعدم قيام العين بعد الانتقال إلى الوارث- يكون القدر المتيقّن في مقابل أدلّة اللزوم و أصالته هو الرجوع إلى نفس المتّهب دون ورثته.

(1) لو باع الواهب العين الموهوبة، فإن كانت الهبة لازمة كما في الموارد المتقدّمة المذكورة في المتن، فالظاهر صحّة البيع بعنوان الفضولي، و يكون من مصاديق ما إذا باع الفضولي مال الغير لنفسه، و قد تقرّر في محلّه أنّه صحيح، و لكن يقع للمالك الذي يكون هو المتّهب في المقام في صورة الإجازة. و إن كانت الهبة غير لازمة، كما في غير الموارد المذكورة، فتارة: يقع البيع من الواهب لنفسه مع الالتفات إلى الهبة و التوجّه إلى كون المبيع

موهوبا قبل البيع، غاية الأمر أنّ الهبة لا تكون لازمة كما هو المفروض، و اخرى: يقع منه البيع مع عدم الالتفات إلى ذلك، ففي الصورة الاولى يكون البيع رجوعا في الهبة و واقعا لنفس الواهب؛ لعدم إمكان وقوع البيع له مع بقاء الهبة و عدم الرجوع فيها، و الفرض جواز الرجوع، و في الصورة الثانية

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 490

[مسألة 19: الرجوع: إمّا بالقول، كأن يقول: «رجعت» و ما يفيد معناه، و إمّا بالفعل]

مسألة 19: الرجوع: إمّا بالقول، كأن يقول: «رجعت» و ما يفيد معناه، و إمّا بالفعل، كاسترداد العين و أخذها من يد المتّهب، و من ذلك بيعها، بل و إجارتها و رهنها إن كان بقصد الرجوع (1).

[مسألة 20: لا يشترط في الرجوع اطّلاع المتّهب]

مسألة 20: لا يشترط في الرجوع اطّلاع المتّهب، فلو أنشأه من غير اطلاعه صحّ (2).

______________________________

قد تأمّل في المتن و استشكل في تحقّق الرجوع قهرا مع عدم الالتفات إلى الهبة أصلا، و تخيّل كونه مالا لنفسه لم يهبه لغيره، و الأمر كذلك، فلا يترك الاحتياط بالتصالح، و نظير ذلك بيع ذي الخيار المال المنتقل منه إلى الغير مع عدم التوجّه حال البيع إلى الانتقال و الخيار.

(1) كما أنّ الهبة قد تتحقّق بالعقد المشتمل على الإيجاب و القبول اللفظيّين، و قد تتحقّق بالمعاطاة؛ بأن أعطى الواهب العين الموهوبة إلى المتّهب بقصد الهبة و إنشائها، كذلك الرجوع في الهبة الجائزة قد يقع بالقول؛ كأن يقول: رجعت و ما يفيد معناه، و قد يقع بالفعل كاسترداد العين الموهوبة و أخذها من يد المتّهب بقصد الرجوع، و من هذا القبيل البيع أو الإجارة أو الرهن مع الشرط المذكور؛ و هو قصد الرجوع.

(2) لا يشترط في الرجوع اطلاع المتّهب، فلو أنشأه من غير اطلاعه لا يخلّ ذلك بالرجوع، كالرجوع في باب الطلاق، حيث إنّه لا يشترط في صحّة أصل الرجوع اطلاع المطلّقة، فلو علمت بعد العدّة برجوع زوجها في العدّة صحّ و لا يتوقّف على الاطّلاع، و هذا بخلاف باب الوكالة، حيث إنّ انعزال الوكيل يتوقّف

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 491

[مسألة 21: يستحبّ العطية للأرحام الذين أمر اللّه تعالى أكيدا بصلتهم، و نهى شديدا عن قطيعتهم]

مسألة 21: يستحبّ العطية للأرحام الذين أمر اللّه تعالى أكيدا بصلتهم، و نهى شديدا عن قطيعتهم، فعن مولانا الباقر عليه السّلام قال: في كتاب عليّ عليه السّلام: ثلاث خصال لا يموت صاحبهنّ أبدا حتّى يرى و بالهنّ: البغي، و قطيعة الرحم، و اليمين الكاذبة يبارز اللّه بها، و إنّ أعجل الطاعة ثوابا لصلة

الرحم، و إنّ القوم ليكونون فجّارا فيتواصلون فتنمى أموالهم و يثرون، و إنّ اليمين الكاذبة و قطيعة الرحم لتذران الدّيار بلاقع من أهلها و تنقلان الرحم، و إنّ نقل الرّحم انقطاع النسل «1».

و أولى بذلك الوالدان اللذان أمر اللّه تعالى ببرّهما «2»، فعن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

إنّ رجلا أتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه أوصني، فقال: لا تشرك باللّه شيئا و إن حرّقت بالنار و عذّبت إلّا و قلبك مطمئنّ بالإيمان، و والديك فأطعهما و برّهما حيّين كانا أو ميّتين، و إن أمراك أن تخرج من أهلك و مالك فافعل، فإنّ ذلك من الإيمان «3».

و أولى من الكلّ الامّ التي يتأكّد برّها وصلتها أزيد من الأب، فعن الصادق عليه السّلام: جاء رجل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه من أبرّ؟ قال: أمّك قال: ثمّ إلى من؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟

قال: أباك «4».

______________________________

على بلوغ الخبر إليه، كما تقدّم في كتاب الوكالة «5».

______________________________

(1) الكافي: 2/ 347 ح 4، و عنه البحار: 74/ 134 ح 104.

(2) سورة الإسراء: 17/ 23- 24.

(3) الكافي: 2/ 158 ح 2.

(4) الكافي: 2/ 159 ح 9.

(5) في ص 431.

تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، ص: 492

و الأخبار في هذه المعاني كثيرة فلتطلب من مظانّها. (1) «1»

[مسألة 22: يجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطية على كراهية]

مسألة 22: يجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطية على كراهية، و ربما يحرم إذا كان سببا لإثارة الفتنة و الشحناء و البغضاء المؤدّية إلى الفساد، كما أنّه ربما يرجّح فيما إذا يؤمن من الفساد، و يكون لبعضهم خصوصيّة موجبة لأولويّة رعايته (2).

______________________________

(1)

(2) الحكم في

المسألتين و كذا دليله واضح لا يحتاج إلى بيان زائد على ما افيد في المتن.

تمّ بحمد اللّه شرح كتاب الهبة المسمّى بتفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة للإمام الراحل الخميني قدّس سرّه الشريف، و أعلى اللّه تعالى درجته، في غرّة شهر صفر الخير 1422 من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف الثناء و التحيّة، و أنا الأقلّ الفاني محمّد الفاضل اللنكراني عفي عنه و عن والديه.

______________________________

(1) الكافي: 2/ 150- 163.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة - المضاربة، الشركة، المزارعة، المساقاة، الدين و...، در يك جلد، مركز فقه ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1425 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.